إن الحديث عن حرمة المرأة المسلمة حديثٌ يكاد يكون مؤلماً في عصرنا هذا، لأنه حديث عن شعبةٍ من شعب الإيمان آخذة في النقص متمادية في الانحسار، ولكن من قلب المأساة ومن صميم المحن تبزغ خيوط الفجر فإذا بشمس الحق بازغة يقذف نورها بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولئن قيل : إن التقوى فوق الفتوى، فإن حديثي هذا سيكون بعيداً عن حدِّية المصطلحات والأحكام الفقهية، قريباً من قلب المؤمن، فالأصل في كلام الله عز وجل أن يخالط شغاف القلوب فتتشرب به قبل أن تمر على معامل الفتوى ومدارس الاجتهاد، قال تعالى :" إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون"(الأنفال 2)، وما أحوجنا أمةً وأفراداً إلى تعهد غرسة الإيمان في قلوبنا بكل وسيلة ممكنة في زمان الفتنة هذا، فأسأل الله تعالى أن يكون في هذه المناصحة نفاذاً إلى قلوبٍ أخبتت لذكر الله وجوارح انقادت لأوامره وارتعدت عن زواجره، ونفوس تجهد في تتبع مواضع رضا الخالق سبحانه وتعالى غير قانعة بالحد الأدنى من الواجب ولا زاهدة في صور كمال الانقياد الشرعي حين تتعبد لله تعالى به.
قال الله تعالى:" يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين وكان الله غفوراً رحيماً"(الأحزاب – 59) وبغض النظر عن كون تغطية الوجه واجباً أم لا فإن لا أحد ينكر مشروعية هذه التغطية لا من جهة أنها مباحة بل من جهة التعبد لله تعالى بالاستتار عن الأجانب، ولا يخالف من له أدنى حظ من الفهم والعقل في أن تغطية الوجه هي الصورة الأكمل والأورع والأتقى لحجاب المرأة المسلمة، ومرةً أخرى أقول إنني لست في مقام الإنكار على من يرى جواز كشف الوجه أو يعمل بفتيا من يقول بهذا، بل إننا في مقام الأورع والأحوط والأكثر حفظاً وصيانةً ووقايةً لعرض أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا وزوجاتنا، إننا اليوم لسنا في مقام :" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " (سورة النور 31) وإنما نحن اليوم في مقام :" ولا يضربن بأرجلهنَّ ليُعلَم ما يُخفين من زينتهنَّ"(سورة النور 31)، إننا اليوم في مقام الأورع والأحوط، إننا في مقام التقوى فوق الفتوى...
نحن اليوم نواجه معركةً عنيفةً في الدين معركةً عقدية حقيقتها، فكرية اقتصادية اجتماعية سياسية عسكرية في مظاهرها، وإن تنوع الأدوار المنوطة بكل مسلم متفرعٌ على تنوع جبهات الهجوم والدفاع عن عقيدتنا الغالية؛ وما هذه الرسالة إلا محاولة جادة من أجل تجنيد أخواتنا المسلمات للانخراط في منظومة الدفاع عن هذه العقيدة المفدَّاة بالأرواح، فليس المقام في هذه المعركة مقام الاكتفاء بالحد الأدنى من الواجبات والتكاليف، وإنما هو مقام :" ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبَه"( جزء من حديث قدسي وهو عند البخاري)، إنه مقام التشبث بكل جزئيات الدين سواء أكانت مندوية أم مفروضة، وحتى نزيد الموقف وضوحاً نقول – والله المستعان – إن أكل الذبيحة من الغنم مباح لا أجر فيه ولا ثواب لمن فعله من حيث هو مباح، ولكن عندما يجترئ الناس على تحريم الحلال وتحليل الحرام بحيث قد يحرمون ما أحل الله يصبح أكل لحم الغنم إرغاماً لأنوف من يشرعون لأنفسهم وبأنفسهم يصبح هذا المباح من جنس جهاد هؤلاء ولسان حالك يقول : لا حلال إلا ما أحل الله ولا حرام إلا ما حرم الله ..
وإذا عرف ما تقدم، نقول – وبالله التوفيق – إن من الممكن أن نجعل من تغطية الوجه الذي هو كمال الستر والعفة والورع جبهةً من جبهات الدفاع عن الدين من جهة، وجبهة من جبهات مراغمة أعداء الله تعالى من جهة أخرى وإليك بيان كل منهما :
أما على الجبهة الدفاعية فمن المعلوم أن حقد بني قينقاع الدفين ورغبتهم المستميتة في كشف سوآت نساء المسلمين لا يزال ينفح في جنبات المجتمع المسلم إلى اليوم، ولا تزال نار السفور والفجور تستعر، وأنت تعلمين أيتها الأخت المسلمة أن أخواتٍ لك في الدين يتعبدون الله تعالى بوجوب تغطية الوجه – ولهم في ذلك اجتهاد شرعي سائغ – وهو قدر زائد على حد الحجاب الشرعي عند من لا تتعبد الله تعالى بوجوب هذه التغطية، فمن الطبيعي إذاً أن تُوجه سهام أحفاد بني قينقاع أول ما توجه إلى هذا الأمر فيحاولون بكل استماتةٍ – كما هو مشاهد – التركيز على كشف الوجه فلا تستشعر من لا ترى وجوب تغطية الوجه أن هذه السهام متوجهة إليها ولا تكترث بها ولا يهمها أن قانوناً قد سُنَّ في البلد الفلاني أو المجتمع الفلاني يمنع النساء من تغطية وجوههنَّ فالأمر عند هذا الحد لا يعنيها، حتى إذا انهدم خط الدفاع الأول توجهت سهامهم النتنة المسمومة بعدئذٍ إلى غطاء الرأس وهكذا حتى تصل نساء المسلمين إلى حال "كاسيات عاريات " وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وخلاصة القول إننا نريد أن نجنّد أخواتنا المسلمات في معركة العفة والشرف والدين بل والعقيدة هذه من أجل التصدي لسموم بني قينقاع وأحفادهم وأعوانهم وعملائهم من خلال الانضمام إلى جبهة إسدال الخمار على الوجه طلباً للصورة الأكمل والأورع والأحوط - سواء أعتقدت المسلمة وجوبه أو ندبه – وذلك تحقيقاً للمكاسب الدينية التالية:
1- التعاون على البر والتقوى: فكلما زاد عدد النساء الملتزمات بخمار الوجه كلما كان خط الدفاع الأول عن عفة وشرف المرأة المسلمة بل المجتمع المسلم أشد وأمكن وأقدر على مجابهة هذا العدوان البغيض، وقد قال تعالى :" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص"(الصف 4)، وقال تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى"(المائدة 2).
2-تحقيق الكمال في هذه الشعبة الإيمانية؛ وتوضيح ذلك أن شعبة الحجاب الشرعي لها حد أدنى هو الإيمان المجمل بوجوب ستر المرأة عن الأجانب، وحد واجب هو الالتزام العملي بتطبيق فريضة الحجاب، وحد أعلى هو تحري الكمال في العفة والتستر والتحصن بدليل الأمر من الله تعالى :"فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرحج الجاهلية الأولى"(الأحزاب 32-33) فهذا غاية ما يكون من المبالغة في التستر عن عيون الناس والعفاف، بل إن قوله تعالى: :" ولا يضربن بأرجلهنَّ ليُعلَم ما يُخفين من زينتهنَّ"(سورة النور 31) دليل بيِّن آخر على تحري الكمال في الصيانة والعفة لأخواتنا المسلمات.
3-تحقيق مراغمة الأعداء وغيظ الكفار بهذا الالتزام، ومن الجدير بالذكر أن ننبه في هذا المقام على أن غيظ الكفار من الأمور المطلوبة شرعاً لا سيما في سياق مجاهدتهم بهذا الدين ولهذا الدين ، قال تعالى:" ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصب ولا مخمصةٌ في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين"(التوبة 120)، نعم إن التعبد لله تعالى بالتزام شرعه الذي يغيظ الكفار هو من العمل الصالح بنص القرآن ونرجو أن يكون من جنس الجهاد في سبيل الله.
4-استشعار الانخراط في منظومة الدفاع عن الدين؛ ذلك بأن أكثر أسباب الإحباط عند المسلمين حيال الواقع المعاصر هو الشعور بالعجز عن فعل أي شيء لتغييره، ولكن عندما يحرص المسلم والمسلمة على تحري الأكمل فإنه يستشعر التغيير من نفسه ويحقق مساهمته الفردية في الدفاع عن الإسلام فلا يؤتى الإسلام من قِبله، وإن تحري الأكمل اليوم يعني العمل بالأحوط ويعني الخروج من الخلاف ويعني تتبع السنن والتزامها لا تتبع الرخص واعتيادها، إن تحري الأكمل اليوم يعني أن يقوم كل منا بعمل ما من أعمال الإسلام إحياءً لسنته وتحقيقاً لمراغمة العدو به، إن تحري الأكمل اليوم يعني أن التقوى فوق الفتوى...
ختاماً أقول إن هذه الرسالة ليست بحثاً فقهياً كما أنها ليست ترجيحاً لأحد القولين على الآخر فإن لهذا الأمر أهله وعلماؤه، وإنما هذه الرسالة كما قلت وبكل وضوح هي رسالة تجنيد لكل مسلمة لتنخرط في صفوف الدفاع عن شعبة عظيمة من شعب الإيمان ألا وهي الحجاب الشرعي والستر الشرعي والحياء الشرعي وفداك أبي وأمي يا رسول الله حيث قلت :" والحياء شعبةٌ من الإيمان"(البخاري)، فاعلمي أنك عندما تنضمين إلى البنيان المرصوص فإنك تنضمين إلى الأكمل والأطهر والأحوط والأستر بلا خلاف، وإنك عندما تنضمين إلى هذا البنيان المرصوص – أعني بنيان إسدال الخمار على الوجه – فإنك تستحيلين حجراً يلقم فاه كل خبيث، وسهماً يفقأ عين كل حقير متتبع لعورات المسلمين، وشوكة في جنب كل عدوٍ خبيث يتربص بك وبعفتك وبحجابك الدوائر، إنك أيتها المسلمة عندما تنخرطين في منظومة تخمير الوجه ترفعين من معنويات غيرك من المسلمات بنفس القدر الذي تفتين به في عضد المتربصين من أعداء الدين، وإنك عندما تنخرطين في منظومة الدفاع عن شعبة الحياء الإيماني تلتزمين جنس ما التزمه الصديق أبو بكر رضي الله عنه في حربه على المرتدين الذين أرادوا تعطيل شعبة واحدة من شعب هذا الدين العظيم، أبو بكر الصديق الذي قال : "لو خالفتني شمالي لجاهدتها بيميني"، فما بالك إذا كان المخالف لنا أعداء الله عز وجل، أفلا نكون أول المجاهدين؟
أيها المسلمون، أيها الغيورون، أيها المؤمنون، أيها الأب وأيها الزوج وأيها الأخ وأيها الابن، إن حظك من هذا ليس بأقل من حظ نساء المسلمين، فحذار أخي المسلم أن تقف عثرةً أو عائقاً في طريق ابنتك زوجتك واختك وأمك، بل نقول إن رأيت فيها رغبةً في تلبية النداء فكن لها عوناً وسنداً ثم ارفع هامك عالياً مفتخراً بهذه المؤمنة المجاهدة، ولتكن كتيبة إسدال الخمار أول الكتائب والصواعق المرسلة على الكفار، ولسوف تتبعها كتائب وصواعق الحق تترى، والله أكبر والعزة لله. الكاتب: د. وسيم فتح الله التاريخ: 01/01/2007