دبلوماسية الأبواب الخلفية .. إيران نموذجا

 

دبلوماسية الأبواب الخلفية-ايران نموذج
دبلوماسية الأبواب الخلفية

(إيران …….. نموذجا)
بقلم : سيف الله

تقع إيران في منطقة إستراتيجية هامة على كافة الصعد تطل من هلالها على الخليج العربي وتتواصل مع العالم العربي وتركيا وأفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى وهي تارة تُضمُ إلى مصطلح الشرق الأوسط وتارة تخرج منه وذلك تبعا لمنظومة النظام العالمي القائم.

وعلى العموم تتقاوت النظرة إلى إيران في العالم العربي بين إتجاهين:

- إتجاه يرى أن إيران مخلصة للعلاقات مع العرب جيرانها ، ومءثرة لمصلحة الإسلام العليا (تبعا لنظامها) ، جادة وصادقة في التعاون مع جيرانها .

- وإتجاه آخر يرى أن إيران تكره جيرانها العرب إنطلاقا من إستعلائها الفارسي ، تؤثر مصلحتها القومية الذاتية وتقدمها على مصلحة الأسلام خلافا لما تًدعي مراوغة ومنافقة في تعاملها مع جيرانها .

إلا أن هذه الضبابية في التقسيم وهذا اللغط القائم حولها يتقلص تدريجيا عند الباحثين والعارفين بمكامن السياسة الإيرانية ويميل بقوة نحو الإتجاه الثاني مستندا إلى مجموعة من المؤشرات والدلائل التي تخفى عن الكثير من الناس العاديين أو حتى بعض المثقفين ، خاصة وأن إيران تعتمد سياسة الباب الخلفي الرائجة والناجحة تماما بالنسبة لها حتى الآن.

لقد بدأت دبلوماسية الباب الخلفي الإيرانية مع بداية الثورة ضد الشاه وإستلام الخميني والحكومة الدينية للحكم في ايران ولكي يتمكن القائمون على الثورة من إبراز أنفسهم للعلن ولتأكيد نجاح الثورة ليس على مستوى إيران فحسب بل على مستوى المنطقة بأسرها، كان لابد لهم أن يعادوا كل ما له علاقة بالشاه والنظام الشاهنشاهي فكان العداء لمنظومة وشبكة العلاقات الخارجية التي كونها النظام الشاهنشاهي وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل إجباريا أكثر من كونه إختياريا وبالتالي وضعوا أنفسهم في خانة ضيقة لأنهم لن يستطيعوا التملص أو التخلي عن شعاراتهم المعادية لأمريكا خاصة بعد الإطاحة بالشاه وإلا فما الفائدة من الثورة.

• ففي الحرب (العراقية- الإيرانية) كان قادة إيران يرددون مقولة تحرير القدس بعد تحرير بغداد كما أطلقب إسم القدس على بعض العمليات العسكرية الناجحة ضد العراق وكان الهدف من ذ لك الإبتزاز العاطفي للشعوب العربية والإسلامية ولتحقيق إلتفاف شعبي حولها.

وإذابالعالم اسره تصيبه الصدمة والذهول بعد أن إنكشفت فضيحة (إيران-جيت) وصفقة الأسلحة (الإيران-الإسرائيلية) وزيارة عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي ريجن وهو(ماكفرلين) إلى إيران وإلتقائه بالمسؤولين الإيراني خلسة ، إذ لم يتصور أحد أن تكون لإيران علاقات مع أمريكا وإسرائيل بسبب عوامل العداء الظاهرة للعيان من الشكل الخارجي مع هذه الأطراف. لكن العارف والمطًلع على مبدأ البقية الذي تتميز به الشيعة لا يتفاجئ بهذا الأسلوب فقد تمكنت إيران بفضل مبدأ البقية السياسية من اللعب على الأوتار ومكمنها تفاقها السياسي من إعتماد مقولة المصالح أبدى من المبادئ.

• وعلى الرغم من العلاقات القوية والمتينة الإيرانية الروسية إلاً أن إيران لم تستنكر أو تتوسط أو تفصح النظام الروسي بشأن المسألة الشيشانية والمجازر التي كانت وما تزال ترتكب في حقهم كما أنها لم تعترض على موسكو بشأن سياسة حليفها ميلوزفيتش في حق الألبان الذين أرتكبت بحقهم أكبر مجازر في القرن المنصرم .

وعلى الرغم من أن إيران كانت وما تزال تحمل الطابع الإسلامي في الحكم منذ الثورة على الشاه وعلى الرغم من تكفيرها لنظام صدام لأنه إشتراكي إلا أن دبلوماسية الأبواب الخلفية ومبدأ التقية نجحا في إبقاء قناة إتصال فعالة وتعاون بين إيران (الإسلامية)وموسكو الشيوعية!!!! منذ الثورة وحتى الآن .

• أما في فترة ما بعد 11/ أيلول وما أصاب العالم من فرز قسري إما مع الإرهاب أو ضده وإما مع أمريكا أو ضدها جزم الكثيرون أن إيران صاحبة مبدأ وقضية ورافعة لشعار الإسلام وبالتالي هي ثابتة على قدميها وعزز هذا الإعتقاد تصريحات وزير الدفاع الإيراني المارشال علي شامخاني (خلال تحضيرات أمريكا للهجوم على طالبان) التي هدد فيها بإسقاط أي طائرة أمريكية تعبر الأجواء الإيرانية وتعد عدة أيام ظهرت للعلن اتفاقية أفرزتها دبلوماسية الأبواب الخلفية يقوم الإيرانيون بموجبها بإعادة أي أمريكي يفقد أو يسقط في إيران إلى أمريكا سالما عافا!!!

• وبعد سقوط نظام طالبان تبين للجميع مدى حجم الدور الإيراني الذي ساهم في ذلك لدرجة أن بعض الأمريكيين إعتبر أنه لولا المساعدة الإيرانية التي تمت لوجستيا وتكتيكيا لفشلت الحرب ويعزز ها القول بعدها تصريح لأحد كبار أئمة طهران يقول فيه أنه يجب على الأمريكيين ان يشكرونا لأننا ساعدناهم في الحرب على طالبان والإرهاب.

• وفي الحرب على العراق كانت دبلوماسية الأبواب الخلفية (الإيرانية-الأمريكية) في سويسرا وألمانيا وإنكلترا وغيرها من بلدان العالم فعالة وأدت على موافقة إيران على تجنيب دخول قوات بدر إلى العراق بداية بطلب من الأمريكيين .

وتم تحييدهم ومن ثم الزج بمجموعات من المخابرات الإيرانية ومن المعارضةالعراقية في شمال العراق عبر إيران وبالتفاهم مع أمريكا وكان بتبرير إيران آنذاك هو وجود نظام معادي لها في بغداد ولكن بعد سقوط نظام صدام إنكشف المستور وبانت الأوراق وقامت إيران بالزام شيعة العراق بطرق مبائرة أو غير مباشرة بالحياد وعدم التعرض للأمريكيين مقابل تسويات تضمن نخفيف الضغط على إيران من خلال تهدئة حملات حملات الايرانيين المعارضيين في أمريكا و انهاء منظمة مجاهدي خلق و اغلاق الملف النووي الايراني و لو مؤقتا و تسليم لائحة بأسماء أعضاء تنظيم القاعدة المعتقلين في ايران مع العلم انّ المسؤوولين الايرانيين كانوا ينفون وجود أي نشاط أو برنامج نووي ايراني بحجة ان الاسلام لا يسمح بذلك!!!!!

• و قد يتساءل أحدهم و ما العيب اذا اذا قامت ايران يمثل هذه المناورات خاصة ان العالم كله بعد 11/ أيلول يتعرض لضغوط كبيرة من قبل أمريكا, الاّ أننا نستطيع ان نقول أن المصلحة هي واحدة و مشتركة بين ايران و أمريكا سواء في أفغانستان أو العراق أو غيرها من الملفات و المواضيع مع العلم ان ايران تتقن (التقية السياسية) أكثر من الولايات المتحدة
الأمريكية و هو ما يسبب التخبط لدى المراقبين حيال تصرفاتها الظاهرة , فغلى سبيل المثال فايران تلوم العراق و دول الخليج للسماح لأمريكا بالتواجد في محيطها الاّ أنها قامت بنفسها بمساعدة أمريكا بالتواجد في أفغانستان كما شرحنا سابقا, و ايران مثلا تطالب برحيا القوات الأمريكية من العراق و لكنها في نفس الوقت تعتبر المقاوميين العراقيين ارهابيين و يتبعون لفلول النظام السابق و هناك تصريحات عديدة للرئيس خاتمي تشير الى هذا الموضوع .

• و عندما تعرضت سوريا لقصف اسرائيلي في الآونة الاخيرة كان الجميع يعتقد أن الرد من قبل حلفاء سوريا (أي ايران) سيكون حاضرا على الأقل على الصعيد السياسي و الدبلوماسي و المعنوي الاّ أن شيئا من هذا لم يحصل ووجدت سوريا نفسها معزوولة ووحيدة اذ أن حليفها الاستراتيجي القديم لم يقم بأي شيء لمساعدتها مما أدى الى تهيئة زيارة تاريخية للأسد الى تركيا تهدف الى تخفيف الضغط على سوريا بعما تبين ان الاعب الايراني يهتم بمرماه أولا.

• ثم جاءت كارثة زلزال (بم) في ايران و قد دمر المدينة تدميرا تاما و اقترحت أمريكا حينها ارسال وفد أمريكي الى ايران لفتح قناة اتصال أو حوار مباشرة ألاّ أنّ الايرانيين رفضوا على اعتبار أنه ليس الوقت المناسب و الملائم لذلك و في اليوم التالي نتفاجئ برفسنجاني في تصريح له يشير الى ان الاتصالات جارية مع الطرف الأمريكي منذ عدة شهور و لا داعي لقدوم وفد الى ايران الآن!!!!!!!!!!!! و الملفت للنظر لمن يدقق في قنوات الاتصال الايراني مع الأمريكيين يجد أن المحافظيين المتشددين هم من يقوم بالحوار مع الأمريكيين و ليس الاصلاحيين الذين يتهمون دائما بمحاولات للانفتاح على الأمريكيين , أي انّ الصيت للثاني و الفعل للأول.

• و لأحدهم أن يتساءل اذا لم يكن هناك عداء بين أمريكا و ايران فلماذا تم وضع ايران في لائحة الارهاب و ضمن محور الشر؟

الحقيقة هي أن امريكا لا تعدم الوسائل للتعامل مع الآخرين خاصة بالطرق الدنيئة و هي لا تريد من أي بلد ان يتعامل معها معاملة الشريك أو من موقع قوة و بعد أن ثبت مدى التعامل الايراني مع أمريكا عبر دبلوماسية الأبواب الخلفية و اتفاقا على مبدأ المصالح أرادت أمريكا ابتزاز ايران و أركز على كلمة (ابتزاز) و ذالك لأنّ المصلحة بين ايران و أمريكا تعني أن لكل منهما حصة و لكن بسبب الجشع الامريكي و الغطرسة الامريكية فانها دائما تريد الحصة الأكبر أو حتى كل الحصة و من هذا الباب تدخل الضغوط الامريكية على ايران لاجبارها على تقديم المزيد و ليس من باب معارضة ايران لأمريكا أو العداء بينهما و حتى في قضية محور الشر فان ايران تم ادخالها في اللحظة الاخيرة مكان سوريا حتى لا يقال لماذا العرب مستهدفون دون غيرهم فقط؟!!!!!!

و براي الشخصي أن حتى كوريا الشمالية تمّ ادراجها شكليا في محور الشر و أنّ اللاعب البديل كان من المفترض أن يكون ليبيا لأن أ/ريكا بطبعها تستهدف اللقة الأضعف و الحلفات الثلاث الأضعف بديهيا كانت العراق و سوريا و ليبيا و هي الأطراف التي تجري معها اتصالات لكي تستسلم نهائيا لخطط أمريكا على عكس ما هو قائم مع كوريا الشمالية حيث ما تزال صامدة و تقاوم الضغوط لأنها تمتلك قوة حقيقية او على الأقل أقوى من غيرها.

الكاتب: سيف الله
التاريخ: 01/01/2007