شعار \الديمقراطية \ بين النقد والترويج

 

            بسم الله الرحمن الرحيم 
     شعار الديمقراطية بين النقد والترويج
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد : 
فلا إشكال أن مصطلح الديمقراطية في القاموس السياسي يرتكز على الجانب التشريعي في الديمقراطية كنوع من أنواع الحكم وفحواه عزو التشريع مطلقا للبشر وعزل الدين عن العملية التشريعية في الدولة .. وهو بهذا المعنى مناقض لأصل الديانة لله تعالى والرضى به ربا وحكما بين عباده .
لكن في القاموس الإعلامي وُضع هذا المصطلح بشكل متقابل مع الديكتاتورية وصار قسيما لها في أنماط الحكم فاتسع مدلول الديمقراطية ليتناول مبادئ عامة في علاقة الشعب بالسلطة على رأسها مبدأ الحرية والأمن السياسي والرقابة على السلطة التنفيذية ..فشاع هذا المصطلح على ألسنة الكثيرين بهذه المعاني التي أوحى بها الإعلام من خلال المقابلة بين الديمقراطية والديكتاتورية ! 
ومما زاد المصطلح اتساعا ارتباطه ذهنيا بالنظم الغربية المتقدمة إنسانيا - في علاقة الشعب والسلطة - بالنسبة للنظم المستبدة في الشرق .. فصارت الصورة الذهنية للديمقراطية تعادل الرفاهية المعيشية وسيادة القانون .. الخ . 
وإذا نظرنا إلى المصطلح في طوره الأخير نجده اشتمل - في بعض مدلوله - على معانٍ جاءت بها الشريعة وحثت عليها ومهدت السبل لتحقيقها.. 
فإذا نظرنا إلى المقاصد التي تُقصد بالديمقراطية نحو الحفاظ على كرامة الإنسان وتوفير العدالة القانونية ونحو ذلك نجد أن الشريعة سبقت لتقرير هذه المقاصد - بالجملة مع اختلاف تفصيلي في حقيقة هذه المسميات - بل إن معظم هذه المبادئ مما ينشده البشر بفطرتهم . 
وإذا نظرنا إلى مآلات الحكم الديمقراطي متمثلا بالنماذج الغربية نجد أن كثيرا منها مما تقصده الشريعة وتدعو إليه كتفعيل الرقابة العامة على سلوك الدولة وتوفير الضمانات القانونية والتنفيذية لتحقيق العدل وفتح باب الحريات - بحسب المسمى الشرعي لا الغربي - ..الخ . 
وإذا نظرنا إلى ما في النماذج الديمقراطية من العناية بمبدأ التراضي بين طرفي الحكم :الشعب والسلطة نجد أن هذا التراضي مما طلبته الشريعة ضمنا في مفهوم " البيعة للحاكم " ..
وإذا نظرنا إلى الآلية التي تُدار بها العملية الديمقراطية وما يصحب ذلك من مؤسسات وأجهزة ونُظم إجرائية نجد أن معظم تفصيلات تلك الآلية يدخل في إطار " الوسائل " وقد علمنا أن باب الوسائل في الشريعة مبني على مراعاة المصالح ودرء المفاسد وأن الشريعة لا تمانع من الاستفادة من التجارب البشرية في هذا الباب . 
فنخلص من ذلك إلى أن ما في الديمقراطية من خير فالشريعة إما أنها سبقت إلى تقريره وإما أنها لا تمانع من الاستفادة من التجارب البشرية في تحصيله .. وما في الديمقراطية من شر في جانب التشريع أو المقاصد أو المآلات والآثار فإن الشريعة ترفضه وترده .. 
والأجدر بمن يرفع شعار المطالبة بالديمقراطية قاصدا ما فيها من حق أن يرفع شعار الحكم لله ليحصل له الحق المحض دون أن يتورط بابتلاع شوائب المصطلح وأخلاطه الباطلة .. فلفظ  "الديمقراطية " لفظ يشمل حقا كثيرا كما يشمل باطلا عظيما.
 لكن هذه السعة في مدلول لفظ الديمقراطية - حسب الإطلاق الشائع في الأوساط العامة - يجعلنا نتأنى في محاكمة المتكلم به للقاموس السياسي بدلالته الخاصة الضيقة .. لا سيما إن كان من المناضلين لتحكيم الشريعة المجاهدين لمن أقصاها وعادى أهلها .. 
وهذا لا يمنعنا من رد المصطلح والمنع من ترويجه لما فيه من سموم فكرية وإيحاءات تغريبية ولما في دلالته الخاصة من خطر على أصل الديانة .. فالكلام في نقد المصطلح وتفصيل القول فيما دل عليه مقام .. والنظر في حال المتكلم به وتفحص غرضه منه مقام آخر .. 
هذا مؤدى نظري وحاصل اجتهادي والله أعلم وعلمه أتم وأكمل .. اللهم وفقنا لما يرضيك يا رب العالمين .. اللهم آمين .
 


الكاتب: حسين الخالدي
التاريخ: 07/07/2011