تأملات في الحالة السياسية الكويتية

 

تأملات في الحالة السياسية الكويتية
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين .
قال تعالى " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) " الزخرف
عهد مع الله
قال تعالى " قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) " الأنعام
أثناء احتلال دولة الكويت من قبل الطاغية اجتمع حشد كبير من أهل الكويت في المؤتمر الشعبي الذي عقد في مدينة جدة بتاريخ 13 / 10 / 1990 وعلى رأسهم أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح – نسأل الله له الرحمة والمغفرة – وأمام الحضور في قاعة الاجتماع وأمام المراقبين للحدث من أهل الكويت وغيرهم تعهد أمير دولة الكويت الراحل – نسأل الله له الرحمة والمغفرة – بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وبإقامة شرع الله جل شأنه في حال عودة الكويت لأهلها وتحريرها من الاحتلال , حيث أيده في ذلك أهل الكويت .
وبعد ما من الله سبحانه وتعالى علينا واستجاب لدعائنا ورجائنا وأنجانا من الكرب العظيم ومن ظلمات الأحداث وهزات النوازل حيث هيأ لنا الأسباب وسخر لنا الأشياء ورد لنا وطننا وأوانا وأكرمنا وكفانا حوائجنا , وبعد عودة أهل الكويت لوطنهم وعلى رأسهم الأمير الراحل طيب الله ثراه وأسكنه الفردوس الأعلى بادر بالوفاء بالعهد عقب التحرير مباشرة شكرا لله جل شأنه حيث أصدر مرسوما أميريا في سنة 1991م بإنشاء اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية , وهي السنة التي تحررت بها البلاد من الاحتلال , والمرسوم المبارك هو تطبيق عملي لشكر الله سبحانه وتعالى على استجابته لدعائنا وتسخير الأشياء لنا وخلقهِ لنصرتنا وعلى كرمه وإحسانه ومنته وفضله , فالوفاء بالعهد صفة إيجابيّة يؤديها من كان الصدق والإخلاص ديدنه والمروءة والأمانة والشهامة عدته , جزى الله خيرا أميرنا ووالدنا الراحل ونسأل الله تعالى أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ويثبته على الصراط المستقيم ويجعل عمله وشكره ووفائه والتزامه بعهده في ميزان حسناته .
ونشكر الله سبحانه وتعالى أن وفق أميرنا ووالدنا الراحل – نسأل الله الرحمة والمغفرة – لوضع أرضية شرعية ينطلق منها أهل الكويت نحو مستقبل مشرق بإذن الله , وهو بذلك أورث لبيت الحكم ولأهل الكويت ما يؤمن لهم بقائم وارتقائهم وسلامة حياتهم ويصحح مسيرتهم , فما عليهم إلا الالتزام والإيفاء بعهدهم مع الله جل شأنه . والوفاء بعهد الله به مصلحة الكويت وأهل الكويت جميعا , وهو الطريق .
حيثما تكون مصلحة الكويت فهناك الطريق . ( الأمير جابر الأحمد الصباح )
ويطيب لي أن أستخرج من الذاكرة الكويتية النصيحة الأبوية للأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح – نسأل الله الرحمة والمغفرة - . تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت فإن تولت فبالأشرار تنقاد .
وحتى لا تنقاد بلدنا بالأشرار ممن أفسد الله عقولهم وعطل مدركاتهم , أكتب لأهل الرأي ما ظهر وبان من الأخبار وما غاب عن الساسة والمصلحين الأخيـار .
قال تعالى " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) " الجاثية

نتائج عدم الوفاء بالعهد
قال تعالى " وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) " النحل
وبعد مرور قرابة 19عاما على إنشاء اللجنة نجد بأن الأحوال السياسية والاجتماعية والأحوال الأخرى تزيد سواءًّ سنة بعد سنة , ففي السنوات الأخيرة عصفت في البلاد أحداث وأزمات كثيرة , وأبرزها إحياء النعرات والعصبيات بأنواعها الدينية والمذهبية والفئوية والطائفية والقبلية والحزبية حيث أصبح لكل عصبية من العصبيات شيعة وجماعة متعاونون تجمعهم كلمة وغاية , وكل شيعة وجماعة منهم تذيق بأسها لشيعة وجماعة أخرى وتتربص بها الدوائر وتتآمر عليها حيث أصبحت العقول تتجه إلى مسارات واتجاهات لا تحقق مصلحة الشعب والوطن والدولة , فهي تهيم في عوالم المغضوب عليهم والضالين الفكرية مما سبب الاضطراب والخلل في حركة المجتمع وتعطيل مصالح البلاد والعباد .
ومن يتأمل في الأمر ويربط الأحداث ببعضها , حدث العهد الذي عاهدنا به الله جل قدره على إقامة شرعه وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية , والأحداث التي تعصف بنا , يجد بأن معظم أهل الكويت طالتهم عقوبة [ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ] إضافة إلى العقوبات الأخرى , إلا من رحم الله وتجنب الوقوع بالفتن وأعتزل تلك العصبيات والصراعات وألتزم بمنهج الله في حياته وتعاملاته , ومعظم أولئك لا يجدون تفسيرا علميا صحيحا يفسر الحالة الغريبة التي يشاهدونها أمامهم والتي لم يعهدوها في آبائهم وأجدادهم , قد يفسر البعض الأمر تفسيرات عديدة وبحسب رؤيته الفكرية للقضايا والأحداث , منها عدم الالتزام بالدستور ومنها عدم الالتزام بتطبيق القوانين أو التراخي بتطبيقها ومنها قيام بعض الساسة والمنتفعين من الفوضى بإحياء تلك العصبيات وإثارتها ...الخ , وتلك التفسيرات تصدر ممن لا يعرف الأشياء على حقيقتها وممن لا يعرف باس الله الشديد الذي لا يرد ولم يعرف الله الرقيب الحسيب سريع الحساب شديد العقاب , وهي تصدر ممن نسوا أو تناسوا بأن هناك عهدا مع الله جل قدره يجب الوفاء والالتزام به وإلا ستتطور الأحداث وستتصاعد الأحوال لينتقل الحال بنا ونواجه سنة " يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " , وكما أصابنا من قبل لأسباب عدة , فتراكم الذنوب والمعاصي بسبب المشاحنات والتي تحدث بسبب عدم الالتزام والوفاء بالعهد يجعل الأحوال مهيأة للنوازل والكوارث وإنزال المزيد من العقوبات التي قد تأتي من حيث نحتسب ولم نحتسب , وتلك التفسيرات التي تجانب الحقيقة تصدر من الذين يجهلون معنى العهد مع الله جل قدره ولا يقدرون الضرر والمضاعفات التي تنتج بسبب تجاهل الوفاء بالعهود والمواثيق سواء كانت تلك العهود والمواثيق مع الناس أو مع الله جل قدره , وهم أيضا يجهلون قيمة منهج الله وشرعه وأثره على استقامة الحياة وسلامتها . قال تعالى " ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) " الحج .
خطورة العلمانية ( اللادينية )
والاضطراب والخلل في حركة المجتمع مشكلة قديمة تزيد سنة بعد سنة حاول الأمير الراحل - نسأل الله له الرحمة والمغفرة - إيجاد الحل لها بعد ما أستشعر بأن هناك شيء ما يجهله يسبب تلك الحالة من الفوضى والاضطراب في الحركة الاجتماعية , وهو على أثر ذلك وفي وقت من الأوقات وبعد التحرير طلب من أهل الخبرة والشهادات العلمية العالية تقديم أرائهم وأفكارهم ومقترحاتهم لعل وعسى يهتدي لحل يواجه به الخلل والاضطراب الذي يلمسه ويشعر به الكثير من الناس , أو ما لمسه ولاحظه بنفسه من المشاكل والظواهر , وسبحان الهادي الودود , فهو لم يتصور حجم الكارثة التي أصيب بها العقل الذي أنفصل عن بصائر الوحي بسبب اعتماد اللادينية - العلمانية - ووضعها كمنهج يتحرك على أساسه المجتمع حركته العامة حيث حُصِر الدين في جوانب وأماكن محدودة من الحياة , وأظنه بذلك العمل قد أبرأ ذمته أمام الله سبحانه وتعالى , وهو الغالب والله أعلم , فالله جل شأنه سيحاسبه على ما علم به ولم يعمل به , والله أعلم بما علم وبما عمل به وبما جهله . فهو جل شأنه لا تخفى عليه خافية , وهو الرحمن الرحيم بعباده .
إن أصحاب الشهادات العلمية العالية الذين لم يضعوا بصائر الوحي وآيات الله البينات أساسا لبنائهم الفكري ستصبح رؤيتهم الفكرية رؤية محدودة وقاصرة وبحدود ما أسسوا به فكرهم , فالعقل لن يرتاد الآفاق الفكرية والعلمية الرحبة الفسيحة إلا بعد تأسيسه ببصائر الوحي وبالشكل الصحيح , فبصائر الوحي – إن صح التعبير – هي المركبة التي تسموا بها الروح ليرتاد العقل بواسطتها الآفاق الفكرية والعلمية الرحبة البعيدة , وهي أفاق فكرية وعلمية أبعد من الأفاق الفكرية والعلمية التي يصل إليها العقل الذي تخرجه المدارس اللادينية - العلمانية - التي لا تربط عقول وقلوب الدارسين ببصائر وحي الله سبحانه وتعالى ربطا محكما وثيقا حتى لا ينحرف العقل عن المسارات الصحيحة ويخرج عن العوالم الفكرية للذين أنعم الله عليهم بالنور إلى العوالم الفكرية للمغضوب عليهم والضالين , وهي عوالم مظلمة لا يجد الإنسان الغافل عن ذكر الله فيها إلا النور الذي يجعله يعيش أضل من الأنعام التي تتفوق عليه بالذكر والتي تسبح بحمد الله وتذكره " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء , فبسلطان العلم يرتاد العقل الآفاق الفكرية العلمية الرحبة التي خص الله بها المؤمنين , والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين .
والدارسين لعلوم الدين الذين التزموا بمعالم المسارات الفكرية التي حددتها لهم السلطة السياسية العلمانية وعلمائها وربطوا أفئدتهم وعقولهم بها لن يستطيعوا الوصول إلى الآفاق الفكرية والعلمية التي حددتها بصائر الوحي فهي أبعد بمسافات شاسعة عن العالم الفكري والعلمي الذي اختاروا البقاء فيه والذي حددته لهم السلطة اللادينية - العلمانية - , فما لديهم من علم سيكون علم تلقين , والتلقين هو منهج المدرسة التقليدية القائمة على التلقين والحفظ والاستظهار دون دراسة عميقة وتطبيقات عملية في بعض الجوانب خاصة في الجانب السياسي أو إدارة حركة المجتمع .
شهد شاهد من أهلها , وهناك عدة شهود عند الغربيين , ولكن بعض المسلمين الذين فشلوا في الاختبار والبلاء لا يدركون ما أدركه بعض الغربيين ولأسباب كثيرة .
أحد المفكرين الغربيين – برنارد إيدنجز بل – الذي ركز على خطورة هيمنة الدولة العلمانية على التربية ومن أقواله في هذا الشأن .
" من الواضح أن أكثر ما يهدد الحرية الأكاديمية وحرية البحث عن الحقيقة هي الحكومة العلمانية المنظمة , فالحكومة العلمانية هي العدو الحقيقي للحرية الأكاديمية . إذ بالحرية الأكاديمية وحدها تستطيع التربية أن تكون وسيلة لتطوير العالم .
وأضاف – برنارد بل – أن أصل الأزمة , هو ظهور البيروقراطية التربوية التي تشجع جانبا من النشاطات وتمنع جوانب أخر لتلائم ممارساتها الخاصة وهي تدعم أضيق القضايا وأدنى الأهداف لتلائم مقاييس إنجازاتها في الاقتصاد والعمل وبالتالي تتسبب في تحكم الإنسان بالإنسان فتضع إنسانا ما في مركز القوة وتضع أخر في مركز التبعية وتضع نظما وقيودا تنشر العبودية والرق وتجرد الإنسان من إنسانيته .
ما يهدد الحرية الأكاديمية وحرية البحث عن الحقيقة هي الحكومة العلمانية المنظمة .
وأضيف ... والحكومة التي تستعمل الدين في الحكم والسيطرة .
وإذا كان بعض المسلمين لا يبحثون عن الحقيقة فهناك بعض الغربيين يبحثون عن ما كفرته وغطته وستره الدول العلمانية التي تحكم بلاد المسلمين قاطبة والحكومة التي تستعمل الدين في الحكم والسيطرة .
نتائج خداع الله
وأحب هنا أن أدرج الخواطر الإيمانية والإشراقات والروحية للإمام الحبيب محمد الشعراوي نسأل الله له الرحمة والمغفرة في مسألة الشعور والعلم والعقل حيث ذكر عن نتائج خداع الله :
[ قال تعالى " يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة , بينا أن عاقبة خداعهم إنما تعود عليهم لأن المخادع يخفي , وإخفائهم معلوم لله وإخفاء الله عليهم لا يمكن أن يكون معلوما لهم , إذن فالقوى في الخداع غير متكافئة , ثم يعقب الله بعد ذلك فيقول وما يشعرون , وحين ينفي الله عنهم الشعور ينفي عنهم أول مراتب الإدراك وهو الإدراك الحسي , والإدراكات أنواع , إدراكات حس وإدراكات علم وإدراكات عقل , أسماها إدراكات العقل لأنها تثبت لصاحبها إنه يعقل ويعلم ويشعر , وتليها إدراكات العلم لأنها تثبت لصاحبها إنه يعلم ويشعر, وثالثها إدراكات الشعور أنه يحس الأشياء أي المحسة فقط وتلك بدايات الإدراك في البشر , فإذا ما نفي الشعور فكأنه نفي كل وسائل الإدراك , الله سبحانه وتعالى مرة في آيات يقول لا يعلمون و في آيات يقول لا يعقلون و في آيات يقول لا يشعرون , فحين تسمع كلمة لا يشعرون فأعلم أنه يصفهم بأنهم فقدوا أول مراتب الإدراك وهو الحس فلا طمع في أن يعلموا ولا طمع في أن يعقلوا , وإذا جاء بهم في منطقة لا يعلمون اثبت لهم الإدراك الحسي وزاد أن يعلموا ولو ما يعقل غيرهم – بالتلقين – , وإذا قال لا يعقلون أثبت لهم العلم والشعور ولكن نفى عنهم التعقل , والتعقل هو استنباط الأشياء من المدركات الحسية , إن أول مراتب الحس بالنسبة للإنسان السمع ثم البصر وكل وسائل الحس , ولذلك قال الله تعالى , " وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) " النحل . ]
انتهى النقل
قال تعالى " قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) " الأنعام
الإسلام دين ودولة
إن الإسلام دين ودولة , فالشعب المسلم المؤمن بالله سبحانه وتعالى بحاجة لكليهما , فالدين يضبط الدولة وحركة الحياة الاجتماعية والفكرية والتربوية والتعليمية والعلمية والصحية والرياضية والترفيهية والفنية والإدارية والعمرانية والصناعية والزراعية والتجارية والاقتصادية والعسكرية والقضائية والعلاقات الخارجية ... الخ ويجعل حركة المجتمع حركة موافقة للشرع ويجنب الدولة والأفراد التصادم مع سنن ونظم وقوانين الخلق , وإن لم تحرس الدولة بالدين ستجتالها وستجتاحها الشياطين وستسيطر على الحركة بواسطة من فسدت عقلوهم وعميت بصائرهم وفقدوا إدراكهم لتجعلها حركة لا توافق الشرع وتتصادم مع سنن ونظم وقوانين الخلق , فكما يحفظ الدين العقل من الفساد يحفظ الدولة من الإفساد , فإذا ذهب الدين فسد العقل وإذا فسد العقل فسد وذهب ورائه كل شيء , فستفسد الذمم والأخلاق وستنتهك الأعراض وستبدد الأموال وسيعبث بها وستزهق الأنفس .
وحتى يبطل المتضرر من عملية الإصلاح السياسية والاجتماعية إقامة الشرع عادة ما يسوق أفكار كثيرة ومنها فكرة ( التشدد ) حيث يضعها في غير موضعها حتى يحتال على بعض العقول التي غابت عنها الحقيقة , فالبعض يصف تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وإقامة شرع الله جل شأنه بأنه نوع من التشدد غير المطلوب في الحياة السياسية وهو وجه من أوجه التطرف , فالبعض لا يرى بأن الدين دين للحياة , والبعض يرفض عملية الإصلاح السياسة والاجتماعية بإقامة الشرع عن جهل منه بعد ما أفتتن بمخرجات عقول من فقدوا إدراكات العقل , والتشدد يكون أحيانا أمرا مطلوبا وواجبا , فالمهندس الإنشائي عندما يضع مواصفات معينة للبناء ويتشدد مع المنفذ ويلزمه بتنفيذها ففعله لا يصدر عن هوى ودون علم بما يجب أن يكون الأمر عليه بل يصدر عن علم ومعرفة , وهو لا يوصف بالمتطرف , بل يوصف بالأمين وبالمتقن لعمله وبالملتزم بالمواصفات الصحيحة القياسية التي أقرها وأتفق عليها أهل المهنة والصنعة والاختصاص , فهو أعلم بالمواصفات الفنية التي تحقق الإتقان والجودة والسلامة والتناسق والكمال المطلوب , فتشدده بتطبيق المواصفات وبتنفيذها أمر مطلوب ومحمود , والسياسي الذي انفصل عقله وقلبه عن بصائر الوحي وفقد البصيرة بعد ما فقد أدنى مراتب الإدراك لا يدرك الأشياء على حقيقتها وهو لا يعرف سنن وقوانين ونظم الخلق ولم يتبصر بها وبالتالي لا يعتبر من أهل الرأي والاختصاص في مسألة رسم سياسة حركة المجتمع وإدارة شؤونه , فالتشدد في بعض الجوانب والمسائل التي تتحقق ورائها مصلحة الإنسان والمجتمع لا يعتبر تشدد غير مطلوب وغير محمود وهو لا يعتبر تطرف , فمن خلق الإنسان وخلق له الحس والعقل والقلب أنزل له بصائر وحية حتى تسموا روحه ويرتقي بشعوره وبعقله وحتى ينير عقله وقلبه , فالبيت لا يأتيه النور ما لم يوصل بمصدر الكهرباء , وكذلك قلب وعقل الإنسان لا يقذف بهم نور الله تعالى إلا بعد وصلهما وربطهما ربطا وثيقا بمصدر النور - كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - وبالشكل الصحيح لممارسة التطبيقات الصحيحة التي من دونها لن تحدث ولن تحصل الإشراقة الروحية والإنارة الفكرية , فالنور لا يتحقق إلا بعد ما تكون هناك حركة صحيحة موافقة للشرع سواء كانت حركة فرد أو حركة مجتمع , وهذا الأمر يتطلب سياسة حكيمة وإدارة مدربة وواعية ومطلعة متخصصة حتى يتحقق المطلوب لمن أراد أن ينير قلبه وعقله بأنوار الله وبفيوضه , ولا إكراه في الدين , والإنسان مخير في تلك المسألة وهو ليس مجبرا عليها , فهو له أن يختار .
فهناك نورين , نور أدنى ونور أعلى , وأعني بالنور الأدنى , النور الذي ينير العقل بالعلوم التطبيقية المعروفة للمؤمنين ولغير المؤمنين والناتجة عن التجربة والمشاهدة والبحث العلمي وهي تدرك بالحواس والعقل وهو نور يختلف عن نور بصائر الوحي , وهو نور لا يسمو بالروح ولا يرتقي بالفكر , وهو النور الذي تنشره الحكومة العلمانية المنظمة والحكومة التي تستعمل الدين في الحكم والسيطرة , وأنا أعتبر ذلك من أكبر الجرائم المنظمة التي ترتكب ضد الإنسان .
والإسلام إضافة إلى النور الأدنى يقدم النور الأعلى , الذي يسموا بالروح إلى الأعلى ويجعلها روح تتطلع لله المثل الأعلى فيرتقي الفكر فتصبح النفس نفس مطمئنة , والنفس تصبح نفس مطمئنة عندما يتحصل صاحبها على إدراكات الحس وإدراكات العلم وإدراكات العقل , وإدراكات العقل أعلى مراتب الإدراك وكما تقدم , وعندما يتذوق المؤمن نعمة الله تعالى سيتذوق معاني سورة الفاتحة ويدركها وعند ذلك يطمئن بأنه على الصراط المستقيم وبذلك يزيد ثباتا على المنهج القويم الذي ارتقى به إلى الدرجات العلا وهو يزيد يقينا على يقين , وبالشكر وبالتأمل وبالتدبر تزيد النعم والفيوض والفتوحات والأنوار الربانية .
" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) " النور
ومن استشعر بحاجته للإرواء الروحي من الذين سوقوا لنا ما يحسبه البعض ماء بدئوا ومنذ فترة البحث عن الإرواء الروحي .
فالإنسان له أن يختار , بين أن يكتفي بالنور الأدنى الذي يكفل له المعيشة والارتقاء المادي فقط ليعيش وكما تعيش الأنعام بل أضل , وهو يعتبر لا شيء , لأنه لا يرتقي بإدراكات العقل وهي أعلى مراتب الإدراك , لذلك هو لا شيء , وهو النور الذي تقدمه المدرسة اللادينية - العلمانية - التي تفصل شعور وعقول وقلوب الدارسين عن بصائر وحي الله تعالى وأنواره وفيوضه , أو أن يكرم نفسه وأبنائه ويحسن إليهم بالنورين , فالنورين يكفلان المعيشة الراقية التي تليق بإنسانية الإنسان بعد ما تسمو روحه ليتحقق له الأمن الفكري والاطمئنان النفسي والثبات على الصراط المستقيم . " نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور .
وما تقدم يوضح بأن حالة الشيطنة التي يعيشها الصغار والشباب والكبار حدثت بسبب المدرسة اللادينية العلمانية التي أفقدتهم أول مراتب الإدراك , وهو الحس , فلا أمل في أن يعلموا ولا أمل في أن يعقلوا إلا من هداه الله تعالى إلى صراطه المستقيم ورفعه من الظلمة ومن أسفل سافلين إلى أعلى عليين وبجهده وعمله الصالح الصحيح بعد توفيق الله له , وذلك يفسر المظاهر والظواهر السلبية التي انتشرت في المجتمعات عموما , وعلاج تلك الحالة سيكون بواسطة المدارس الإسلامية ( مدارس النورين - نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) التي ستكفل لهم السمو الروحي والارتقاء الفكري والبناء البدني السليم والاطمئنان النفسي وبواسطة الإعلام الهادف البناء الذي سينير العقول والأفئدة ببصائر وحي الله تعالى ويحيي إدراكات العقل .
إن الجواهر الملقاة في الوحل إذا ما أردنا تنظيفها وغسلها يجب أن نرفعها من الوحل حتى تغسل بالماء وتنظف , ولكن صب الماء عليها وهي في الوحل لن ينظفها .
والسياسي المعروف صاحب خبرة ودراية بمجريات الأحداث السياسية العامة القديمة والحديثة وبالعلاقات الدولية وبحيل وبسياسات وبأفكار الآخرين وما شابه ذلك بناءَّ على تجاربه وخبراته واتصالاته , واختيار اللادينية - العلمانية - للمجتمع من أجل إدارة الحياة والحركة الاجتماعية يدل على عدم علم ومعرفه السياسي المعروف بخطورة ذلك على البناء الفكري والبدني وعلى النفس والروح , فالعلمانية راس البلاء وأم الأخطار التي تهدد بقاء وارتقاء الجنس البشري , حيث أصبحت آلة القتل والدمار الشامل التي أوجدت بواسطة النور الأدنى بيد من فسدت عقولهم بسبب حرمانهم من النور الأعلى , وكذلك الآلية الإعلامية , فبواسطة النور الأعلى سيرتقي الإنسان من الدونية إلى الإنسانية وبذلك يحقق بقائه وارتقائه , وهكذا ستجد البشرية عالما جديدا لا يسيطر عليه العقل المنفصل عن بصائر وحي الله تعالى , وسيجد الناس أمنهم وسلمهم واستقرارهم عندما ينتشر بينهم النورين لتُكشف حقيقة النور والتنوير المزعوم الذي صدرته لنا الدول الغربية مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها بواسطة الذين انبهروا وافتتنوا بنورهم . فهم قوم لا يفقهون ... لا يفقهون... لا يفقهون . ومن يفقه لا يتبع من لا يشعر ولا يعلم ولا يعقل .
الولاء للوطن
إن الله الخالق الوهاب سبحانه وتعالى قد خلق الأشياء وسخرها لنا ووهبنا النعم , والوطن الذي نعيش فيه من هذه الأشياء والنعم وهو الذي يحتوينا ويحتوي الأشياء التي سخرها الله لنا ويحتوي النعم , فللحفاظ على الوطن ولصيانة أمنه واستقراره وحتى تدوم النعم علينا أن نشكر الله عز وجل بالعمل الصالح الصحيح حتى يكون عملنا عمل مصلح , والله سبحانه وتعالى الأحق بالشكر والذكر , والوفاء بالعهد الذي عاهدنا الله تعالى به هو العمل الصالح الصحيح الذي يجب أن نشكر الله تعالى به وهو العمل الذي سيجعلنا نتقى غضب الله تعالى وعقوباته الظاهرة والباطنة الخفية - التي لا يشعر بها من طالته - ونتقي التصادم مع سنن ونظم وقوانين الخلق وهو العمل الذي سيصلح ما فسد من العقل الذي فصلته اللادينية - العلمانية - والعصبية عن بصائر الوحي وعن نور الله سبحانه وتعالى .
والوطن شيء مسخر من الله تعالى ونعمه وهبها الخالق جل قدره وهو ليس إله يعبد من دون الله تعالى حتى نتوجه له بكمال المحبة ونقدمه على محبة من سخر لنا الوطن ووهبنا النعم , فهذا وجه من وجوه الشرك بالله والعياذ بالله , وحب الوطن والمكان الذي يولد وينشأ فيه الإنسان حب فطري يولد مع ولادة الإنسان وهو من الأشياء والنعم التي يحبها الإنسان كحب مسكنه أو أرضه التي يزرع فيها أو مصنعه الذي يصنع ويعمل فيه وكحب كل النعم التي يتمتع بامتلاكها الإنسان سواء كانت نعمة مادية أو معنوية أو صحية , ومن يحب الوطن ويريد أن يحقق بقائه وارتقائه فيه عليه أن يحسن الاختيار ويختار المنهج الأصيل والصحيح الذي يحقق ويكفل له ذلك , والمنهج الأصيل والصحيح أنزل من خالق الأشياء وموهب النعم , أي أنزل من خالق السماوات والأرض وما بينهما وهو خالق الوطن , فالمخلص المحب لوطنه هو المخلص المحب لدينه ولربه ولخالقه ولخالق وطنه الذي يستحق كمال المحبة وكمال الطاعة لأنه مسخر الأشياء وموهب النعم ومنها الوطن , وبالسعي لتحقيق كمال الطاعة من خلال كمال المحبة لله سيقدم المحب والوفي لوطنه أفضل وأقصى وأحسن ما يمكن تقديمه وهو حرس الله تعالى وحفظه للمحبين الطائعين الخاضعين وحرس وحفظ أشيائهم وإدامة نعمهم ومنها وطنهم وأمنهم وأقواتهم وألفتهم ووحدتهم ومحبتهم لبعض , قال تعالى " لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)" قريش , وأما من أختار لوطنه اللادينية - العلمانية - فهو في الحقيقة يجحد حق الله بكمال المحبة وبكمال الطاعة وهو بذلك يجلب سخط وغضب الله تعالى عليه فتتسلط عليه مفزعات الحياة ومنغصات العيش وأمراض القلوب مثل الخوف والغم والهم والحسد والبغض والكراهية واللؤم والشح وعدم القناعة وعدم الثقة بالآخرين وتعلق الآمال في الدنيا والغفلة عن اليوم الآخر والمصير ويجعل وطنه وشعبه بلا حراسة وحفظ من الله الحافظ القادر وسيوكله الله تعالى لنفسه بعد ما تخلى عن معية الله وحفظه .
إن المؤمن بالله الشاكر لفضله ونعمه والمتصل قلبه وعقله ببصائر وحي الله والذي يتمتع بالحس وبإدراكات الشعور لا ينتظر من الذين فقدوا شعورهم وحسهم بعد ما انفصلت قلوبهم وعقلوهم عن بصائر وحي الله تعليمه دروسا في الولاء للوطن والوطنية , فدروسهم وخطبهم ومواعظهم لا ترتقي بالفهم بل تضلل بعض السامعين عن الحقيقة , فمن فقدوا شعورهم وحسهم هم في الحقيقة يريدون أن يجعلوا الأشياء التي خلقها الله لعباده وسخرها لهم والنعم التي وهبها لهم والأشخاص المالكين للأشياء هي التي تتوجه قلوبهم وعقولهم وشعورهم وحركتهم وفكرهم نحوها لتصبح محورا تطوف وتتحرك حوله وموجها لها , وهم بذلك العمل يستبدلون ويكفرون أي يسترون ويغطون كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ويبعدونها عن حركة المجتمع , فهي المحور الحقيقي لحركة ونشاط المسلم المؤمن الموحد , فكلمة التوحيد يجب أن تكون هي المحور الأصيل والصحيح لحركة القلوب والعقول والشعور والفكر وإلا سيصيب المسلم ما سيصيب الغافل الذي لا يدرك الأشياء على حقيقتها وسيصبح حاله من حال الكافر الذي لا يعلم ولا يعقل بعد ما فقد أول مراتب الإدراك - وهو الحس - فلا طمع في أن يعلم ولا طمع في أن يعقل بعد سكنت الأشياء والأشخاص قلبه وعقله سكنى شريفة لا يستحقونها حيث غيبوا عنهم المثل الأعلى وواهب النورين " قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) " النعام . ومن يعلم الحقيقة يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان رضوان الله عليهم كان جهادهم من اجل إخراج الناس من ( عبادة الأشياء والمالكين للأشياء ) إلى عبادة ( خالق الأشياء ومسخرها وموهب النعم وخالق الموت والحياة ) , ومن يعلم بهذه الحقيقة سيعرف الفرق بين الحرية المزعومة التي يروج لها الغرب وأتباعهم وبين الحرية الحقيقية التي يجاهد المؤمن من أجل تحقيقها ونشرها بين الناس .
ثم ليس هناك ما يسمى بقيم وطنية بل هناك قيم إسلامية , فالموالاة لله سبحانه وتعالى والبراءة من كل ما يقطع حبل الحب والوصل والموالاة والمودة لله هو في الواقع التطبيق العملي الصحيح الذي يعكس صدق الولاء للوطن وصدق حبه والعمل على رفع شأنه وتقدمه وتطوره والحفاظ على سلامته وأمنه ورفعته , فمن صدق وأخلص في حب الله سيكون صادقا في حب وطنه مخلصا له , فالله سبحانه وتعالى يوالي من والاه ويعادي من عاداه أو يعرض عن من أعرض عنه , فلا يجب أن نغفل عن تلك الحقيقة , وذلك يعني بأن الله جل قدره سيكفل سلامة وطن أوليائه الطائعين المخلصين الخاضعين المحبين له وأما الذين يقطعون حبل الحب والوصل والموالاة والمودة مع الله فهم في الواقع يقطعون عن وطنهم حب الله وما يترتب على حبه جل قدره , فأعداء الله المعرضين عن منهجه المتكبرين عليه هم على رأس قائمة أعداء الوطن , فهم يقفون موقف المعادي للوطن لأنهم لا يدركون حقيقة الأشياء وهم لهم حسابات تمت بناء على ما يعلمون به وهو علم قاصر بقصور إدراكهم , والأعمى لا يرشد المبصر ," وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا " ، فهم في الواقع يهيئون الأسباب التي تجذب وتجلب الأخطار والشرور وواردات الفتن بالدخول والعبور والاستيطان . والجاهل عدو نفسه وعدو وطنه الذي يتطلع لحفظ الله وستره , " فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "
قال تعالى " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) البقرة
فمن خلق الأشياء وسخرها لنا ووهب النعم هو القادر على حفظها وإدامتها , ومن ابتدع – العلمانية – سوقها لنا ليسخرنا وليستولي على الأشياء والنعم بعد ما نصبح عمي لا نبصر ولا نشعر بما يجري لنا , فالعلمانية تحرم المسلم من بصائر وحي الله تعالى لتفصل شعوره عنه . فشتان بين الدين واللادين وشتان بين العقل واللاعقل .
فيضان المال بلاء واختبار
وهناك حالة أخرى لا تقل أهمية عن حالة عدم الوفاء بالعهد مع الله جل قدره , وهي حالة ترتبط بالحالة الأولى , وهي حالة فيضان المال والنعم , وهي في الحقيقة حالة ابتلاء واختبار , فعلاقة الإنسان بالحياة علاقة ابتلاء وامتحان واختبار , وهو المظهر العملي لعلاقة العبودية بين الخالق جل قدره والإنسان , والعبودية تعني ( كمال الطاعة لكمال المحبة ) , فبالابتلاء يمتحن الإنسان وتختبر طاعته , والنجاح في اختبار الطاعة هو انعكاس لكمال محبة الله تعالى .قال تعالى " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) " الملك
والذين فسدت عقولهم بعدما انفصلت عن بصائر وحي الله تعالى بسبب اللادينية - العلمانية - وبسبب العصبيات المختلفة لا يشعرون بأنه ابتلاء واختبار من الله تعالى , فهم في الواقع فشلوا في الاختبار , فهم يحسبونه إكرام وجزاء محبة من الله تعالى لهم وليس اختبار لطاعتهم ولالتزامهم بتطبيقات المنهج في حياتهم وعلاقاتهم , قال تعالى " فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ۖ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) " الفجر . فمعظم الذين ابتلاهم الله تعالى بفيضان المال والنعم لم يستوعبوا سنن الابتلاء والاختبار وهم أصبحوا أكثر بعدا عن الله عز وجل بعد ما فشلوا في الاختبار .
ترابط الحالتين
ووجه الارتباط بين الحالة الأولى , وهي عدم الوفاء بعهد الله جل قدره , وبين الحالة الثانية , وهي الابتلاء بفيضان المال والنعم , هو ضرورة الوفاء بعهد الله جل قدره حتى يُمكن المبتلى من التعامل مع الابتلاء والاختبار بعقل سليم وبحكمة لكي يضع وينفق المال في موضعه الصحيح , فالحكمة هي وضع الأشياء في موضعها الصحيح , وهذا ما نفتقده في بلدنا , ( المنهج - والحكمة ) , وليس بعد حكمة الله حكمة , ومن الحكمة أيضا أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب , فبممارسة تطبيقات المنهج الرباني الصحيح سيصبح العقل الذي أفسدته اللادينية - العلمانية - والعصبية وعبثت به واردات الفتن عقل سليم وبالتالي سيصبح صاحب العقل السليم له القدرة على التعامل مع الأشياء وبحكمة وبعد ما يدرك ويبصر ويدرك الأشياء على حقيقتها , وعندما تتوحد الرؤية بسبب الالتزام بعقيدة التوحيد وممارسة تطبيقاتها في الحياة وعندما لن يكون هناك اختلاف في الرؤية للحياة ستتجه العقول إلى آفاق جديدة فسيحة رحبة وسينصب تركيز الإنسان على العمار بدلا من التخريب والدمار الذي عادة ما ينتج بسبب فساد العقل وإحياء العصبيات , وبالحوار البناء الموضوعي العلمي بين أهل الاختصاص ستتبدد الغمامات وستظهر الحقائق لتتوحد الرؤية .
مسؤولية السلطة السياسية
وعند ربط الحقائق والأحداث التي لمسناها وشهدناها وتذوقنا مرارتها ببصائر وحي الله وآياته البينات التي تنير أفئدة وعقول المؤمنين نجد من الحكمة تجنب التصادم مع سنن ونظم وقوانين الخلق وعلينا أن نتعظ من الأمم التي غفلت وأعرضت عن آيات الله البينات وبصائر وحيه وتجاهلتها وجعلت أهوائها ورغباتها هي المسيرة لحركتها في الحياة , كما علينا أن نتعظ من مصير الذين لم يؤَدوا الأمانات ولم يوفوا بالعهود التي عاهدوا عليها .
وللخروج من هذه الأزمات التي تعصف في البلاد وللخروج من حالة الضجر والكآبة وانسداد الأفق واليأس من الإصلاح ومن حالة اللاوعي بمصير المتجاهلين لعهودهم ومواثيقهم مع الله جل قدره لا بد أن تعيد السلطة السياسية النظر بأوليات الالتزام بالعهود والمواثيق بعد ما تتدارس الأمر من أجل الوصول للحقيقة التي غابت عن بعض العقول التي لا تطيق أسرار الحياة والتي يشير إليها القرآن الكريم , لتجعل الالتزام بعهد الله جل قدره له الأولية القصوى جلبا للمصلحة ودفعا للضرر الذي عادة ما يصيب كل من لم يوف بعهد الله جل قدره وبحسب سنن الله تعالى الجارية على خلقه , " قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ " , تلك السنن التي لا تستثني أحدا والتي لا تتبدل ولا تتحول " فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا " , وإذا كانت هناك عهود ومواثيق تتعارض مع الالتزام بعهد الله تعالى وتتصادم مع سنن ونظم وقوانين الخلق وهي تغضب خالق الخلق وتجحد حقه بالعبودية عليها أن تعتذر للطرف الآخر عن الالتزام بها وتبين له الأسباب الموضوعية والعلمية التي تنير العقول والتي جعلتها تلجأ للخيار الذي يحقق المصلحة العليا للوطن والشعب ويحقق بقاءه وارتقاءه وسلامة الحياة ," أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " فاللجوء إلى ركن الله الشديد وكسب رضاه جل قدره أعلى وأسمى الغايات التي يتطلع لها المؤمن بالله تعالى المقر بوحدانيته وبربوبيته وبحقه بالعبودية الخالصة جل قدره ." بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة .
ومن يتأمل في الأمر يجد بأننا شكرنا كل من ناصرنا ومد يد العون لنا ودفعنا الأموال الطائلة والإتاوات والهبات والمكرمات والترضيات لهذا وذاك وقبلنا ( رأس وخشم وكتف ) هذا وذاك وأرضينا من يستحق ومن لا يستحق ولكننا غفلنا عن شكر من هيأ لنا الأسباب وسخر لنا الأشياء والمناصرين , وما أديناه من شكر باستمرار سياسة مساعدة المحتاجين والمنكوبين والفقراء لا يرتقي لمستوى أداء العهد , فالعمل يجب أن يكون بما عاهدنا الله عليه وعلينا أن نكون من المحسنين حتى ننال رضا الله ومحبته ورضاه " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " , والله الغني صاحب الفضل والمنة ونحن الفقراء . " قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ " .
قال تعالى" وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ " (32) . والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا , وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك ; وغاية ذلك حفظه والقيام به . والأمانة أعم من العهد , وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد .القرطبي
وهناك مسألة تدور في الذهن وأود أن أثيرها حتى نحيي النفس اللوامة التي ستكون عاملا مساعدا على إحياء الشعور لاتخاذ القرار الصحيح الذي يليق بقدر الله وجلاله .
إن أهل الكويت يجب أن يكونوا من أعلم الناس بضرورة الالتزام بالعهود ! , ولكن البعض لم يستوعب الدرس , ( خذ الوطن وأجري ! ) , ألم يصيبنا الضرر من الطاغية الغادر الذي لم يلتزم بعهده ؟ , ألم نصفه بالغادر ؟ , ألم يؤلمنا غدره وعدم وفائه بالعهد ؟ ! . أين الإحساس والشعور , أين الإحساس بالمسؤولية عن العهد مع الله جل قدره ؟ , أم تجردنا من الشعور والإحساس ؟ !.
( فحين تسمع كلمة لا يشعرون فأعلم أنه يصفهم بأنهم فقدوا أول مراتب الإدراك وهو الحس فلا طمع في أن يعلموا ولا طمع في أن يعقلوا ) ( نسأل الله لك الرحمة يا شيخ محمد الشعراوي )
مقدمة كلمة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح أسأل الله له الرحمة والمغفرة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه, وأسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا جميعا على تحمل المصاب, وأن يثبت أقدامنا ويطمئن نفوسنا, وأصلي وأسلم على خير البرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إخواني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد تعرضت الكويت فجر يوم الخميس الحادي عشر من محرم الحرام الموافق الثاني من أغسطس الماضي لعمل عدواني غادر من النظام العراقي الذي كنا نعتقد بأن ما قدمته الكويت له شعبا وحكومة كان كافيا لغرس شجرة الخير في ضميره , واحتواء نزعة الشر في سلوكه , إلا أن الشر كان متأصلا فيه , فخان العهد , وغدر بالأخ والجار واستباح الحرمات , ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية, متنكرا لما قدمته له الكويت من مساندة ومساعدة
فخان العهد
( خذ الوطن وأجري ) وأتركك ورائك العهد لا يصح , فيجب أن لا يغيب من الذاكرة الكويتية فضل الله وكرمه ونصرته وستره وعهده , فمثل ما نستخرج من ذاكرتنا أقوال أمرائنا يجب أن نقدم أقوال ربنا وذكره الحكيم وبصائر وحيه حتى تتحسن وتصلح أحوالنا .
سبحان الله الحليم الرحيم نسأل الله اللطف ونسأله أن لا يؤاخذنا بما نسينا من أمرنا .
"رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا " .
يبدو بأننا نسينا أمور وهبات ولطائف ونفحات ومكرمات كثيرة , لقد حفظ الله تعالى لنا كوتنا وحصننا الصغير وكويتنا ولعهود طويلة وحصنها لنا وكنا تحت حفظه ورعايته ومعيته منذ عشرات السنين حيث رد عنها الطامعين وصد المعتدين وطرد المحتلين بعد سبعة أشهر من الاحتلال ومزقهم شر ممزق بعد ما سلط عليهم شر خلقه , لقد أغدق الله علينا نعمه الكثيرة حتى أغرقتا بها وكأننا نعيش حالة استثنائية بين الشعوب , وبعد كل ذلك جلسنا نماطل كل تلك السنين . 19 سنة ... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أخشى من أن تأتينا صرخة قوية أكبر من الصرخة الأولى والعياذ بالله .
" أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) " الأعراف.
فيجب على السلطة السياسية الانتباه من الغفلة والعمل على الوفاء بالعهد حتى لا تطالنا سنة الاستبدال ويسوء الحال " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ " أو تأتينا الصرخة والعياذ بالله .
( حيثما تكون مصلحة الكويت وأهل الكويت فهناك الطريق )
( والوفاء بعهد الله جل قدره هي مصلحة الكويت وهو الطريق )
إن العدل هو الحارس القوي الأمين لإنسانية الإنسان وللأوطان , فبالعدل يتحقق للإنسان الارتقاء في درجات الإيمان والإحسان , فإذا عُرِّفَ الإنسان بإنسانيته ونال حقوقه الكاملة وضرورات حياته الإنسانية سيشكر الله وسترتقي لديه إدراكات العقل بعد ما تسمو روحه لتتطلع لله المثل الأعلى فعندئذ سيتعرف على ربه وخالقه وعلى أسمائه وصفاته وسيتقرب إليه وسيعرف حق الله بالعبودية الخالصة , وإذا غاب العدل وجد الشيطان طريقا ليفسد إنسانية الإنسان وفطرته لينحدر به إلى أسفل سافلين ويجعل عقله في الدرك الأسفل مع المغضوب عليهم والضالين , إلا من رحم الله والتزم بالعهد وبالتطبيقات الصحيحة لعقيدة التوحيد , وإذا غاب العدل سيصبح الوطن كالجسم الميت بلا روح يمزق أشلائه كل مصاب بلوثة عقلية وكل معقور ومسعور .
َذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ"
قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة


الكاتب: محمد العلي
التاريخ: 24/10/2010