الباقيات الصالحات من فوائد حديث إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات

 

الباقيات الصالحات من فوائد حديث إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات.

 

 

 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : (( إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ - وَفِي رِوَايَةٍ : بِالنِّيَّةِ - وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ ))  .متفق عليه.

 

الفائدة الاولى:

قال الحافظ في الفتج:"وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائده من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام".

 قال العيني:" فإن قيل ما وجه قولهم إن هذا الحديث ثلث الإسلام قلت لتضمنه النية والإسلام قول وفعل ونية".

وقال ابن رجب: فإن الدين كله يرجع إلى فعل المأمورات وترك المحظورات والتوقف عن الشبهات وهذا كله تضمنه حديث النعمان بن بشير وإنما يتم ذلك بأمرين أحدهما أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنة وهذا هو الذي يتضمنه حديث عائشة من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد والثاني أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله عز وجل كما تضمنه حديث عمر الأعمال بالنيات.

 

الفائدة الثانية:

يستحسن الابتداء بهذا الحديث عند التصنيف.

قال ابن رجب في الجامع:

وبه صدر البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لاثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي لو صنفت كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في الأعمال بالنيات في كل باب وعنه أنه قال من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بحديث الأعمال بالنيات(انتهى كلامه). وبه صدر النووي أربعينيته و به أبتدأ الحافظ المقدسي كنابه المبارك عمدة الاحكام.وممن أبتدأ كتابه بهذا الحديث الجليل من المعاصرين الشيخ المجاهد عبد القادر بن عبد العزيز -فك الله أسره- في الجامع في طلب العلم الشريف.

 

الفائدة الثالثة :

قال شيخ الاسلام ابن تيمية:لفظ ‏[‏النية‏]‏ في كلام العرب من جنس لفظ القصد والإرادة، ونحو ذلك، تقول العرب‏:‏ نواك الله بخير، أي‏:‏ أرادك بخير، ويقولون‏:‏ نَوَي مَنْوِيه، وهو المكان الذين ينويه، يسمونه نوي، كما يقولون‏:‏ قبض بمعني مقبوض، والنية يعبر بها عن نوع من إرادة، ويعبر بها عن نفس المراد، كقول العرب‏:‏ هذه نيتي، يعني‏:‏ هذه البقعة هي التي نويت إتيانها، ويقولون‏:‏ نيته قريبة أو بعيدة، أي‏:‏ البقعة التي نوي قصدها، لكن من الناس من يقول‏:‏ إنها أخص من الإرادة؛ فإن إرادة الإنسان تتعلق بعمله وعمل غيره، والنية لا تكون إلا لعمله، فإنك تقول‏:‏ أردت من فلان كذا، ولا تقول‏:‏ نويت من فلان كذا‏.‏

 

الفائدة الرابعة:

 قوله صلى الله وسلم" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فيه و جهان:

أ-" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" إخبار عن الأعمال الاختيارية أنها لاتقع إلا عن قصد من العامل هو سبب عملها ووجودها.

"وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وإنما لكل امريء ما نوى" إخبار عن حكم الشرع وهو أن حظ العامل من عمله نيته فإن كانت صالحة فعمله صالح فله أجره وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره.

ب-" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ": صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة أو مثاب عليها أو غير مثاب عليها بالنيات فيكون خبرا عن الحكم الشرعي وهو أن صلاحها وفسادها بحسب صلاح النية وفسادها.

"وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وإنما لكل امريء ما نوى": وإنما لكل امريء مانوى إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به فإن نوى خيرا حصل له خير وإن نوى به شرا حصل له شر. فالجملة الأولى دلت على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده والجملة الثانية دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة وقد تكون نيته مباحة فيكون العمل مباحا فلا يحصل له ثواب ولا عقاب(جامع العلوم و الحكم باختصار و تصرف)

الفائدةالخامسة:

 النية تميز:

أ-  المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه وهي التي توجد كثيرا في كلام السلف المتقدمين . ويعبر عنها في القران ب:

·        الإرادة كما في قوله تعالى "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" وقوله "تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة"

·        الابتغاء كما في قوله تعالى" إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى الليل" وقوله تعالى" ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم".

 مثال1 : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش رواه الإمام أحمد.وذلك أنهم طلبوا الشهادة بصدق(ارادة جازمة) و اخلاص.

مثال2: عن أبي موسى أن أعرابياً جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن الرجل يقاتل للذِّكْر ويُقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من قاتل حتَّى تكون كلمة اللّه هي أعلى فهو في سبيل اللّه [عزّ وجلّ]".رواه البخاري.

مثال3: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَ ضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ, وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ, مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ"  رَوَاهُ مُسْلِمٌ   .فالمراد بالتحديث العزم على الجهاد والعزيمة الصادقة والإرادة الجازمة(النية) التي يَجِبُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً،و ليس المراد خواطر النفس. و القدرة امر من قدر الله فمن لم تكن عنده القدرة المطلوبة أجر على نيته الصادقة كالمجاهد تماما.

 

فصل في بيان علاقة النية بالقدرة

 

قال الشيخ المجاهد عبد القادر بن عبد العزيز -فك الله أسره- في الجامع:

وذكر ابن تيمية رحمه الله أن الإرادة الجازمة إذا وُجِدت معها القدرة وقع المقدور، وإذا وُجدت الإرادة الجازمة فلا يمنع وقوع المقدور إلا العجز، وهنا ذكر ابن تيمية فائدة أخرى: وهى أن الإرادة الجازمة لابد أن تظهر على الجوارح في لفظ أو إشارة أو حركة تعبر عن الإرادة، وإن عجز العبد عن فعل المُراد الأصلي.

ويجمع ماسبق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لأمتي عَمّا وَسْوست ــ أو حدَّثت ــ به أنفسها، مالم تعمل به أو تكلَّم) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري (حديث 6664). فهذا الحديث جمع مراتب النية ومايؤاخذ به العبد منها وما لايؤاخذ به:

فكل ماهو دون العزم (الإرادة الجازمة) ــ من الخاطر وحديث النفس وهَمّ الخطرات ــ معفو عنه غير مؤاخذ به.

أما العزم (الإرادة الجازمة) فمؤاخذ به، ولابد أن يظهر على الجوارح في حركة أو لفظ وهذا هو السِّر في قوله صلى الله عليه وسلم (مالم تعمل به أو تكلّم). فكل عمل أو كلام يُعبِّر عن الإرادة الجازمة ــ وإن لم يكن هو العمل المقصود نفسه بتمامه ــ يجعل العبد في محل المؤاخذة إن خيراً فخير، وإن شراً فشرٌُ، إذ لم يمنعه عن العمل الأصلي إلا العجز.

ومما يدل على أن العبد يُجازى على الإرادة الجازمة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد ٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي ربه فيه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازلِ، وعبد ٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان فهو بنيّته فأجرهما سواء، وعبد ٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم، لايتقي فيه ربه ولايصل فيه رحمه، ولايعلم لله فيه حقاً، فهو بأخبث المنازل، وعبد ٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء) رواه الترمذي ــ واللفظ له ــ وابن ماجة عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، وصححه الترمذي.

وفي هذا الحديث نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الرجلين الثاني والرابع استحقا الثواب والإثم ــ على الترتيب ــ بمجرد النيّة (فهو بنيّته....)، والمقصود بها الإرادة الجازمة التي ظهرت من كلا الرجلين في كلام تكلماه، وهو قول كل منهما (لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان)، فاستحقا الجزاء كاملا وإن لم يعملا العمل المراد بتمامه.

 

 

ب-العبادة عن العادة: مثاله :الوضوء نبردا و تنظفا(عادة) و الوضوء للصلاة(عبادة)، الصيد لعبا و لهوا(عادة) والصيد اعداد للجهاد(عبادة).

ج-العبادة عن العبادة:ركعتي الفجر(النافلة المؤكدة) عن ركعتي الفرض.

 

الفائدة السادسة:

الحذر من الرياء.

فصل في الرياء:

(بحث ماتع للشيخ المجاهد علي الخضير- فك الله أسره- منقول بتمامه من الوجازة شرح الاصول الثلاثة)

 

" مسألة "  مبحث في الرياء مصدر رأى يرائي وهو مشتق من الرؤية ، واصطلاحاً : هو عمل الصالحات يريد مدح الناس وثناءهم ومنه ما يسمى بالسمعة لكن السمعة مختصة بالمسموعات كتحسين القراءة أو يصلى لكي يمدحه الناس .

" مسألة " حكم الرياء : يختلف حكمه باختلاف أقسامه ، ولذا فهو على أقسام :

أولاً :  ما يكون شركاً أكبر وهو أنواع :

أ ـ يدخل في الدين رياءا وهو أساس دخوله في هذا الدين ، وهذا الرياء الأكبر وهو مخرج من الملة ، قال تعالى ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) .

ب ـ أن يرائي في الأعمال التي تركها كفر كمن راءى في صلاة الفريضة كمن صلى الظهر مرائياً قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ) ، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم في أول حديث : وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام اهـ . وهذه المسألة بحثناها بحثا موسعا في كتاب الوسيط في شرح أول رسالة في مجموعة التوحيد .

ج ـ أن يكون الغالب على أعماله من حيث الكمية الرياء فيكون بهذا كفر مخرج من الدين وشرك أكبر ، وهذا غالباً لا يصدر إلا عن منافق أو علماني ، قال تعالى ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ). وقال تعالى ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ) . 

ومن القضايا المعاصرة ما يفعله الحكام المبدلون من إظهار الشعائر الدينية من أجل مقاصد سياسية أو ما يفعلونه هم والعلمانيون من التدين تكتيكا أو مناورة من أجل مصالح انتخابية . وكذلك كل من أظهر الإسلام المزيف الإسلام الأمريكي أو الإسلام المخصب .

ثانياُ :  ما كان شركاً أصغر وهو أنواع :

أ ـ أن يكون العمل معيناً عمله رياءا بشرط أن لا يكون هذا العمل مما تركه كفر ، كمن راءى في النوافل المعينة .

ب ـ ما يسمى بالرياء الطارئ ، وهو أن يبتدئ العمل المعين لله ثم يطرأ عليه الرياء فهذا على حالتين :

- أن يدافعه الشخص ولا يركن إليه ، فهذا لا يضره كما قال عليه الصلاة والسلام : [ إن الله عفا لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ] ، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم في أول حديث الإجماع على أنه إذا لم يسترسل معه فلا يضره .

- أن يسترسل معه ، فهذا ذكر ابن رجب الخلاف فيه فقال : وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرا ودفعة فلا يضره بغير خلاف فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولي وهو مروي عن الحسن البصري وغيره ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني أن رجلا قال يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل فمنهم من يقاتل للدنيا ومنهم من يقاتل نجدة ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأيهم الشهيد ؟ قال كلهم ) إذا كان أصل أمره أن تكون كملة الله العليا .

وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي أنه قال ربما أحدث بحديث ولي فيه نية فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات ولا يرد على هذا الجهاد كما في مرسل عطاء الخراساني فإن الجهاد يلزم بحضور الصف ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج اهـ المقصود .

والصحيح  الحبوط بالرياء الطارئ إذا استرسل معه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة : [ من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ] رواه مسلم .

" مسألة " لو طرأ عليه الرياء بعد العمل لا يضر لأنه بعد انتهاء العمل ، فالرياء ما كان في العمل أو قبله يدل عليه مفهوم حديث أبي هريرة : [ من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري ... ] فيه خرج بعده ما لم يكن يحدّث فيه لأجل أن يمدح فيكون سمعة

" مسألة "  مدح الناس وثناؤهم عليه ليس من الرياء ، لما جاء في الصحيح في الرجل يعمل العمل فيمدحه الناس قال : [ تلك عاجل بشرى المؤمن ] . قال ابن رجب في جامع العلوم : فأما إذا عمل العمل لله خالصا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بفضل ورحمة واستبشر بذلك لم يضره ذلك وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) خرجه مسلم وخرجه ابن ماجه وعنده الرجل يعمل العمل فيحبه الناس عليه ولهذا المعنى فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن جرير الطبري وغيرهم وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله الرجل يعمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه فقال ( له أجران أجر السر وأجر العلانية ) اهـ .

"  مسألة " لو عمل العمل ليس من عادته ولكن ليقتدي به الآخرون كاعتناء العالم ببعض السنن ليحث الناس فهذا ليس من الرياء لما جاء في حديث سهل المتفق عليه : [ أن النبي صلى الله عليه وسلم علي المنبر قال : فعلت هذا لتأتموا بي ] . قال ابن رجب في الجامع : ولو شرك بين نية الوضوء وبين قصد التبرد أو إزالة النجاسة أو الوسخ أجزأه في المنصوص عن الشافعي وهذا قول أكثر أصحاب أحمد لأن هذا القصد ليس بمحرم ولا مكروه ولهذا لو قصد مع رفع الحدث تعليم الوضوء لم يضره ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد أحيانا بالصلاة تعليمها للناس وكذلك الحج كما قال خذوا عني مناسككم اهـ .

" مسألة " لو ترك العمل لأجل الناس هل هو من الرياء والمقصود بالعمل أي العمل الذي اعتاده – كصوم الاثنين والخميس – أو حسّن القراءة في صلاته – ثم تركه من أجل الناس ؟  قولان لأهل العلم :

القول الأول : فيه تفصيل إن كان العمل المتروك واجباً فهذا من الرياء لأن ترك الواجب معصية وإن كان من السنن والتطوعات فلا ، قالوا ومثله لو ترك المعصية خشية الناس قال ابن رجب في الجامع : فأما إن هم بمعصية ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين أو مراءاة لهم فقد قيل أنه يعاقب على تركها بهذه النية لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على هذا الترك وقد خرج أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس قال يا صاحب الذنب لا تأمنن من مدقق سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته وذكر كلاما وقال خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا فعلته وقال الفضيل بن عياض كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء والعمل لهم شرك اهـ .

القول الثاني : إنه رياء كما قال الفضيل بن عياض كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء والعمل لهم شرك اهـ والشاهد العمل فهي للعموم تشمل العمل الواجب أو المستحب ، والذي تميل إليه النفس الثاني وأنه من الشرك بل يجب علي الإنسان أن يكون طبيعياً فيعمل أعماله لنفسه لا يعمل ولا يترك من أجل الناس فهاتان سيئتان .

" مسألة " إذا كان إنسان لم يعتد العمل الصالح ولكن حضره ناس اعتادوا الصيام فصام معهم هذا ليس من الرياء لحديث حنظلة الأسيدي قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات رواه مسلم وهذا يُعدّ من النشاط .

" مسائل العمل لأجل الدنيا " تعريفه : أن يعمل العمل الصالح يريد الدنيا والمال والمنصب وهكذا ( والمرائي يريد أن يمدح ) وكلاهم يعمل صالحاً وحكمه ينقسم باعتبار أقسامه إلى :

أ ـ ما كان شركاً أكبر وهو أن يدخل في الدين من أجل الدنيا.

ب ـ أن يعمل العمل الذي تركه كفر من أجل الدنيا كن صلى من أجل الدنيا فحكمه أنه شرك أكبر ، مثلاً : يصلى لأن المدير يأمره بالصلاة ولو لم يصلى فسيفصله ، فهو كافر .

ج ـ أن يكون الغالب على أعماله إرادة المصالح الدنيوية ، فهذا شرك أكبر ، أما الذي هو شرك أصغر فهو أن يعمل المعين أو بعض الأعمال الصغيرة يريد الدنيا .

وكل الأقسام التي ذكرنا هنا هي نفس أقسام الرياء السابقة . 

" مسألة " أمثلة للعمل من أجل الدنيا كالذي يجاهد لأجل الدنيا فقط ( فهذا شرك أصغر ) وكالذي يهاجر من أجل الدنيا فقط ، وكالأذان من أجل الراتب وقراءة القرآن من أجل المال فقط ، وكصلة الرحم يريد كثرة المال فقط ، وكالدراسة في كلية الشريعة ونحوها يريد المال فقط .

كلمة " فقط " مهمة أتينا بها بعد كل مثال ، فهناك فرق .. مثلاً :

1-  من جاهد يريد الآخرة فقط .

2-  من جاهد يريد الدنيا فقط هذا يقابل الأول . وهذا ليس له مقصد الدين وإنما يريد الدنيا والمغنم .

3-  بينهما وهو الذي يريد الدنيا ويريد الآخرة : والحكم للغالب منهما فإذا كان 70% يريد الآخرة لكن 30% يريد مثلاً الغنيمة فالحكم أنه ليس من الشرك الأصغر وهذا جائز ولا يقال محرم لكن ينقص أجره عمن لم يرد ذلك ، والدليل : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } فنفا عنهم الحرج أن يتكسبوا في الحج ولو كان بالعكس الغالب عليه الدنيا فهذا من الشرك الأصغر .

4- لو تساوى : هذا من الشرك الأصغر . لعموم حديث ( أجعلتني لله ندا ) وهنا جعل الدنيا مساوية لله .

هذا ما ترجح لنا ، لكن ابن رجب رحمه الله له اختيار آخر فقد قال في جامع العلوم والحكم : فإن خالط نيته الجهاد مثل نية غير الرياء مثل أخذه أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا شيئا تم لهم أجرهم )

وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضا من الدنيا أنه لا أجر له وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا وقال الإمام أحمد التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزواتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره وقال أيضا فيمن يأخذ جعلا على الجهاد إذا لم يخرج إلا لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ كأنه خرج لدينه فإن أعطي شيئا أخذه وكذا روي عن عبد الله بن عمرو قال إذا ( جمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك وأما إن أحدكم إن أعطي درهما غزا وإن منع درهما مكث فلا خير في ذلك ) ، وكذا قال الأوزاعي ( إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا أرى بأسا) 

وهكذا يقال فيمن أخذ شيئا في الحج ليحج به إما عن نفسه أو عن غيره وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الحمال وحج الأجير وحج التاجر هو تام لا ينقص من أجورهم شيء ) وهذا محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب اهـ المقصود والله اعلم .

" مسألة " لماذا ذكرنا كلمة " فقط " في المسائل السابقة ؟ لأنه إذا أراد وجه الله مع الدنيا فهذا يختلف الحكم أما الأمثلة السابقة فهي إرادة دنيا فقط أما من أرادهما معاً فسبق تفصيله .

 

الفائدة السابعة:  فضل الهجرة في سبيل الله.

الفائدة الثامنة:

اقتصر في جواب هذا الشرط(فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) على إعادته بلفظه لأن:

أ- حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا.

ب- الهجرة إلى الله ورسوله واحدة لا تعدد فيها فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط.(مختصر من جامع العلوم).

 

الفائدة التاسعة:

اقتصر في جواب الشرط الثاني على قوله" فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ" لانه:

أ-حقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به حيث لم يذكر بلفظه.

ب- والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة ومحرمة تارة وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر فلذلك قال فهجرته إلى ما هاجر إليه يعني كائنا ما كان. (مختصر من جامع العلوم).

 

 

 

فصل في الهجرة و أحكام الديار:

(مختصر من الإعلام بوجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام للشيخ المجاهد عبد العزيز الجربوع فك الله أسره)

أنواع الديار:

 

1-  دار الإسلام هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة . وقال الشافعي : هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام.

2- دار الكفر هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة وليس بينها وبين المسلمين حرب ، وفي حكمها دار المحاربين وقت الهدنة فكل دار حرب دار كفر لا العكس .

3-  دار مركبة هي : التي فيها المعنيان ، ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام , لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار , بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه . كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ج4ص331والفتاوىج28ص142

4-  دار الحرب هي : كل بقعة تكون فيها الحرب بين المؤمنين والكافرين ، فدار الحرب هي دار الكفار الذين بينهم والمسلمين الحرب.

5-  دار العهـد وتسمى دار الموادعة ودار الصلح وهي : كل ناحية صالح المسلمون أهلها بترك القتال على أن تكون الأرض لأهلها .

6-  دار البغي هي: ناحية من دار الإسلام تحيز إليها مجموعة من المسلمين لهم شوكة خرجت على طاعة الإمام بتأويل .

 

تعريف الهجرة في الشرع ، أو الاصطلاح  : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن  وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .

 

حالات المهاجر الأربع

 

1-أن لا يستـطيع إظـهار دينه في دار الكـفر ، ويمكنه الهجرة: اتفق أهل العلم اتفاقاً أشبه بالإجماع على أن الهجرة في هذه الحالة واجبة ومن لم يهاجر فإن الوعيد ينتظره ولذا كانت براءة الرسول منه ، بل إن كانت أنثى لا تجد محرما وكانت تأمن على نفسها في الطريق  أو كان خوف الطريق أقل من خوف المقام في دار الحرب. وجبت عليها الهجرة ، لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَ


الكاتب: أبو مارية القرشي
التاريخ: 01/01/2007