سبحان الله الذي حرم الشؤم وأباح الفأل..وجعل الأول طيرة والثاني ثقة بالله..لكن التفاؤل دون وازع من إيمان أو علم..قد يكون ضربا من الجهل..
هناك أشخاص جبلهم الله عى خصلة الفأل..فتراه دون شعور ينظر إلى جانب الخير..فيقول مثلا..الكأس نصفها ملئت ماء..حين يقول الآخرون نصفها فارغ..
وما أحوج الأمة التي هي أولى الأمم بأن يكون الفأل خصيصة فيها..حتى يكون وقودا للجتهاد والجهاد..والعمل ونبذ اللتراخي والركون إلى الرفاهية والبطر ولهذا أكتب ما هو آت مستمدا العون من الله وحده..
أمَا وقد قال الله جل وعلا\"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها\"..ليس من مسوغ لأي أحد أن يترك فريضة التدبر متعللا بأن هذا شأن العلماء..فقد يفتح الله على أحد مالا يفتح على من هو أعلم منه..\"ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه\" كما قال سيد الفقهاء صلى
الله عليه وسلم..
أولا-يقول جل من قائل\"قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون\" ويأتي عقيب هذه المحرمات قوله تعالى\"ولكل أمة أجل\"! ودون الحاجة إلى نظرة فاحصة..فإنه لا يخفى على أحد أن أمريكا \"تتمتع\" بأعظم حظ من المحرمات التي جعلها الله محصورة بأداة الحصر \"إنما\"..أي قل يا رسول الله إن الله لم يحرم سوى هذه الأمور الآتي ذكرها..وهي:
1-\"الفواحش ما ظهر منها وما بطن\"..والأمريكان لا يخفون سبق قدمهم في هذا الباب.. فالجيش الأمريكي المنوط به حماية الشعب الأمريكي غائلة..موغل في أبشع رذيلة..سواده الأعظم..ولا داعي للتفصيل فيما يندرج تحت مسمى \"الفواحش\" بنوعيها الظاهر والباطن..فهذا موضعه غير هنا..وقد جمعوا آثام الأمم السابقة مجتمعة التي استحقت عذاب
الله على آحاد هذه الآثام
2-\"والإثم والبغي بغير الحق\"..أما الإثم فهو ظلم النفس..والبغي ظلم الغير..وهاهنا أيضا ظلم بنوعيه ينال الأمريكان منه أوفر النصيب..والشاهد ما ترى عيناك لا ما تسمع.. وحسبك أن تعلم أن أمريكا أسست على نحو يحاكي ما أسست عليه دولة يهود..ويقدر بعض الكتاب
الأمريكان أن عدد القتلى من الهنود الحمر بلغ المئة والعشرين مليونا..وإن يكن العدد مبالغا فيه..فلا يغير من الحقيقة شيئا
3-\"وألا تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا\" أما الشرك فلا شك في شرك النصارى عامة..لأن الله يقول \"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة\".. ولكن للأمريكان الساسة والبروتستانت عموما شرك أشرك من هذا..وهو أنهم يشركون بالله مالم
ينزل به سلطانا..حيث سلطانهم \"من أشد منا قوة\"!! ..
4-\"وأن تقولوا على الله مالم تعلمون\".. كقولهم بأن الله بارك أمريكا وجعلها القوى الأمين المتصرف بشئون العالمين.. وكقولهم..بأن المسيح لن ينزل إلا وقد خضبت الأرض بدماء المسلمين\"أعداء الرب\" في معركة
هرمجدون المزعومة..ثم يصعد المسيح عليه السلام آخذا معه \"قديسي الرب\" إلى السماء..ليهلك الله كل البشرية الوثنية..التي هي كل ما سواهم وكقول ريتشارد باوتشر \"إنا ندين الطبيعة لعدم إسقاطها الثلج في أعياد الكريمس في هذا العام..وندعوها للمبادرة الفورية\"..والذي نعلمه أنه الإدارة الأمريكية ليست ملحدة..ولا تقلد ملحد قط منصب الرئيس فيها..فمن يعني بالطبيعة غير الله؟..تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا إلى آخر افتراءاتهم وتآوليهم التوراتية ..
وبعد سرد هذه المحرمات..التي لا لم يحرم الله سواها..-فالأصل في الأشياء الإباحة-جاءت الآية الرديفة لها\"ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون\".. وكأنه النذير الخفي..الذي يقول..إنه مامن أمة يحق لها أن تجعل من نفسها نهاية للتاريخ.. لأن بقاء الأمم محكوم بسنن الله..وقد جمعت الآية عوامل الانهيار..وأجملته على نسق
القرآن المعجز..وجاءت العوامل مفصلة في مواضع أخرى.. طبعا.ليس من نافلة القول أن أقول إن المقصود بخسارة أمريكا..هو خسارتها على المستوى الشامل والمدى البعيد..ولك أن تشبه أمريكا بوحش عملاق بكرش متدلية..متخم بالعجرفة والبطر ..مثخن بالغطرسة والكبر..فيضرب هذا ويقتل هذا..أثار خلية نحل..فهاجت..وربما ضرب بكفه فقتل ألف نحلة..لكن آلاف النحل كانت قد أخذت مواقعها على جسده..تنهش فيه..فما
ينفعه دفع أذاها إلا بما يزيد وجعه..ويقرب أجله..
قد تكسب أمريكا حربا خاطفة..لكنها ولا شك..لن تصمد طويلا..كما لم يصمد الوحش الكاسر..
ثانيا-يقول الله تعالى\"قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين\"..هذه آية الأنعام ، أما آل عمران\"قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة
المكذبين\" وقال تعالى\"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين\" النمل وقال جل شأنه\"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين\" الروم وقال سبحانه في سورة النحل\"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا
الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين\"..فهذه خمسة مواضع انتظمت هذا الأمر بالسير..وإلا فإن الإنكار عليهم جاء في مواضع أخرى بعدم السير..كقوله في سورة الروم نفسها\"أولم يسيروا في الأرض
فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلنا بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون\"
وأرجو من القاريء الكريم..أن يستشف معي دلالة هذه الآيات الكريمات..
تقرر الآيات أصلين عظيمين.. أحدهما-أن الاعتبار من التاريخ أمر لازم..قرر ثبوته كتاب رب العالمين..فقول المؤرخين \"التاريخ يعيد نفسه\" حقيقة يثبتها القرآن..على نحو يفهمه أولو الألباب الثاني-أن عاقبة المكذبين إلى فشل وخزي واندحار..
هذا على الإجمال..وبالتأمل في الآيات..نخرج بفوائد عظيمة..
ا-أن الآيات جاءت في المدني والمكي مما يشي بأن لا مكان يحد هذه السنة ولا زمان يخصها..وأن هذه السنة عامة..بدليل مجيء ذكرها مرة قبل استقرار الدولة الإسلامية..ومرة بعدها أي في المدينة..فهي حاضرة في الأذهان في كل حين ..
ب-أن هذه السنن جاء ذكرها في خمس سور لها دلالتها.. فجاءت في النحل والنمل وكلاهما ذوات \"ممالك\"..أو إن شئت قل \"إمبراطوريات\"..ولو نظرت تبجيل ملكة النحل من قبل \"شعبها\" لأدركت عظمة لم تنلها إليزابيث ملكة بريطانيا! وجاءت في سورة \"الروم\"..وهم الأمريكان والغرب عموما وفي سورة الأنعام..والله يقول\"وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم\"..ويقول عن بوش وحاشيته\"فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا\"
وسورة آل عمران..هذه الأسرة الشريفة الطاهرة..التي استحقت بفضلها أن تسمى سورة تتلى إلى يوم القيامة باسمها..وعميد هذه العائلة وأشرفها..سيدنا المسيح عليه السلام..الذي ينتسب
الغرب إليه زورا
ت-أن آيات الأمر بالسير جميعها..لم تحدد ما هو الذي كان عاقبة الأمم السابقة..وهذا أبلغ في الحجة ليترك للمخاطب الحكم بنفسه بعد أن يسير في الأرض..
ث-ان آية الروم..وحدها..جاءت بلفظ\"عاقبة الذين من قبل\"..دون وصفهمبالتكذيب أو الإجرام وفي هذا لفتات بديعة..منها أن الروم التي سميت السورة باسمهم يمثلون خطرا دائما لا عابرا..ويؤيد هذا ما رواه الحاكم \"فارس نطحة أو نطحتان ثم يهلكها الله والروم ذات قرون
كلما طلع قرن هلك قرن آخر\"..
ج-أنه اجتمع في آية الروم..الأسلوبان..إحداها بالأمرالمباشر\"سيروا\"..والآخر بالاستفهام الإنكاري \"أفلم يسيروا\"..
..
والبحث يطول إذ كلام الله فوق أن تحيط به الأفهام..وقد قصدت أن أستنبط بعض الفوائد..ليكون المقال ذا ثراء علمي..
فإذا تبين أن الأمر بالسير في الأرض للاعتبار من حال الذين من قبل..بحيث إن عدم تدبره وأخذ العظة..يودي إلى نفس المصير..كسنة كونية..أي كسنة دوران الكواكب في مساراتها
ونسأل هنا..أي الأمم أعظم جرما وظلما..؟..قد يقول قائل..إن هذا لا يعني بالضرورة ان تخسر أمريكا الحرب..والجواب الحاسم..أن أمريكا في حروبها السابقة كانت تحركها المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى..أما هذه المرة..فالإسلام هو الخصم..
وإذا استمعنا إلى أمر الله بالسير في الأرض للاعتبار..على قاعدة \"التاريخ يعيد نفسه\" ندرك بوضوح أن الحروب الصليبية الأولى..لم تكن نهايتها لصالح المسلمين فحسب..بل تعدى النصر إلى ما هو أحب إلينا من القتل..وهو أن يدخل الملايين من حملة الصليب إلى ديننا.. وتجربتنا مع الهمج التتار..يشهد لها التاريخ بالمثل..أن العاقبة كانت للمتقين..وكلا
الحربين كانتا تتسمان بأن الدين عنصر محرك لها
ومن هنا..ليس مبالغة..أو تفاؤلا فارغا..أن يقال إن أمريكا ستخسرالكاتب: أبو القاسم المقدسي التاريخ: 01/01/2007