الحركة الإسلامية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبي
الفصل الأول :
توطئـــــــــــــــــــــة :
كثيرا ما يحدث أن تجد مثقفا عربيا ذا صبغة وطنية ونكهة قحطانية خالصة ، وبقية من معالم إسلامية قي السلوك والعبادات، تبادره الحديث عن إسلامية قضية فلسطين ، فيقابلك برفض واستهجان ، بل ويناكفك الجدل زاعما أن لديه من الأدلة ما يدحض مزاعمك ويبدد شكوكك؛ إذ لا يتعدى الأمر في عرفه أن يكون الصراع في فلسطين مجرد صراع إقليمي في منطقة محدودة ، و زمن محدود وأطراف نزاع معروفين .وقبل أن تغادر ساحة الجدل ملتاعا متحسرا يطلب منك أن تصغي إلى نصحه فتدع الإسلام بقداسته في محرابه المخصص له ،وأن تطلق هذه الرجعيةفي التفكير ،وتزن الموازين بموازينها وتدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لكن إصرارا من الداعية المسلم ، ووعيا معمقا لحقائق التنزيل ومسارب التأويل لا تسمح للأمور أن تبقى على بداهاتها فسرعان ما يفجؤك النص القرآني بحقائق قطعية الدلالة تبين قصر البصر والبصيرة لهذا المحاور المسكين .
ولعل نظرة واعية لكتاب الله عز وجل تنال تلك النصوص القرآنية التي تناولت قصة البشرية من نحو ، وطبيعة العلاقات الإنسانية من نحو أخر ، تثبت و دونما أدنى شك ؛أن الخطاب القرآني بشموليته قد استطاع أن يستوعب كافة النواحي السياسية المتعلقة بقانون البقاء والفناء والعدل والجور والسيادة والحاكمية والسعادة والشقاء والهدى والضلالة والنصر والهزيمة والخلافة والتمكين والمجتمع والحضارة والنواميس التي تحكم البشر على اختلاف ألسنتهم وألو انهم.
ومن هنا فقد أثار هذا السمت العجيب للنص القرآني الفريد مكامن الاستغراب في 3الرعيل الأول من الصحابة حينما سألوا المصطفى_ صلى الله عليه وسلم _عن سر كثرة الآيات القرآنية المتعلقة ببني إسرائيل .
ولعلنا بحاجة أيها القارئ الكريم إلى جولة سريعة في ظلال الآيات المتعلقة بهذا الأمر كي تشهد عن كثب أهمية ما أذكره لك.ولن نذهب بعيدا في البحث ؛ فلنبدأ الحديث من سورة البقرة ،.
هذه السورة الكريمة التي تناولت الجانب التشريعي المتعلق بأحكام القصاص والوصية والصيام والجهاد والعمرة وتحريم الخمر والميسر وتحريم نكاح المشركات وأحكام الطلاق والرضاع والعدة والحيض والربى والدين والرهان إلى جانب العقيدة والعبادات تناولت كذلك وبشكل موسع قصة بني إسرائيل ،وقصة البشرية التي رسمت أيضا في هذه السورة بصورة واضحة جلية ؛وذلك من خلال قوله :0
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .قالوا :أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ،ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟قال : إني أعلم ما لا تعلمون )
إلا أن ما نريد الوقوف عليه هنا هو الجانب المتعلق بيني إسرائيل؛وإن كان هذا الجانب لا ينفصل عن الجانب السابق لعلة يبينها تتابع الآيات وترابطها ؛ فالبشرية تبدأ عندما يستفحل الصراع بين فردين آدم من جهة وإبليس من جهة ثانية، أما أتباع هذا وذاك فهم يشكلون حلبة الصراع الأبدية ؛ ويكون آدم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين من الأمة المسلمة الموحدة هم حملة لواء الرحمن في هذه الحرب السرمدية ،
أما اليهود وأشياعهم من أهل الغي والضلال فهم ورثة الشيطان وأتباعه ، وهذا هو التفسير الأقرب إلى سر تعانق الفواصل القرآنية في هذه السورة على هذا النحو وتداخل القصص والانتقال من قصة آدم إلي قصة بني إسرائيل من خلال أزلية الصراع بين الحق والباطل ؛فقد تناول الحديث عنهم ما يزيد على ثلث السورة بدءا من قوله : (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي
فارهبون)) مرورا بالآيات التي تنبه المؤمنين إلى خبثهم ومكرهم(1 ) وما تنطوي عليه نفوسهم الشريرة من لؤم وغدر وخيانة ونقض للعهود والمواعيد وما جاء من تاريخهم المشين من كفر بنعم الله عز وجل وقتلهم الأنبياء بغير حق وزعمهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه .
وتأتي قصة بني إسرائيل من خلال سورة البقرة طويلة ومتنوعة ،إذ تبدأ بتذكيرهم بنعمة الله عليهم والعهد الذي الزمهم به ، ثم تنتقل إلى الحديث عن قصة العذاب والبلاء مع آل فرعون التي نجاهم الله سبحانه منها لعلهم يشكرون بيد انهم عصوا وعتو واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فعبدوا العجل واكثروا من المعاصي؛ فكان العقاب أليم والعاقبة وخيمة، قال تعالى :
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )
وينتقل الخطاب القرآني إلى قضية أساسية في الفكر اليهودي المتدحرج الذي يمثل ذروة الإفساد الأخلاقي على الأرض 0التي استخلف فيها هذاالإنسان ؛تلك هي قصة البقرة التي سمية السورة باسمها, وخلاصة هذه القصة أن رجلا من بني إسرائيل قتل قريبا له ليرث مكانه ووضعه في دارة قوم ليأخذ ديته وهذه قمة الإفساد وعندما أعلمهم نبيهم بطريقة الاستدلال على القاتل ناكفوه الجدل والتعجيز وهذه القسوة في القلب والجفوة في التفكير والبعد عن الإيمان اليقيني كان لا بد لها من شاهد حسي يدلهم على قدرة الواحد في البعث والإحياء وعلى بشاعة أخلاقهم وسوء تصوراتهم ؛ فكانت هذه الحادثة.
ولعل المتأمل في القصة يتوقع ارتداعا من هؤلاء القوم واستجابة لأدلة الحق القاطعة وإذعانا لنداء الرحمن الواضح ، بيد أن العكس هو الذي حصل؛ فيعد ثبوت الأدلة وقطعانها قست القلوب واستبدت النفوس فهي كالحجارة أو أشد قسوة ولعل ما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يوصله للأمة المحمدية :أن هؤلاء القوم القاسية قلوبهم لا ينفع معهم منطق الإقناع وطريق المحاورة ؛لأن غيهم فاق كل غي ،وإفسادهم فاق كل إفساد ؛ومن هنا كانت الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة تتسلح بأسلحة فكرية وقائية في معركة طويلة أزلية مع شرذمة جرثومية شيطانية ؛
ومن هنا فلا غرابه أن يستكمل الخطاب القرآني هذا التشريح التفصيلي لمعالم هذه الفئة وتاريخها وتصوراتها؛ فتارة يعرض لتاريخها المشين مع الأنبياء والرسل وطورا يبرز حلقة الصراع الواقعي الدائر في ضواحي المدينة المنورة وثالثة يسبح في الآفاق البعيدة مصورا بشاعة هذا المنهج اللاأخلاقي والأمة العدائية التي تمثل الجانب القاتم في ظلمة الباطل وتبعية الطاغوت .
وإذا كانت سورة البقرة قد تناولت الحديث عن الزمرة الأولى من أهل الكتاب وهم اليهود فأن سورة آل عمران قد تناولت الحديث عن الزمرة الثانية وهم النصارى .ولعلنا نستطيع أن نلمح بعض السمات المشتركة بين الزمرتين وكأنهما يشكلان ،معا، كتلة سياسية واحدة تمثل الباطل :بشقيه الغي والضلال .
ولو أننا انتقلنا إلى سورة ثالثة من سور القرآن ، وهي سورة الإسراء، لوجدنا أن المعركة التاريخية والفاصلة بين الحق والباطل قد صورت تصويرا مفصلا في ثنايا هذه السورة. ؛وخلاصة القول في آيات سورة الإسراء : أنها شكلت ما يمكن تسميته نبوءة تاريخية لطبيعة الصراع الممتد بين الفئتين : المفسدة في الأرض والمستخلفة فيها ،فتقضي بالفساد لإحداهما وتبشر بالنصر والتمكين للثانية .هذا من نحو ، أما من النحو الأخر فهي تشير إلى المنهج السوي في التحرير، وتحدد معالمه وتبين أوصافه .
أما حقيقة هذه النبوءة فقد فصلت القول فيها الآيات التالية ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) )
ونكاد نزعم أن المؤشرات الواقعية التي يتمثل فيها هذا الكيان الغاصب في هذه المرحلة ،من علو كبير وإفساد أكبر تطابق الحكم القرآني السابق، بل ونستطيع القول أيضا أن الجمل القرآنية السابقة تشكل العناصر الحقيقية لبناء هذه الدولة الغاصبة، وهي دولة _بحسب التوصيف القرآني _ظالمة مستبدة ومفسدة .
وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة تاريخية وفكرية ثابتة ،ذلك أن هذه الأرض المقدسة التي باركها الله سبحانه وتعالى ونسب فعل المباركة إلى نفسه ؛فقال: (الذي باركنا حوله) إنما تشكل معيارا حقيقيا لقياس درجة الصلاح والفساد قي أمة الإسلام ؛ فما كان لأبناء القردة والخنازير أن يتجبروا فيها ويستعبدوا أهلها إلا عندما تراجع الوعي في نفوس المسلمين، وأصبحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ،يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-( إذا تبايعتم بالعينة ولحقتم أذناب البقر ) وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) ،أخرجه الطبراني في الكبير ،وحكم عليه الألباني بالصحة في صحيح الجامح ،
إذن فأبناء الشام في أرض الشام بمثابة القلب ب النسبة للأمة إذا صلحوا صلح الجسد كله وإذا فسدوا فسد الجسد كله ونكاد نزعم بأن عناصر بناء الدولة العبرية المفسدة قد وصفت في بدايات سورة الإسراء وحددت تحديدا يدعونا إلى الاعتقاد بأن الدولة الحالية هي المقصودة في النص القرآني السابق حيث يقول جل شأنه " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " وهي عناصر واضحة بينة في بناء هذا الكيان الغاصب الآن .
أما الجانب الثاني فقد تنوول بطريقتين :إحداهما مباشرة ،وذلك من خلال قوله جل وعلا :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) أو بطريقة غير مباشرة حينما يعرض لإصلاح بعض الآفات الاجتماعية التي تؤدي إلى إفساد المجتمع وكسر شوكته وتمكين أهل الغي والضلال من احتلاله :كالزنا والقتل وأكل مال اليتيم بغير حق والحكم بغير ما أنزل الله
ولعلنا نلاحظ من خلال نص الآية السابقة (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) أن اسم التفضيل يشير إلى مفاضلة يحسمها النص القرآني ؛ إذ بتحول اسم التفضيل إلى صفة لازمة لا بديل عنها ؛ فالطرق كثيرة والوسائل متعددة ، بيد أن واحدة من تلك الطرق ستكون قويمة وصالحة لحسم الصراع بين والحق والباطل .وهذا يدلل على أن هذه القضية لن تحسم أو تحل إلا من خلال منهج القرآن، وهذا ما سيتضح في الفصول اللاحقة إن شاء الله .
ـأما السورة الرابعة والأخيرة التي سنقف عليها في هذا السياق ، فهي سورة الحشر. وهذه السورة يمكن أن تقرأ في سياق التجارب العملية لحقيقة الصراع بين الإسلام واليهودية ، وطبيعة المنهج المستخدم في إنهاء الوجود اليهودي من المدينة المنورة ،فالمحور الرئيسي الذي تدور حوله الآيات هو (غزوة بني النضير) الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة المنورة فالآية الكريمة الثانية :
(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدي المؤمنين ؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار )
هذه الآية جليلة الشأن ، عظيمة القدر واضحة المعالم كثيرة الدلائل ؛فالإخراج بإذنه والقدرة المطلقة قدرته ، وهذا جانب عقدي هام سنفصل القول فيه في موقع لاحق إن شاء الله ، أما عبارة (لأول الحشر ) فهي تذكرنا ب( أولى الإفساد تين ) كما جاء في سورة الإسراء ؛ وأن أول الحشر سيكون له ثان أو أكثر .
وقد ذكر الدكتور صلاح الخالدي أن الحشر الأول قد تمثل في خمس خطوات
مرحلية :الأولى، حشر بني قينقاع وإجلاؤهم عن المدينة في السنة الثانية للهجرة .
الثانية ، حشر بني النضير وإجلائهم في السنة الثالثة للهجرة .
الثالثة ،حشر بني قريضة في السنة الخامسة بعد غزوة الأحزاب ، حيث قتل أولادهم وسبى نساءهم .
الرابعة،حشر يهود خيبر في السنة السادسة بعد صلح الحديبية حيث دمر سلطانهم وكيانهم وجعلهم عبيد ومزارعين.
الخامسة، فكان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخرجهم من الجزيرة العربية كلها .
وهذا التشتيت سيعود ثانية ليلتئم في شكل سياسي يمهد للمرحلة الأخيرة من الإفساد التي جاءت سورة الإسراء لتحدد بعض معالمها حيث قال جل شأنه : ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا )
ولعلنا بحاجة أن نربط ربطا سريعا بين دلالة الآية السابقة ومعالم التشكيل السياسي القائم على الأرض ؛فالهجرة القسرية على الشعب الإسرائيلي من أجل إعادة تشكيل هذه الدولة الغاصبة من خلال لملمة الشتات والتداعي لفكرة الوطن الموعود ،هو أحد أهم مكونات هذه العودة وكما قلنا : بأن معالم الإفسادة الثانية – في نبوءة سورة الإسراء _قد تمثلت في الدولة الحالية ’ فإن نفس الأسباب تدعونا للاعتقاد بأن: موعد الحشر الثاني قد حان وأن النصر قريب .
أما الدلالة الثانية التي تعرض لها الآيات فهي مجموعة التصورات المتزاحمة على أرضية الصراع ؛ وهي كما يعرضها القرآن ثلاثة آراء :
أولا، تصور بشري واقعي محكوم لسنن واقعية ، وقد تمثل في قوله تعالى (ما ظننتم أن يخرجو)
فالمسلمون الذين عايشوا اليهود في المدينة ورأوا حصونهم المنيعة تصوروا أن الأمر يحتاج إلى كثير عناء وكثير جهد لإخراج هذه الطغمة الفاسدة من هذه الحصون المنيعة ، وما أشبه اليوم بالبارحة فالواقعية السياسية التي تنظر إلى حجم الطاقة الإعدادية التي يتمتع بها هذا الكيان الغاصب تدعو للريبة والشك لتحقيق النصر السريع .
أما التصور الثاني فهو تصور طاغوتي قديم حديث ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله )
فاليهود كغيرهم من الطواغيت ما كان لهم أن يعتقدوا بإمكانية الهزيمة مع وجود هذه الحصون المنيعة وكذلك تصور فرعون عندما نظر إلى جنده وقوته بأن مسألة قتل موسى مسألة وقت فقال (ذروني أقتل موسى ).
وكذلك يتصور اليهود وأشياعهم من الدول الغربية الحاقدة على الإسلام أن قواتهم وطائراتهم وأساطيلهم ستحسم المعركة في غضون أيام ولا يتسرب إلى أذهانهم بأن المستضعفين في الأرض قادرون على زعزعة النظام العالمي الجديد القائم على الظلم والجبروت .
أما التصور الثالث والأخير فهو التصور الرباني الخالص وهو التصور الوحيد التي تحسم فيه الخيارات وتذل له النفوس وتطمئن له القلوب وهو تصور غريب فريد لا يخضع لتصورات البشر وضعفهم أو أهواء الناس وغيهم بل يعتمد على قوة الله المطلقة وسننه الثابتة ( فآتاهم الله من حيث لا يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار )
فالإتيان من حيث لا يحتسب أهل الغدر والخيانة . والسلاح غريب فريد ؛ فهو وإن كان معنوي الهيئة فأن نتائجه بالغة الأثر وكأن الصورة الفنية في التعبير القرآني (وقذف في قلوبهم الرعب )قد تحولت إلى حقائق واقعية ؛ فالصواريخ المقذوفة لا تسقط على الحصون والمستوطنات بل تقع في القلوب فتتآكل الدولة ، وتتحول الحصون إلى بيوت واهية كبيت العنكبوت لا تحتاج إلى كثير من جهد في إخرابها ؛وهذا هو السر العجيب في استخدام الفعل (يخربون )المخفف دون الفعل المشدد يخربون ؛لأنه وبعد انهزام القلوب لا قيمة للحصون والقلاع والعدة والعتاد ؛لذا فأن إغلاق هذه الآية الكريمة بقوله فاعتبروا يا أولي الأبصار له دلالته الواضحة التي تحتاجها الأمة في عصر اختلال موازين!
القوة وتحصن الغاصب وتمترسه خلف مادية مطلقة .ولن يحصل هذا الاعتبار ما لم نؤمن إيمانا مطلقا بفاعلية هذا المنهج وأن لا نلتفت إلى التصورات الأخرى التي ثبت بالدلالات القاطعة نضابة فاعليتها وقلة حيلتها وبعدها عن الحقيقة .
ولعلنا معنيون ،ونحن نتحدث عن منهج الحركة الإسلامية في التحرير أن نتعرض إلى مواصفات هذا المنهج القويم الذي يستحق هذه الإشارة القرآنية ويفوز بسق الهداية ويقترب من الشاطئ الأخير في معركة الفصل بين الحق والباطل الكاتب: رمضان عمر التاريخ: 01/01/2007