بلال يؤذن في دَرَيَّا ..

 

المدينة ..
والليل يوشك أن يولِّي فيخلفه النهار ..
والناسُ هاجدون وكأنهم أيقاظ يتحينون دعاء المؤذن ..
والامام - يرعاه ربُّه .. تنام عيناه ولاينام قلبه ..
والمؤذنُ يرتقي الجدارَ .. ثم يضع سبَّابتيه في اذنيه فيبعثُ صوتا مجلجلا في الأرجاء :
اللهُ أكبر اللهُ أكبـر ..
الله أكبر الله أكبر !
والنورُ الشاحبُ ينبثق في الشرق عند الأفق البعيد وكأنه استجابة النهار لهذا النداء !
فما يكون الفجر إلاّ صوت نورانيّ يتلألأ بنغمات ذلك النور الصوتي ..
حتى أن الانسان ليحار أيّهما الصباح ..
وأيهما صوت بلال بن رباح !
...
ويمضي بلالٌ يزلزل الدنيا بشهادةِ الاسلام :
أشهدُ أن لا اله الاّ الله
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهدُ أنّ محمدا رسولُ الله
أشهد أن محمدا رسول الله
ثم يُحَيْعِلُ بالصلاة : حيّ على الصلاة .. حي على الصلاة
ثم يحيعلُ بالفلاح : حيّ على الفلاح .. حي على الفلاح
ثم يُعيدُ التكبير في تمديد :
اللــــــــــــــــــه أكبر .. اللـــــــــــــــــــــــــــه أكبر
ويختمُ بكلمةِ التوحيد :
لا إله إلاَّ الله ..
فيذهب التكبيرُ نغمة مُتّسِقة بين ضوضاءِ العالم وجلبته ..
يذهب هذا التكبيرُ في الأرجاء طُمأنية لقلوبٍ ورعدة لقلوب ..
ورجاء لقوم وخوفا لآخرين ..
يبشِّر الضعفاء والمظلومين بملكوت الله .. ويُنذرُ الجبارين والظالمين بالقصاص ..
إنما زلزلَ عروشَ الجبارين تكبيرُ المؤذنين قبل وقع النبال ..
ومزَّق شملَ الظالمين صفوفُ المصلين قبل صفوف القتال ..

الامام .. والمؤذن .. والمصلون
جماعة من الزهاد تضمهم جُدُرُ المسجد اليوم ولايسعهم العالم غدا ..
جماعة في أرض فقيرة بين ناحيتين ينتشرون عما قليل بين المشرقين والمغربين ..
فترجفُ الارضُ تحت أقدامهم ثم تقرّ بعدلهم .. وتضيء بإيمانهم .
..
ثم يدورُ الفلكُ دورَتَه فإذا عمر في الشام يقيم في ( دَارَيَّا ) بالقربِ من دمشق وقد أزال عنها سلطان الروم وإذا بلال في جيش المجاهدين غازيا ..
فيقول الناسُ لعمرَ : لو أمرتَ بلالاً أن يُؤذن !!
فيقترح عمرُ على بلال الأذان .. فينهض بلالُ وهو في السبعين من عمره فيدوَّي صوتُه :
الله أكبر الله اكبر ..
فينشجُ عمرُ بالبكاءِ ويبكى معه الصحابة ُحتى اخضَلَّتِ اللحى بالدموع ..
بكوا وانتحبوا فما الذي أبكاهم وقد نصرهم اللهُ ومكّن لهم وأغناهم وأعزّهم ؟
إنهم يبكون إذ رأوا المؤذن ولم يروا الإمام ..
يبكون إذ سمعوا مؤذن رسول الله ثم نظروا فلم يجدوا رسول الله ..
رحم اللهُ بلالا ..
وطيّبَ روحه ..
وأجزلَ مثوبته ..

العبّـادي


الكاتب: العبّادي
التاريخ: 08/01/2010