ستر العورة في الحياة وبعد الممات

 

ستر العورة في الحياة وبعد الممات

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالناظر في طرقات المسلمين اليوم لا يخفى عليه ما عمت به البلوى من انتشار الفساد، وفشو التبرج وتكشف العورات؛ وهو ما ينذر بحلول العقاب، ونزول البلاء بالإضافة إلى انتشار الجرائم الأخلاقية، والانحرافات السلوكية في المجتمع، وانطلاقـًا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فإنا نوجه صيحة تحذير لعموم الأمة من تبعات هذا الأمر؛ خصوصًا مع اقتراب موسم الصيف والذي أصبح عَلمًا على التعري والفجور -والعياذ بالله-.

تدابير الإسلام الوقائية لستر العورة وعدم الفتنة بها:

1- ففي باب الندب إلى ستر العورة عمومًا، قال الله -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف:31)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني)، وقال أيضًا: (لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) (رواه مسلم).

2- تحريم دخول البيوت إلا بإذن أصحابها وما ذاك إلا خشية وقوع النظر على عورة مكشوفة ولو بلا قصد، فقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور:27).

3- أمر النساء بالحجاب والتستر في آيات وأحاديث لا تحصى كثرة، منها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب:59)، والجلباب هو ما تضعه المرأة على رأسها فيستر جميع بدنها.

ثم خفف الأمر عن بعض النساء، فقال: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60)، والقواعد هن: العجائز اللائي يئسن من أن يـُنكحن فلا بأس أن يضعن ثيابهن؛ أي: عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات، مع التنصيص على أن الستر الكامل أولى لهن، وقد نص القرآن على ذلك صراحة فقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53).

4- وفي باب تحذير النساء من الوقوع في كبيرة التبرج ووعدهن بالعذاب الأليم إذا فعلن ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) (رواه مسلم)، وقال -عز وجل-: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33).

5- ومن ذلك تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط بها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) (متفق عليه)، وقال أيضًا: (أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقد كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في غيرها، بل كن يصلين في صفوف متأخرة عن الرجال امتثالاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) (رواه مسلم).

6- ومن ذلك الأمر بغض البصر؛ لأنه يحرك الشهوة ويؤدي للوقوع في الفاحشة، فقال الله -عز وجل-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:30-31)، ثم حذر من مسارقة النظر عند غفلة الناس فقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19).

7- وفي جملة من الآداب وجهها الشرع للنساء، فمنها: نهيه لهن عن ترقيق أصواتهن أو تجميلها، فقال -عز وجل-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) (الأحزاب:32).

ومنها: النهي عن ترك المنزل ومزاحمة الرجال في أماكنهم؛ لأن ترك المرأة لواجبات البيت وخروجها لميدان العمل يفضي إلى كل الشرور: من تفكك الأسرة وضياع البيت، ثم حرمانها من ممارسة دورها في الأمومة والتربية، فقال -عز وجل-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب:33).

ومنها: تحريم تعطر المرأة خارج بيتها؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِي زَانِيَةٌ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).

8- ومن ذلك تحريم لمس المرأة الأجنبية أو مصافحتها؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) (رواه البيهقي والطبراني، وصححه الألباني)، وقال: (إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ) (رواه أحمد والترمذي والنسائي، وصححه الألباني).

9- ومن ذلك حث الخـَلق على الحياء والعفة، والتي تحمي صاحبها من التردي في دركات الرذائل والعيوب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ) (متفق عليه)، وقال: (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ) (رواه الإمام مالك وابن ماجه، وحسنه الألباني)، وقال أيضًا: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَافْعَلْ مَا شِئْتَ) (رواه البخاري).

10- ومن ذلك زرع الغيرة في نفوس الرجال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) (متفق عليه)، وقال: (ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ) (رواه والنسائي، وقال الألباني حسن صحيح).

لطائف من أحكام الجنائز:

وقد يتعجب المرء وهو يطلع على أحكام الشرع في ستر عورات الأموات فما الظن بالأحياء!! وهذه مجموعة من الأحكام نص عليها الفقهاء في باب الجنائز نذكرها إتمامًا للفائدة:

1- قالوا: "إذا أخذ الغاسل في غسل الميت ستر عورته" -أي وجوبًا-.

2- "يستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض، أما المرأة فتكفن في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين"؛ فالإزار يغطي أسفل البدن، والخمار يغطى به الرأس، واللفائف تغطي جميع الجسد، والقميص يغطي جميع الجسد لكن به أكمام.

3- قالوا: "السنة أن يقوم الإمام عند صدر الرجل، أما المرأة فيقف أمام وسطها"، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "والحكمة في ذلك أن وسطها محل العجيزة والفرج فكان الإمام عنده؛ ليحول بين المأمومين وبين النظر إليها، هذه من الحكمة والله أعلم"، وهذا مع أنه أمر اجتهادي إلا أنه يبين لنا مدى حرص الفقهاء وتشبعهم بهذه الآداب.

4- قالوا: "يوضع على نعش المرأة أعواد مقوسة ويوضع عليها ستر أشبه بالخيمة"، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وقد استحبه كثير من العلماء؛ لأن ذلك أستر لها".

5- "تغطية فبر المرأة عند إدخالها القبر من أجل أن يكون أستر لها"؛ لما روي عن علي -رضي الله عنه- أنه مر على قوم يدفنون ميتـًا رجلاً وقد سجوه فجذبه وقال: "إنما يصنع هذا في النساء".

6- "ولرجل وامرأة غسل من له سبع سنين فقط من ذكر أو أنثى، أما فوق ذلك فلا يغسل الرجل إلا الرجل، وكذلك المرأة، أما من بلغ سبع سنين فإنه يحرم مس عورته".

7- "إن مات رجل بين نسوة أو عكسه فلا يغسلنه، وإما يدفن هكذا أو يمموه"، وفي ذلك قولين للعلماء.

8- "أن يلف الغاسل على يده خرقة فينجي الميت بها، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الكاتب: أبو عائشة
التاريخ: 13/10/2009