هنا دروس القائد المجاهد الشيخ محمد بن عبدالله السيف أبو عمر

 

نقل لكم ما جمعه الكاتب أبو طلال الشمالي حيث قال :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنقدم للقراء من أمتنا الإسلامية هذه الدروس والفوائد القيمة التي ألقاها الشيخ المجاهد أبو عمر محمد بن عبد الله السيف، في عدة محاضراتٍ بعضُها قبل بداية الغزو الصليبي للعراق وبعضها أثناءه.

وقد تمّ تفريغها وترتيبها واختيار العناوين الجانبية لمقاطعها لتسهل الاستفادة منها ويزداد انتشارها وتكون نبراسا للأمة تهتدي به في ظل هذه الظلمات المدلهمة والفتن العاصفة التي ضل فيها كثير من الناس عن سواء الصراط. كما جعلنا في آخرها خاتمة قصيرة.

نسأل الله أن يكتب لملقي هذه الدروس وكاتبها وقارئها الأجر والمثوبة.
وقد أتى الشيخ في هذه الدروس بما فيه النصيحة للمسلمين، والعظة للغافلين، والبيان للجاهلين مما صفا مشربه وعظم نفعه وحسن تقريره.

وقد استعرض الشيخ في الدرس الأول تأريخ الحملات الصليبية على العالم الإسلامي منذ بدايتها حتى اليوم بإشارة عابرة. ثم عقّب ببيان إشكالية مصطلح الإرهاب، والمشروع منه والممنوع، وواجب الأمة باستخدام الإرهاب المشروع امتثالا لأمر ربها سبحانه وتعالى.

وفي الدرس الثاني بدأ الشيخ بالحديث عن مقاصد الجهاد، وأنه متنوع الوسائل، فيكون بالنفس والمال واللسان ،كما قال صلى الله عليه وسلم: (( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم )).

ثم تحدث عن فضل الشهادة وطلبها، كما أكّد أن العلم لا ينبغي أن يكون مانعا من الجهاد، ومتى حصل ذلك دلّ على عدم انتفاعه بهذا العلم.
وفي ختام هذا الدرس أوصى الشيخ المجاهدين في العراق بنصائحَ نافعةٍ نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.

وكان الدرسُ الثالثُ عبارةً عن قسمين رئيسين،حيث تكلّم الشيخ أولاً عمّا يحصل اليوم من المنكر العظيم بمساعدة الأمريكان الصليبيين على المسلمين،وبيّن أنه ردةٌ عن الدين، وخروج عن الإسلام. وساق الأدلة عليه من الوحي وكلام أهل العلم،وتكلم ثانيا عن أهداف الحملة الصليبية الأمريكية على العراق المسلم.

وجاء الدرس الرابع ليؤكّدَ فيه الشيخُ على وجوب استهداف القوات الأمريكية بالحرب لاسيما في البلاد المجاورة للعراق كدول الخليج والجزيرة باعتبارِ وجوبِ نصرة المسلمين في العراق، وباعتبار أن الدفاع عن العراق هو في حقيقته دفاع عن الأمة الإسلامية التي يسيل لعاب الأمريكان طمعاً في احتلال مراكز القوة والنفط فيها.

ثم أردف الشيخ بوجوب جهاد الأمريكان.ثم تحدث عن سبل تحقيق النصر التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه.

ولم ينس الشيخ أن يحذر من الإرجاف والتخذيل الذي يمارسه القاعدون من غير أولي الضرر ممن ألهاهم التكاثر، وغرتهم الحياة الدنيا؛لأن هذا التخذيل والإرجاف هو من أعظم سبل الصد عن الجهاد اليوم، و إلا فحكم الجهاد يعرفه الناس ولا يحتاجون لمزيد بيانٍ فيه بقدر ما هم بحاجةٍ إلى التشجيع والوعظ والتحريض بدلا من الإرجاف والتخذيل.

وأما الدرس الخامس فقد خصّصه الشيخ للحديث عن عدم وجود عهدٍ صحيحٍ للأمريكان. وعلى فرض وجوده فهو عهدٌ منتقضُ بأدلةٍ كثيرةٍ ساق الشيخ منها ثلاثةَ عشرَ دليلاً، وأتـمّها ببيانِ كونِ المصلحةِ العامة للأمة تقتضي جهاد الأمريكان حتى ولو عارضتها مصلحةُ بلدٍ معينٍ؛ لأن المصلحة العامةَ مقدمةٌ على المصلحةِ الخاصة.

وختم الشيخُ دروسَـه بدرسٍ نفيسٍ للغاية، تحدث فيه عن أهمِّ أهداف الصليبيين في غزو المسلمين وهو صرفُهم عن دينهم بأي صورةٍ ممكنةٍ، وأن أبرز هذه الصور حاليا هو النظام الديمقراطي، وبيّن الشيخ بوضوح أن هذا النظامَ نظامٌ كفريٌ جاهليٌ لا يجوز تطبيقه، ولا قبول مؤسساته البرلمانية الطاغوتية؛ لأن فلسفةَ النظام الديمقراطي وطبيعتَه تتنافى مع الإسلام، وقد أغنانا الله بالشرع المطّهر. وتحكيمُ غيرِه له صورٌ فصّلها الشيخ وبـيّن أحكامَها المختلفة.

والآن نتركك أخي القارىء مع هذه الدرر النفيسة راجين أن نكون وفقنا في عرضها وأن ينفع الله بها المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مركز الدراسات والبحوث الإسلامية


الدرس الأول
========================

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد:
الأمة تمر بأصعب مراحلها:

فإن الأمة الإسلامية تمر في هذه الأيام بمرحلةٍ من أصعب مراحلها، وقد تكالب عليها الأعداء من كل صوب في حملة صليبية، يحاربون دينها ويحتلون أراضيها، ويغتصبون خيراتها،

وتحقق فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا:- أمن قلة نحن يومئذ ؟ قال:- بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا:- وما الوهن يا رسول الله ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت )) وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )).

فحب الدنيا والانشغال بها، وارتكاب المعاصي كبيع العينة وترك الجهاد وكراهية القتل، كل هذه الذنوب تسببت بعقوبة الوهن والذل المسلط على الأمة.

تتابع الحملات الصليبية:

لقد بدأت الحملات الصليبية على العالم الإسلامي في نهاية القرن الخامس الهجري، واحتل خلالها الصليبيون بيت المقدس وبعض بلاد الشام حتى قيض الله للأمة المجاهدين والقادة الصالحين الذين دحروا المحتلين وطردوهم عن بلاد الإسلام.

ثم عادت الحملات الصليبية مرة أخرى قبل أكثر من قرنين من الآن، ولكن تحت غطاء الاستعمار تحاشياً لإثارة مشاعر المسلمين وروح الجهاد في الأمة. وقد وقعت في هذه الحملة أكثر بلاد المسلمين تحت الاحتلال الصليـبي، وقد شارك في هذه الحملة الصليبية بريطانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا والبرتغال وروسيا، وتحت غطاء الاستعمار حقق الصليبيون أهدافهم بإزالة الإسلام عن الحكم والحياة، وفرض الأفكار العلمانية في التعليم و الإعلام والاقتصاد وفي النواحي الاجتماعية، وتمكين اليهود من أرض فلسطين والمسجد الأقصى، وتقسيم البلاد الإسلامية إلى دويلات صغيرة، ثم تنصيب أنظمة موالية للصليبيين ممن يتسمون بأسماء المسلمين ليقوموا بحماية أنظمة وقوانين النصارى، التي أصبحت دستوراً للبلاد، بدلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

كما أُسند لهذه الأنظمة التصدي للإسلام ودعاتِه؛ لكي لا يعود إلى الحكم والحياة من جديد. إلا أن الأنظمة العميلة عجزت أن تمحو من صدور المسلمين دين الإسلام الذي فطر الله العباد عليه، وبدأت الصحوة الإسلامية، والعودة الصادقة إلى الإسلام تعم أرجاء الأرض، وأصبح المجاهدون قوة حقيقية تواجه أعداء الإسلام في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي كشمير وفي غيرها, مما اضطر النصارى أن يعلنوا حملتهم الصليبية الجديدة على الإسلام والمسلمين تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

مصطلح الإرهاب بين الحق والباطل:

وهذا المصطلح وهو مصطلح الإرهاب استخدمه النصارى واليهود لإرهاب الأمة وصدها عن الجهاد والدفاع عن مقدسات المسلمين. لقد أرهبوا الأمة بتهمة الإرهاب.

وهذا المصطلحُ وغيرُه من المصطلحات كفلول المقاتلين أو بقايا المقاتلين وحقوق الإنسان وغيرها هي ليست مصطلحاتٍ عشوائيةً، بل يتم اختيارها من قبل أجهزة السياسة والرأي العام في هذه الدول, ويُجَنّد لاختيارها الكثير من خبراء الإعلام وعلماء النفس ومفكرين متخصصين، بحيث يكون لهذا اللفظ سحرُه وجاذبيته لتحقيق الأغراض السياسية والعسكرية وفق مخططاتهم ومصالحهم.

فكما أن سحرة فرعون استرهبوا الناس بسحرهم كما قال الله تعالى :{ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} الأعراف / 116 فكذلك فراعنة هذا الوقت أرهبوا الأمة بسحرهم الإعلامي الكثيف، فإن البيان يصرف النفوس ويصدها عن وجهتها ويؤثر فيها كتأثير السحر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (( إن من البيان لسحرا )) فيسخرون لذلك وسائل الإعلام الصليبية المتنوعة، التي تخاطب المسلمين بلغاتهم، كالبي بي سي وغيرها، بل وتقوم الأنظمة العميلة في العالم الإسلامي بدور الخندق الإعلامي المتقدم في قلب الأمة، للترويج للحملة الصليبية, والتغطية على أهدافها.

إن الإجرام الحقيقي والإرهاب غير المشروع هو ما يقوم به الصهاينة والصليبيون من أمريكان وروس وغيرهم في حق المسلمين في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي العراق وفي غيرها من بلاد المسلمين، إن الإجرام الحقيقي هو الإفساد في الأرض بمحاربة دين الله في الأرض، والتصدي لدعوته وأخلاقه وفضائله.

إن الفتوحات الإسلامية من وقت الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا لم تعرف الإبادات الجماعية في حق أهل الأديان الأخرى، لأن الإسلام يحرم قتل غير المقاتلين من الشيوخ والنساء والأطفال، وهذا ما لم يصل إليه اليهود والنصارى إلى اليوم، الذين قاموا بإبادات جماعية، واستهداف للنساء والأطفال والشيوخ في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وفي فلسطين وفي كوسوفا وفي أفغانستان وفي العراق وفي غيرها.

فالشعب الفلسطيني شرد أكثره، والبقية الباقية مهددة بالتشريد والإخراج من ديارها، مع ما تعانيه من القتل والقصف والحصار والاعتقالات.
والشعب العراقي يقتل مئات الآلاف منهم ببطء تحت الحصار الجائر، وبسبب تأثيرات اليورانيوم الذي تحتوي عليه القذائف الأمريكية.
والشعب الشيشاني يعدم فيه الرجال بطريقة منظمة، لتقليل عدد الرجال في الشعب، ولم يقتصروا على هذا بل قاموا بقتل المواليد الذكور في المستشفيات بأساليب خفية.

والشعب الأفغاني يحرم من الإسلام والأمن في عهد حكومة طلبة العلم العادلة، ويستبدل بحكومة عميلة وقوات صليبية تسببت بفقد الأمن في البلاد، وانتشار الفوضى، والاقتتال والنهب والسلب، وقطع الطريق وزراعة المخدرات.

وتحت القاعدة الأمريكية الجائرة (من ليس معنا فهو ضدنا) سارعت الأنظمة في العالم الإسلامي إلى تقديم التسهيلات والمساعدات للصليبيين في حملتهم. ومن هذه المساعدات استباحة دماء بعض المسلمين، وانتهاك كرامة البعض الآخر، وحبسهم والحجر على أموالهم.

إن هذا لم يكن ليحدث لو أن الأمة كانت يداً واحدة، وقامت بما أوجب الله عليها من الإعداد والجهاد، وقد قال الله تعالى:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} الأنفال/60 فقد جعل اللهُ تعالى الإرهابَ في هذه الآية العلةَ في فريضة الإعداد، أي يجب على الأمة أن تعد القوة التي ترهب أعدائها، وهذا يختلف باختلاف الزمان، فلكل زمان ما يناسبه من الأسلحة التي ترهب الأعداء، والحكم يدور مع علته، فكل سلاح يرهب الأعداء في هذا الوقت فالأمة مأمورة بتحصيله، ويدخل في الآية إعداد الطائرات والدبابات والأسلحة الرشاشة والسلاح النووي والكيماوي وغيرها من الأسلحة.

وهذا هو الإرهاب الواجب الذي قصرت الأمة في تحصيله، فالنصارى واليهود ملؤوا الدنيا ضجيجاً باتهام المسلمين بالإرهاب. والحق أن الأمة مقصرة بالإرهاب الواجب ، وأن هؤلاء الأعداء لم يذوقوا إلى الآن الإرهاب الواجب الذي أمر الله به ، ولو قامت الأمة بالإرهاب الواجب المأمور به في هذه الآية ، وأصبحت مرهوبةً من أعدائها ، لما تجرأ اليهود والنصارى على استباحة مقدسات المسلمين وأراضيهم ودمائهم وأموالهم .

والإرهاب المشروع في هذه الآية هو ما كان متوجهاً إلى عدو الله وعدو المسلمين من الكفار المحاربين والمنافقين لقوله تعالى:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} فلا يجوز في الإسلام قصد شيوخ الكفار أو نسائهم أو أطفالهم بالقتل، إذا لم يقاتلوا. ولما كانت العدة والقوة التي ترهب الأعداء تتطلب جهاداً بالمال ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى :{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}.

وهذا الفرض الرباني – وهو الجهاد بالمال – هو ما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها - من خلال وسائل إعلامهم، ومن خلال الأنظمة الموالية لهم – أن يصدوا المسلمين عنه، ويصوروا الجهاد بالمال بالجريمة التي تجب المعاقبة عليها. وهذا السلوك ليس بمستغرب على دولةٍ كالولايات المتحدة التي تتصدر قائمة الدول المحاربة للإسلام وتقود الحملة الصليبية على الإسلام والمسلمين، لأن الجهاد بالنفس والمال هو الرادع الوحيد في وجه حملتها. ولكن المستغرب أن يترك المسلمون أمر ربهم ويتخلوا عن طريق عزتهم ورفعتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، وينقادوا لأمر عدوهم الذي نهى الله تعالى عن طاعته،

فقال تبارك تعالى:{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة/120 وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}آل عمران/100 وقال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ . إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}الجاثية/18-19.

الواجب على المسلمين:

فالواجب على المسلمين أن لا يطيعوا المنافقين والكافرين وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأن ينصروا إخوانهم في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي غيرها.

فالمجاهدين في فلسطين قد زَلزلوا - بفضل الله تعالى - كيان الدولة اليهودية، بعملياتهم البطولية، على الرغم من الحصار وقلة السلاح، وهم بحاجةٍ ماسة إلى مواصلة الدعم.

وفي الشيشان استطاع إخوانكم المجاهدون - بفضل الله - أن يكبّدوا القوات الروسية خسائر كبيرة في الجنود والعتاد، وقد أعلنت إحدى الجمعيات الروسية وهي جمعية أمهات الجنود الروس أن عدد القتلى بلغ أحد عشر ألفاً وخمسمائة من الجنود الروس، وقد صرح أحد السياسيين الروس بأن العدد أكبر من ذلك.

وأما أفغانستان المعتدى عليها فلا تزال صامدةً أمام الصليبيين، والواجب على المسلمين أن يدعموا إخوانهم المجاهدين في أفغانستان، فإن انتصار الأمريكان في أفغانستان لا يمثل خطراً على أفغانستان وحدها، بل سيصل الخطر إلى غيرها من بلاد المسلمين، فإن انتصارَهم سوف يغريهم في توسيع عدوانهم على كثيرٍ من البلاد الإسلامية وخصوصاً بلاد الحرمين التي يبيتون لها كيداً عظيماً.

فالمسلمُ أخُ المسلمِ لا يُسْلِمُه للأعداء ولا يخذله، بل ينصره ويؤيده، فإن خذلان المسلمين جزاؤه وعقوبته من جنسه، وهي الخذلان في وقت الحاجة إلى النصرة، فإن من نصر مسلماً في موطنٍ ينتهكُ فيه من عرضه، وينتقصُ به من كرامته، إلا نصره الله في موطنٍ يحبُ فيه النصرة، ومن خذل مسلماً في موطنٍ يُنتهك فيه من عرضه، ويُنتقصُ فيه من كرامته إلا خذله الله في موطن يحب فيه النصرة.

وتورّط الولايات المتحدة في أفغانستان فرصةٌ سانحةٌ للمسلمين لإلحاق الهزيمةِ بهذه الدولة المجرمة، وكبحِ جماحها قبل أن تجتاحَ المزيدَ من دول العالم الإسلامي. ونحن نشاهد اليوم الغرور الذي أصابها بعد اعتدائها على أفغانستان على الرغم من أنها لم تحقق نصراً يذكر، بل أفسدت في الأرض بعد إصلاحها، وأعادت البلاد إلى الفوضى وفقدان الأمن وزراعة المخدرات. إلا أن هذا التخريب والإفساد الذي تراه إنجازاً قد غرها وزاد في غيها وطغيانها ، وبدأت في حشد قواتها في الخليج لاحتلال العراق.

فالواجب على الأمة أن تجاهد بأموالها في سبيل الله حتى تحصل الكفاية التي تسد نفقات الجهاد والمجاهدين. فالغني ينفق بسخاءٍ مما أعطاه الله، والموظف يقتطع من راتبه، وكلٌ ينفق بحسب قدرته للتصدي لهذه الحملة الصليبية اليهودية التي تجتاح العالم الإسلامي. ولا يجوز ترك الفريضة الواجبة طاعةً للصليبيين ومن يأتمرون بأمرهم في العالم الإسلامي. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فينبغي للمسلم أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحداً سواه. فالله أحق بالخوف والخشية من الناس، وقد قال الله تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ . وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }العنكبوت/10-11.

وحروب العصابات التي يخوضها المجاهدون اليوم في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان - نفقاتُها الماليةُ ليست كنفقات الحروب التي تخوضها الجيوش النظامية، التي تحتاج إلى ميزانياتِ دولٍِ حتى تغطي ميزانياتها، بل إذا تضافرت جهود أهل العلم وأهل البذل والعطاء فسوف تستطيع الأمة تغطية نفقات الجهاد في سبيل الله، مع ضرورة الثبات ومواصلة الدعم والإنفاق والصبر وعدم استعجال النتائج لأن الحرب قد تطول لعدة سنوات أو أكثر.

وإنّ تركَ النصرةِ والإعراضَ عن المشاركةِ في الجهاد، والاكتفاءَ بمتابعة أخبار المجاهدين عن بعدٍ عبرَ وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة إنما هو من صفات المنافقين الذين قال الله تعالى عنهم:{ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ }الأحزاب/20 أي بدلا من مواجهة أحزاب الكفار الذين قصدوا المسلمين في المدينة فإن المنافقين يودّون لو أنهم ابتعدوا عن مكان المواجهة وأقاموا في البادية مع الأعراب يسألون عن أنباء المجاهدين، وعن أخبار المعركة عن بعد.

فلا سبيل للأمة لكي تتصدى لهذه الحملة الصليبية إلا بالعودة الصادقة إلى دينها، والوفاء بالبيعة التي عقدها الله تعالى مع عباده المؤمنين، قال تبارك وتعالى:{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}التوبة/111 .

فإن الشهداءَ هم صنّاعُ التاريخ بإذن الله تعالى، وإنما خُطّ تاريخُ الأمّة بدماءِ الشهداء والمجاهدين، الذين نصروا شرع القرآن، وحموا دولته، فإنّ قوامَ الدينِ ونصرتَه تكون بالكتاب الهادي، وبالسيف الناصر للكتاب، كما قال تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}الحديد/25 وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.


الدرس الثاني
=======================

بسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أما بعد،

مقاصد الجهاد:

فإن الجهاد في سبيل الله شرَعه الله تعالى لِتكون كلمة الله هي العليا، ولِيعبد الله وحده لا شريك له، ولِينصر به الإسلام والمسلمون. فالجهاد ضرورةٌ لحماية الإسلام وإقامة شريعته في الأرض، وبتركه يتسلّط الأعداءُ على الأمة ويزيلون شرع الله ويستحلّون بلاد الإسلام.

فلهذا فالجهاد في سبيل الله أصلٌ مصاحبٌ لشريعة القرآن، فينصر شريعة القرآن ويقيم دولته ثم يقوم بحمايتها، وليس الجهاد حكماً طارئاً كما يدعيه البعض، بل هو مصاحبٌ لدولة الإسلام في الأرض، وهو دائمٌ إلى قيام الساعة، وهو من أبرز صفات الطائفة الناجية المنصورة، أهل السنة والجماعة.

ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:- (( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة )) وعن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة )) رواه مسلم. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك )) رواه مسلم.

وإنّ مِنْ مُسَلّمَاتِ البشريةِ أنّ أيَّ فكرةٍ وعقيدةٍ - ولو كانت باطلة - لا يمكن أن تحكم ويكون لها كيانها ما دامت نظريةً لم يُؤْتَ صاحبُها قوةً تنصرها وتحميها، ولهذا فترك الجهاد اليوم أمام اليهود في فلسطين وأمام الصليبيين الذين يجتاحون العالم الإسلامي يمثل خطراً وهلاكاً للمسلمين في دينهم وفي أنفسهم وفي أعراضهم وفي أموالهم وأراضيهم.

فقد قال تعالى:{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}البقرة /195 فأمر الله تعالى بالجهاد بالمال، وعدم الركون إلى الدنيا، وعلل الحكم بأن ترك الجهاد من إلقاء النفس في التهلكة. لأن العدو إذا غلب على بلاد المسلمين أفسد فيها وأهلك الحرث والنسل وحارب الدين والأخلاق.

عن أسلم عن أبي عمران قال:- غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس:- مه، مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة !!! فقال أبو أيوب:- إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا:- هلم نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله تعالى :{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.

قال أبو عمران:- ولم يزل أبو أيوب يقاتل في سبيل الله حتى قتل في القسطنطينية. رواه أبو داود. فبين أبو أيوب رضي الله عنه أن المراد بالآية هو أن الانشغال بالدنيا بإصلاحها وترك الجهاد والنفقة هو إلقاء الأيدي في التهلكة. فمن أقبل على إصلاح دنياه، وانشغل بوظيفته، وتنمية أمواله من خلال التجارة وغيرها، وهو يشاهد جيوش الصليبيين تجتاح العالم الإسلامي، فهو في حقيقة الأمر يلقي بيديه إلى التهلكة. فالنجاة تكون بالتصدي للمعتدين وجهادهم، وأما الاستكانة لهم وترك جهادهم فهو الهلاك والهلع.

كما أن المسلم بقعوده عن الجهاد وركونه إلى الدنيا يحرق دينه ويتصف بصفات المنافقين الذين قال الله عنهم :{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}التوبة/42 فليس القعود عن الجهاد وخذلان المجاهدين، ومداهنة الصليبيين وعملائهم والخوف من سطوتهم هو طريق السلامة والنجاة، بل هو طريق الهلاك الذي يصيب المسلم في دينه وفي نفسه وماله كما نص على ذلك القرآن.

فصاحب العلم يهلك نفسه إذا لم يجاهد ويحرض الأمة على مواجهة الصليبيين، والتاجر يهلك نفسه إذا أمسك عن الجهاد بماله خوفاً من الصليبيين وعملائهم، وكل مسلم يهلك نفسه إذا قعد عن الجهاد.

فالجهاد وعزة الأمة قرينان، كما أن ترك الجهاد والذل قرينان، وهذا ما شهدت عليه نصوص الشرع، وشهد عليه الواقع اليوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) أخرجه أحمد و أبو داود.

وبعد أن بايع المسلمون أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة، تكلم أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:- أما بعد... أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. رواه ابن إسحاق بإسناد صحيح.

ففي هذه الخطبة ذكر الخليفة أبو بكر رضي الله عنه قواعدَ عظيمةً من قواعد وأصول الحكم في الإسلام، وهي الأصول التي قامت عليها الخلافة الراشدة، فأرشد إلى معاونة الحاكم على البر والتقوى، وأشار إلى نصح الحاكم وتقويمه ومحاسبته عند الإساءة، ثم حث على الصدق وحذر من الكذب، ثم ذكر مساواة الجميع أمام القضاء، وإقامة العدل بين الناس ورفع الظلم، ثم ذكر الجهاد وحذر من القعود عنه، الذي سيكون سبباً للذل، وتسلط الأعداء, وزوال دولة الإسلام، ثم حذر من خطر انتشار الفاحشة، وما يترتب على انتشارها من العقوبات العامة والبلاء، ثم بين أن طاعة الحاكم تكون بالمعروف، فلا يطاع في معصية الله ورسوله.

أنواع الجهاد:

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الجهاد في قوله: (( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم و ألسنتكم )) رواه أبو داود.
فالجهاد بالنفس والمال يقوم على خصلتين، الشجاعة والكرم، وضدهما الجبن والبخل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الجبن والبخل، وإذا تخلت الأمة عن خصلتي الشجاعة والكرم، وتركت الجهاد بالنفس والمال فقد تخلت عن خصلتين من أهم خصال حملة الرسالة فهي في حقيقة الأمر قد تخلت عن حمل الرسالة كما أراد الله أن تحمل،
ولهذا فقد توعدها الله بالاستبدال إذا تركت الجهاد بالنفس والمال، لتخليها عن حمل الرسالة

فقال في ترك الجهاد بالنفس:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ . إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}التوبة/38-39

وقال في ترك الجهاد بالمال:{ هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.محمد/38

وأما الجهاد بالنفس فالواجب على المسلمين أن يطلبوا الشهادة في سبيل الله، وأن يتهيئوا ويستعدوا لها، وأن يتخلصوا من قيود الدنيا وشهواتها، ومن قيود الحكومات العميلة، وأن يطيروا إلى الشهادة في مظانها. وقد قال صلى الله عليه وسلم (( من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي الموت مظانه )) رواه مسلم.

والشهادة اصطفاء من الله تعالى يختص بها من يشاء من عباده. فالواجب أن نربيَ الصغار والكبار على حب الشهادة وطلبها، ونحذرهم من كراهية القتل والاستشهاد، فإن عاقبته الوهن في القلوب، وتداعي الأمم، من الصليبيين واليهود وغيرهم على الأمة لمحاربة دينها، ونهب خيراتها، كما قال صلى الله عليه وسلم (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل:- ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال:- بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل:- يا رسول الله، ما الوهن ؟ قال:- حب الدنيا وكراهية الموت )) أخرجه أبو داود. وفي رواية لأحمد (( حبكم الدنيا، وكراهيتكم القتال )).

فيجب أن نحرض الأمة على حب الشهادة وعلى طلبها وتمنيها والرغبة فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سريةٍ تغزوا في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل )) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم (( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه )) رواه مسلم.

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم يوم بدر (( قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض )) فقال عمير بن الحمام:- يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض ؟؟! قال :- نعم . قال بخ ٍ بخ ٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما يحملك على قولك بخ بخ )) قال:- لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال (( فإنك من أهلها )) فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.

وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:- سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف )) فقام رجل رث الهيئة، فقال:- يا أبا موسى، أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال:- نعم. فرجع إلى أصحابه فقال:- أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، فمشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل. رواه مسلم.

إن دماء الشهداء نورٌ يضيء الطريق للسائرين، وحبرٌ يسطر تاريخ الأمة، ونهرٌ يروي شجرة الإسلام إن الشهداء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، إن الشهداء يؤمّنون من الفزع الأكبر، ولا يفتنون في قبورهم، ويزوج الشهيد باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

إن حب الشهادة يعني عودة الأمة إلى نصرة دينها، وسالف مجدها ورفعتها، وعودة الإسلام إلى الحكم في الأرض.

إن طلب الشهادة يعني قمع الفساد والمفسدين، وتطهير أرض الإسلام من الصليبيين واليهود والمعتدين.

إن طلب الشهادة يعني الترفع عن قيود الأرض ورغباتها وشهواتها، وإخلاص النية والإرادة لله تبارك وتعالى.

إن طلب الشهادة شهادة على صدق الإيمان والتوحيد واليقين.
إن طلب الشهادة هو السلاح الذي أخاف الأعداء ونكل بهم وأعجزهم أن يجدوا سلاحاً مقاوماً له، فأخذوا يطلبون من عملائهم أن يتصدوا لثقافة الاستشهاد.

فيجب أن تروج هذه التجارة الرابحة، ويعلن عنها في كل مكان، وأن يتسابق في تحصيلها المتسابقون، فقد قال الله تبارك وتعالى :{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة/111

وقال تعالى :{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }البقرة/207 أي يبيع نفسه وهي أغلى ما يملك ابتغاء مرضاة الله تعالى.

وأما النوع الثاني من أنواع الجهاد فهو الجهاد بالمال وهو واجب كالجهاد بالنفس، فيجب على المسلمين أن يجاهدوا بأموالهم، حتى تحصل الكفاية للجهاد والمجاهدين في فلسطين والشيشان وفي أفغانستان وكشمير وغيرها. فقد قال الله تعالى:{ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 41 }التوبة /41.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أناس جياع وعن مجاهدين، فمن يقدم في إعطاء المال ؟؟ فأمرهم بدفع المال إلى المجاهدين ولو مات الجياع. لأن ضرر تعطيل الجهاد وإضعاف المجاهدين، وما يترتب عليه من تسلط الأعداء على بلاد المسلمين أعظم من موت الجياع.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنفقة ورغب فيها، فقال صلى الله عليه وسلم (( من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزى ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزى )) متفق عليه.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو – أي فني طعامهم – أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم )) متفق عليه.

وتسعى الولايات المتحدة وعملاؤها إلى إرهاب التجار والمتصدقين، لصدهم عن الجهاد بالمال من خلال الاتهام بالإرهاب، والتهديد والحجر على الأموال وغيرها من أساليب التخويف والإجرام. والأمريكان يعلمون أن الجهاد بالمال له دورٌ حاسم في المعركة، وهم يخشون أن تنالهم هزيمة ساحقة في أفغانستان بسبب دعم المسلمين المتواصل للمجاهدين، وأن يكون مصيرهم كمصير الاتحاد السوفيتي.

فلهذا فهم يكثفون ضغوطهم على عملائهم لإرهاب التجار المتصدقين وتخويفهم ليكفوا عن فريضة الجهاد بالمال. والواجب على التجار وعموم المسلمين أن لا يطيعوا الصليبيين والعملاء في ترك فريضة الجهاد كما لا يطيعونهم في ترك الصلاة والصيام، بل عليهم أن يجاهدوا بأموالهم لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يعلموا أنهم ببذلهم وإنفاقهم في سبيل الله يدافعون عن دينهم وأنفسهم وبلادهم، التي سوف يصلها عدوان الأمريكان وحلفائهم، إذا لم يكبدوا هزيمة ساحقة في أفغانستان وغيرها.

وأما النوع الثالث من أنواع الجهاد فهو الجهاد باللسان لتعريف الأمة وتحذيرها من الخطر النازل بها. ويدخل في هذا النوع من الجهاد استخدام وسائل الإعلام المتوفرة في تحريض المسلمين، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ }الأنفال/65 وقال تعالى:{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } النساء/84فلا يكف بأس الذين كفروا إلا بالقتال والتحريض عليه، وهذا التحريض على الجهاد وعلى دفع الصليبيين واليهود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يجب على كل مسلم القيام به بحسب قدرته،

وإن الواجب في حق أهل العلم أوكد من غيرهم، فيجب عليهم أن يبينوا الحق للأمة وينصحوا لها ويحرضوها على الجهاد، ويقودوها في مواجهة الصليبيين واليهود، فإن العلماء والأمراء هم ولاة أمر المسلمين، وقد تخاذل الأمراء عن الجهاد إلا من حفظ الله من أمراء المجاهدين. ولم يقتصر أكثر الحكام على الخذلان، بل والوا النصارى في حملتهم الصليبية ضد المسلمين،

وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء وهو أحكم الحاكمين :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة/51-54.

فإذا كان هذا هو حال الحكام، فلم يبق للأمة من ولاة أمورها إلا العلماء، الذين يحب أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين والمنافقين، والجهاد في سبيل الله، وأن يقولوا الحق لا يخافون في الله لومة لائم.وأن يقوموا بقيادة الأمة وينظموا صفوفها المتفرقة ، ويُسيِّروا الشباب إلى مواقع النزال والقتال ، وأن يغطوا حاجات الجهاد في جميع الأراضي التي ترفع فيها رايات الجهاد في سبيل الله . وهذا العمل الكبير يتطلب تعاوناً وتناصراً وتشاوراً بين أهل العلم، للقيام بهذا العمل واستنفارَ مَنْ تحصل بهم الكفاية من المجاهدين وطلبة العلم، وجمع المال الكافي للجهاد في كل مكان يقام فيه، وتنظيم وسائل الإعلام الممكنة لتحريك الأمة.

ومع توسع الحملة الصليبية في احتلال المزيد من بلاد المسلمين، فسوف ترفع بإذن الله تعالى رايات جهادية جديدة، فتجب نصرتها وتقويتها، كرايات الجهاد في شمال العراق وغيره.

العالِم لا يترك الجهاد إلا لنقص خشيته:

العلم النافع هو ما أثمر الخشية من الله تعالى، كما قال تعالى :{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }فاطر/28فأهل الخشية هم أهل العلم، الذين مدحهم الله في كتابه، فهم الذين جاهدوا في سبيل الله وبلّغوا العلم وبيّنوا الحق، ولا يترك صاحبُ العلمِ الجهادَ في سبيل الله وتبليغ الحق إلا لنقصِ خَشْيته من الله تعالى.

وقد قال الله تعالى :{أتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ 13 قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }التوبة/14وقال تعالى :{ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }النساء/77، وقال تعالى :{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }آل عمران/175 وقال تعالى:{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا }الأحزاب/39.

وإذا كتم صاحب العلم الحق فلا يكون من أهل العلم الذين جاءت نصوص الكتاب والسنة بمدحهم بالخشية وغيرها، ولو حفظ المتون، وتبحر في العلوم، بل هو ممن قال الله تعالى عنهمٍ :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة/159.

وقد يتأول متأول، ويعتذر عن قعودهم عن الجهاد، وخذلانهم للمجاهدين بانشغاله ببعض الأعمال الصالحة، التي لا تعدل الجهاد، ويخشى فواتها، أو أن يمنع منها إذا ساعد المجاهدين، فينشغل بها عن الجهاد، وهو يشاهد بلاد المسلمين تنقص من أطرافها على أيدي الصليبيين، الذين ربما داهموه في بلاده، وهو لم يجاهد ولم يعد للجهاد عدته.

وقد قال الله تعالى:{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة/19.

وعن النعمان بن بشير قال:- كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل:- لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر:- لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر:- الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم.

فزجرهم وعمر وقال:- لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم جمعة. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عز وجل (( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر )) الآية. رواه مسلم. فسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام من الأعمال الصالحة، ولكنها لا تعدل الجهاد الذي تقام به دولة الإسلام، وبه ينصر الحق ويدفع الباطل، ويحمى الدين، وتصان الأنفس والأعراض والأموال.

إن هذا العدوان الصليبي اليهودي الذي يجتاح الأمة اليوم إنما هو ابتلاء من الله تعالى لعباده حتى يميز الصفوف، ويبين الصادق من الكاذب المنافق، كما قال تعالى :{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ 2 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت/2- 3 وقال تعالى :{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} محمد/31 وقال تعالى:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }التوبة/16

فالله تعالى يبتلي العباد، حتى يُظْهِرَ المجاهدين الذين ولاؤهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ويُبَـِّين الكاذبين القاعدين عن الجهاد، الذين اتخذوا وليجةً يَلِجُون إليها من دون الله ورسوله والمؤمنين بموالاة أعداء الله الصليبيين، أو عملاؤهم الموالين لهم. فيدافعون عن عملاء الصليبيين، ويبررون أعمالهم، وتمكينهم للصليبيين من بلاد الإسلام، ومحاربتهم للمسلمين. فقد أعرضوا عن طاعة الله، وموالاة الله ورسوله والمؤمنين ونصرتهم، واتبعوا ما يمليه عليهم الحكام المبدلون لشرع الله، فلا يخرجون عن طاعتهم، وعن الطريق الذي رسموه لهم. فهم في حقيقة الأمر موالون للصليبيين ولكن بصورة غير مباشرة.

فإذا احتلت الولايات المتحدة العراق فيتعين على أهل العراق الجهاد، وعلى من حولهم للحاجة إليهم. فيجب على المجاهدين النفير إلى العراق حتى تحصل الكفاية، ويدفع العدو.


نصائح للمجاهدين في العراق:

وهذه بعض التنبيهات والنصائح في حال دخول الأمريكان إلى العراق:-

أولاً:- إن حرب العصابات الطويلة هي نقطة ضعف الجيوش المتطورة في تسليحها، لأنها تفقد الأهداف الثابتة التي يسهل تدميرها، وهذا هو المجرب مع إسرائيل، التي كانت غالباً ما تتفوق على الجيوش العربية الأقل منها تسليحاً، وتدمر آلياتها ودباباتها المدسوسة في الصحراء. ولكن إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة في حروب العصابات، في فلسطين وفي لبنان.

ثانياً:- إن تورط الولايات المتحدة في حربين من حروب العصابات الطويلة في وقت واحد في أفغانستان والعراق سوف يسبب تشتيتها وضعفها وكثرة خسائرها، والتعجيل به
الكاتب: أسامة الكابلي
التاريخ: 01/01/2007