استطاع كلا الشعبين العراقي والفلسطيني في الفترة السابقة أن يثبتا لبقية الشعوب العربية أن الضعف لا يكون مع المقدرة والمحاولة , وأن الضعف والعجز صفتان تلزمان من يخشى الموت الذي هو حق يقيني , لأنه لا يحسب حسابه لما بعد الموت , وأن القوة مع الحق , والحق مع المسلمين لأنهم يتبعون الله الحق جل جلاله .
وبصبر الشعبين العراقي والفلسطيني , بالاضافة إلى قوة اليقين بالله , استطاع المجاهدون في كلا الدولتين أن يثبتوا أن القوة لله جميعا .. وأن عظمة جيوش الغزاة وقوة استعدادها للقتل والبطش والتدمير بما جهزت به جيوشها من أسلحة الدمار الشامل لا تعني بأي حال من الأحوال فوزها الأبدي على قوة الحق , خاصة عندما يعلو صوت الحق ويبدأ أتباعه بالركون إلى قوة الله والتيقن من صدق الوعد بالنصر أو الشهادة , حينها تبدأ تباشير النصر ..
نصر القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة : قلة في عدد الجنود , وقلة في السلاح يحمله المجاهدون في العراق وفلسطين , فيكون النصر باذن الله وبأمر الله على أكبر القوى في هذا العصر ..
وبينما يرى كثير من الناس أن النصر لا يتأتى مع القلة , كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بالموعظة الحسنة هذا الأمر , فقد ورد عنه أنه عقّب على قول الله تعالى في لوط حينما خاطب قومه : \" لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد \" , ورد عنه قوله ( رحم الله أخي لوطا , لقد كان يأوي إلى ركن شديد ) ( يقصد بالركن الشديد الله ) ...
وقد عرض الله لنا في القرآن الكريم قصة جالوت الملك العظيم المستبد والفئة القليلة المؤمنة التي هزمته بتفصيل يعجز المرء ادراكه , فقد كان لجالوت قوة عظيمة تخشاها الأمم , ومنها بني اسرائيل الذين أخرجهم جالوت من ديارهم وشردهم , فطلبوا من نبيهم القتال إلى جانب ملك قوي يبعثه الله لهم ..
فلما بعث لهم الله طالوت ملكا , استخف أغلب القوم به , فكان ذلك بداية التردد في قتال جالوت , وتهيأ الجيش , وكان عدد المسلمين ثمانين ألفا كما يروي الصحابة , ثم بدأ جيش طالوت بالتفكك بعدما ابتلاهم الله بنهر فشربوا منهم إلا قليلا منهم , ومن تبقى من الجيش أربعة آلاف جندي فقط ,
وهؤلاء حينما عبروا النهر استبد الخوف بهم من قوة جالوت وعظمته , فترك أغلبهم القتال , ولم يبق منهم سوى عدد يماث! ل عدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر!! وهؤلاء هم الذين نصرهم الله لأنهم كانوا يؤمنون بأن نهاية هذا القتال إما النصر في الدنيا أو الشهادة في الآخرة , فكان ايمانهم بلقاء الله وهو راضٍ عنهم أشد من رغبتهم في البقاء في الدنيا مع الذل والهوان
..