الديمقراطية تلك اللعبة الشيطانية |
|
الديمقراطية تلك اللعبة الشيطانية
محمد بن عبدالله العتيبي
دخول البرلمان وممارسة الانتخابات يعتبر شيئا طارئا على الاسلاميين في الكويت وإن كان قد مضى على ذلك مايقارب العشرون عاما ، وبوجهة نظري أرى أنه قد بان فشل ذلك واضحا وأنه قد ارتكبت مخالفات وأخطاء فادحة وكبيرة وقعت منذ البداية وذلك من الناحية ( الشرعية والاجتماعية والتكتيكية ) وسأتكلم أولا عن الموضوع من الناحية الشرعية وسأختصر لأن الأمر قد بات معروفا وواضحا خاصة بين الاسلاميين وكلامي هذا هو موجه بالدرجة الأولى لهم وخاصة أصحاب النهج السلفي على اختلاف مدارسهم .
فكما هو معلوم أن النظام الديمقراطي مخالف تماما للعقيدة الاسلامية والعلماء الذين أفتوا بجواز الدخول في العمل البرلماني كأمثال الشيخين ابن باز وابن عثيمين قد ذكروا ذلك صراحة وعندما أجازوا الدخول إنما أجازوه من باب الضرورة كأكل الميتة وشرب الخمر لمن أوشك على الهلاك هذا إن صح التصور الذي نـُقل لهم أصلا ! ومعلوم كقاعدة في مثل تلك الحالات أن يكون صاحب الضرورة غير باغ ولاعاد فهل المرشحين والأعضاء السابقين والحاليين هم كذلك؟ تجد البعض منهم لاناقة له ولاجمل في الإصلاح الشرعي في مجتمعه فهو لم يأمر بمعروف ولم ينكر منكرا ثم يخرج لنا ( المطوّع ) ويريد أن يدفع مائة ألف د.ك أو يزيدون تكفي لتجهيز جيش عسرة جديد! يدفعها لحملته الانتخابية من أجل أن يُصلح (إصلاحا شرعيا) كما يزعم هكذا فجأة ومن دون مقدمات؟؟!!
وبعيدا عن الدخول في النوايا وإن كان الأثر يدل على المسير فالعلماء عندما أفتوا كـفتوى اللجنة الدائمة برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله رقم (407/23) إنما أفتوا بعدم الجواز في الأصل واستـثـنوا الجواز لحالات ضيقة واشترطوا لذلك شروطا منها أن من أرادوا الدخول يرجون من ذلك تحويل الحكم للعمل بالشريعة الاسلامية واتخاذ ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم - كما قالوا- وعلى ألا يعمل العضو في مناصب تنافي الشرع
وفي فتوى أخرى للشيخ ابن باز قال على ألا يكون ذلك طمعا في دنيا ، ولو دققنا في مثل هذا الكلام أستطيع أن أقول أن الأمر في الكويت مخالفا تماما لهذا الكلام جملة وتفصيلا وللأسف الشديد يبدو أن البعض أخذ كلمة يجوز وترك باقي الكلام خلف ظهره ؟!
فالإسلاميون في قوتهم عندما وصلوا لأعداد أكثر مما هم عليه الآن لم يستطيعوا عمل شيئ من هذا فهل يستطيعون الآن وهم في تراجع ملحوظ ؟ ولو نطق أحدهم الآن بالمناداة بتعديل المادة الثانية التي تقتضي أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتـقـنين لأضحك الناس حتى تستبين بلاعيمهم هذا إن تجرأ على ذلك أو كان يحمل هم ذلك أصلا؟ ولكم أيضا أن تلاحظوا إنحدار البلد من كثرة الفساد وازدياده على جميع الأصعدة وآخرها دخول المرشحات العلمانيات المتبرجات عقلا وجسدا ، ماذا استطاع الاسلاميون أن يفعلوا من خلال هذه اللعبة الشيطانية ؟
فالحكم بغير ما أنزل الله موجود وبقوة وهو عماد الأمر الذي من أجله دخلوا لغيروه زعموا بل وللأسف الاسلاميون أصبحوا جزءا لايتجزأ من ذلك لأنهم دخولوا من إطاره مع عدم استطاعتهم تغييره بل بات لايرجى ذلك أصلا بل أصبحوا جزءا منه كنتيجة طبيعية تقتضيها الممارسة النيابية بدءا بالقسم على احترام الدستور الوضعي "الطاغوت سابقا"! مرورا بممارسة التشريع وبذلك طبقوا مفهوم الديمقراطية المنـافي لعقيــدة الإســلام "حكم الشعب بالشعب" بل شـرعنوا ورسـخوا وشجّعوا على ذلك فتجدهم يقولون دوما
(ننادي بالتمسك بالدستور، نفتخر بالتمسك بالدستور ونعتز به، لقد ارتضينا بالنظام الديمقراطي ، نحن كمشرعين،لامناص لنا عن الديمقراطية... إلخ ) والبعض منهم دخل ليغير الحكم بغير ما أنزل الله وارتضى لأن يكون وزيرا على المحاكم التي لاتحكم بما أنزل الله وأنشأ ناديا للقضاة الذين لايحكمون بشـرع الله وقال مـقولته المشهورة عندما كان نائبا حيث سئل في برنامـج تلفـزوني( أنت نائب إسلامي سلفي تطبق الشريعة أيهما أهم لك تطبيق الشريعة أم تطبيق القانون خاصة فيما يخالف الشرع ؟ رد قائلا: من يريد أن يطبق الشريعة الاسلامية التي تخالف القانون لايتولى أي منصب رسمي؟! )
والبعض منهم يمتطي الديمقراطية ويرتضي بنظام المؤسسات وتجده ينادي بعدم معصية (ولي الأمر) وبالنصيحة السرية وبذلك أصبحوا أضحوكة الزمان ودُمى متحركة للحكومة وكرههم الناس وصاروا كالغراب الأول الـذي أراد أن يقلد مشية الحمامة فأضاع مشيته ومشية الحمامة فهم أضاعوا شرع الله وأضاعوا الديمقراطية الغربية المستوردة ،
وغير ذلك الكثير من المتناقضات والطوام التي باتت واضحة ومعلومة ، وأما قواعدهم والمنتسبين لجماعاتهم والغير منتسبين تجدهم في حيص بيص تمادوا حتى وصل بالأكثرية منهم بالوقوف مع إبن العم الذي دخل طمعا في دنيا ويكفيه أنه لن يصوت ضد الشرع؟! وتجد ذاك مع أصلح الموجود وإن كان راشيا؟! وذاك مع أسوأ الناس خوفا من صعود الأكثر سوءا؟!
وذاك على طول لحيته وقصر ثوبه تجده مفتاحا أو مندوبا انتخابيا لصاحب صفقات مفضوحة ؟!
فتوسعت الدائرة بل الدوائر مع الجميع ولانستبعد في المستقبل القريب تحالف إسلامي مع رافضي أو مع امرأة لأن ذلك أصبح أمرا واقعا ويكفي بالمرأة أن تكون محجبة الشعر لأن الوجه فيه خلاف وبالبنطال الفضفاض كل ذلك تحت مسمى الضرورة وضرورة تجر ضرورة حتى نرى العجب العجاب وأنا أراهن على حصول الأسوء من ذلك وللأسف لأنها لعبة خاسرة لاتأتي إلا بخسائر ، و بتنا نرضى بأقل القليل فأفضل الاسلاميين عندنا الآن الذي ينشط في إصلاح أمور دنيانا بعيدا عن إصلاح ديننا الذي من أجله دخل البرلمان ! بل من أجله أجيز دخوله كشرط ،
وأفضل من هذا من ينادي بالإنكار اللفظي واقتراح هنا وهناك والذي يستطيعه أي إمام مسجد أو مجموعة من الفتية وأن يؤثروا أكثر من تأثيره وأعتقد بوصول الأمر لهذا الحد أن مناط حكم الجواز للضرورة لم يتحقق وهو تغيير نظام الحكم للعمل بالشريعة الاسلامية بل ولم يعد يرجى ذلك قطعا والمفاسد حاصلة بل وارتكبنا نحن أشد مفسدة وذلك ببعدنا عن شرع الله وبترسيخنا للديمقراطية في عقول الناس وقلوبهم وأبعدناهم أشد البعد عن شرع الله ووضعنا أنفسنا في واقع نحن اصطنعناه بأيدينا ، ألا يحق لنا أن نقول بعد ذلك أن من لم يجيزوا دخول البرلمانات اتضح جليا أنهم هم الأصوب ،
أليس من الحق والواجب الآن أن من أجاز دخول البرلمانات من المشايخ الفضلاء أن يرجع عن فتواه؟ كم سيستمر الأمر بنا ربع قرن نصفه قرن كامل؟! لاحولة ولاقوة إلا بالله لقد ركبنا سفينة الديمقراطية التائهة التي ستقودنا لحواف الصخور وللغرق واسمترأنا واستمرأ الناس بسببنا ذلك لأنه ليس من الواقعي بنا ممارسة أمرا ومحاربته في آن واحد ويا للأسى تربت وستتربى أجيالا على الديمقراطية والبعد عن كتاب الله وبعدنا وأبعدنا الناس عن هدي محمد صلى الله عليه وعلى أله وسلم تحت مسمى الضرورة المصطنعة .
هذا من الناحية الشرعية أما من الناحية الاجتماعية فمفاسدها باتت و للأسف واضحة وكثيرة فقلـّت ثقة الناس بنا وبإخلاصنا حتى وإن كنا بعيدين عن الانتخابات وقلّ التأثير ولـَـفـَظت الناس أصحاب اللحى لأنهم من الطبيعي لايحبون من ينافسهم على دنياهم وزاد نعيق العلمنة والرافظة في القنوات والصحف على الدين تحت مسمى محاربة الإسلام السياسي وكثر الاستهزاء بالدين وأصحابه وأصبح الناس يكرهون سيادة الملتحي في أي مكان ولو كانت في مدرسة ابتدائية .
لا يظن البعض أن هذا الطرح غير معقول وأنه بعيد عن الواقعية وأنه ردة فعل ما ويقود للعزلة السلبية عن المجتمع من دون المساهمة في الإصلاح ولعل ذلك يكون مدخلا لما أسميته خطأ تكتيكيا فأعتقد أن الإسلاميين بدخولهم قد ارتكبوا خطأ تكتيكيا لأن هذه اللعبة الشيطانية قادتهم لأن يكونوا هم الحلقة الأضعف وجعلتهم من انحدار إلى انحدار كما هو ملاحظ،إذن مالمخرج من ذلك ؟ وماذا عسانا أن نفعل؟ وماهي الأدوات الممكنة؟
فبالإضافة لبقاء باب الدعوة مفتوحا فإن الإسلاميين هم الشريحة الكبيرة والمؤثرة التي لايستهان بها ويملكون ماهو أقوى من الديمقراطية ألا وهو "الدين" والذي هو في قلب كل كويتي منذ ولادته فبالدين نمتلك زمام الأمور وبه نسود الناس ليس لطمع في دنياهم أو حكم حاكم وإنما طمعا في إيجاد المخرج الحقيقي مما نحن فيه ولنجاة المجتمع ، ونقول لمن أراد الاصلاح حقا فطريقه الوحيد هو الدين مع قليل من الشجاعة والقوة والشهامة والتضحية والحكمة بعيدا أولا عن الفكر التخاذلي الذي يلهج بحمد الحاكم ليلا ونهارا سرا وجهارا وهذا شرط من الشروط وأيضا بعيدا عن العنف الخاطئ الذي لا يأتي إلا بالنتائج العكسية عندها سنكون المؤثريـن الحقـيقـيـين على أرض الواقع ،
فالمساجد ومنابرها عندنا والجمعيات الخيرية عندنا ووسائل النشر المختلفة متاحة وبإمكاننا وبسهولة السيطرة على جميع نقابات الدولة وجمعياتها المختلفة ونستطيع تحريك الشارع بالمظاهرات تارة وبالاعتصامات تارة أخرى والإضرابات والندوات وغيرها من الوسائل الشرعية والمباحة شرعا والمتاحـة والسلمية
حتى وإن وصل الأمر للشبه سلمية فالأمر لن يتعدى مفاسد الديمقراطية اللعينة على الدين والدنيا وهنا يمكننا تطبيق قواعد الضرورة ونرحم بعضنا إذا اختلافنا باستخدام الوسائل ومهما بلغنا فلن تصل بالمسألة للعبة الشيطانية ،
هذا ولكم أن تتخيلوا لو أنشأنا قناة فضائية مثلا أو اثـنتين أو أكثر في الداخل وفي الخارج وتكون سياسية فكرية منضبطة بضوابط الشرع تـناقش واقع الناس وهمومهم ومشاكلهم وتـتـدخل في شؤون أصغر موظف بالدولة إلى أعلى سلطة فيها من دون تزلـّف أو محاباة وبطرح واع ومثـقف فماذا سيكون تأثيرها ؟
فكم نشعر بالحزن والأسى بسباق العلمانيين لنا دوما على مراكز التأثير في الشعب والقرار السياسي فسبقونا على الصحف وأثرت على أجيال ومازالوا والآن هذه القنوات أو "الإعلام الفاسد" التي تصدّرت شؤننا ودخلت كل بيت وامتـلكوا بذلك مكائن صناعة العقول الحقيقية ،
وقناة مثل قناة .. عفوا "وزارة ... " بقيادة ( امرأة وشاعر) وبعمرها القصير وبتخبطها الواضح وبسذاجة الطرح استطاعت وتستطيع أن تأثر على الشارع والقرار السياسي أكثر من عشرة أعضاء إسلاميين أليس كذلك ؟
وللعلم فإن الأعضاء اللبراليين في الفترات الماضية لم يتعدوا عدد أصابع اليد الواحدة وماضرهم ذلك ؟!
فقد كان تأثيرهم هو الأقوى دوما ، ولو أردنا أن نستخدم هذه الأدوات المتاحة مع العزم على إمتلاك ماتخاذلنا عنه وأهملناه مع صفاء العقيدة والنية من دون إفسادهما بالديمقراطية لامتلكنا زمام الأمور وبقوة ولعمل لنا الغـير ألف حساب ولأتيحت لنا الفرص والمصالح الجمّة ولأصبحنا أفضل من حالنا اليوم ولأوجدنا الضغط الحقيقي المؤثرعلى صناعة القرار مع عدم الولوج في اللعبة الشيطانية وفي عمقها المتسخ قال تعالى ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )،
أليس من المناسب الآن أن نقول لمن اتسخت أيديهم وعقولهم بهذه اللعبة الخبيثة الفاشلة التي تكاد تميتهم "ياأيها الإسلاميون ارجعوا إلى مساجدكم " هل سنشهد مجددون جدد ينطلقون من مسجد مثل مسجد قباء يجددون لنا أمر ديننا ؟ أخوف ما أخافه اليوم أننا في تيه مستمر سيطول بنا .
كتبه: محمد عـبدالله العـتـيـبي
الكاتب: محمد بن عبدالله العتيبي
التاريخ: 28/05/2009