دراسة حول جدار الفصل العنصري الصهيوني ..

 

دراسة حول جدار الفصل العنصري الصهيوني
بقلم / جهاد علي

مقدمة :
ــــــــــــــــــ

سنحاول في هذا الدراسة تسليط الضوء على فكره بناء جدار الفصل العنصري وكيف بدأت عبر الحكومات الصهيونية المتعاقبة، والية تنفيذه، وتكاليفه المالية، واثاره السلبية على الشعب الفلسطيني ومعاناته، وحجم الاراضي الفلسطينية التي سيتم السيطرة عليها مجددا بعد الاحتلال الاول، مع توضيح القوانين والمواثيق الدولية التي تمنع وتحرم بناء مثل هذا الجدار، وكل ذلك سيكون بالارقام الدقيقة.

توضيح لمعاني مصطلحات مهمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بداية لا بد من توضيح معاني الكلمات والمصطلحات التي يطلقها الجانب الصهيوني على هذا الجدار، حيث يسميه الصهاينة الجدار الفاصل او الجدار الامني او السور الواقي، وهذه التسميات الصهيونية تعني الفصل بين دولتين او اكثر وفق حدود طبيعية او حدود متفق عليها بين دولتين دون تفرد احد الاطراف بشكل احادي الجانب، والمقصود منه تامين حماية حدود خارج حدوده على حساب الطرف الاخر،

وهنا نستذكر منطقة جنوب لبنان التي احتلها الصهاينة عام 1978 ومن ثم توسيع المنطقة عام 1982 واطلقوا عليها اسم الحزام الامني في جنوب لبنان وهو خارج حدود ما يسمى(دوله اسرائيل) بمعنى احتلال اراضي الغير، اما مصطلح جدار الفصل العنصري فهو التسمية الصحيحة لهذا الجدار والاكثر تعبيرا لانه يهدف الى عزل محافظات ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية عن بعضها البعض وجعلها كانتونات متناثرة وتمنع التواصل الجغرافي والسكاني بينها.

مبدأ فكرة الفصل العنصري عند الصهاينة وتطورها عبر التاريخ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتعود فكره الفصل العنصري الى جذور الفكر اليهودي الصهيوني بهدف حماية وتحصين المدن والمستوطنات الصهيونية وحصار المناطق والمدن الفلسطينية في سياق تطبيق فكرة العازل( الغيتو) التي سادت في الاوساط اليهودية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ان فكره بناء جدار الفصل العنصري، خطة صهيونية قديمة متجددة، مرت بمراحل متعددة وطرحت بصيغ مختلفة لتحقيق اهداف وغايات تتناسب مع رؤية وبرنامج الشخص او الحزب الذي كان يطرحه، فمنذ الاحتلال الصهيوني للضفه الغربية عام 1967 طرح وزير المالية الصهيوني آنذاك ( بنحاس سافير) هذه الفكرة، وذكرت مصادر صهيونية ان ا(ارييل شارون) رئيس الوزراء الصهيوني الحالي ومنذ عام 1973م، وهو يخطط لتنفيذ خطة الفصل بين مناطق الضفة الغربية وتحويلها الى معازل، وفي عام 1978م كان لدى شارون خريطة تفصيلية لمخطط جدار الفصل، وفي انتخابات الكنيست الصهيوني عام 1988 طرح حزب العمل خطة اسماها (هالوفين) لاقامة السياج الفاصل على خط التماس بين الضفة الغربية والاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م ولكن في تلك الانتخابات فاز حزب الليكود وسقط حزب العمل،

وفي عام 1995م طلب رئيس الوزراء الصهيوني (إسحاق رابين) من وزير الامن الداخلي في حكومته (موشي شاحل) وضع خطة لفصل الكيان الصهيوني عن الشعب الفلسطيني، وجاء هذا الطلب بعد سنتين على توقيع اتفاقات اوسلو بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعمل في حينه الوزير (موشي شاحل) مع الجيش الصهيوني وجهاز الشاباك لاعداد الخطة المطلوبة وتنفيذها.

وبعد ان تسلم (بنيامين نتنياهو) رئاسة الحكومة الصهيونية عام 1996م بادر (افيغدور كهلاني) وزير الامن الداخلي الصهيوني في حكومة (نتنياهو) لوضع خطته التي تقوم على اقامة سياج وعوائق على امتداد حدود الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وسقطت تلك الخطة لاسباب سياسية تتعلق بمخاوف اليمين الصهيوني من تحول هذا السياج الى حدود رسمية لدولة الكيان الصهيوني، وعادت فكرة الجدار العازل الى الواجهة السياسية في الكيان الصهيوني مجددا في انتخابات الكنيست عام 2000م حيث اعلن (يهودا باراك) رئيس حزب العمل في حينه انه سيقوم بالفصل الاحادي بين الفلسطينيين والصهاينة نحت شعار (نحن هنا 000 وهم هناك)،

أول من كشف عن خطة الجدار الواقي الحالي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا ما كشفه الصهيوني (زائف شيف) المحلل العسكري لصحيفة (هارتس) عن وجود خطة لمناطق عزل على طول حدود الضفة الغربية وذلك في شهر حزيران 2001م ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في شهر ايلول عام 2000م اخذت وتيرة المطالبة الصهيونية باقامة الجدار العازل تزداد الى ان قدم (افي ديختر) رئيس جهاز الشاباك الصهيوني خطة للجدار العنصري الفاصل في شهر شباط 2002م، وهذه الخطة اخذت طريقها للتنفيذ وتولى تنفيذ المراحل الاولى منها وزير الحرب الصهيوني (ديفيد بن اليعازر) وهو من حزب العمل في ظل حكومة الائتلاف الصهيوني، وبدء فعليا العمل على بناء الجدار يوم 23 حزيران 2002م بعد ان اقرته الحكومة الصهيونية اثر اجتياح الضفة الغربية في عملية ما يسمى (بالسور الواقي)

واعلنت الحكومة الصهيونية بتاريخ 23-6-2002م رسميا خطة البناء لجدار الفصل العنصري، ومن المتوقع ان يكتمل بناء هذا الجدار بحلول شهر حزيران عام 2005م، وبتاريخ 14-7-2002 صادقت الحكومة الصهيونية على البدء بالمرحلة الاولى من الجدار في شمال الضفة الغربية. ويشكل هذا الجدار امتدادا للمشروع الاستيطاني الصهيوني ووجه جديد لمصادرة الاراضي الفلسطينية، ويؤثر على كافة مناحي الحياة للمواطنين الفلسطينيين ويمثل انتهاء لكافة المواثيق والاعراف الدولية وخاصة قرار الامم المتحدة الصادر بتاريخ 21-10-2003 والذي يدعو بوضوح لوقف بناء هذا الجدار الذي يشكل انتهاكا لحقوق المواطن الفلسطيني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا والحق في الحياة والتنقل.

ومن خلال هذا السرد التاريخي يتضح بما لا يقبل الشك ان فكرة الفصل العنصري الصهيوني هي فكرة يحملها اليمين واليسار الصهيوني بكل اتجاهاته. وهي مشروع استراتيجي للفكر الصهيوني يتبناه اليمين واليسار على حد سواء.

مكونات جدار الفصل العنصري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وحسب الخطة الصهيونية والخرائط المتوفرة فان جدار الفصل العنصري يتكون من أعمدة واسلاك معدنية شائكة وجدار اسمنتي او معدني الكتروني تحذيري بارتفاع من 8 الى 10 امتار ، وكاميرات رؤية ومراقبة وقنوات وسواتر ترابية وابراج للمراقبة بانواع مختلفة وقوات متحركة من الجيش الصهيوني وحرس الحدود تتحرك في حال وصول انذار من احدى نقاط المراقبة الالكترونية المتطورة. وبلغت تكلفة المرحلة الاولى من هذا الجدار والبالغة 110 كم حوالي مئتي مليون دولار. وهذه التكلفة لاتشمل تكاليف الحراسة، حيث تبلغ تكلفة السرية الواحدة من حرس الحدود الصهيوني لمدة سنة سبعة ملايين دولار مع الاشارة ان طول هذا الجدار وحسب المخطط الصهيوني المعلن سيبلغ 720 كم انجز منه حتى الان ما يقارب 430 كم.

العنصرية متجذرة في نظام التمييز العنصري في الضفة وغزة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ان جدار الفصل العنصري الذي يقوم ببنائه الكيان الصهيوني، يعتبر احد اشكال التمييز العنصري المتجذر في نظام التمييز العنصري والاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفقا لمعاهدة التمييز العنصري يعتبر هذا الجدار جريمة ضد الانسانية تعاقب عليها الدول من خلال المحكمة الدولية، ووفقا للبروتوكول الاول لاتفاقيات جنيف والنظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية والمعاهدة الدولية ضد جريمة التفرقة العنصرية، وتوضح هذه الاتفاقيات والمعاهدات التفرقة العنصرية على انها(نظام مؤسساتي قائم على التفرقة العنصرية من اجل ضمان سيطرة مجموعة عرقية على مجموعة اخرى وقمعها).

وهذا ما يظهر في بناء جدار الفصل العنصري حيث تنطبق عناصر هذا التعريف على السياسات والاجراءات الصهيونية ومنها انتهاك حق الحياة والحرية الشخصية والقتل والتسبب في اذى جسدي او عقلي والتعذيب والاعتقال التعسفي وتطبيق إجراءات تهدف الى تدمير شعب سواء كان ذلك بشكل كامل او جزئي وتمنع من مشاركة شعب في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية وانتهاك حقوقهم/ الانسانية الاساسية مثل حق التعليم والعمل والتعبير عن الرأي وتشمل كذلك مصادرة الاراضي والممتلكات واستغلال القوى العاملة ومحاكمة ومعاقبة الافراد الذين يعارضون هذه الاجراءات.

أهداف جدار الفصل العنصري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويهدف هذا الجدار الى تقسيم المناطق وفصل المواطنين الفلسطينيين عن بعضهم واعاقة حركتهم من خلال فرض حظر التجول والاغلاق ومصادرة آلاف الدونمات من الاراضي الزراعية والممتلكات الفلسطينية,التي تعتبر مصدر الرزق الوحيد لمئات العائلات الفلسطينية وخاصة ان هذا الجدار يهدف الى عزل الفلسطينيين في كانتونات خاصة وهذا يعتبر تمييزا عنصريا ترفضه كافة الاعراف والمواثيق الدولية. ويخالف نص المادة (47) من اتفاقية جنيف بشأن حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 اب 1949م والتي تنص ( لا يحرم الاشخاص المحميون الذين يوجدون في أي اقليم محتل باي حال ولا باية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة احتلال الاراضي على مؤسسات الاقليم المذكور او حكومته او بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الاقليم المحتل ودولة الاحتلال او كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل او جزء من الاراضي المحتلة)،

واستنادا الى هذه المادة فأن الاوامر العسكرية الصهيونية وبناء جدار الفصل العنصري هي خرق للمبادئ الاساسية للقانون الدولي ولحقوق الانسان، ولقد تخطت الحكومة الصهيونية كافة السلطات الشرعية التي يمنحها القانون الدولي الانساني للمحتل، وذلك من خلال مصادرة الاراضي والممتلكات من اجل بناء هذا الجدار، فعلى سبيل المثال خلق كانتون في منطقة قلقيلية من اجل توفير حاجات مجموعة صغيرة من المستوطنين اليهود الذين يسكنون فوق اراضي فلسطينية مصادرة بشكل غير قانوني على حساب حرية وحياة المواطنين الفلسطينيين، ويهدف هذا الجدار ايضا الى ضم اراضي فلسطينية بشكل غير قانوني يقام عليها حوالي(75) مستوطنة صهيونية يسكنها ما يقارب(300000) ثلاثماية الف مستوطن صهيوني،

السطو على الأراضي الفلسطينية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا سيؤدي الى ضم نحو مائة وعشرة الاف مواطن فلسطيني وبشكل غير قانوني الى الكيان الصهيوني او تطويقهم داخل جدار الفصل العنصري. علما ان المواطنين الفلسطينيين الذين سيضمون بشكل غير قانوني الى السيطرة الصهيونية المباشرة لن يتمتعوا باي حقوق المواطنة، مع الاشارة ان وزير الحرب الصهيوني (شاؤول موفاز) كان صرح لصحيفة الغارديان البريطانية في شهر آذار 2003 بان الحكومة الصهيونية تبلور رؤية وخطة (لدولة فلسطينية) مقسمة الى سبع كانتونات في المدن الفلسطينية الرئيسية وستكون كلها مغلقة من قبل الجيش الصهيوني وعزله عن باقي اراضي الضفة الغربية التي ستصبح تابعة لدولة الكيان الصهيوني،

تقسيم الضفة إلى كنتونات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبالفعل فان مشروع جدار الفصل العنصري سيقسم الضفة الغربية الى كانتونات منفصلة عن بعضها البعض وعن باقي اراضي الضفة الغربية كما سيؤدي الى مصادرة مساحة كبيره من الاراضي الفلسطينية وضمها لدولة الكيان الصهيوني. ان هذا الجدار يفصل ايضا بين عائلات وتجمعات فلسطينية ويعيق ويمنع تحركاتهم لانه يعزز من نظام السيطرة على لحركة من خلال وضع نظام تصاريح خاص يتيح المجال للتحرك عبر بوابات للوصول الى منازلهم وقراهم واراضيهم الزراعية.

مراحل جدار الفصل العنصري : ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتكون جدار الفصل العنصري وحسب المخطط الصهيوني من ثلاث مراحل وهي :-

-الجزء الشمالي، والجزء الجنوبي من الضفة الغربية والجزء المحاصر لمدينة القدس. وقد اقر مجلس الوزراء الصهيوني في شهر حزيران 2002 م حوالي (200)كم من الجدار المسمى بالمرحلة(أ) و (ب)، ولم تكتفي الخطط الصهيونية بالجدار الفاصل بل تشير الى تقسيم الضفة الغربية الى ثلاثة اقسام وهي:-

1-منطقة امنية شرقية على طول غور نهر الاردن بمساحة 1237كم2 أي ما يعادل 22% من مساحة الضفة الغربية وهذه المساحة تضم 40 مستوطنة صهيونية.

2-منطقة امنية غربية بمساحة 1328كم2 أي ما يعادل 23,5% من مساحة الضفة الغربية وهذا يعني ان المنطقتين ستضمان 45% من مساحة الضفة الغربية.

3-المنطقة الثالثة والتي تبلغ 55% من الضفة الغربية والتي تضم المدن الفلسطينية الكبرى ستقسم الى ثمانية مناطق و(64) معزل فلسطيني.
يبدأ القسم الشمالي غربي مدينة جنين وينتهي جنوبي مدينة قلقيلية بطول 110 كم ومن شأنه ان يعمل على تسييج 17 قرية فلسطينية. وتطويق وعزل (110000) مواطن من سكان الضفة الغربية. وسيتم تدمير ومصادرة وضم آلاف الدونمات من اراضي الضفة الغربية الى دولة الكيان الصهيوني، وغالبية مسار الجدار في المرحلة(أ) يمر داخل اراضي الضفة الغربية وسيؤثر ذلك على حقوق اكثر من 210 الف مواطن فلسطيني يعيشون في 67 بلدة وقرية فلسطينية،

وبعض القرى ستتحول الى جيوب صغيرة معزولة بين هذا الجدار وما يسمى حدود دولة الكيان الصهيوني، وبالاضافة الى الجدار العازل غرب الضفة الغربية اقترح رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ارييل شارون) في شهر آذار 2003 انشاء جدار عازل اخر شرقي الضفة الغربية ليضم المستوطنات الصهيونية في غور الاردن الى دولة الكيان الصهيوني ويفصلها عن باقي مناطق الضفة الغربية، وانتهت وزارة الحرب الصهيونية من اعداد الخطط لمسار هذا الجدار المقترح الذي سيمتد حتى منطقة البحر الميت وحسب الخطة الصهيونية فان مسار الجدار في هذه المرحلة ستكون اعمق من المراحل السابقة داخل اراضي الضفة الغربية، مما يزيد من مساحة الاراضي المصادرة.

ومن المتوقع بالجزء الجنوبي من الجدار الذي يبلغ طوله حوالي 215كم ان ينتهي بضم صهيوني لاربعماية كم2 من اراضي الضفة الغربية أي ما يعادل 7% من مساحتها أي مساحة الضفة الغربية. مع الاشارة ان اكثر من ثلث هذه المرحلة يقع في القدس الشرقية المحتلة، وسيضم 39 مستوطنة صهيونية مقامة بشكل غير قانوني الى دولة الكيان الصهيوني، ويسكنها حوالي 270 الف مستوطن صهيوني وحوالي 276 الف مواطن فلسطيني. وسيخلق واقعا جديدا لمدينة القدس اذا تقوم حكومة شارون بتنفيذ مشاريع في مدينة القدس بهدف تهويدها وعزلها وتحويل أحياؤها العربية الى مناطق سكنية بين مستوطنات كبيرة وبؤر استيطانية جديدة فضلا عن مخطط جدار الفصل العنصري التي تطوق القدس ويحيط بها .

مصيـــــــــــــــر القـــــــــدس : ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وسيؤدي في النهاية الى ان تصبح القدس محاطة بالمستوطنات والمناطق اليهودية من كل جوانبها، كما سيؤدي هذا الجدار الى تحقيق نظرية القدس الكبرى على حساب سكانها الفلسطينيين الاصليين، وسيؤدي كذلك الى ضم جميع المستوطنات الواقعة خارج حدود بلدية القدس وفي المقابل سيؤدي الى اخراج قرى ومناطق عربية من حدود بلدية القدس وبهذه الطريقة يتخلص الكيان الصهيوني من المواطنين العرب من ابناء مدينة القدس. ويتضمن جدار القدس بناء حائط بطول 11 كم على طول ما يسمى خط الهدنة والذي يعود الى العام 1949م والذي يفصل بين المناطق السكنية العربية واليهودية في القدس،

ويشمل هذا الجدار مناطق ابو ديس والعيزرية ومستوطنة (غوش عيتصيون) في جنوب المدينة وقد بدء العمل به في شهر شباط 2002م ويوشك العمل على انهاء مراحله المختلفة.

إجمالي الارض المصادرة بسبب هذا الجدار :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بلغت مساحة الاراضي المصادرة من جراء بناء جدار الفصل العنصري حوالي 40 الف دونما، تركز معظمها في محافظة جنين، بينما بلغت مساحة الاراضي المصادرة من الاملاك الخاصة للفلسطينيين 124 الف دونما تركز معظمها في محافظة القدس، ومعظم الاراضي المصادرة مزروعة بالزيتون وتقدر مساحتها بحوالي 60 الف دونما، تليها المحاصيل الزراعية واشجار الحمضيات والمراعي، كما بلغت مساحة الاراضي المجرفة من اراضي الضفة الغربية 1300 دونما، تركز معظمها في محافظة جنين، بينما بلغت مساحة الاراضي لمجرفة من الاملاك الخاصة 21 الف دونما، تركز معظمها في محافظة القدس،

وهذه الاراضي المجرفة كانت مزروعة بالزيتون والحمضيات. ويقدر عدد الاشجار المدمرة 783 الف شجرة، 37 كم من شبكات الري، 15 كم من الطرق الزراعية ويعزل الجدار 238 الف دونما زراعيا عن اصحابها، وبلغ عدد التجمعات السكانية التي صادرت قوات الاحتلال اراضيها من اجل بناء الجدار الفاصل 75 تجمعا سكانيا، وهذه الارقام اكدتها نتائج المسح التي قام بها الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.

مخاطر الجدار على البيئة الفلسطينية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتكمن مخاطر هذا الجدار على البيئة الفلسطينية لكونه سيعمل على اقتلاع الآلاف من الاشجار المثمرة وخصوصا اشجار الزيتون، حيث وصل عدد الاشجار التي اقتلعت منذ اندلاع الانتفاضة الثانية الى مليون شجرة وستؤدي مصادرة الاراضي الزراعية وتجريفها الى خسارة 6500 وظيفة عمل والى تدمير صناعة زيت الزيتون بعد ان كانت هذه المنطقة تنتج 22 الف طن من زيت الزيتون كل سنة، وكذلك سيتأثر انتاج هذه المنطقة التي كان يصل 50 الف طن من الفواكه و 100 الف طن من الخضروات،

كما ستمنع حوالي 10 آلاف راس من الماشية من الوصول الى مراعيها التي تقع غرب الجدار العازل، وتم تدمير المئات من البيوت البلاستيكية الزراعية ومزارع الطيور وهذا سيؤدي الى اضرار بالغة في الاقتصاد الفلسطيني. وهناك اكثر من 12 الف نسمة من سكان جنين موزعون على 3 آلاف اسرة دخلوا في المنطقة التي تقع امام الجدار العازل، وهناك اكثر من 2200 وحدة سكنية موزعة على عدد من التجمعات السكانية وفي منطقة قلقيلية مثلا تم خسارة 8600 دونم مربع أي نسبة 72% من اراضيها الزراعية.

وسيشكل بناء الجدار تدميرا كاملا لمصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية حيث تقوم حكومة العدو الصهيوني بانتزاع اكثر من 85% من المياه الفلسطينية من الطبقات الجوفية للضفة الغربية أي حوالي 25% من استخدام الدولة الصهيونية للمياه، وتم مصادرة ثلاثون بئر ماء في محافظتي قلقيلية وطولكرم والمعروف عن هذه الآبار طاقتها المائية العالية، علما ان هذه الآبار تم حفرها قبل الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وتقع في الحوض الجوفي الغربي، وهذا الامر سيفقد الفلسطينيين 20% من حصتهم المائية وهي 22 مليون متر مكعب سنويا من اصل 362 مليون متر مكعب حسب اتفاقات اوسلو .

اضافة الى ان الجدار سيدمر البنى التحتية لقطاع المياه من مضخات وانابيب مياه الشرب والري الزراعي وسيؤدي ذلك لفقدان بعض القرى الفلسطينية لمصادرها المائية بالكامل، حسب الإحصاءات فان الفلسطينيون يستخدمون 246 مليون متر مكعب من مصادر المياه لتزويد نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لسد حاجاتهم الزراعية والصناعية والمحلية بالمقارنة مع استخدام الكيان الصهيوني الى 1950 مليون متر مكعب لسكانه البالغ عددهم حوالي ستة ملايين صهيوني،

أي ان استهلاك المياه اليومي لكل فرد صهيوني يصل الى خمسة اضعاف لما يصل اليه الفلسطينيين وسيؤدي بناء الجدار العازل الى عزل مئات المنشئات الاقتصادية الفلسطينية التي اصبحت داخل الجدار العازل، وقد تصل الى 750 مؤسسة اقتصادية منها 473 في محافظة طولكرم لوحدها، وبلغ عدد المؤسسات المدمرة بشكل كامل 27 مؤسسة تبلغ مساحتها 12 الف متر مربع وعدد العاملين فيها اكثر من مائة عامل.
وعلى صعيد التعليم فان اكتمال جدار الفصل العنصري، سيؤدي الى تضرر 7500 طالب من محافظات طولكرم وقلقيليه وجنين،

متاعب جمة لطلاب المدارس : ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وحاليا هناك مئات الطلاب والمدرسين يجدون صعوبة في الوصول الى مدارسهم، بسبب بناء هذا الجدار اضافة الى تدمير بعض المدارس وتعرض مرافقها للاضرار ومن ثم ستزداد تكلفة الدراسة نتيجة لانتقال الطلاب من اماكن سكنهم نحو مدارسهم التي ستكون بعد اكتمال الجدار خارج قراهم، وهذه التكاليف المادية الناجمة عن الحاجة لاستخدام وسائل النقل ستزيد الامر سوءا، خاصة في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية الفلسطينية بشكل عام، ولعل محافظة قلقيلية التي يخترقها الجدار في ثلاث جيوب سكنية تعد مثالا واضحا على صعوبة التنقل من مكان الى اخر.

ويتسبب الجدار الى عزل التجمعات السكانية المستهدفة وما ينجم عن ذلك من تقييد للحركة والتنقل، ويتزامن انشاء هذه الجيوب مع بنية تحتية غير مكتملة ومع توسيع غير متكافئ لخدمات الاونروا والمنظمات الغير حكومية، وبالنسبة لفصل التجمعات التي يمر الجدار الفاصل من اراضيها عن الخدمات الاساسية التي يستفيد منها الاهالي بشكل يومي تشير النتائج ان 30 تجمعا تم فصلها عن المراكز الصحية و 22 تجمعا تم فصلها عن المدارس و 17 تجمعا تم فصلها عن بدالة الهاتف و 8 تجمعات تم فصلها عن المفتاح الرئيسي لشبكة المياه، و 3 تجمعات تم فصلها عن المحول الرئيسي لشبكة الكهرباء.

وابدى الضغط المتزايد على طواقم العمل في الخدمة المحلية العامة، بسبب تشتت الطواقم والمصادر والتسهيلات، وقيام الجدار سيؤدي الى تراجع التعليم وتراجع الالتحاق في المدارس خاصة في المناطق الريفية، وهذا يزيد من اعداد جيل ضائع من الاطفال الفلسطينيين ويتعرض اصحاب الامراض المزمنة والذين هم برعاية صحية خاصة للخطر، وكذلك الاطفال والنساء، وتسبب الجدار حتى الان في عزل 12500 اسرة فلسطينية منها 1200 اسرة في محافظة طولكرم وحدها، بينما بلغ عدد الافراد الفلسطينيين الذين اصبحوا غرب الجدار أي داخل ما يسمى دوله الكيان الصهيوني 42000 فرد فلسطيني. وتسبب الجدار حتى الان بتهجير 400 اسرة فلسطينية ويبلغ عدد الافراد الذين تم تهجيرهم 2500 فرد من التجمعات التي مر الجدار من اراضيها وتسبب ايضا في عزل 2500 مبنى منها حوالي 1000 مبنى في محافظة طولكرم وحدها وتم تدمير عشرة مباني.

ابتلاع مناطق أثرية وسياحية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيؤدي بناء جدار الفصل العنصري الى ابتلاع الكثير من المناطق والمواقع التاريخية والاثرية الفلسطينية، وسيقلل من اهمية المدن السياحية الفلسطينية خاصة مدن بيت لحم والقدس والخليل، وهذا الجدار سيؤثر على مستقبل السياحة في فلسطين بسبب وقوع العديد من المواقع الاثرية في نطاق جدار الفصل العنصري مثل(موقع الذهب) الواقع شمال مدينة جنين، والذي يحوي مقتنيات اثرية تعود للفترة الرومانية والبيزنطية،

وان عشرات المواقع الاثرية يواجهها ذات المصير في منطقة الجدار الملتف حول مدينة القدس، حيث سيحيط بمواقع اثرية اسلامية مثل مسجد بلال بن رباح، والمقبرة الاسلامية، ودائرة الاوقاف الاسلامية بمعزل عن باقي اجزاء المدينة، اضافة لفصل مدينتي بيت لحم والقدس اللتين تشكلان احد ابرز المقاصد السياحية في فلسطين، واعاقة الحركة السياحية بين المدن في الشمال والجنوب خاصة مدن الناصرة ، رام الله، نابلس، وجنين اضافة الى عزل منطقة اريحا والبحر الميت، وبالتالي سيلحق هذا الجدار الدمار بالعشرات من المواقع الاثرية التاريخية مع الاشارة الى ان الاغلاق الصهيوني لمدن القدس وبيت لحم سيقلل من الحركة السياحية وسيفقد الآلاف من الاسر الفلسطينية مداخيلهم الاقتصادية خاصة وان غالبية العائلات في مدينة بيت لحم تعتمد على دخل السياحة.

الصهاينة لايعبؤون بالقانون الدولي : ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بخصوص القوانين والاعراف الدولية في بناء جدار الفصل العنصري، نوضح التالي ان قيام سلطات الاحتلال الصهيوني ببناء الجدار العازل وتوسيع وانشاء مستوطنات جديدة انتهاكا لنصوص القانون الدولي والمعاهدات الدولية، حيث انه: (يعد تدمير او مصادرة ممتلكات الاراضي المحتلة كعقاب جماعي محرم بمقتضى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي وقعت عليها دولة الكيان الصهيوني حيث تشير المادة 47 من الاتفاقية والتي تحرم على الجهة المحتلة بان تقوم باي تغيير على الممتلكات بالاراضي المحتلة لاي غرض كان .

وتشكل سياسة الاستيطان الصهيوني انتهاكا للقانون الدولي الانساني حيث تؤدي لحرمان المواطنين الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم الاساسية في حق تقرير المصير والحق في الاحتفاظ باملاك وحق استغلال الموارد الطبيعية لبلادهم والحق في حرية التنقل، كما ان سياسة الاستيطان ترسخ الفصل العنصري المرفوض دوليا) ونصت الاتفاقية الدولية بشأن، قمع وعقاب جريمة الفصل العنصري لعام 1978م .

على ان جريمة الفصل العنصري تتضمن القيام باجراءات واتخاذ سياسات مماثلة لتلك التي تمارس جنوب افريقيا(المادة 2 من الاتفاقية) وهو ما ينطبق على اقامة دولة الكيان الصهيوني لجدار الفصل العنصري، وحرم القانون الدولي مصادرة ممتلكات المواطنين الواقعين تحت الاحتلال، واعتبرت المادة 52 من اتفاقيه(لاهاي) لعام 1907 ان ضم الأراضي المحتلة الى اراضي دولة الاحتلال يعد محرما ومخالفا للاعراف والمواثيق الدولية وتعتبر اتفاقية(لاهاي) جزءا من العرف الدولي،

ويمثل الجدار جزءا من برنامج الاستيطان الصهيوني والتي تتعارض مع احكام المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر قيام قوات الاحتلال بنقل مواطنيها الى الاراضي المحتلة، كما نص النظام للمحكمة الجنائية الدولية في روما على تجريم سياسة الاستيطان الصهيوني واعتباره جريمة من الجرائم، وكما يخالف الاتفاقيات الموقعة بين منظمة لتحرير الفلسطينية وكيان العدو الصهيوني في 28 ايلول 1995، التي تنص على منع أي من الاطراف من اتخاذ أي خطوة تغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة منطقة موحدة يحافظ على سيادتها خلال الفترة الانتقالية من تلك الاتفاقات).

الخلاصـــــــــــة المأســـــــــــاوية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتضح مما تقدم ان جدار الفصل العنصري يمثل فصلا عدوانيا وحشيا جديدا ضد الانسان والاراضي الفلسطينية، وهو مخطط قديم جديد يهدف الى نهب ومصادرة الاراضي ودفع اهلها للهجرة عنها وهو مخطط يحظى بالاجماع الصهيوني بين اليسار واليمين على حد سواء، وما لا شك فيه ان العدو الصهيوني يجد دائما الذرائع المناسبة لتنفيذ مخططاته ومشاريعه سواء كان ذلك في ظل الانتفاضة والمقاومة او في ظل التهدئة والتسوية،

خاصة ان الاستيطان الصهيوني قد تضاعف اثناء وبعد اتفاقات اوسلو، وقد اكد الكاتب الصهيوني( بنيامين ميخائيل) في صحيفة( يديعوت احرنوت) بتاريخ 31-10-2003م ان الامن ليس سوى ذريعة واهية لبناء الجدار وان حكومة (شارون) تخفي ورائها دوافع اخرى حقيقية على رأسها مصادرة الاراضي وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني لاخضاعه .

الجدار لن يُخضع الشعب الفلسطيني ولن يوقف الإنتفاضة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولم يحقق الجدار سوى المعاناة للشعب الفلسطيني ولن يؤدي مطلقا الى وقف الانتفاضة وتحقيق الامن للصهاينة، بل سيشكل دافعا جديدا للشعب الفلسطيني للاستمرار. واثبتت الوقائع ان العدو الصهيوني قادر وفي كل مرحلة ان يفرض وقائع جديدة يضطر الطرف الفلسطيني المفاوض للتعامل معها لتصبح ورقة مساومة جديدة في يد المفاوض الصهيوني وذلك لتحقيق المزيد من المكاسب ومصادرة الاراضي وشطب الحقوق الفلسطينية. ولكن العدو الصهيوني واهم اذا تصور بان فرض الامر الواقع يمكن ان يحل الصراع التاريخي بين شعبنا وامتنا من جهة والعدو الصهيوني من الجهة الأخرى .

وكان يجدر بالعدو ان يأخذ العبرة من سقوط خط بارليف وهدم جدار برلين وفقد خط ماجيلان في فرنسا رغم عظمة تحصيناتهم ليصل الى نتيجة حتمية مفادها ان الجدران والحواجز والعوائق لن توفر للكيان الصهيوني الامن امام ارادة شعبنا في التحرير والانتهاء من الارهاب والاحتلال الصهيوني، والشعب الفلسطيني يعيش حالة من الصمود والثبات في الارض مهما اشتدت الضغوط وظروف الحصار مع الثقة بالنفس والنصر والقدرة على التحرك بقوة لايجاد الوسائل المناسبة لتخطي العوائق والحواجز التي يفرضها جدار الفصل العنصري ، الذي لا شك سينهار بمشيئة الله .

الكاتب: جهاد علي
التاريخ: 01/01/2007