في عالم السياسة..ثمة قضايا أشبه ما تكون بالمسلّمات..التي بلغ اليقين فيها عند المتلقي مبلغا يجعل من العسير تغيير الفكرة حتى بعد ثبوت الأدلة المضادة..لأن المخزون المتراكم في الذاكرة..كون جبلا ضخما ما زال في تصاعد..إلى أن جبِل الإنسان عليه..والقبول به كبدهية راسخة في اللاشعور .
ومن هذه المسلّمات..جرائم حلبجة الكيماوية..حيث أصبح في حكم اليقين عند عامة الناس أن الجاني هو هذا الشخص الأكثر إجراما!..في العالم..صدام حسين
ولكن..في حالة الحرب..يغدو من الصعب تصديق أي خبر..لمجرد سماعه..خصوصا عندما تكون الآلة الإعلامية مسخرة في يد العدو.. ولقد كان في مصلحة الأمريكان..كما لا يخفى أن تكذب في هذه كما هي عادتها..مع العلم أن هناك من يظن أن أمريكا دولة عظمى..والعظيم لا يكذب..ونسي هؤلاء أن كذبة الكبير تكون بحجمه.. والباحث عن الباعث لدى أمريكا..لن يمكث طويلا في اكتشاف أنها..تحرص على تضخيم حجم
الإجرام الصدامي..كي تخفف الوطأة من وجودها..أما تأشيرة دخولها..فتمثلت في كذبة أسلحة الدمار الشامل.
مجلة الفيلج فويس Village Voice (صوت القرية)الأمريكية في عددها الصادر يوم 1 أيار/مايو 2002 \"معظم الضحايا في حلبجة تسبب بموتهم محلول السيانوجين كلوريد كما بلغنا، ولكن هذا العامل الكيميائي لم يستخدمه العراق يوماً، بل إن إيران هي التي اهتمت به. أما قتلى غاز
الخردل في البلدة فمن المرجح أنهم قضوا بالأسلحة العراقية، لأن إيران لم يلحظ أبداً أنها استخدمت\"
وفي مؤتمر شارك فيه محللون عسكريون..وأعضاء من (CIA) خرج البيان بنتيجة تقول\"وبما أن العراق ليس له سجل في استخدام هذين العنصرين، والإيرانيون لهم سجل من هذا النوع، فإننا نستنتج أن الإيرانيين هم المسؤولون عن هذا الهجوم\".. ويمكن مراجعة النص كاملا..عبر هذا الموقع:-
http://www.fas.org/man/dod-101/
وبعض المحللين المتعاطفين مع النظام العراقي..وانطلاقا من معرفتهم لتواجد قوات إيرانية في منطقة قريبة من الأكراد إبان الحرب العراقية الإيرانية..يفسر العملية بأن هدف العراق كان توجيه ضربة قاصمة لهذه القوات..لا أن الأكراد هم المقصودون..
ويقول \"مركز حلبجة لمناهضة أنفلة وإبادة الشعب الكردي\":\"إننا نناشدكم ومعنا لنجعل\ يوم مأساة(قارنة) يوما لإبادة الكرد في كردستان الشرقية وفي مثل هذا التأريخ من كل عام ندين كافة جرائم جمهورية إيران الاسلامية. كي نعرف العالم بجرائم هذا النظام ولكي نسد
الطريق امام المجرمين كي يقترفوا مثل هذه الجرائم دون عقاب\" ويمكن لكم زيارة موقعهم عبر هذا الرابط
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=8995
وقد ذرف (بول) دموع التماسيح..عندما زار مؤخرا منطقة حلبجة..وقام بوضع النصب التذكاري..والزهور..كي يكسب بهذه الخطوة..بعد ضربة أنصار الإسلام ..التعاطف الكردي وقد سمع كلمات الترحيب من الأكراد..وبالغ في إظهار شيطانية صدام..وملائكية الأمريكان.. الذين جاؤوا للتحرير..والتنوير أيضا!
وكان مما قاله(بول)..كلمة على نمط نظرية نهاية التاريخ:
\"لكن ما أستطيع ان أقوله لكم هو ان ما حدث هنا عام ١٩٨٨ لن يحدث مرة اخرى مطلقا\"
وكانت كلمته أشبه بما يفعله الطبيب النفساني مع المصاب بالمنوخوليا..فبعد أن شخص الجريمة في شخص صدام..أعلن نهاية تاريخ الإجرام..بالقبض على صدام..
وقد يقول قائل..وما بغية إيران..من وراء قصف الأكراد؟
الجواب يتمثل في نقطتين:-
الأول..السيطرة على المنطقة الكردية..أي السيطرة على شمال العراق..وقد كان لإيران ومازال حلفاء خونة..كالطالباني وغيره..يمدونهم بكل ما يلزم إزاء عملية كهذه..ولا يخفى من ناحية عسكرية ما لهذه السيطرة المخطط لها..من تغيير لمسار المعركة
الثاني..محاولة للانتقام من السنة..الذين قاموا التشيع..ومحاولات تصدير الثورة..
ويقول تقرير وزارة الدفاع الأمريكية(عام 1990)..إن العراقيين قاموا بإطلاق غاز الخردل بعدما تبين لهم دخول القوات الإيرانية..
ويجب أن تبقى الحقيقة ماثلة والتي أكدها محللون عسكريون أن محلول السيانوجين الذي تسبب بمقتل خمسة آلاف كردي..لم يكن بحوزة العراق..أصلا..
ومن هنا علينا أن ننشد \"صحوة\" سياسية تاريخية..متزامنة مع الصحوة الإسلامية.. لأن آلة الإعلام المضللة..تنخر في كيان الأمة وهويتها..ولا تضن في سبيل ذلك بأي وسيلة.. وبأي كذبة..والذي لا يفقه واقعه..يبعد أن ينفع الأمة..حتى لو حفظ المتون..وفهم المغني..والمحلى..والمبسوط..والمدونة الكبرى..والأم الكاتب: أبو القاسم المقدسي التاريخ: 01/01/2007