قصة أمة تتكون |
|
قصة أمة تتكون
ضعف
نحن الآن أمام جبار متكبر يستعبد عباد الله و يستضعفهم و يتخذهم خدما و حشما و عبيدا و خولا , و بين شعب من الشعوب الكريمة المجيدة استعبده ذلك الطاغية الجبار , ثم أراد الله تبارك تعالى أن يعيد لهذا الشعب المجيد حريته المسلوبة و كرامته المغصوبة و مجده الضائع و عزه البائد , فكان أول شعاع من فجر حرية هذا الشعب إشراق شمس زعيمه العظيم (موسى ) على الوجود طفلا رضيعا :
(نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ , إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ , وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص:3-5).
زعامة
و نحن بعد هذا أمام هذا الزعيم و قد بلغ أشده و استوى , و تولته العناية الإلهية , بعد أن أنفت نفسه الظلم و عافت الضيم , ففر بنفسه و هرب بحريته , حيث اصطنعه الله لنفسه و حمله عبء رسالته , و أسند إليه خلاص شعبه , فآب مملوءا بالإيمان مؤيدا باليقين , يواجه ذلك الجبار فيطلب إليه أن يعيد إلى شعبه حريته و يترك له كرامته و يؤمن به و يتبعه . و ما أروع ذلك التهكم المر اللاذع حين يحكي القرآن الكريم قول الرسول العظيم
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء:22).
أيها الجبار المتحكم في عباد الله لا عبادك , هل من النعمة التي تذكرنى بها و الجميل الذي تسديه إلي أن تستعبد شعبي و تحقر أمتي و تمتهن قومي ؟ إنها صيحة الحق دوت من فم النبي الكريم فزلزلت عرش الجبار و هزت ملكه :
(فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ , أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ , قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ , وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ , فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:16-21).
صراع
و نحن الآن نشهد غضبة القوة على الحق كيف تثور عليه و تنتقم منه و تعذب أهله و تقهر مناصريه , ثم كيف يصبر أهل الحق على كل ذلك , و كيف يعللهم رؤساؤهم بالآمال الحلوة و الأماني العزبة حتى لا يجد الخور إلى نفوسهم سبيلا :
(وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ , قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:127-128) .
إيمان
و ما أروع أن نشهد ذلك النموذج الخالد من الثبات و الصبر , و الاستمساك بعروة الحق , و الاستهانة بكل شيء حتى الحياة في سبيل الإيمان و العقيدة من أتباع هذا الزعيم الذين آمنوا بدعوته , و قد تحدوا هذا الجبار في استهانة و استماتة :
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا , إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه:72-73) .
انتصار
فإذا رأينا كل ذلك رأينا عاقبته في القسم الخامس و ما أدراك ما هو ؟ فوز و فلاح و انتصار و نجاح و بشرى تزف إلى المهضومين , و أمل يتحقق للحالمين , و صيحة الحق المبين تدوي في آفاق الأرض :