الشرق الاوسط الكبير..رمال متحركة |
|
الشرق الأوسط الجديد ...رمال متحركة
بقلم : محمد فلاح الزعبي
بات من الواضح أن "العجز" هو العنوان الأكبر لرؤى السياسة الخارجية الأميركية لحل مشاكل الشرق الأوسط، أو بالأحرى لتحقيق الحد الأقصى من المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة! وهو العنوان الأبرز للرؤى الداخلية أيضا، والتي تعنى بالأساس بإبقاء الوضع الراهن، وليس تخيل واستشراف واقع أفضل مغاير؛ إذ لا توجد قوة أو دولة تستطيع منفردة السيطرة لزمن طويل على السياسات والمجتمعات العربية، أو الشرق الأوسط الكبير كما يحلو لأدبيات السياسة الخارجية الأميركية تسميته هذه الأيام، والتي هي بدورها مازالت عاجزة حتى الآن عن فهم هذه الحقيقة الصعبة، وغير قادرة بالتالي على تحويلها إلى سياسات يمكن أن تحمي مصالح أميركا في المنطقة كما تتصورها! وهو ما يؤكد ماذهب اليه معظم المحللين المتنورين الى الجزم بان الولايات المتحدة باتت تعيش ازمة خانقة نتج عنها الكثير من الارهاصات والارباك في سياساتها مماجعلها تغوص عميقا في رمال الشرق الاوسط سواءا الجديد او الكبير .حيث اصبحت هذه المصطلحات مجرد اسماء لواقع واحد مما اضفى على امريكا صفة يمكن تسجيلها كبراءة اختراع سياسية , وهي انها عندما لا تستطيع تغيير الواقع والمسميات تلجا الى تغيير الاسماء لاعادة تسويقها للشعوب المغلوبة على امرها .
مفهوم الشرق الاوسط الجديد ليس ابتكارا امريكيا خالصا انما مر بالكثير من التحولات في الاسم والمسمى ... ولكن لهدف واحد هو السيطرة والاحتلال ونهب خيرات الشرق الاوسط .
ومنذ سقوط الدولة العثمانية ارتبط هذا المفهوم بالرؤية الاستراتيجية لمصالح الدول الاستعمارية ,وبتصورها لاعادة صياغة وتركيب المنطقة ,جامعة بين الجغرافيا والسياسة لتشكيل مقهوم الشرق الاوسط ,حيث لم تكن دلالاته الجغرافية مستقرة لصالح الاتساع والضيق حسب المصالح الاستعمارية والرغبة في تفتيت الامة العربية والاسلامية .
وقد اصبح معلوما ان تعريف الشرق الاوسط غير خاضع للتاريخ او الجغرافيا وانما للاحتياجات السياسية الاستراتيجية والعسكرية للاستعمار الغربي عموما والامريكي خصوصا,وهو ما بدات الحكومة الامريكية الاعداد له منذ عام 1995م ,كما ذكرت وثائق وزارة الدفاع الامريكية والكونجرس في مارس/1995م حيث اختزلت الاستراتيجات للعقدين اللاحقين في ضمان تدفق البترول وبسعر مناسب وضمان حرية الملاحة والالتزام بامن اسرائيل وتفوقها النوعي على الدول العربية .
هذه الاستراتيجيات تطمح في ابعد الحدود الى نفي كل ما يقال عن الدائرة او الامة العربية, خاصة في ظل ربط المشرق بتركيا وايران والعديد من دول آسيا , وفصل المشرق العربي عن المغرب العربي ,والتقسيم للوحدات القطرية الموجودة باسم الفوارق العرقية والدينية , وفي الوقت ذاته دمج اسرائيل كامر واقع , بل وكجزء رئيسي في هذا التقسيم السياسي العسكري .
ولم يعد خافيا على احد ان استراتيجيات الدولة العبرية اضحت هي المحرك الاساسي للاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط واكبر دليل ان (اسرائيل) هي صاحبة فكرة (الشرق الأوسط الكبير)، إذ طرح شمعون بيرس هذه الفكرة، وعلى أساسها جاءت مشاركة الحكومات (الاسرائيلية) في مؤتمرات السلام . وقد أرادت من فكرة (الشرق الأوسط)، تحقيق تكامل اقتصادي بين بلدان المنطقة، وتكون (اسرائيل) جزء منها، بحيث تكون القوة الفاعلة في هذه المنظومة الاقتصادية التي تقوم على فكرة "الاقتصاد الحر"، و"تحرير التجارة" بين الأطراف المشاركة، وبهذا تتفوق (اسرائيل) نظرا لما تتمتع به من قوة عسكرية وعلمية، وخبرة في شؤون الاقتصاد العالمي الحر.
طرح اسرائيل لمبادرة الشرق الاوسط الكبير جاءت كهدية رديئة مغلفة بورق فاخر فبعد فشل (اتفاقيات كامب ديفيد) بين مصر و(اسرائيل)، و(اتفاق أوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية و(اسرائيل)، و(وادي عربة) بين الأردن و(اسرائيل)، في دمج اسرائيل مع الدول العربي بدأ الحديث عن (الشرق الأوسط الكبير) بهدف إدماج (اسرائيل) في بناء المنطقة، وتم عقد عدة مؤتمرات باسم (الشرق الأوسط) في العواصم العربية، شاركت فيها (اسرائيل)، وعرضت عشرات المشروعات الاقتصادية المقترح تشغيلها في البلدان العربية.جاءت هذه المبادرات بهدف دمج إسرائيل في المنطقة من جهة، وجعلها تلعب دوراً مركزياً من جهة ثانية، وستكون بمثابة القلب له، لذلك تهدف هذه المشاريع إلى إيجاد إسرائيل العظمى ذات الاقتصاد القوي وذات الجيش المبني على أحدث التطوّرات التكنولوجية، والتي ستقود الشرق الأوسط الجديد، وستشيع الديموقراطية فيه حسب أوهام المشاريع الأمريكية.
ولكن هيهات......
فها هي امبراطورية الشر تتهاوى ,, وبدات امواجها تتكسر على صخور حركات المقاومة في كل مكان من الشرق الاوسط وبالتفاف شعبي كبير في لبنان وفلسطين , وها هي تغوص شيئا فشيئا في رمال العراق وافغانستان المتحركة وهي اكبر الشواهد على تهاوي الامبراطورية الامريكية الوهمية .
ان استهتار الولايات المتحدة بالشرعية الدولية في الحرب على العراق اعتبر نقلة نوعية ، أنذرت بانهيار الروادع الدولية، وفقدان أي أهمية للاتفاقات والمواثيق التي تتعلق بالعلاقات بين الشعوب والأمم، ووضعت السياسة الأميركية في مواجهة العالم ككل، كسياسة أنانية ورعناء، ما أوصلها إلى طريق مسدودة، وأكره البيت الأبيض على مراجعة حساباته؛ ليس تجاه دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن فقط، ولكن تجاه الحلفاء الأوروبيين أيضاً، بدليل إذعانه ووضع الشؤون العراقية تحت وصاية الأمم المتحدة، والتفاته إلى إشراك الدول الثماني الكبرى في مناقشة مشروع الشرق الأوسط الكبير وتبنيه، ثم رعاية دور عالمي متكامل من الأزمة اللبنانية وملحقاتها، كالمحكمة الدولية ونتائج الحرب الإسرائيلية، والأهم هو الصبر الأميركي اللافت في التعامل مع ملف إيران النووي، وعدم الانجرار وراء الاستفزازات أو اتخاذ خطوات أحادية قد تؤدي إلى انقسام العالم، ما قد يمنح إيران في المقابل فرصة ثمينة لاختراق الحصار ما كانت لتحلم بها، الأمر الذي يشجع على القول إن السياسة الأميركية اتسمت بـ"طولة البال"، إن صحت العبارة، تجاه خطاب القيادة الإيرانية الحاد والتصعيدي، ونجحت في التوصل إلى صيغة جماعية لفرض عقوبات على هذا البلد، جنباً إلى جنب مع ما أظهرته من سعة صدر في التعاطي مع أزمات أخرى في كوريا والسودان وغيرها.
ومن خلال كل هذه الارهاصات العالمية بدت ملامح تغير نسبي في رؤى النخبة السياسية في الولايات المتحدة، لضرورة الاستعداد لمرحلة جديدة من "توازن القوى" في الشرق الأوسط والعالم، فمازالت الولايات المتحدة تبدو عاجزة عن الفهم، أو تقديم مبادرات متوازنة تحل المشاكل بعيدة المدى ولا تتركز فقط على المشاكل الآنية،
بحيث يبدو أن أميركا ستغادر المنطقة، التي تعودت على دفن الغرباء و"مبادراتهم" في رمالها المتحركة، من دون أن تستوعب الدرس.
يا مارقون وان يطل ليل الاسى فالفجر قادم
نحن الذين على الأسى يخضر يابسهم وتنتشر الحمائم