دعاتنا تحت المجهر

 

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله سيّد المرسلين وقائد المجاهدين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين
إنّ من يرى ماتعيشه الأمّة اليوم وتعانيه من انحراف في المنهج وذوبان في العقيدة وانتكاس في المباديء والقيم وذلّة وضعف أمام الأعداء يتسائل كثيرا ماهي الأسباب ؟ وماهو الحلّ؟

لم تخل الأمّة من المنظّرين والباحثين في هذه القضية ..فتنوّعت الأسباب وتعددت الحلول

لكنّني أردت اليوم أن أتحدّث عن جانب لم يسلّط عليه الضوء كما يجب وهو جرح مازال يثعب دما ومازالت آثاره تنهك جسد الأمّة وتضعفه ، لأنّنا في الغالب حينما نبحث عن أسباب التدهور نتجّه فورا للظواهر السلبية ونغفل عن بعض الظواهر الإيجابيّة والتي يمكن أن تحمل في الخفاء من الدمار الفكري ومحو الهويّة مالا تحققه كثير من الظواهر السلبية أثناء اجتماعها

لن أطيل في التقديم أكثر ..بل سأخوض في الموضوع بكلّ صراحة ووضوح بعيدا عن ذكر الأسماء والهويّات ، لا بصورة النقد السلبيّ الذي يسلكه الكثير إذا سلّط الضوء على هذه القضيّة ولا من باب التهكّم أو الحطّ من قدر البعض عياذا بالله بل سأسلك مسلك إحسان الظنّ والله كفيل بالنوايا

لقد ساهم الإعلام في إبراز الكثير من الدعاة بشتّى توجّهاتهم وتنوّع مشاربهم وكلّ أصبح يسقي الأجيال فكريّا بطريقته منهم من نفع الله به وكان له الأثر الكبير في إصلاح الأمّة وتوعيتها وهم كثر بفضل الله تعالى

ومنهم من كان له نصيب وللأسـف في محو هويّة أجيال الأمّة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، بقصد أو بلا قصد!

لقد انكشفت حبال العدوّ في غزوه الفكري وباءت كثير من مخططاته بالفشل بفضل الله ثمّ بجهود الدعاة الصادقين الذين حذّروا الأمّة منها وكشفوا الستار عن وجهها القبيح فسعى العدوّ في فكرة أكثر تأثيرا وأكثر خفاء وهي غزو فكر الأمّة عن طريق مفكّريها ودعاتها وهذا مانجحوا فيه اليوم وكان له التأثير السلبيّ الكبير على الأمّـة ، من هؤلاء من لوّثوا دماغه بطريقة مباشرة وأرسلوه للمهمّة ومنهم من تأثّر بالعملاء المدسوسين ومنهم من لاشأن له بل هو سليم القصد والنيّة لكنّه كان معينا لهم بطريقة أو بأخرى

وكلّ منهم له جانبه في التأثير السلبيّ على أمّة الإسلام ودين أجيالها ومن أمثلتهم :

1-دعاة الإنبطاح : العدوّ يكسر شوكتنا من الخارج وهم من الدّاخل ، يوهنون الصفوف ويحطّمون العزائم ويوجّهون الرؤوس ركّعا لمن هاجم الديار ولمن باعها فيؤولون الأحاديث والآيات ويخرجون على أثرها الأحكام والفتاوى التي ماعلمناها عن علماء الإسلام في شتّى العصور إن لم تخالفها وللأســف كان لها نصيب عظيم في تمييع عقيدة الأجيال وانتكاس مبادئهم حتى تبنّى فكرهم المنبطح الآلاف من المخدوعين وأصبحت حمامة السلام تاجا يتفاخرون به وهم يجهلون أنّه في حقيقته حذاء مهانة رفعه الأعداء ليلبسه المخدوعين فوق رؤوسهم!

منهم من تغنّى بتسامح الدّين ودعاوى المحبّة في الحين الذي ينتهك فيه عرض أخته وتستباح فيه دماء إخوانه وتستحلّ أراضي المسلمين

بل منهم من ظهر بأبشع صوره حين أهين نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وصوّر بأقبح الصور وسبّ ديننا بأبشع الألفاظ ورمي كتاب ربّنا في أنجس الأماكن وهو مازال ينعق بدعاوى التسامح بل يدعوا إلى عدم المقاطعة الاقتصاديّة والتي هي أقلّ مااستطاع أبناء الإسلام تقديمه !

ومنهم من لم نره يدافع إلاّ حينما أعلن عن تحطيم صنم فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها باسم الدّين دفاعا عن صنم يعبد في مشارق الأرض ومغاربها من دون الله!

أرأيتكم كيف استسغنا هذه الدعاوى المنتكسة باسم الإسلام !

لقد نجح الإعلام في قلب الفطر والمفاهيم بإبراز هؤلاء حتى أصبح أتباعهم المخدوعين يظهرون بكلّ جرأة ويتكلّمون بكلّ جهل وغباء والعدوّ يصفّق لهم !!

فهم بوق العدوّ وسهامه في داخلنا تحت مطيّة الدّين وتعاليمه وقد انخدع بهم كثير نسألهم الله أن يردّهم إلى الحقّ



2- دعاة الإعلام :

وهؤلاء قد يكون في بعضهم الخير الكثير وفي دعوتهم وكلماتهم الفوائد العظيمة لكنّهم للأسـف يحطمون مبادئا ويضيعون ثوابتا دينية بصورة غير مباشرة -إن أحسنّا الظنّ-!

فحينما نرى ذلك الداعية الذي رزقه الله حسن الأسلوب وروعة المعاني يتكلّم عن سير العظماء ويدعوا لانتهاج نهجهم وهو حليق الخدّين وقد خالف بذلك خيرة من يتكلّم في سيرهم!

وحينما نرى رجال الدّين يتساهلون في الإعلام بمقابلة النساء والحديث معهنّ والنظر إليهنّ مباشرة دون غضّ طرف أو حياء من الله كما رأيت بأمّ عيني من يدّعي أنّه رجل دين يجلس مع المذيعة هالة سرحان في برنامج حواري وهي تستضيف مجموعة من النساء المتبرّجات بالزينة الكاسيات العاريات وكانت إحداهنّ تلبس تنورة تظهر أكثر من نصف فخذها يتضاحكون ويتناقشون وهو الذكر الوحيد غضضت بصري من منظر ذلك الرجل المخزي بينهن وهو يتضاحك ويتناقش وينظر بكلّ بساطة إليهنّ ومن تلك العورات التي بانت من أجسادهنّ ... وغيره الكثير !

تلك المناظر التي تظهر أصحاب الدّين ودعاة الإسلام وهم يرتكبون المعاصي علنا ويتهاونون بها في اللحظة التي يدّعون أنّهم ينصرون دين الله ويظهرون الحقّ ويدعون إليه كيف ستؤثّر على الأجيال التي تشاهدها؟

لقد غرست في العقول البريئة أنّ الإنسان يستطيع أن يكون مؤمنا صادقا متبعا لنبيّه وهديه وسنّته دون أن يلزم نفسه ببعض الأحكام الشرعية الواجبة فالإسلام دين يسر وسهولة لادين تعقيد وتشدد!

هذا إن لم يشكّك العامّة في بعض هذه الأحكام كوجوب إعفاء اللحية ووجوب غضّ البصر عن النساء الأجنبيّات بل والتساهل في النظر إلى العورات وكشفها وغيرذلك فينشأ لدينا جيل تذوب معه الأحكام الشرعية شيئا فشيئا بسبب تصرفاتهم اللا مقصودة - إن أحسنّا الظنّ أيضا -حتى لايبقى من الإسلام سوى نطــق اللسان بلا إله إلاّ الله محمّد رسول الله !

أنا لاأقول هنا أن مرتكب المعصية لا تحقّ له الدعوة والأمر بالمعروف ولكن عليه أن لايبرز للعالم بمعصيته في نفس الوقت الذي يضع نفسه موضع الممثّل للدّين الداعي إليه فيسيء للدّين أضعاف ما يظنّ أنّه يحسن إليه!

ولا أن يدعوا إلى الله بصورة المحافظ المتمسّك بالدّين وتعاليمه أمام النّاس وحينما يخلوا مع نفسه ينتهك حرمات الله متجاهلا تلك الأمانة التي يحملها بين جنبيه فتمحق بركة الدعوة ولا يكون لكلماته ذلك الأثر !



3- دعاة النشيد:

حينما تختلط معاني النشيد السامية وكلماته الراقية بتصرّفات طائشة أو غير محسوبة ينعكس ذلك على دين الله بصورة مشوّهه

فحينما نرى ذلك الإمام الذي رزقه الله حسن الصوت في التلاوة وقراءة الآيات وهو يقف منشدا في فيديو كليب والكاميرا تدور حوله تمرّ أحيانا على شفتيه ومرّة أخرى على عينيه وتظهره بأجمل صورة وأروع ابتسامه

بل وتحتوي بعض كليباته على مقاطع لامرأة كاشفة الوجه وإن لم تكن صغيرة شابّه تتعاكس في أدمغتنا تلك الصورة لإمام المسجد المحافظ مع الإمام المنشد الفاتن!

وذلك الآخر الذي وهبه الله وسامة وجمال صوت يظهر في كليبات ينشد فيها عن رسول الله وبعض المعاني الجميلة وهو يعزف على آلة بيانو ضخمة ! هذا مع تلك المقاطع التي تبرز فيها مفاتن وجهه وتطاير شعره !

لا أريد أن يفهم من كلامي هنا أنّ النشيد خطأ أو حتى إنشاء كليبات إنشاديّه ولكن ظهور المنشد فيها بهذه الصورة الفاتنة وإظهار النساء بل واحتواء بعضها على المعازف وتجاوز الأحكام والتساهل فيها بلا مبالاة وحساب دقيق لعواقب هذا وأثره على الأمّة هو المشكلة !

فكانت أبرز آثاره استباحة الكثير للمعازف اليوم باسم الكلمات الهادفة وانتشار موضة الإعجاب بالمنشدين والافتتان بهم لدى بعض الفتيات اللاتي حفظهنّ الله من فتن الأغاني الماجنة! وكأنّ كلّ واحد منهم يظهر بأبهى حلّة باسم الدّين والدعوة للخير ليتسابق مع أقرانه في فتنتهنّ بدل أن يرسّخ في أذهانهنّ تلك المعاني التي تترنّم بها شفتيه!



هذا استعراض لبعض صور الدعوة والتي تحمل في طيّاتها آثارا سلبية مدمّرة للأمة

لكن ماذا بعد هذا الاستعراض؟

هي كلمات أوجّهها أوّلا لهؤلاء الدعاة الذين وضعوا أنفسهم موضع الدّاعي إلى دين الله بأي أسلوب أو طريقة كانت

يقول رسولكم صلّى الله عليه وسلّم ( ما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله)

دين الله ينتظر منكم الكثير ..

وأمّة الإسلام قد علّقت الكثير من آمالها عليكم..

فالله الله أن يؤتى ديننا من قبلكم ..

الله الله أن تضيّعوا الإسلام باسم الإسلام !

الله الله أن تتسبّبوا في تهاون أجيال الأمّة في المحرّمات فنهلك بسبب المعاصي كما أهلك الله عادا وفرعون وثمود!

الله الله أن تتسببّوا في تمييع العقيدة التي تحمّل الجيل الأوّل السياط والصخور والحديد من أجل أن تصلنا صلبة قويّة!

والله الله ....أن ترخصوا دماء إخواننا وتبيعوا أرضنا وعرض أخواتنا وكرامة أمّتنا من أجل حفنة دنيا زائلة !



وثاني كلماتي أوّجهها لأبناء الإسلام :

اعلموا أنّ صاحب الفطرة السليمة يعلم أنّ الحقّ لايعرف بالرجال وإنّما يعرف الرجال بالحقّ !

ولهذا فهو مكلّف بمعرفة الحقّ واتباعه لا الاتكال على الفتاوى الطائشة والبحث عن شاذّها ورمي الوزر على الغير !

فلا تتساهلوا في الباطل بسببهم ولا تكونوا عونا للشيطان عليهم !

ناصحوهم بدل الكلام وتصيّد الأخطاء الذي لا فائدة منه والذي لا يمثّل النقد الإيجابيّ

ولا تعينوا أهل الباطل عليهم من العلمانيين والليبراليين والرافضة والفاسقين الذين يبحثون عن أي ثغرة في الدعوة الإسلامية ليوجّهوا سهامهم إليها ويطعنوا في جسد الأمّة !



وثالث كلماتي إلى علماءنا ودعاتنا الصادقين :

ساعدونا في بيــان الحقّ وكشف البــاطل

فهذا الموقف الذي تنتظره أمّتنا الجريحة من رجالها اليوم..!

فقد لبّس علينا ديننا ولم يعد ذلك الدّين الذي عرفناه عن نبيّنا وصحبه ..!

الأجيال تضيــع .....فأيــن مواقف الرجــال !!!!



وأخيرا ..أحبّ أن أؤكّد على أنّ الأمّة مازالت تزخر بعلماء ودعاة أفاضل صادقين فالكلام مخصص لا من باب العموم وأنّ هؤلاء الذين يمثلون الجانب السلبي ويشوّهون بأفعالهم وأقوالهم الدعوة إنّما هم يمثّلون شخصياتهم لا ديــن الله

وكذلك فإنّ موضوعي هذا ليس القصد منه تصيّد أخطاء وعرضها بل هي كلمات محبّ مشفق ولهذا لا أسمح أن يكون موضوعي فتح مجال للنقد الغير إيجابي



منقووووول


الكاتب: أم مجاهد
التاريخ: 11/08/2007