كفى صمتا يا شيخ الأزهر

 


كفى صمتا يا شيخ الأزهر
‫صاحب الفضيلة الشيخ أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنني أدعو الله تبارك وتعالى أن يجعل من مكانك ردءا للصدع، ولمًّا للشمل، وحقنا للدماء، ومداواة للجراح، وإنقاذا من أزمة تاريخية تمر بها مصر جراء هذا الاستبداد وذاك الفساد الذي اشتهر به الرئيس مبارك وعائلته وزبانيته، وقد استبشرنا بمقدمك، وأثنينا على بعض إنجازاتك وقراراتك، وآخرها وقف حوار الأديان مع بابا الفاتيكان الذي سعى بكلمته إلى تأجيج الصراع والفتنة الطائفية في مصرنا الحبيبة، وإذا كنا نمتدح هذه الخطوات منكم فإننا ننصحكم من باب الحب في الله، والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأضع بين أيديكم - تذكيرا وليس إعلاما- النصوص والحقائق التالية:
1. يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:159-160)، فهل ما جرى في مصر لا يحتاج إلى بيان حكم الله عز وجل من قتل للمئات، وجرح للألوف، وإحداث فوضى متعمدة بأيدي النظام، ألا يحتاج هذا إلى بيان حكم الله؟!.
أكتب إليك ويقشعر بدني وأنا أرى صور دبابات وزارة الداخلية تدهس المصريين، والرصاص الحي يصوَّب إلى رؤوسهم، والقاعدة الشرعية تقول: "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"، والعالَم كله بإعلامه وصحافته وبكل اتجاهاته يتحدث عن انتفاضة وثورة شباب مصر، ومازلتم تتخذون موقف الحكومة في صمت لا يُرضي الله ولا رسوله ولا المؤمنين، ولا أحب أن يلصق بك أبناء الأمة في كل مكان من أرض الله هذا الوصف الذميم: "الساكت عن الحق شيطان أخرس".
2. هؤلاء القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والرجال والشيب والشباب دمهم في رقبة النظام، وإذا كنتم جزءا منه فيجب عليك شرعا وديانة وسياسة وإنسانية أن تتبرأ منه، وأن تنحاز إلى الحق وإلى المستضعفين، وأنتم تعلمون ما قاله سيدنا أبو بكر الصديق: "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له"، ومقامك يا شيخ الأزهر في درجة رئيس الوزراء وليس وزيرا عاديا، وواجبك الشرعي أن تعلن موقفك بوضوح (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: من الآية55)، وتقيم الحجة على هؤلاء الظالمين.
3. تعلم فضيلة الشيخ أن في النظم الإسلامية والوضعية معا توجد وظائف تنشأ من الخليفة أو الأمير أو الرئيس ثم تنتهي ولايته عليه ليكون حرًا في قراراته، ومنها وظائف الحسبة والقضاء، فإذا عيَّن الخليفة واليًا للحسبة أو قاضيا فإنه لا يمكن توجيهه ولا إقالته، ولا تزال النظم القانونية الكبرى تجعل من حق الرئيس تعيين كبار القضاة لكنه لا يملك عزله. وإنني من هذا المنطلق أرى من الواجب شرعا وإنسانية وسياسة أن تقول الحق لا تخشى فيه لومة لائم، لقوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) (الأحزاب: من الآية39).
4. أحب أن أذكركم بموقف العز بن عبد السلام الذي منَّ عليه الملك الصالح أيوب في مصر بأن فكَّ أسره في القدس، وكان سجينا ثم أعطاه ولاية القضاء والإفتاء بمصر ومع ذلك لما رأى منه تعيينا لوزراء من العبيد أعلن على الأشهاد أنه لا طاعة لهم، وأسقط ولايتهم، ولما غضب الملك الصالح أيوب لم يعبأ بغضبه، وحمل متاعه على حمارين وهمَّ أن يخرج من مصر، وذهب واسترضاه وأصرَّ العز أن يبيع الأمراء والوزراء بنفسه، وسُمي سلطان العلماء ليس فقط لسعة علمه وإنما لشموخ مواقفه، وتوالت هذه المواقف مع سيف الدين قطز لما أراد أن يفرض الضرائب على الناس ليجمع مالا لجهاد المغول رفض العز بن عبد السلام إلا أن تباع كل وسائل الترف في قصور الأمراء والوزراء، واضطر الملك إلى الإجابة، وخلدَّ التاريخ ذكره، فأين تحب أن تكون يا شيخنا شيخ الأزهر؟!.والدماء التي سالت، والفوضى التي شاعت أعظم خطرا من بيع الأمراء والضرائب، لأن حفظ النفوس مقصد ضروري لا يجوز التهاون فيه.
5. يا صاحب الفضيلة أرجو أن تكون من هذه القلة الناجية الذين قال فيهم الشاعر أحمد شوقي:
إن الشجاعة في القلوب كثيرة ورأيت شجعان العقول قليلا
6. يقول الله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود:113)، وموقفك لا يفهم منه إلا ركون إلى الذين ظلموا، وتعلمون فضيلتكم أن الإمام أحمد سئل عن قوم يخيطون أقوام الظلمة، هل هؤلاء من أعوان الظلمة؟ فكانت فتواه: "لا، بل هم من الظلمة أنفسهم"، ويروى عن حارس سجن أنه سأل السؤال نفسه، وأجيب بنفس الإجابة! فكيف بمقامك؟ إنني أخشى – بصمتك - أن تُحشر يوم القيامة مع عصبة حسني مبارك وزبانيته الذين قتلوا وسفكوا دماء الأبرياء، وسجنوا الدعاة الأنقياء، وصدَّروا البترول والغاز للصهاينة الأعداء، ونفذّوا مشاريع الأمريكان بربوع مصر، وهيأوا لهم المنطقة العربية كلها، وتركوا أبناءهم في مصر يتضورون جوعا وفقرا وبطالة ومرضا.
7. أذكرك فضيلة الشيخ بقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 24-26)، فماذا تقول لله عندما يسألك عن عدم مناصرة شباب مصر المنهكين من مظالم مبارك ونظامه؟! و"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، وصمتك ظلم لأبناء مصر كلها، وكلمة منك قد تغير كل المسارات، وتوقف كثيرا من الفتن والمهاترات.
8. لقد كانت لكم مواقف صلبة شاركناكم فيها في استنكار حادثة التفجير في كنيسة الإسكندرية، وذهبتم بقدكم وقديدكم "شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، ومفتي الديار المصرية"، فقطعتم المسافات وأسيء إليكم في عقر الكنيسة ولم يعتذر لكم أحد!، وميدان التحرير منك قريب، والدماء قد سالت دبر أذنك، وخلف بيتك، وأمام ناظريك، فلماذا هذا الاحتشاد في حادثة محدودة وهذا الانحسار فيما عمت به البلوى وخرجت له الملايين من أرجاء مصر، وغضب له أحرار العالم؟!.‬

د. صلاح سلطان‬.


الكاتب: مسلمة
التاريخ: 31/01/2011