الإعلام اللاعفوي

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين , وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين ،

 أما بعد : فقد كنا في فترة الطفولة نتأثر جدا ونحن نشاهد ما كان يسمى وقتئذ " المصارعة الحرة " ولم يخطر في بال أحد منا أن هذه المشاهد الدموية ما هي إلا تمثيليات مسلية ومربحة لأبطالها .. ولما كبرنا اكتشفنا - فيما اكتشفناه - أننا كنا أطفالا بحق لا نعي مرامي الإعلام وأساليبه الرخيصة .. واكتشفنا أن المشاهد المثيرة في أفلام ( الأكشن ) تتعارض مع بدهيات الحقائق الفيزيائية وأن كثيرا منها كان محض خيال المؤلفين والمخرجين من غير احترام لواقعية المشهد ذاته .. واكتشفنا أن الوسامة والجمال الذي فعل فعله في عقول الناشئة كان مصنوعا باحتراف بين غرف الجراحة التجميلية وصالونات المكياج وعدسات المصورين المحترفة في إبراز ما ينبغي وإخفاء ما لا يحسن.. واكتشفنا أن القيم التي تبثها الأفلام والمسلسلات ما هي إلا رؤى فردية لكتاب يعيش معظمهم في حالة اللاصلح مع ذاته واللاوعي مع محيطه فلا جرم جاءت تلك القيم متناقضة ومتدافعة ومتهاوية .. واكتشفنا أن الحياة الغربية تتسلل -بغير براءة - إلي حياتنا وكل شيء فينا صار غربيا على نحو ما ؛ أذواقنا وأزياؤنا وأفكارنا وعلاقاتنا وقيمنا الأخلاقية .. وكانت الجسر لهذا التغريب هو السينما الهوليودية ..واكتشفنا أن الرقابة المفروضة على المشاهد الصادمة كانت بمعزل عن الأفكار الهادمة في تلك الصناعة .. واكتشفنا -فيما اكتشفناه - أن نقل الخبر مجرد نقل لم يكن يوما أمينا فرأيناهم يتصرفون في مساحته وموضعه والصورة المصاحبة له والتعليق عليه والتحليل له ويتصرفون في سياقه وإطاره !! .. واكتشفنا أن صناعة النجم والبطل والرمز والمرجعية والشرعية والمألوف كل ذلك يتم بمنتهى السهولة في إعلام مأجور لا يتورع عن شيء .. وفي المقابل يقومون بطمس أجلي الحقائق وهدم أعظم الثوابت وتجريم أشرف الرجال .. كل ذلك بأرخص الأساليب وأتفه الخدع .. والذي تعظم به المصيبة أن هذا الإعلام له دور كبير كبير في التحكم بالوعي العام وصياغة الفكر السائد ..وهو بكل ماله من سطوة ونفوذ إلي العقول والأبصار خادم للسياسات الدولية والإقليمة ومروج لسلع الأنظمة الحاكمة لأنه إما مدعوم منها وإما مأذون له من جهتها .. وفي الحالتين لا يملك إلا الدخول في لعبتها أو الصمت عن عيوبها ومخازيها .. والدول لا تجد مشقة وعنتا في ترويض أي أداة إعلامية أو إغلاقها - كما حدث مع عدد من القنوات الإسلامية قبل فترة وجيزة - .. والمحصلة أنه قد فرض علينا بقوة الدول والأنظمة أن نسلم عقولنا وقلوبنا لإعلام مخادع في كل شيء وكاذب في كل شيء ... لإعلام خبيث في أهدافه وأساليبه من أوله إلي منتهاه .. وهذا العالم الكبير الممتد يعيش تحت سطوة إعلام لا عفوي .. لأنظمة غير شرعية ذات أغراض مناهضة للحق من كل وجه وفي كل سبيل .. و في الختام لك أيها القارئ أن تعتبر هذه المقالة مساهمة توعوية بسيطة .. فإن لم تر فيها ذلك فاعتبرها أنة موجوع انتهت مع انتهائك من قراءتها ..


الكاتب: حسين الخالدي
التاريخ: 12/11/2010