مقال مهم لمجدي أحمد حسين .. |
|
خطة بوش العدوانية تواجه الفشل والإندحار
أسطورة الفلوجة دخلت التاريخ بأحرف من نار ونور ودم
وهى أبرز علامة على انكسار العدوان
مصادر غربية تؤكد: خسائر أمريكا فى الفلوجة بالآلاف
وخسائرها فى العراق بلغت 50 ألف قتيل وجريح وهذا سبب ارسال قوات اضافية
اطلاق سراح الجاسوس عزام فضيحة ومذلة وعار لمصر
والعودة إلى تسخين العلاقات المصرية – الصهيونية أكثر فداحة
النظام المصرى يتزعم مواصلة مسيرة الإستسلام
والتفاف الجماهير حول شعار " لا للتمديد .. لا للتوريث " هو الحل
بقلم/ مجدى أحمد حسين
و على المستوى الداخلى ستتضاعف المديونية الأمريكية فى ظل استمرار خطط تخفيض الضرائب ، بينما يعانى الدولار من سكرات الموت ، و غير صحيح مايقال أن انخفاض سعر الدولار سيشجع الصادرات الأمريكية فليس هذا هو البعد الأساسى لأن المجتمع الأمريكى أصبح يعتمد فى قطاعات عديدة على الاستيراد . كما ان انخفاض الدولار يؤدى الى هروب المستثمرين الأجانب الى أسواق أخرى خارج أمريكا . فالقضية الأساس أن أمريكا أصبحت مجتمعا استهلاكيا أكثر منه انتاجيا ، و يتعاظم اعتمادها على الخارج : استيرادا و استدانة .
و سياسات ادارة بوش ستساهم فى المزيد من هذا التورط الذى يقدر بتريليونات اضافية من الديون .
و لكن يبقى ان فشل الحملة على العراق ، هو العامل الرئيسى الذى سيؤثر فى المدى القريب على مكانة الولايات المتحدة الدولية و فى المنطقة العربية .
و اكتفى بشهادة شبه رسمية من أحد ممثلى جهاز الاستخبارات و هو جرهام فولر نائب رئيس مجلس المخابرات القومى الأمريكى سابقا و الذى عمل أيضا فى معهد راند للدراسات السياسية (التابع للبنتاجون ) . يقول :
(هل القوة هى الهدف المطلق للدولة ؟ و هل هى دليل على رفاهة الشعب ، فجورج بوش على سبيل المثال زاد من قوة أمريكا فى العالم ، و لكن من وجهة نظرى لم تكن النتائج فى مصلحة الشعب الأمريكى )
و يضيف انه رغم تعاون حكومات المنطقة مع الغزو إلا أن (الرأى العام الشعبى فى العالم العربى كان عنيفا جدا و غاضبا من الغزو الأمريكى و كان هذا يخلق فرقة حادة بين الشعوب و النظم الحاكمة و يقلل من مصداقية هذه النظم ، و كلما طال أمد الاحتلال و زاد عنفه أصبحت المنطقة أكثر تطرفا و بعدا عن الاستقرار بسبب تنامى الضغط الشعبى على النظم الحاكمة لتغير سياستها و السعودية نموذج على ذلك ، و بالنسبة للنظم العربية فقد كان وضعا يستحيل الخروج منه منتصرا فمن ناحية يتصاعد الغضب المعادى للنظم الحاكمة كلما طال بقاء القوات الأمريكية ، كما أن الفشل الأمريكى فى ايجاد العراق الموالى لأمريكا يمثل انتصارا للاتجاهات المتطرفة فى المنطقة و التى تزيد من ضغوطها على الأنظمة الموالية لواشنطن )
(ويعتبر أغلب العرب أن أمريكا فقدت مصداقيتها تماما و أن جميع دوافعها مشكوك فيها ، و تخدم الامبريالية الأمريكية أو اسرائيل )
و يقول فولر أن أهداف أمريكا من الغزو كانت أبعد من اسقاط نظام صدام حسين و يحدد هذه الأهداف فى (1)اضعاف القوى المعارضة للولايات المتحدة. (2)اعلان هيمنة أمريكا على الشرق الأوسط . (3)هزيمة العراق رسالة تهديد لكل من يطور أسلحة الدمار الشامل رغم الارادة الأمريكية. (4)حل المشكلة الفلسطينية وفقا لمنهج شارون . (5) تحول العراق إلى مركز للقوة الأمريكية بافزاع ايران و السيطرة على احتياطى العراق النفطى. (6) اقامة علاقات عراقية اسرائيلية .
ثم يضيف : ( و لكن حتى اليوم لم يتحقق شئ من هذه الأمور ، فالتطرف فى الشرق الأوسط أصبح اليوم أقوى مما كان عليه قبل بدء الحرب على الارهاب و هكذا فانه من وجهة نظر مصالح ادارة بوش فان مشروع العراق قد منى بالفشل حتى ان لم تعترف بذلك ، و هى هزيمة و فشل للولايات المتحدة و المصالح الأمريكية على المدى القصير )
و أيضا كانت الحرب على العراق و نتائجها هزيمة للرؤى الاستراتيجية للمحافظين الجدد فى واشنطن فبدلا من اعلان سيطرة مبادئهم حول الأحادية و مبدأ الضربات المسبقة حدث العكس و أثبتت هذه الأفكار الفشل و حظيت كذلك بمعارضة كبيرة من جانب نخبة المهتمين بالسياسة الخارجية فى واشنطن و على ذلك فانه من وجهة نظر أهداف و آمال المحافظين الجدد فان العراق كان كارثة محققة .
(كذلك فان فشل سياسات ادارة بوش فى العراق سبب مشاكل عديدة للمصالح الأمريكية فى العالم . فالجهاد الراديكالى قويت شوكته فى المنطقة فوحدها كلمة "فلوجة" تعنى نصرا اسلاميا على القوى العظمى تماما مثلما تعنى كلمة "أفغانستان" نصرا لهم على الاتحاد السوفيتى فى الثمانينات،و هذه الجماعات الجهادية الدولية ربما وجدت لنفسها اليوم موطئ قدم فى العراق ، لم يكن بمقدورها الحصول عليه من قبل ، كما ان العراق سيعانى من عدم الاستقرار الداخلى لسنوات عديدة بسبب ما يعانيه من آثار الجهاد الراديكالى و ايران و سيكون السيناريو الأخطر للمنطقة هو ما اذا قررت الجماعات الجهادية توسيع نشاطاتها فى دول أخرى مثل مصر و السعودية و الأردن و سورية و هى العملية التى بدأت بالفعل فى السعودية .
(وبالنسبةلأغلب الأوربيين فان العراق شكل نقطة تحول فى السياسة الخارجية الاوروبية و عديدون فى أوروبا يعتقدون اليوم بأن الاتحاد الاوروبى عليه أن يشكل و يطبق سياسة خارجية مستقلة عن قيادة أمريكا و هى روح جديدة للاستقلال تتشكل فى أوروبا كرد فعل على الأحادية الأمريكية ، فهل هذا نجاح أم فشل لأمريكا . و يصل الكاتب الى ذروة موقفه عندما يتمنى فشل بوش فى العراق باعتباره (أفضل شئ يحدث بالنسبة لمستقبل أمريكا . فالفشل فى العراق يعنى أن واشنطن لن تحاول سريعا اتباع و تطبيق أفكار أولئك المحافظين الجدد مرة ثانية فى المستقبل )
(قضايا عالمية - مجلة استخبارية أمريكية )
كان لابد من هذا الاقتباس الواسع لادركى ان جرهام فولر ليس كاتبا معزولا ، انه لايزال وثيق الارتباط بأجهزة الاستخبارات الأمريكية و قطاعات المؤسسة الحاكمة ،وهو يعبر بوضوح و جلاء عن الرؤية الأمريكية الأخرى داخل الطبقة الحاكمة الأمريكية . و لا يتصورن أحد أن فوز بوش يعنى أنه سيكون حرا طليقا من هذه التوازنات و الضغوط ، فهناك انقسام حقيقى داخل الطبقة الحاكمة (بفضل بسالة وكفاءة ومنجزات المقاومة العراقية) وهناك انقسام طولى فى المجتمع الأمريكى بأسره بسبب تواصل الخسائر الأمريكية فى العراق - و ما نطالعه فى الصحف الأمريكية من تقارير استخباراتية أمريكية عن الفشل فى العراق ، و اعادة نشر صور جديدة لتعذيب الأسرى العراقيين ، إلا إحدى وسائل الضغط على الادارة لاعداد سيناريو الانسحاب من ورطة العراق الذى كلف الولايات المتحدة كثيرا من هيبتها و مكانتها ، قبل الخسائر المادية فى الأرواح و المعدات و الانفاق الباهظ لحكومة مديونة بالتريليونات .
ان النظام الرسمى العربى العميل هو نقطة القوة الأساسية فى مشروع بوش / شارون ، و لكن انفضاح أمر هذه النظم أمام شعوبها يغل يدها ،عن تقديم مزيد من المساعدات لأمريكا خاصة فى مجال إرسال قوات عسكرية لاسناد الغزاة ، فلم يوجد بعد أى حاكم عربى يجرؤ على ذلك . و حتى مؤتمر شرم الشيخ رغم غدره و خيانته للمقاومة العراقية ، لن يفيد أمريكا عمليا ، اذا ظلت المقاومة العراقية الباسلة متصاعدة ، و هذا يحدث باذن الله . و حتى هذه الانتخابات المزمعة التى أضفى مؤتمر شرم الشيخ عليها المشروعية ، فانها ربما تكون الضربة القاصمة النهائية للاحتلال الأمريكى .
فاذا حدث ماهو متوقع و تم تزوير الانتخابات لصالح الفئات العميلة ، فان هذا سيكون اشارة بدء الانتفاضة المسلحة الشاملة فى القطاع الشيعى .
و بوادر ذلك واضحة فالحكومة العراقية العميلة تصعد حملتها على ايران و تدخلها فى الانتخابات ، و تقوم القوات الأمريكية باعتقال منسق الانتخابات التابع للسيستانى ، فكما ذكرت مرارا فإن أمريكا لم تقم بغزو العراق لتسليمه الى إيران أى الى قوى موالية لها . و هو ماحدا بملك الأردن شخصيا الى التحذير من التدخل الايرانى فى الانتخابات .
المهم انه حتى الانتخابات أصبحت كرة لهب فى يد أمريكا ، فان أجرتها بدون تزوير (خارج ما يسمى المثلث السنى ) فانها لا تضمن إلا ولاء الأحزاب الكردية ، و قلة من عملاء الشيعة و السنة العرب ، وفى هذه الحالة من المتوقع أن تشكل الحكومة أغلبية شيعية موالية لايران ، تبدأ بمطالبة أمريكا بالانسحاب من العراق . ( و هذه هى خطة السيستانى التى توافق عليها ايران ) . أما اذا تم التزوير لصالح أمثال علاوى فستكون القطيعة مع القطاع الشيعى برمته ، و تتوحد البلاد لمواجهة الاحتلال .
و قد كنا نتمنى بطبيعة الحال ان تتوحد البلاد من الآن ضد الاحتلال بأسلوب المقاومة المسلحة بعيدا عن لعبة الانتخابات ، و على أى حال فان غدا لناظره قريب.
ولا شك أن تيار الصدر يملك شعبية كبيرة فى الشارع الشيعى, وأن مقاطعته للإنتخابات سيكون لها أبلغ الأثر فى افشال اللعبة الإنتخابية , كذلك فهناك العديد من الرموز والأحزاب والمرجعيات التى تؤيد تيار الصدر أو تقترب من مواقفه. وإن قطاعات غير قليلة من الشيعة منخرطة فى الكفاح المسلح سواء فى إطار المقاومة الوطنية والإسلامية العامة, أم من خلال عمليات منفصلة لا يتم الإعلان عنها لأسباب تكتيكية وتؤثر قوات الإحتلال التعتيم عليها (علمت من أحد قيادات الشيعة أن كربلاء شهدت عملية كبرى فى أواخر رمضان ضد قاعدة عسكرية أمريكية أدت إلى مقتل عشرات الأمريكيين ولم يعلن عنها أى طرف).
لذا أرى أن من المصلحة الإسلامية العليا فى هذه الظروف عدم الإستمرار أو التمادى فى حملات طائفية ضد المسلمين الشيعة فى العراق, فإن كان ذلك غير مطلوب بشكل عام , فإنه غير مطلوب بشكل خاص فى هذا الظرف الدقيق, خاصة وان العدو المحتل لا يريد سوى ذلك, فإنه إذا لم يستطع السيطرة على العراق فإنه يفضل تمزيقه وتقسيمه طائفيا وعرقيا, حتى لا ينشأ عراق قوى عملاق مستقل وطنى – إسلامى يعيد توازنات القوى من جديد إلى المنطقة. فرغم تباين الخطتان: خطة المقاومة – خطة الإنتخابات ثم المطالبة برحيل الأجنبى (سيستانى) , يجب عدم السقوط فى الحملات الطائفية المتبادلة لأن الخطتين ستلتقيا قريبا بإذن الله, عند مقاومة الإحتلال , ومقاومته فحسب حتى دحره ورحيله. هذا مع افتراض أن تجرى الإنتخابات أصلا فمن هنا حتى 30 يناير ستحدث أحداث كثيرة وتطورات عديدة. وأحسب – فى كل الأحوال – ان تيار الصدر والشيخ جواد الخالصى وأية الله البغدادى وغيرهم من رموز الشيعة يلعبون دورا تاريخيا فى هذه اللحظة فى الإحتفاظ بالجسور والمواد اللاصقة بين قطاعى الشيعة والسنة , لأنهم صوت الشيعة فى الخيار المقاوم المسلح.
* * * * *
أسطورة الفلوجة
لا أحسب أن مدينة صغيرة يمكن أن تدخل التاريخ بقدر ما دخلت الفلوجة , وسيذكر التاريخ أن هذه المدينة الصغيرة هزمت أكبر قوة عسكرية شهدها العالم رغم استخدامها كل الوسائل الإجرامية الممكنة.
فبعد مرور شهر بالتمام والكمال على الغزو الأمريكى على الفلوجة فهى لا تزال بنسبة 70% فى يد المقاومة الباسلة أما الجزء الذى تحتله القوات الأمريكية فهو مسرح للعمليات ولا يعرف الأمان للغزاة, ورغم اعتراف أمريكا بمقتل وإصابة قرابة 500 أمريكى فى هذه الموقعة الرهيبة , إلا أن خسائرهم بالآلاف وقد اضطروا للانسحاب من عدة مواضع وأحياء لتقليل الخسائر, وقواتهم هناك محاصرة من داخل وخارج المدينة , وبجانب بيانات المقاومة التى ثبتت مصداقيتها , نشير لبعض النتف من وسائل الإعلام المختلفة, فإذاعة ألمانية تحدثت عن سقوط الأمريكيين فى الفلوجة كالذباب, ووكالة الأنباء الفرنسية أكدت واقعة استيلاء المقاومة على عدة دبابات أمريكية, ووكالة الأنباء الصينية أكدت أن الخسائر 1:3 لصالح المقاومة (باستبعاد المدنيين).
مجلة نيوزويك اندهشت من عدم العثور على جثث للمقاومين , ها آرتس الإسرائيلية أكدت أن 80% من الفلوجة فى يد المقاومة وأن غالبية القتلى مدنيون. وتحدثت صحيفة أسبانية عن 400 قتيل و 700 جريح أمريكى و اسقاط 11 مروحية و 2 من طراز ف 16 , 5 طائرات بدون طيار. أما باسكال يونيفاس الاستراتيجى الفرنسى فلخص الموقعة بقوله (حرب بدأت خاسرة استراتيجيا وستنتهى خاسرة عسكريا).
قلنا من قبل أن سقوط الفلوجة لا يعنى سقوط المقاومة التى تعتمد اسلوب الكر والفر , ولكن بقاء جزء محرر إن أمكن يكون أفضل بطبيعة الحال , ويبدو أن الأمور تسير فى هذا الإتجاه لأن الأمريكان عاجزون عن إعادة السكان للمدينة , ويبحثون تسليم المدينة لعناصر شرطة من الفلوجة كما حدث فى الموقعة الأولى, وفى كل الأحوال لقد تم تمريغ أنف الأمريكان فى التراب وتم دحر أسطورة المارينز والجيش الأمريكى الذى لا يقهر.
فى الفلوجة نحن أمام أسطورة بكل المقاييس لم تكن لتحدث لولا توفيق الله سبحانه وتعالى ونصره للمجاهدين.
ولكن الأمر كما هو واضح يمتد من الموصل إلى البصرة, الأمريكيون يعترفون أن خسائرهم بلغت 11 ألف (بين قتيل واصابة بالغة) وهو ما يؤكد أن تقديرات الخسائر ب50 ألف التى أكدتها مصادر متعددة ليست مبالغا فيها , خاصة وأن الأمريكيين غير ملزمين بإبلاغ الأهالى أو الإعلان إلا عن موت شريحة واحدة وهى العاملون الدائمون بالجيش الأمريكى, أما الشرائح الأخرى فهم غير ملزمين لا بالإعلان ولا بإبلاغ الأسر ولا بتسليم الجثة, وهذه الشرائح هى: 1) المرتزقة ويقدروا ب 20 أالف على أقل تقدير وهم أمريكيون أو من جنسيات أخرى.
2) العاملون بالقوات الأمريكية من المقيمين فى الولايات المتحدة دون الحصول على جنسية (أصحاب الجرين كارد)
3) المقيمون فى الولايات المتحدةوانضموا للعمل المسلح فى العراق على أمل الحصول على الجرين كارد وهو درجة أعلى من الإقامة تؤهل فيما بعد للحصول على الجنسية.
وحتى بالنسبة للشريحة الأولى فلا يوجد جيش فى العالم يعترف بخسائره الحقيقية خاصة أثناء العمليات بدعوى الحفاظ على الأسرار العسكرية, وهذا ما أعلنه مسئولون فى البنتاجون وسموه تأجيل الإعلان عن الخسائر حتى لا يستفيد العدو من المعلومات.
أما بالنسبة للإنجليز فقد أكدت الأوبزرفر أنه تم إخلاء 3 آلاف جريح بريطانى من العراق وهو رقم ضخم بالنسبة للعدد الكلى للقوات البريطانية.
الحقيقة الجوهرية أن أمريكا قد هزمت فى العراق بالفعل من زاوية فشلها فى تحقيق أى هدف استراتيجى , مقابل كل هذه التكلفة العالية ماديا وأدبيا , ولم يتبق سوى الإعلان عن هذه الهزيمة أو الانسحاب بأكثر قدر ممكن من حفظ ماء الوجه , ولا شك أن أمريكا لا تريد أن تترك العراق بسهولة أو بدون ترتيب, بل لا تزال تملك القوة – أساسا بمعاونة العملاء وفى مقدمتهم البشماركة الكردية – لمحاولة البقاء فى قاعدة أو فى عدة قواعد بالإضافة لحكومة صديقة أو غير معادية, وهى أوهام لن تتحقق بعد كل ما جرى , فلن يسمح الشعب العراقى – بعد كل هذه التضحيات ومع ما يملكه من قدرات ثبتت فعاليتها – أن تبقى قواعد أمريكية فى البلاد, ولاحظ أن القواعد الأمريكية بلا استثناء تدك بالصواريخ على مدار السنة الماضية.
على الشعوب العربية أن تقدم كل ما تملك للتعجيل بهذا النصر , والاستعداد للانقضاض الجماهيرى والسياسى على عملاء أمريكا فى شتى ربوع الوطن العربى . كما أن استهداف المصالح الأمريكية سيتوسع – كما تنبأ جرهام فولر الذى كتب مقاله قبل ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية – والهجوم على قنصلية أمريكا فى جده وما حدث من قبل ليس بالشيء القليل , خاصة فى ظل استنفار قوى الأمن السعودى لحماية المصالح الأمريكية والمتابعة المحمومة لعناصر القاعدة على مدار السنتين الماضيتين.
* * * * *
فى مصر حدثت تطورات خطيرة فى الأيام الماضية , وهى ردة داخل الردة , ونكسة جديدة فى ظل الاحتضار, عنوانها تسليم الجاسوس عزام عزام مقابل 6 طلاب أبرياء, وهى صفقة الذل والعار لأن مصر لم تستطع أن ترتفع لمستوى حزب الله الذى أفرج عن مئات اللبنانيين والفلسطينيين مقابل نفر قليل من الأسرى الإسرائيليين. ورغم فداحة الكارثة, إلا أنها ليست إلا رمزا لما هو أفدح, فهناك توجه لما تسميه اسرائيل شهر عسل جديد مع مصر, وهجوم تطبيعى كاسح فى شتى المجالات : مناطق صناعية مشتركة – مضاعفة التبادل التجارى 4 مرات – الانخراط فى تعاون مشترك لضرب المقاومة الفلسطينية خاصة بعد تستر مصر الرسمية على فضيحة اغتيال اسرائيل ياسر عرفات بالسم – بيع الغاز المصرى لإسرائيل – وضع 700 جندى مصرى لمطاردة المقاومة الفلسطينية فى غزة وضمان عدم تسرب أى اسلحة أو معدات اليها. إعلان مصرى خائب عن أن الأطراف المتنازعة قد توصلت إلى تسوية , وهو ما نفاه شارون سريعا فاضحا الانبطاح الحكومى المصرى , وطالبا بالمزيد من التنازلات, هذا الهجوم التطبيعى سيشجع باقى الدول العربية على التطبيع العلنى مع اسرائيل, وأعلنت اسرائيل عن قرب اقامة علاقات دبلوماسية مع 10 دول عربية منها دول خليجية, وأعلن عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية الكيان الصهيونى لتونس, وتشهد المغرب منتدى لاحياء مشروع الشرق أوسطية, وأعلنت واشنطن عن محادثات لتجارة حرة مع الإمارات وسلطنة عمان لتنضم تلك الدول إلى اسرائيل والأردن والمغرب والبحرين فى اتفاقات مع أمريكا, بالإضافة لمصر.
كما ذكرت فإن النظام الرسمى العربى العميل لأمريكا هو مصيبتنا الأساسية التى تخل بالمعادلة الدولية فى وقت تسعى الكثير من القوى الدولية للبحث عن مصالحها بعيدا عن أمريكا , وتخل بالمعادلة الإيجابية التى صنعتها المقاومة على أرض فلسطين والعراق. ومصر الرسمية .. مصر كامب ديفيد هى كاسحة الألغام للغزاة الأمريكان.
إن مقاومة هذه التطورات الخطيرة ملقاة على عاتق القوى الوطنية المصرية التى يجب أن تتصدى بشراسة لهذا التدهور الجديد , وهو ليس بعيدا عن معادلة تقديم مزيد من التنازلات لاستمرار حكام مصر فى السلطة بدون أى اصلاحات شكلية أو غير شكلية.
لذا فإن دعوة الحركة الوطنية المصرية لتجمع احتجاجى يوم الأحد 12 ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالى – شارع رمسيس – الساعة الثانية ظهرا تحت شعار لا للتمديد لدورة رئاسية خامسة . لا لتوريث الحكم لا يمس أوضاعنا الديمقراطية المنهارة فحسب بل يمس كل مظاهر التفريط الوطنى والقومى والإسلامى, وهو تفريط دخل فى مزاد علنى لا نعرف له نهاية أو قاع, طالما نحن لا نصد هذا العدوان الشامل على عقيدتنا ودستورنا وقيمنا ووطنيتنا.
إنهم يتاجرون فى كل شيء مقدس , وإن ثمن البقاء فى الحكم لم يعد له سقف , وقد باعوا من قبل صحة المصريين , وباعوا القطاع الصناعى, وهم باختصار يبيعون الدين والوطن والشرف والكرامة.
لقد جرت أحاديث عديدة فى الأونة الأخيرة حول اختطاف الرهائن ومدى مشروعية ذلك فى العراق, ولكن أحدا لم يتحدث عن أخطر وأكبر عملية لاختطاف الرهائن, ان النظام الحاكم فى مصر يخطف 70 مليون مصرى وحولهم إلى رهائن, ويتصرف فى مقدراتهم ومقدرات وطنهم كما يحلو له سواء فى السياسة الخارجية أو الداخلية , سواء فى السياسة أو الـ...