إيذان أعداء الخمار بحرب من المؤمنين الأبرار. الجبهة الأولى: مؤسسات الربا

 

إيذانُ أعداء الخمار بحربٍ من المؤمنين الأبرار
الجبهة الأولى:مؤسسات الربا

الحمد لله الملك الجبار الكبير المتعال، والصلاة والسلام على رسوله الضَحوك القتَّال، وعلى أصحابه وأزواجه وتابعيهم إلى يوم القيامة عظيم الأهوال، وبعد؛
فلقد فتح عتاة المجرمين من أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عدةَ جبهاتٍ يضيقون فيها على المؤمنات القانتات العفيفات الطاهرات، يمنعونهن الحجاب الشرعي باختلاف درجاته، ويروِّجون للعري والمجون والفتنة لتصبح الكاسية العارية هي الفتاة المحترمة في نظر المجتمعات التي هجرت كتاب الله تعالى، وتصبح الفتاة المحتشمة المتحجبة عن نظر الأجانب هي الطريدة المنبوذة، ألا ساء ما يحكمون.
ولقد وضع الله تعالى لهذه الفئة المنحرفة المريضة التي تعادي الستر والاحتشام، وتسير في مجتمعاتنا سيرة اللئام، وضع لها عنواناً في قوله تعالى: (إن الذين يُحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ، نعم؛ هذه صفة الذين يعادون الحجاب والخمار والنقاب، إنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والفاحشة الزنا وكل ما يكون ذريعةً للزنا من سفور واختلاطٍ منكر، وتبرجٍ، وعريٍ، ومجونٍ، وبثٍ لوسائل الفتنة وإثارة الشهوة وإلهاءٍ للشباب المسلم عن حمل لواء الدعوة والجهاد، ولله در العلّامة ابن قدامة المقدسي حيث قال في المغني:"ولو وقفت امرأةٌ في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشَّفت لهم جاز رميها قصداً"، ونحن اليوم نرمي إن شاء الله مَن سعى إلى كشف السوءات والعورات هتكاً للأعراض، وإثارةً للشهوات، وشغلاً للشباب المسلمين عن ساحات الجهاد والقتال، وأول جبهةٍ نفتحها على هؤلاء المجرمين جبهة مؤسسات الربا، وفيما يلي بيان ذلك:
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه" ، وولي الله: هو الذي يتبع شرع الله تعالى، ونحن اليوم نتعرض إلى عدوانٍ من حزب الشيطان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فينا لأننا نتبع شرع الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في الحجاب الكامل، وليس لنا بدٌ إذا أردنا أن نحارب هؤلاء من أن ننحاز إلى فئةٍ عظيمةٍ وركنٍ شديد، وليس لنا نحن معاشر المسلمين من فئة سوى الله سبحانه وتعالى، فمن آوى إلى الله فقد آوى إلى ركنٍ شديد، ولكن لا بد لنا في زمان الغفلة هذا من علامة بيننا وبين الله سبحانه تدل على صدق التجائنا إليه سبحانه وصدق اللواذ بجنابه العظيم، ولتكن هذه العلامة اليوم استنفار قوى المسلمين كافة في الحرب التي أعلنها الله تعالى على عبيده المارقين الآبقين، ولقد نظرنا في كتاب ربنا عن عنوانٍ لهذه الجبهة المفتوحة مع أعداء الله فإذا هي جبهة الربا حيث قال تعالى في المقيمين على الربا المستحلين المال الحرام الذين لا يذرون الربا: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله رسوله) ، فلئن آذن اللهُ تعالى من عادانا بالحرب، فلنؤذننَّ من عادى الله بالحرب، ولئن فتح العدو علينا جبهة الحجاب والخمار والنقاب، فلنفتحنَّ عليهم جبهةً لكل حرامٍ استحلوه، ولنفتحنَّ عليهم جبهةً لكل حلال حرَّموه، وليعلَمُنَّ أي الفريقين أشد بأساً وأشد تنكيلاً..

جبهة الحرب على الربا:
لا يخفى أن إقامة حكم الله في المرتدين المستحلين للربا أو المقيمين عليه لا يتوبون ليس في متناول آحاد الأمة إذ أمره موكولٌ إلى الإمام أو من ينوب عنه، وهذا متعطلٌ اليوم في عامة الأقطار الإسلامية، فليس كلامنا في هذا الباب وإن كنا لا نرى ذلك اليوم بعيداً بإذن الله. ولكننا نتكلم في أمورٍ عملية قابلة للتنفيذ ستَفُتُّ في عضد هؤلاء المجرمين الذين يتقوون بالمال لحرب المسلمين، ونحن نفتح هذه الجبهة اليوم ائتساءً بنبي الله موسى عليه السلام حيث حكى الله قوله: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا لِيُضِلّوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) ، ولقد حكى لنا الله تعالى حال أعداء الرسل المترفين واعتدادهم بالأموال والأولاد لحرب الإسلام فقال عز وجل: (وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها إنا بما أُرسلتم به كافرون. وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين) ، كما بشَّرنا الله تعالى بخري هؤلاء فقال: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم لِيَصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلبون والذين كفروا إلى جهنم يُحشَرون) . وهذه معالم هذه الجبهة التي نفتحها على أعداء الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويجندون لحربهم هذه الأموال فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: على كل أسرة مسلمة أن تراجع حسابها مع الله عز وجل فتعمد إلى التطهر من أي معاملةٍ ربويةٍ قد تكون متلبسةً بها، وهذه المهمة آكد ما تكون في عائلات الأخوات المنقبات والمحجبات، إذ لا يُعقل أن نطلب المدد من الله ونحن على حربٍ مع الله تعالى.
ثانياً: على كل أسرةٍ مسلمة أن توسع دائرة الإنكار على من وقع في جريمة الربا، وتتدرج من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الأكبر فالأكبر، ولتتخير من أساليب المداراة المشروعة والهجر المشروع ما يناسب الحال، ولتستشر في ذلك الثقات من أهل العلم.
ثالثاً: على المسلمين بعد التدرج في الخطوتين السابقتين أن يتعانوا على التخلص من ديون الربا؛ فمن وجد أباً أو أماً أو زوجاً أو ولداً أو ذا رحمٍ أو جاراً أو صديقاً واقعاً في دين الربا فعليهم أن يتعاونوا في تخليصه من الربا بالتعاون على القرض الحسن الذي يقضي به الدين على الفور وينفك عن دين الربا ثم يسدد القرض الحسن على السعة، وهذه الطريقة مجرَّبة وهي من أنجع الطرق في التخلص من ديون الربا والدخول في السِلم مع الله تعالى، فضلاً عما فيها من بث روح التعاون على البر والتقوى، واحتساب الأجر في القرض الحسن وفي إعسار المعسر.
رابعاً: على كل مسلمٍ يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يعتقد كفر من استحل الربا اعتقاداً جازماً لا مرية فيه، وأول من يدخل في هذا الكفر حكومات الأقطار المسلمة التي وضعت القوانين المبيحة للربا، ووضعت اقتصادها الوطني والقومي وفق منظومة الربا، وسارعت في منظومة الطاغوت العالمي المسماة منظمة التحارة العالمية ملتزمةً بعضويتها ودستورها القائم على اقتصاد الربا، وتنبه لقولي تكفير حكومات الربا، فلست أصرح هنا بالمعيَّن إذ لذلك موضعه وضوابطه، فلا يلبِّسنَّ عليك حراس الكفر بسياج موانع التكفير فقد بات أمرهم مفضوحاً وسترهم متهتكاً.ولعلك تتساءل عن البعد العملي لهذا الاعتقاد فلقد وعدتك بأمور عملية في جبهة الحرب على الربا، والجواب من أوجه: منها أن الاعتقاد عمل القلب وبه يزيد الإيمان، ومنها أن اعتقاد كفر الحكومات المستحلة للربا يفضح كذب من يلبِّسون على الأمة بافتراض البيعة والطاعة لهذه الحكومات المحاربة للإسلام، إذ لا يخفى على اللبيب العاقل أن الإسلام شرط من شروط الإمامة، ولا يخفى أن استحلال الربا من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، ومنها أن اعتقاد كفر من استحل الربا يمنعنا من التعامل مع هؤلاء الأفراد المستحلين بنكاح وميراث ونحوه مما يشترط له الإسلام، ومنها أن هذا المعتقد ينحاز بنا إلى فئة الله تعالى وهذا هو المقصود في هذه الحرب مع أهل الفاحشة ومن يمولونهم من أهل الربا حيث نستنصر بالله عليهم، ونستفتح بالله عليهم.
خامساً: على طلاب العلم والعلماء أن يبادروا إلى توعية المسلمين بأحكام الربا وتنبيههم على ما يلبس به عملاء إبليس من مصطلحات تستحل بها الربا كالفوائد ونحوها.
سادساً: على كل مسلم أن يبادر فوراً إلى سحب كل أمواله من بنوك الربا، ويعمل على تشغيلها أو حفظها بأي وسيلة أخرى مشروعة.
سابعاً: على المسلم ألا يقع فريسة الديون،وألا يثقل كاهله بما يدفعه إلى القروض الربوية المحرمة، وليقنع المسلم بما قسمه الله تعالى له، ثم إذا احتاج إلى القرض فليقترض من مسلم مليء قرضاً حسناً، ولا يبخل من أغناه الله من فضله عن مد يد العون لمن ضاقت به أحواله المادية، وليحتسب في هذا التعاون لا مجرد الإحسان بالقرض بل الانخراط في الجندية المحاربة لمنظومة الربا المحاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين، وليعلم كل من أقرض قرضاً حسناً أنه يساهم في تفتيت منظومة الربا التي تنفق أموالها في حرب الإسلام، وأنه يساهم في تجفيف منابع تمويل الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وليرفع هامه بذلك شرفاً لا رياءً، فلنعم الشرف أن يكون العبد المسلم جندياً في الحرب على أعداء الله المجرمين.
ثامناً: على كل من يعمل في بنوك الربا ومؤسسات الدولة الرسمية القائمة على اقتصاد الربا أن ينوي ترك هذا العمل فوراً ثم يجتهد في إيجاد عملٍ بديل بأسرع وقت ممكن، وليعلم أن ساعة انتقاله من العمل في بنك أو مؤسسة ربوية هي ساعة انتقاله من معسكر أعداء الله إلى معسكر جند الله، وليكن التركيز على مؤسسات الربا الحكومية، فوالله إن انهيار مؤسسات الربا الحكومية هو بداية انهيار هذه الحكومات كما جاء في القرآن الكريم: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) ، ولتنوِ بهذا الانتقال من معسكر الربا إلى معسكر جند الله الانحياز إلى فئة المسلمين نصرةً لأخواتنا المحجبات اللواتي يتعرضن لهجومٍ قذر على أعراضهن، ووالله إنك ستجد بركة هذا التحول في مالك وأهلك وعيالك منذ اللحظة التي تنوي فيها صادقاً إحداث هذا التحول.
تاسعاً: على كل مسلم وسَّع الله تعالى عليه رزقه أن يبحث فيمن حوله عمن ألجأتها الديون إلى العمل أو الخروج من البيت خروجاً يضيق عليها فيه في خمارها ونقابها وحجابها فيعمل ويتعاون مع غيره على سداد هذه الديون تخليصاً لها من أسر الوظيفة التي تضطرها إلى خلع خمارها بسبب قهر الديون، وليُستفت الثقات من أهل العلم في استحقاق هؤلاء لزكاة من سهم الغارمين.
عاشراً: الاجتهاد في الدعاء بالويل والثبور على أهل الربا ومؤسسات الربا التي تمول هذه الهجمة الهمجية على الإسلام وأهله، والتي تطارد المسلمات المؤمنات القانتات العفيفات الطاهرات وتضيق عليهن في التزامهن بالزي الشرعي على الوجه الأكمل الذي يتعبدن لله تعالى به، وإن لم يكن لك من الأخوة الإيمانية دافعاً فليكن لك من الشهامة والنخوة والرجولة ما يحرك قلبك ولسانك إلى الانتصار لهؤلاء النسوة الساترات في زمان العري والعهر، الغريبات في زمان الزندقة والكفر، وتذكر أن هذه العفيفة المسلمة هي أمنا وزوجنا وبنتنا وأختنا وخالتنا وعمتنا، نعم هي عرضك ولحمك ودمك أيها المسلم الغيور...
هذه إذاً بعض معالم هذه الجبهة التي نفتحها على أهل الفاحشة والفجور الذين يضيقون على ربات الخدور، وسوف تليها جبهاتٌ أخرى بإذن الله، ولكن الآن حي على العمل، بل حي على الجهاد، فإن جهاد أهل الربا اليوم هو من جنس جهاد الصِدِّيق لمانعي الزكاة في زمانه، رضي الله عنه وأرضاه، وجعلنا ممن تابع سنته الراشدة حتى نلقى الله تعالى وهو عنا راضٍ...
أما أنتم أيها المجرمون! يا من تحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: نحن لكم بالمرصاد، سنطاردكم في أموالكم حتى تتلف نفوسكم حسرةً وهي تلهث وراءها، وسنطاردكم على جبهاتٍ أخرى ستعلمونها في حينها، فأدركوا أنفسكم بتوبةٍ صالحةٍ تعودون فيها إلى الله وتكفون أيديكم عن إماء الله، وإلا فإنها الحرب بيننا وبينكم حتى يفتح الله بيننا وهو خير الفاتحين...

وكتب
وسيم فتح الله


الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 09/08/2010