خطبة التسولي في التحريض على الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي
حكمة الاسبوع :
ـــــــــــ
توجهت الحملة الفرنسية لاحتلال الجزائر عام 1245هـ ، ودخلها من منطقة سيدي فرج 14 كيلو غرب العاصمة ، حتى وقعت العاصمة في أيديهم عام 1246هـ .
وكان من علماء ذلك الزمان الشيخ الجليل علي بن عبد السلام التسولي ، وقد قال في كتابه أجوبة التسولي على أسئلة الأمير عبدا لقادر في الجهاد ص 256
" ولما استولى الكافر ـ دمره الله ـ على ثغر الجزائر ـ أعاد الله دار إسلام ـ في المحرم 1246هـ ، لفقت خطبة مشتملة على التحريض على الاستعداد ، وعلى بعض أحكام الجهاد ، وخطبت بها ـ بعد ذلك ـ في بعض البلاد ، خروجها من عهدة قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا ظهرت البدع وسكت العالم فعليه لعنة الله والعباد ، من عهدة قوله تعالــــى ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) ومن عهدة قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ) ، الموجب ذلك كله ، لطرد الكاتم والإبعاد ، وامتثالا لقوله تعالى ـ في كتابه الكريم ـ ( وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ) ، ولقوله تعالى ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم ما أخرجه أحمد والطبراني إن المجاهد يجاهد بسيفه ولسانه ، وقوله عليه الصلاة والسلام ، فيما أخرجه السمرقندي : إن أول من يدخل الجنة سرا ، والناس في الحساب مـــن أمر بالجهاد وحرض عليه ، وهكذا أيضا رواه في شفاء الصدور .( لم أجد هذا الحديث )
وعن علي رضي الله عنه قال : من حرض أخاه على الجهاد ، كان له أجره ، وكان له في كل خطوة في ذلك عبادة سنة ( لم أجد هذا الأثر أيضا ) ، والمأثور عنهم في ذلك : لا يحويه ديوان ، ولا يحصره زمام الأذهان ، وكيف والدين كجسم ، والجهاد منه بمنزلة الرأس من الأجساد .
وأثبتها ها هنا لما اشتملت عليه من التحريض ، ونيل الثواب الجزيل في قتال أهل العناد.
نصها : ( الحمد لله، الواحد الأحد المنزه عن الأكفاء ، والأضداد ، المتعالي عن الأشياء ، والشركاء والانداء ، الذي هدى من وفقه إلى طريق الرشاد ، وخذله بعده من أضله فأوجب له الطرد والأبعاد ، نحمده ونشكره على ما أسبغ من النعم ، ورفع من النقم ، وهو سبحانه لمن حمده وشكره كفيل بالازدياد .
ونشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، شهادة ترغم بها أنوف أهل الشرك والارتداد .
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، المبعوث بدلائل الحق ، وقتال أهل العناد ، وعلى آله الأبرار ، وصحابته الأخيار ، الذين يذلوا المجهود في قتال أهل الشرك ، بذلا خارجا عن المعتاد ، صلاة دائمة تقينا به من أهوال يوم الجزاء ، الذي لا ينفع فيه مال ، ولا وداد .
عباد الله : عليكم بتقوى الله ، وأجيبوا داعي الله ،واعلموا أن الله سبحانه ، أيد هذا الدين المحمدي بالجهاد ، ووعد الساعي فيه ، أو في شيء منه إلى سني المراد ، فجعل سبحانه الشهيد بالحياة المحفوفة في برزخ الموت ، بالرزق الجزيل ، وحسن الاستمداد ، فما من ميت مقبول إلا ولا يتمنى العود إلى الدنيا إلا الشهيد ، لما يرى من فضل الشهادة عند ذي العرش الحميد ، فيتمنى : الرجوع إليها ليزداد ، إذ له من الكرامة مالاعين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، يوم العباد .
أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله وقد استشهد أبوه في أحد ، ألا أبشرك ؟ قال : بلى يارسول الله ، قال " إن الله أحيا أباك وأقعده بين يديه ، وقال : تمن على ما شئت أعطيك ؟ قال : يارب ما عبدتك حق عبادتك ، أتمنى ان تردني إلى الدنيا ، أقتل مع نبيك مرة أخرى في الجهاد ، قال : قد سبق مني إنك إليها لا ترد ".
فأعظم به من وصف لا تحصى فضائله ، إذ قدمت على نوافل الخير المعلى نوافله ، عند الرب الرحيم الكريم يوم التناد .
فناهيك بأن للمجاهد مزية لا يدركها غيره ، ولو عبد ألف سنة ، هي حياته المحفوفة بالرزق الجليل طول الآباد .
أخرج بن جرير عن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم أصيب أهل أحد ، أعطاهم الله الشهادة والحياة ، والرزق الطيب ، قالوا : يا ليتنا نبلغ إخواننا : إنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ، وأرضانا ، فقا ل الله تعالى : أنا رسولكم إلى نبينكم ، وإخوانكم ، وأنزل الله ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيــــــــاء .. ) ، ( ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ) .
فبين سبحانه : أنه لانجاة من الموت ، ,لا محيد إلا في قتال أهل الكفر والعناد ، فيالها من مزية ، علت المزايا مراتبها ، ورتبة علت المراتب فضائلها ، فاق بها المجاهد سائر العباد ، وفاز بكريم منابها يوم يقوم الأشهاد ، فلو أراد أحدكم دواء للموت ، لم يجد له إلا فناء نفسه في قتال أهل الكفر والارتداد .
فحرضوا أنفسكم وأشياعكم عليه بقلب وقالب وجازم الاعتقاد ، وأكثروا من الاهبة والنفر إليه ، وبادروا له بغاية الاستعداد ، فإن لم تشغلوهم شغلوكم ، وإن لم تقاتلوهم قاتلوكم ، كيف وهم لكم بالمرصاد ، أولا ترون أنهم نزلوا على من بالقرب منكم ، واستولوا لهم على أعظم الثغور ، وصارت تخلى رعبا منهم ، المنازل والقصور ، ويغتالون لهم الرقاب والاموال والولاد .
فانظروا أيدكم الله لأنفسكم ، فإن فساد الكفر ، لايعدله فساد ، يبث الشرك والتثليث ، وينسخ كلمة التوحيد ، ويمحي اثر قائلها من الأرض والبلاد !
أولا تتيقنون أن الله تعالى أمرنا بالغلظة عليه ، والتقوّى ، وكثرة الاستعداد ؟
أولا تعلمون أن الله تعالى ، وعدنا بالنصر عليهم وهو سبحانه إن وعد بشيء لايخلف الميعاد ؟
قال جل من قائل ( إن تنصروا الله ينصركم ) .
وقال ( وليجدوا فيكم غلظة )
وقال ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة )
وقال ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة )
وقال ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم )
وقال ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) .
وقال ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) .
أي : أحسبتم أن تتركوا فلا تؤمروا بالقتال في الجهاد ، ولاتمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب ، ويتميز كل على الانفراد .
وقال ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) .
أي : لنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالقتال والجهاد ، حتى يتبين الصابر على دينه من غيره ، وتظهر أخباركم للحاضر والباد .
فتنبهوا أيدكم الله : فإنكم بهذه الآيات القرآنية المخاطبون ، وبالأحاديث المصطفية المقصودون ، إذ بيدكم الحل و العقد ، والرعية في طوعكم ، فكيف بأمرها بالجهاد تبخلون ؟ وأنتم خلفاء الله في أرضه ، فكيف على دينه لاتغيرون ؟ أأمنتم مكر الله ( فلايأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) ؟
أأتخذتم عند الله عهدا ، فأنت عليه متوكلون ؟!
أم تعتقدون أن كفاركم اليوم لايقصدونكم بالقتال والجهاد .
أم تقولون : نحن اشتغلنا اليوم بجهاد أنفسنا ورعيتنا ، بالخدمة على الاولاد ؟
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعثه الله مجاهدا ، وفي هذا الغرض الادنى زاهدا ، مقنعا
باليسير ، وهو : يستعد لعدوه الاستعداد الكبير ، فإذا لم يقتدوا به فبمن تقتدون ؟
وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون ؟
وإذا لم تشمروا عن ساق الجد في هذه البرهة ففي أي وقت تشمرون ؟
وإذا لم تستعدوا في هذه الفسحة فمتى تستعدون ؟
أفلا تتذكرون : أن الله تعالى سبحان أمر بالذهاب إليهم ، وقتالهم في أرضهم ، فكيف : إذا قدموا إلى برنا هذا بالغي والفساد ، أم لنا براءة استثنانا الله تعالى بسببها من عموم دعوة العباد ؟
فالجهاد فرض عين على من نزل به عدو الدين ، فإن لم تكن فيهم كفاية ، أو لم تجتمع لهم كلمة : فعلى الذين يلونهم ، فإن لم تكن في الذين يلونهم كفاية ، أو لم تجتمع لهم كلمة ، فعلى الذين يلونهم ، وهكذا إلى أن تحصل الكفاية ، ولو اتصل ذلك من مثل المغرب لبغداد .
وعم ذلك من الآفاق الحاضر والباد .
فأيقظوا أنفسكم من وسن الغفلة ، وانتهزوا من عدو الدين الفرصة ، مادامت معكم فرصة الاستعداد ، قبل أن يتفاقم الهول ، ويحق القول ، ويسد الباب ، ويحق العذاب ، وتسترق بالكفر الرقاب ، ويحصل الفوت بسبب الازدياد ، فإن لم تستعدوا فهم لكم بصدد الاستعداد ، والوقوف لكم بالمرصاد ، ولا تتكلوا على من يخبركم من ضعاف العقول من وفائهم باستمرار العهود ، وعدم نقضهم للميثاق المعقود ، فإن ذلك كله مردود ، إذ لاميثاق ولا عهد لأعداء الدين وأهل الفساد ، كيف ونحن لا نعتبر عهودهم وشهادتهم بالإضافة إليهم ، فكيف نعتبرها بالنسبة إلينا بإجماع أهل العلم والاجتهاد ؟!
جعلني الله وإياكم نمن يقظ فاستيقظ ، ووعظ فاتعظ ، وكان أول من امثتل ، حتى فاز بفضيلة مزية الجهاد. ) انتهت الخطبة الكاتب: التاريخ: 01/01/2007