من ضلال المشركين و كفرهم قولهم : \" و ما الرحمن \" فما المراد من قولهم هذا ؟

 


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين و سلم تسليما كثيرا ، ثم أما بعد :

قال الله تعالى : " و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن ، أنسجد لما تأمرنا و زادهم نفورا " ( الفرقان : 60 )

اختلف المفسرون في بيان المراد من قول المشركين " و ما الرحمن " فقال بعضهم :
أنها على سبيل الإنكار و التعنت و الجحود المعهود من أولئك المشركين ، إذ كانوا يعرفون اسم الرحمن من حيث إطلاقه على الله سبحانه و تعالى و اختصاصه به ، و ممن قال بذلك من المفسرين :

1- ابن عاشور حيث قال في تفسير تلك الآية : و لذلك لما سمعوه من القرآن أنكروه قصدا بالتورك على النبي صلى الله عليه و سلم ، و ليس ذلك عن جهل بمدلول هذا الوصف و لا بكونه جاريا على مقاييس لغتهم ، و لا أنه إذا وصف الله تعالى به فهو رب واحد و أن التعدد في الأسماء . ثم قال : و الخبر هنا مستعمل كناية في التعجب من عنادهم و بهتانهم ، و ليس المقصود إفادة الإخبار عنهم بذلك لأنه أمر معلوم ... (1)

2- المراغي إذ يقول : و إذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم و لا يضرهم : اجعلوا خضوعكم و تعظيمكم للرحمن خالصا دون الآلهة و الأوثان ، قالوا على طريق التجاهل : و ما الرحمن ؟ أي نحن لا نعرف الرحمن فنسجد له . و نحو هذا قول فرعون " و ما رب العالمين " (2)

و ورد قول آخر و هو أن المشركين لم يكونوا يطلقون لفظ الرحمن إلا على مسيلمة الكذاب ،   و لذلك استنكروا ذكر اسم الرحمن ، و ممن ذكو هذا القول و مال إليه : 

1- القرطبي إذ يقول : " قالوا و ما الرحمن " على جهة الإنكار و التعجب ، أي ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب . ثم قال : و زعم القاضي أبو بكر بن العربي أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف . (3)

2- الطبراني إذ يقول : و ذكر بعضهم أن مسيلمة كان يدعى الرحمن ، فلما قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : " اسجدوا للرحمن " قالوا له : أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة ، يعنون مسيلمة، بالسجود له.(4)

3- و بنحو ذلك قال السيوطي (5) و ابن أبي حاتم (6) و ابن الجوزي (7) و الشوكاني (8)

أما البيضاوي فقد ذكر ثلاثة أقوال في تفسيره ، و هذا نص ما قاله :
قال تعالى " و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ، قالوا و ما الرحمن "

1- لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله سبحانه و تعالى .
2- أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره ، و لذلك قالوا " أنسجد لما تأمرنا " أي للذي تأمرناه ، يعني تأمرنا بسجوده،أو لأمرك لنا من غير عرفان.
3- و قيل لأنه كان معربا لم يسمعوه . (9)

و قد قال أبو السعود في تفسيره بنحو ما قال البيضاوي ، و ربما نقل كلامه . (10 )


و قال محيي الدين في حاشيته لتفسير البيضاوي عن القول الأول ( لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله سبحانه و تعالى )  : على أن يكون قولهم " و ما الرحمن " سؤالا عن المسمى بهذا الاسم ، ثم قال : أو كانوا يعرفون كونه تعالى مسمى به إلا أنهم كانوا يزعمون أنه قد يراد به غيره تعالى ، و هو مسيلمة الكذاب باليمامة فإنه يقال له : رحمن اليمامة ، و كان المشركون يكذبونه أيضا .


ثم قال : قوله (و قيل لأنه كان معربا لم يسمعوه) ليس سؤالا عن المسمى بل هو  سؤال عن معنى هذا الاسم و شرح مفهومه لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل الرحيم و الرحوم و الراحم (11)

قال ابن كثير : و كانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن ، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية . (12)

و الراجح من هذه الأقوال هو : تعنت المشركين و جحودهم و استهزائهم و تكبرهم ، مع معرفتهم التامة بلفظ الرحمن من حيث المعنى اللغوي و اختصاصه به سبحانه و تعالى .


------------------------------
(1) التحرير و التنوير (62/18)
(2) تفسير المراغي (32/19)
(3) الجامع لأحكام القرآن (69/13)
(4) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (482/17)
(5) الدر المنثور في التفسير بالمأثور )197/11)
(6) التفسير بالمأثور (468/6)
(7) زاد المسير في علم التفسير (99/6)
(8) فتح القدير (107/4)
(9) أنوار التنزيل و أسرار التأويل (529/2)
(10) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (23/5)
(11) حاشية محيي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي ) (307/6)
(12) مختصر تفسير القرآن العظيم (699/2)
 


الكاتب: أم الليوث الكويتية
التاريخ: 13/11/2011