إلى فلول المجوسية الصفوية؛ قد هلك كسرى، فلا كسرى بعده

 

إلى فلول المجوسية الصفوية؛
قد هلك كسرى، فلا كسرى بعده

معذورون أولئك الذين يحلمون بإمبراطورية الفرس الحديثة إذ يستيقظون مذعورين على وقع أقدام فتيةٍ من أتباع السنة المحمدية تدك حصون أحلامهم المجوسية، ومعاول شبابٍ محمديٍ تهدم أركان عقيدتهم الباطنية، وصوارمَ علماء ربانين تهتك ستر أحقادهم الصفوية، وطلائعَ جهادٍ ربانيٍ تقلم أظفار خبثها الرافضية. نعم! هم معذورون؛ لأن الزلزلة التي أصابت بنيان مشروعهم الكسروي قد أتته من القواعد من حيث لا يشعرون متأولةً قول الله عز وجل: (قد مَكَر الذين مِن قبلهم فأتى الله بنيانهم مِن القواعد فَخرَّ عليهم السقف مِن فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) ، ولأنهم يتجرعون مرارة ما أنفقوه في سبيل مشروعهم المجوسي الخبيث للصد عن سبيل الله، كما قال الله عز وجل: (إنَّ الذين كفروا يُنفقون أموالهم لِيصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) ، وهنا وقفةٌ بعد قوله تعالى: (ثم تكون عليهم حسرةً ) لنستشرف هذه البشارة القرآنية العظيمة: (ثم يُغلبون)؛ ولا ضير أن يكون العطف بـ (ثم) على التراخي، فإن بشارة الله تعالى متحققةٌ لا ريب. يقول الإمام الطبري رحمه الله:"ثم تكون نفقتهم تلك عليهم حسرة، يقول: تصير ندامةً عليهم، لأن أموالهم تذهب ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، لأن الله مُعلي كلمته وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم فيعذَّبون فيها، فأعظِم بها حسرةً وندامةً لمن عاش منهم ومن هلك".
غير أنه لا يصح أن يتحول يقيننا بما تقدم من وعد الله تعالى، واستبشارنا بالوعد القرآني في هلاك كل مَن كاد للمؤمنين إلى غفلةٍ عن عدوٍ متربص، أو ركونٍ إلى منافقٍ متواطئ، أو تخاذلٍ عن نصرةٍ مؤمنٍ في موقف يحتاج فيه إلى النصرة من بعد الله تعالى، فإن يقيننا بوعد الله رديف التصديق بالغيب، وإن سعينا بجوارحنا كلها في صد عدوٍ صائل ونصرة أخٍ مظلوم رديف الانقياد للأمر الشرعي، ولا يمكن أن يستكمل أحدنا عقد الإيمان المجمل إلا باجتماع التصديق والانقياد معاً؛ فمن لم يعمل على حرب المجوس الصفويين فإنه لم ينقد حقيقةً للخبر الصادق عن الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى وإن زعم تصديقه للخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" ، ومن لم يقصد بعمله في نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل فإنه يعمل بلا غاية، ويهدر جهده دونما قصد، ولا يبعد أن يكون له نصيبٌ وافرٌ من قول الله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً) ...
فإذا كان الأمر على نحو ما قدمنا، فلتعلم الأمة الإسلامية عموماً، والعرب منها خصوصاً أن ساعة المواجهة الحرجة بين واجهة المد المجوسي الصفوي من جهة وبين أهل الإسلام من جهةٍ أخرى قد حانت، وأن سقوط سد العراق صريع تيارات المد المجوسي والتواطئ الصهيوصليبي قد جعل من بلاد الشام السد الأخير أمام هذا الزحف الهائج، ولعمري هل تكون الشام اليوم كما كانت بالأمس صخرةً تتحطم عليها مشاريع المد المغولي الآتية من المشرق وحملات الحروب الصليبية الآتية من المغرب بعد أن كانت ترمي الاجتماع لهلكة الإسلام، ولعمري هل يقوم أهل الإسلام اليوم بالتصدي لهذه الهجمة الشرسة على عقيدتهم وهويتهم بل ووجودهم، ويروا ما قد عساه يكون اصطفاء الله تعالى لهم لحمل لواء الإسلام من جديد لينتشل العالم من واقعه النكد ومصيره المظلم...
ولعل سائلاً يقول: فما المطلوب إذاً؟ وإلى من يتوجه هذا الخطاب؟
والجواب: إن المطلوب منا أن ندرك أن المنوط بانتفاضة أهل الإسلام في بلاد الشام أكبر وأعظم من تحسين واقعٍ اقتصاديٍ دمرته مؤسسات الربا والرشا، ومن تحقيق حريات شخصية قد تضل بأصحابها ما ضلت بهم أهواء الشبهات والشهوات، ومن تحقيق حرية سياسية تنتشلهم من حكمٍ باطني طائفيٍ حقود لتلقي بهم إلى حكمٍ علماني إلحاديٍ نكد. نعم! إن المنوط بانتفاضة أهل الإسلام أن تعيد إلى حياة المسلمين آخية الإيمان، وتعيد إلى مرأى غير المسلمين بهاء دولة الإسلام، وتعيد إلى أهل البدع والأهواء نور السنة ليستضيؤوا بها قبل أن تحرقهم نيران بدعهم الضالة، وتعيد إلى بلاد فارس والروم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإلا فإن عليك إثم الأريسيين، فإن أجابوا فبها ونعمت، وإلا ردت جحافلُ الإسلام فلولَ فارس والروم إلى حيث لا كسرى وإلى حيث لا قيصر تصديقاً لوعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فالخطاب متوجهٌ إذاً إلى أهل الإسلام على تفاوتٍ بينهم؛ فإلى أهل الإسلام في الشام نقول: إن من قدر الله تعالى أن تكونوا أنتم اليوم في واجهة الصراع مع فلول المجوسية الحاقدة، وليكن منهجكم في هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" . وإلى أهل الإسلام في جزيرة العرب نقول: إن هذا الصمت عن نصرة أهل الإسلام في انتفاضة الشام المباركة لأمرٌ غريب، وإن الغفلة الشديدة عن خطر المجوس المتربص بكم براً وبحراً وجواً مع الركون إلى حماية أهل الصليب وتوليهم من دون الله لأمرٌ مريب، واعلموا أن انتفاضة أهل الإسلام في بلاد الشام حمايةٌ لكم من المشروع الفارسي المجوسي الصفوي الجديد، فمهما تخليتم عن المسلمين في الشام فعن أنفسكم تتخلون، ومهما خذلتموهم فأنفسكم تخذلون، ومهما ركنتم إلى الصليبية تحرسكم من المجوسية فالنار تمسون كما حذر الله تعالى حيث قال: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون) . وإلى أهل الإسلام الثائرين في العالم أجمع نقول: إن الحرية لأمرٌ جميل، وأجمل منها العبودية لله، وإن العزة والكرامة لأمرٌ جميل، وأجمل منها الذلة والمسكنة لله، وإن الديمقراطية يزعمون لأمرٌ جميل، وأجمل منها الشورى في دين الله، وإن العدالة الاجتماعية لأمرٌ جميل، وأجمل منها العدل الذي أمر به الله، وإن المساواة لأمرٌ جميل، وأجمل منها أن نرضى بقسمة الله. فتنبهوا عباد الله إلى مُصدِّري الثورة الخمينية البائسة حين يدعمون ثوراتكم يزعمون فإنهم يريدون بكم سنناً غير سنن الله ولا تغركم منهم شعارات المقاومة والممانعة الباهتة، وتنبهوا عباد الله إلى مندوبي مبيعات الديمقراطية الغربية حين يدعمون ثوراتكم يزعمون فإنهم يريدون بكم سنناً غير سنن الله، فالله تعالى يريد أن يهدينا سنن الحق والرشاد، وهؤلاء وهؤلاء يريدون بنا سنن الضلالة والأهواء، قال الله تعالى: (يريد الله لِيبين لكم ويهديكم سنن الذين مِن قبلكم ويتوب عليكم والله عليمٌ حكيمٌ. والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً) ، وقال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل. والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً) .
فإلى كل المراهنين على كسرى نقول: إن كسرى قد هلك منذ زمن، ولا كسرى بعده، وإلى كل المراهنين على قيصر نقول: إن قيصر قد هلك منذ زمن، ولا قيصر بعده، وفي كل الساقطين أخلاقياً على أعتاب الثورة الإسلامية الكبرى في بلاد الشام نتأول قول الله تعالى: ( قل كلٌّ متربصٌ فتربَّصوا فستعلمون مَن أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى) ، وليعلم كل مخدوعٍ في الأمس القريب بحزب اللات في لبنان الجريح أن الحجة قد قامت على كل ذي لبٍ وحجا، وليعلم كل مخدوعٍ بحكومات الممانعة الكرتونية في أرض الرباط أن النهار قد بان لذي عينين، وليعلم كل من يعبد الله على حرفٍ أنه حين ينقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة فلات حين ندم، فقد أصبح الحق اليوم من الوضوح بمكان فلا ترد شمسه الساطعة عباءات أئمة البلاط الصفوي ولا عماماتهم مجتمعة، وقد أصبح الحق اليوم من الوضوح بمكان تنطق به العجائز بما تبهر به خفافيش العلماء المأجورين، قال الله تعالى: ( أنزلَ من السماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدَرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) ؛ اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم...


وكتب/
د.وسيم فتح الله



الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 11/07/2011