تفجيرات لندن الثانية .. الفحوى والمضمون

 

تفجيرات لندن الثانية .. الفحوى والمضمون

 

وقعت تفجيرات لندن الثانية بعد أسبوعين من تفجيرات السابع من يوليو لكنها جاءت هذه المرة تحمل معها معطيات جديدة ربما تغير وجهة النظر بالنسبة لعمليات القاعدة أو المتعاطفين معها في أوروبا عامة وبريطانيا على وجه الخصوص فقد جاءت الرسالة القاعدية المتفجرة لتعطي دلالات جديدة ومضامين مختلفة عن تفجيرات لندن الأولى بل ومختلفة أيضا عن تفجيرات مدريد التي وقعت في العام الماضي.

 

رسائل الحدث

 

إن التفجيرات وقعت في ظل حالة الاستنفار الأمني القصوى في لندن وإذا كانت الحكومة البريطانية قد زعمت أن التفجيرات الأولى وقعت بعد خفض حالة التأهب الأمني اثر تقارير استخباراتية قدمت في الشهر الماضي فقد وقعت هذه التفجيرات في ظل أعلى حالات التأهب الأمني الرسمي والشعبي.

 

وقد جاءت هذه التفجيرات خالية تماما من الضحايا لصغر حجمها وضعف قوتها التدميرية كما ورد في تصريحات الشرطة البريطانية وهو ما اعتبره بعض المحللين دلالة جديدة على ضعف الخلايا المتعاطفة مع القاعدة وعدم قدرتها على المواصلة بنفس كفاءة عملية مدريد وتفجيرات لندن الأولى إن كان بينهما رابط0

بينما اعتبر البعض الآخر أن العملية جاءت ضعيفة بشكل متعمد أو بمعنى أصح أن المنفذين أرادوا توصيل رسالة واضحة مفادها عدم الرغبة في ايقاع ضحايا أو قتلى جدد في صفوف الشعب البريطاني وكأنهم يقولون أنهم غير دمويين وأن هدفهم ليس القتل وإنما لهم قضية واضحة وهي أن تكف انجلترا يدها عن أذى المسلمين وأن تنسحب من ديارهم المحتلة وهي رسالة سياسية – إن كانت حقاً متعمدة - تهدف لسحب البساط من تحت أقدام الحكومة البريطانية والتي ما فتأت تأكد أن التفجيرات الأولى لا علاقة لها باحتلال العراق.

وعل أي حال فإن التفجيرات وقعت بعد يوم واحد من بيان كتائب أبي حفص المصري والذي تمهل فيه العواصم الأوروبية شهراً لتنسحب من العراق وتفض تحالفها مع الولايات المتحدة وإلا تعرضت للدمار الذي أصاب لندن ومدريد من قبل فجاءت التفجيرات لتثبت جدية أصحاب البيان وقدرتهم على اختراق الدفاعات الأمنية - سواء كان التوقيت مقصوداً أم لا - وهو ما رآه بعض المتخصصين في شؤون الجماعات الجهادية دلالة واضحة على رمزية بيانات الكتائب وعدم وجود ذلك التنظيم العالمي ذي اليد الطولى القادرة على الضرب هنا وهناك0

ولكن الأمر سيختلف كثيراً إذا كان المقصود من التفجيرات الثانية حقاً عدم وقوع ضحايا أي لو كانت هذه التفجيرات في حقيقتها عمل دعائي ولو كان الأمر كذلك فإنه ليس في العملية ما يتعارض مع البيان الذي عرض مهلة عسكرية وليست إعلامية ولا سياسية سيما وأن العملية أحدثت من الضجة والفزع أكثر مما أوقعت من الجرحى وكذلك باعتبار الزمان والمكان0

وإذا وضعنا في الاعتبار أن الآلة الإعلامية الغربية الجبارة كثيرا ما تعمد إلى تزييف الحقائق وتفريغ الأحداث من مضمونها وذلك عن طريق استلاب المفاهيم كالحرية والعدالة أو عن طريق تحريف النتائج أو حتى استثمارها فيبدو أن الموجة الثانية من التفجيرات في حال تعمد كونها نظيفة - أي لم توقع قتلى - قد عمدت إلى استرداد نتائج التفجيرات الأولى فقد حاولت الحكومة البريطانية نفي أي صلة بين تفجيرات لندن الأولى واحتلال العراق بل وحاولت أن تستثمرها في زيادة دعم وتأييد الشعب البريطاني لما يسمى بالحرب على الإرهاب, فإذا كان القتل ليس هدفا في حد ذاته مع كونه ممكناً ففي هذا تركيز على كون الهجمات مجرد رد فعل لما يحدث للمسلمين في العراق وغيرها من القوات الأمريكية وحلفائها0

 

دلالات الحدث

 

كان من أخطر دلالات يوم الخميس 21/7 أو تفجيرات لندن الثانية أنها أثبتت أن وراء التفجيرات الأولى في لندن قوة عاقلة تعي جيدا ما تفعل وهي كذلك فاعلة ومؤثرة تملك الجرأة على القيام بتفجيرات جديدة في نفس المكان وبنفس سيناريو الأحداث السابقة بل وفي نفس اليوم بعد أسبوعين من الأحداث الأولى وهو يوم الخميس الذي يمثل منتصف الأسبوع أو يوم الذروة في بريطانيا0

 إذاً أرادت التفجيرات الثانية أن تثبت أن مجموعات القاعدة موجودة وقوية وليست مجرد شراذم متعاطفة أو محبطة ومحملة بفكر القاعدة عن طريق الإنترنت أو بمعنى أصح مجموعات من الهواة كما زعمت الميديا الغربية ومن لف لفها ولو كانت كذلك لكان أولى بها الكمون والاختباء كما أن عملياتها لن تكون أبداً بهذه الجرأة والنفاذية فضلاً عن الحرفية التي يوضحها التخطيط المتميز والاختراق المتمكن.

وغالب الظن أن هناك فعلاً مجموعات فاعلة وناشطة مدربة جيداً وليست خلايا نائمة كما اعتاد الإعلام الغربي أن يصورها وكذلك الإعلام العربي الذي يقوم بالترجمة الأمينة له, كما يتضح من الحدث أنه ربما كان لهذه المجموعات قيادة واحدة على الأقل في أوروبا وهي غالباً قيادة واعية وعلى مستوى ربما لا يقل كثيراً عن القيادة الأم في أفغانستان ومشبعة تماماً بمبادئها وأهدافها الاستراتيجية بل ومراحل العمل التكتيكية كما هي في عقول رجالها.

 

وأخيراً: لا يجب أن تمر هذه الأحداث الأخيرة مرور الكرام ولا نبالغ إذا قلنا أنها تمثل مرحلة جديدة تماماً في الصراع العالمي ضد الأرهاب كما يحلو لأمريكا وحلفائها أن تسميه, فهي أحداث لها ما ورائها وتحمل من الدلالات الخطيرة ما ينبغي أن يستوقف المحللين, وبغض النظر عن التأييد أو المعارضة فإنه ينبغي أن يستوقفنا هنا أمران مهمان :

الأول: أن كثيراً من المسلمين لا يرون ظلماً أو إرهاباً في هذه العمليات - خاصة ما يقع منها في غير بلاد المسلمين- وهم يرون ما يحدث للمسلمين في العراق وغيرها, وإنما يرونها من باب المعاملة بالمثل ورد العدوان مما يعني أن القاعدة قد نجحت بالفعل في أن تفرض رؤيتها على قاعدة عريضة من المسلمين.

والثاني: أن التحالف الغربي الأمريكي يوشك أن تنفرط عراه بأن تنسحب دول أخرى من العراق أو على الأقل تنشغل بأنفسها ومصائبها عن التأييد المطلق لأمريكا .

ومازالت الأيام حبلى بالمزيد من المفاجآت خاصة بعد تفجيرات شرم الشيخ التي تعني بلا شك أن المعركة باتت مفتوحة, والله وحده يعلم على من يكون الدور غداً؟!

 

 

 

كتبه

د/ خالد سعيد
الكاتب: د.خالد سعيد
التاريخ: 01/01/2007