هذه الثورات العربية، فأين الثورة الإسلامية

 

هذه الثورات العربية، فأين الثورة الإسلامية

إن شرعية المطالب الإنسانية المشتركة كالعدالة ورفع الظلم ونصرة المستضعفين والإحسان إلى الخلق ليست حداً تنتهي عنده همم وارثي علم النبوة أو تحط عنده رحالها حملة لواء القرآن والسنة، فإن الثورات التي تقوم لأجل المطالب الإنسانية العامة غايتها تحقيق صورة ما من صور الاجتماع المدني السياسي الذي يحقق لمعظم الشعب أهدافه الدنيوية- أو قل الدنيا فهي اسمٌ على مسمى- والتي تختصر في المصطلح المعاصر اليوم باسم الدولة المدنية الديمقراطية، في حين أن البعثة المحمدية حين أذن بها الله تعالى لم تكن لتحسين واقع معيشي ما أو لتغيير صيغة اجتماع مدني سياسي أو اقتصادي مشتركة، كما أنها لم تكن لأجل حراسة حدودٍ جغرافية يصطلح عليها بالوطن ونحوه، بل جاءت البعثة المحمدية بأمرٍ من الله تعالى عنوانه: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ، وسبيله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) ، وغايته: (الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ، وسلعته: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين) ، وثمنه: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) ، ومنهاج الحكم فيه: (يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيُضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب) ، وآية الصدق فيه: (إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) ، وآية النفاق والكفر فيه: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً) ...
وإن من الوفاء لميراث عبد الله ورسوله محمد صلوات ربي وسلامه عليه أن نتدبر في سيرته العطرة لنتأمل بأي شيء كان يضحي بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ولأي شيء؛ هل كان يضحي بالدين لأجل مكاسب سياسية أم يضرب بهذه المكاسب السياسة عرض الحائط في سبيل حفظ الدين نقياً خالصاً لله فيتركنا بحق على المحجة البيضاء؟ وهل كان يضحي بدينه لأجل الوطن أم كان يضحي بالوطن في سبيل الدين؟ وهل كان يضحي بالدين مراعاةً للرأي العام العالمي ممثلاً في إمبراطوريتي فارس والروم – وهي "الشرعية الدولية" في حينها – أم كان في معاملته العالم الخارجي داعياً إلى الحق مراعياً لحجم هذه الأمم دون أن يداهن في دينه ودعوته صلوات الله وسلامه عليه؟ لنتدبر؛
أولاً: حفظ الدين والبراغماتية السياسية:
قال الحافظ ابن كثير في السيرة:"وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضاً عليه.ثم إنهم مشوا إلى أبى طالب مرة أخرى، فقالوا: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خذلانه ...ثم إن قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخى إن قومك قد جاءوني فقالوا كذا وكذا، للذى قالوا له، فأبقِ عليَّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق.قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بدو، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه.قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى، والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته" ، قلت: فيا أيها الثائرون اليوم، أوجدتم في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب لمن اضطر للتضحية بأحد الأمرين، فإني والله قد وجدته.
وحيث إن ما يسمى البراغماتية السياسية يقوم على أساس نظر مقاصدي في مسائل السياسة الشرعية، فإننا نذكر القوم بكلامٍ نفيسٍ لشيخ المقاصديين الإمام الشاطبي رحمه الله حيث قال:" وقد تقرر أن الوسائل من حيث هى وسائل غيرُ مقصودةٍ لأنفسها وإنما هى تبعٌ للمقاصد، بحيث لو سقطت المقاصد سقطت الوسائل، وبحيث لو تُوصل إلى المقاصد دونها لم يُتوسل بها، وبحيث لو فرضنا عدم المقاصد جملةً لم يكن للوسائل اعتبار بل كانت تكون كالعبث" ، ولقد أصبح جلياً اليوم – للأسف- أن الخطاب الثوري والسياسي يتناول المسألة الديمقراطية تناول المقاصد لا تناول الوسائل، بل لا يبعد القول إن بعض صيغ الحكم السياسي المعاصر قد عكست الأمر تماماً حيث جعلت منزلة الدين من السياسية منزلة الوسيلة من المقصد، فيما يمكن أن نصطلح عليه اسم "حفظ الكرسي والبراغماتية الدينية" وقد أفرزت هذه المنظومة عصابةً من الكهان أصحاب العمائم يقومون على حراسة الكرسي ويوقدون بقراطيس العلم نيران المعابد السلطانية ويجلدون ظهور العامة بفتاوى الذل والتعبيد لغير الخالق، والله المستعان.
ثانياً: الدين والوطن:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة:" ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" ، وقوله صلى الله عليه وسلم "ولولا أن قومك أخرجوني منك" أي كانوا سبباً لخروجي، وهذا -كما يعلمه الأطفال قبل الرجال- كان بسبب محاربة مشركي قريش للدعوة والتنكيل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيل الله، بحيث لم يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إظهار الدين وإرساء قواعد الدولة على أساسه في هذه الظروف، وهنا كان الاختيار الاضطراري بين أحد أمرين: أن يضحي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين في سبيل الوطن والمواطنة، أو يضحي بالوطن في سبيل الدين، وهذا الاختيار إنما هو بالنسبة لعقولنا القاصرة، وإلا فإنا لا نشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان ينتظر الأمر من الله تعالى للهجرة ولم يكن حاشاه صلى الله عليه وسلم يعالج الأمر معالجةً عقلية، كما أنه لم يكن حاشاه صلى الله عليه وسلم ليتردد في التضحية بالدنيا بأسرها – ناهيك عن وطن أو بلد - لأجل حفظ دين الله وإعلاء كلمته وإقامة دولة الإسلام في أي بقعة من الأرض كان. فيا أيها الثائرون اليوم، أوجدتم في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب لمن اضطر للتضحية بأحد الأمرين، فإني والله قد وجدته.
ويبين لك ما تقدم أن هجر الوطن في سبيل حفظ الدين قد أصبح منهجاً إسلامياً يعبر عن الأولويات كما يعبر عن المقاصد والغايات الحسية منها والمعنوية؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية، ولكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" ، فهذا الحديث الجامع أصلٌ عظيم من أصول الإسلام يجرد فيه القصود والوسائل؛ فالقصد يجب أن يكون لله تعالى وحده وقد عبر عنه الحديث بلفظ "النية"، والوسيلة يجب أن تكون على منهج الله ورسوله وقد مثل لها الحديث بلفظ "الهجرة"، فتأمل هذا ثم اعلم أن تحرير الأوطان من البغي والظلم والعدوان إن كانت النية فيه لله تعالى، وكانت الوسائل المتبعة موافقةً لمنهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو الأمر إذاً، وعلامته أن تكون هذه الثورات محققةً لقصد الشريعة في إعلاء كلمة الله وإزالة موانع تبليغ الدعوة إلى الخلق ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وأما إن كان تحرير الأوطان لتحقيق أوطار الدنيا ولحماية حدود سايكس بيكو وللتسبيح في محاريب الشرعية الدولية والاستعاذة بحلف الناتو، فإن هذه الثورات قد تحقق أهدافها وقد يغدق عليها – بقدر الله – حلف الناتو وصندوق النقد الدولي وبيانات الخارجية الأمريكية بما تريده من الدينار والدرهم ومنابر التعبير عن الرأي مهما كان سفيهاً ووسائل التصرف بحرية مهما كانت ماجنة، ولكن بئس الثورات تلك، وحسبك في ذم أمثال هذه القصود قول الله تعالى: ( مَن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون) . قال سفيان الثوري رحمه الله:"طلبنا العلم وما لنا فيه نية، ثم رزق الله النية بعد"، فلتعلم أيها الثائر أن الثورة الوطنية نية دنيا، وأن الثورة الإسلامية نية آخرة، ولتعلم أن الثورة الوطنية تقف عند حدود وطن مزعوم رسمه لك أعداؤك عندما أخرجوك من عباءة الدولة الإسلامية إلى سربال العبودية الوثنية المسمى "الوطن"، والمفارقة العجيبة أن وسيلة الإخراج تلك كانت تحت حراك وطني عرقي سمي آنذاك "بالثورة العربية الكبرى" – وهي والله الخيبة العربية الكبرى- وهو الذي أفرز منظومات الحكم العلماني الوطني الاستبدادي البغيض الذي ضاع فيه الدين والوطن، وهو الذي أفرز منظومات العمالة الحقيرة التي تواطأ فيها قادة الثورة العربية مع الغرب ضد الدولة الإسلامية وضد الإسلام وضد المسلمين ولا يزالون.
فيا أيها الثائرون، إن الوقت لم يفت بعد، فلئن لم تكن نية مع بداية هذه الثورات فليكن شكر الله تعالى على ما وفق فيه وسدد فيما مضى إحداث نيةٍ صادقةٍ فيما نستقبل من أمر هذه الثورات، فوالله إن هذه النية هي الضمان الوحيد لجدوى هذه الثورات في الدنيا والآخرة، وهي المخرج مما نراه من عثرات وكبوات، وهي الوقاية مما نرى من حراكٍ أمريكي صهيوني صليبي يدير ويستثمر هذه الثورات لصالح منظومة أيدولوجية خطيرة جد خطيرة لعلنا نفرد مقالاً في التنبيه على خطوطها العامة.
ثالثاً: الدولة الإسلامية والعالم الخارجي:
عن قتادة عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم" ، قلت: يعني أن النجاشي اسم لملوك الحبشة وليس خاصاً بالنجاشي الذي أسلم وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن قتادة قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قيل له إنهم لا يقرأون كتاباً إلا أن يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة، فكأني أنظر إلى بياضه في يده، ونقش فيه: محمدٌ رسول الله" ، وكان كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل:"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، (قل يا أهل الكتاب تعالَوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن توَلَّوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون) " ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى حرَّقه، فحسبت أن سعيد بن المسيب قال: فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يُمزَّقوا كل ممزق" .
فأنت إذا تأملت هذه السيرة النبوية العطرة تبينت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أقام دولة الإسلام في الجزيرة العربية لم يرسم لهذه الدولة حدوداً، وأنه حين نظر إلى إمبراطوريتي فارس والروم لم ير فيهما إلا قوماً ضلالاً تائهين مخاطَبين بدعوة الإسلام وبرسالة التوحيد، فخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين الدولتين بخطاب الدعوة الإسلامية العظيم، وكان يراعي أعراف و"بروتوكولات" المراسلات بين الدول فيتخذ خاتماً ويكتب كتاباً على نحو العرف الدولي السائد فلا ضير في ذلك ولا ارتكاب لمحظور فيه، ولكن لا يداهن أبداً في محتوى الخطاب، ولا يغير من رسالة الإسلام لتوافق أذواق المجتمع الدولي، فيا أيها الثائرون اليوم، أوجدتم في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب لمن يخاطب المجتمع الدولي ويتعامل مع دول العالم الكافرة، فإني والله قد وجدته. إذا تبين هذا فاعلم أن العجب كل العجب أن تقوم الثورات اليوم في بلاد المسلمين لتستورد من فارس والروم أيديولوجيات الثورة وصيغ الحكم والدولة والدستور الحديثة؛ فمن مشرِّقٍ يسير في ركاب فارس المجوسية الصفوية، ومن مغرٍّبٍ يستجدي العون المادي والمعنوي من إمبراطورية الروم الغارقة في دماء المسلمين بعد أن أعلن اعتناقه للدين الجديد المسمى "الديمقراطية"، وبعد أن أعلن تبنيه لنظام الدولة الجديد المسمى "الدولة المدنية"، وبعد أن أعلن إيمانه بالعهد الجديد الذي تنتصر فيه ثورة الزهور – الربيع العربي – على أيدولوجية الجهاد في سبيل الله.
وبعد، فهذه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا دينه، وهذه دولته، وهذه سياسته الخارجية، فمن أنتم أيها الثوار؟ هل أنتم ثوار عروبة؟ أم ثوار وطن؟ أم ثوار ديمقراطية غربية؟ أم ثوار طوائف مبتدعة دموية التاريخ والمنهج؟ أم ماذا؟
فإن كنتم ثوار عروبة فهل مرجعيتكم هي حرب البسوس أم داحس والغبراء، وهل لسانكم لسان امرؤ القيس وعمرو بن كلثوم، وهل ستقولون للغرب بعد انتصار الثورة: لكم منا جزيل الشكر أم تقولون لهم: ثانك يو سير!
وإن كنتم ثوار وطن فما هو هذا الوطن؟ أهو الوطن الذي رسمت حدوده سايكس بيكو، أم هو الوطن الذي رسمت حدوده حضارات بائدة فرعونية وآشورية وفينيقية؟ أم ماذا؟ وما هي مرجعية هذا الوطن، وما هي هويته؟ وما هي قيمه ومبادئه؟ وماذا سيقدم الوطن لآلاف الشهداء الذين أريقت دماؤهم في هذه الثورات غير أسماء شوارع أو مدارس أو لوحات جدارية يتعانق عندها عشيقان يمارسان الحرية الوطنية في ظلها؟
وإن كنتم ثوار ديمقراطية غربية فلماذا ترددون في مظاهراتكم وشعاراتكم الله أكبر، الله أكبر فتستكثرون من حجج الله عليكم إن كنتم تعون معناها، أو تقعون في مقت الله تعالى حين تخالفون بسعيكم الديمقراطي شعاركم التوحيدي؟ أليس من الوفاء والنصيحة لله تعالى ونحن نرى فئران الباطل تهرب تحت شعار "الله أكبر" أن نقيم دولتنا على عقيدة "الله أكبر"؟ أم أن هذه التكبيرات مجرد لغو اعتادت ألسنتنا النطق به دون أن تألف قلوبنا الانقياد له ودون أن تنصاع جوارحنا للعمل بمقتضاه؟
وأما إن كنتم ثوار طوائف مبتدعة دموية فقد علمنا من تاريخكم الأسود أن ستار الدين المبتدع الذي جئتم به تحت مسميات الرفض والتشيع ليس إلا غطاءً لحقدكم الدفين على عقيدة الإسلام وأهله، فعسى الله أن يصيبكم بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم على كسرى وملكه، وإن بيننا وبينكم الجنائز...
ولعل سائلاً يقول: فماذا إذاً؟ فنقول: إنها الثورة الإسلامية الكبرى! فتلك والله هي الثورة التي ترخص لها الدماء، وتبذل فيها الأموال، وهي والله التي تحقق لنا العزة والكرامة، وهي والله التي تتسع للجميع عرباً وعجماً، وهي التي تعدل بين الجميع مسلمين وأهل كتاب وكفار، وهي التي نخاطب بها العالم أجمع أنَّا لسنا بحاجة لما في أيديكم بل أنتم بحاجة لما في أيدينا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نخرجكم بها – بإذن الله – من شقاء المادية الإلحادية والمادية الرأسمالية التي ينتحر منها الملايين منكم في حين يعيش الملايين في ضنك ونكد في الدنيا، مع وعيد الله تعالى بالنار في الآخرة.
وأخيراً، أتوجه بخطابي إلى دول الجزيرة العربية خاصة أن تعود إلى الله سريعاً، وأن تستثمر العلاقة المستقرة نسبياً بين شعوبها وحكوماتها لإحداث عودة حميدة إلى الإسلام، وأن توحد جهودها ومقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واللغوية تحت لواء الحكم بشريعة الله تعالى، وأن تطلِّق الغرب ثلاث تطليقات بائنة – أو تطلب الخلع إن لم تكن تملك طلاقاً!- ثم تهب بحَميةٍ ونخوةٍ عربية غير جاهلية إلى نصرة باقي الشعوب الإسلامية الثائرة للتعاون معها على تصحيح النيات وتصويب المسير، بدلاً من أن تقف شاهد زورٍ على مذابح حسية ومعنوية، وبدلاً من أن تساند وتساهم في تمرير مشاريع الاستثمار الأمريكي الغربي في إدارة هذه الثورات، ووالله إن عز دول الجزيرة العربية وغيرها لن يكون إلا بعودةٍ صادقةٍ إلى الله، ووالله إن المسلمين في العالم أجمع حين يرون هذه البادرة تخرج من الجزيرة العربية حيث كان مهبط الوحي ومن حيث انطلقت رسالة الإسلام الأولى فإنهم سيبذلون الغالي والنفيس في سبيل نصرتها، لأنهم لن يروا فيها ثورةً وطنية ولا ثورة عربية ولا ثورة ديمقراطية بل سيرون فيها الثورة الإسلامية الكبرى بإذن الله تعالى...
وكتب/
د.وسيم فتح الله



الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 21/07/2011