البغاء السياسي .. |
|
حكى لنا ذات مرة الدكتور إبراهيم الكيلاني..رئيس لجنة علماء الأردن..قصة داخل المسجد بعد الصلاة..قال إنها من مصدر ثقة..أن "فنانة"..كانت ذاهبة إلى العراق..وعند الحدود..كان مكتوبا في جوازها أمام " المهنة" :فنانة!..فأراد أن يتسلى الجندي العراقي .
معها..فقال:اشلون فنانة يعني؟
قالت:يعني أرقص وأغني..وو..ووإلخ..فقال:قولي(....) وريحينّا!
فصدقها اللهجة احتقارا لها..مبينا أن مهنتها الحقيقية :البغاء .
هذه القصة أستوحيها في مقابلة هذا النوع "البريء" من البغاء بالبغاء الكبير في عالـــم السياسة..
ولو عقدنا مقارنة بسيطة..سيتبيّن هول البون بين البغائين .
فحسبك أن الأول من مفرزات الثاني..وأن الأول كبيرة صغيرة إلى الثانية التي هي خروج عن الملّة..أي بتحكيم شرع غير شرع الله مع انتفاء الموانع .
وإذا كان حد الزانية المحصنة القذف..وهي ما بغت إلا على نفسها ..فما بالك بالذين بغوا على ناموس الله..وبدلوا شرعته وجاهروا برفض ملته؟!
رحم الله الشيخ الشرقاوي..من علماء الأزهر..أيام عز الأزهر..كان قاضيــا..وكان النظام المعمول به هو مما تركه آل نابليون..النظام الفرنسي.
وفي قضية زنى غير محصنة..لايرى هذا النظـــــام بأسا بالطبع عند تراضي الطرفين وكان من الشيخ أن اجتهد..وقال طالما أن المادة الأولى في الدستور تقول:الإسلام هو الدين الرسمي.." فالنتعابط" عليهم ونحكم عليهما وفق شريعة الله..استنادا إلى هذه المادة..
وتجرأ الشيخ رحمه الله على هذا مخالفا بذلك "العرف" السائد ..وفي ظرف وقت يسير أصبح القاضي هو المدان..وصاحب الجناية الفادحة..التي لن يخلصه منه أعتـى القانونيين وهكذا كبرت القضية..وجرد المستشرقون وأذنابهم المستغربون أقلامهم المسمومة.."لحماية" مصر..من الرجعية إلى عهود خلت..واستنقاذها من "تطرف" العمائم ..
إلى أن جرد من منصبه..وحكم عليه بتهمة خرق القوانين والتعدي على الدستور.
هذا مثال عريق عن الحالة المتردية التي نرزح تحتها منذ أكثر من مائتي عام..حين نحينا كتاب الله من الصدور..فنحاه الله عن السطور ..وحل مكانه"الدستور"!
وكان البريق الذي أذهل القوم في القانون الفرنسي حتى ظنوه نقلة نوعية في حضارة مصر..لما فيه من بعض الحق المستمد من كتاب الله..الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..حيث كشف هذه الحقيقة أحد علماء الأزهر آنذاك..قائلا إن كثيرا من بنوده مستمدة من الفقه المالكي..وصدق رحمه الله..
إن الله تعالى هو" العدل" ..وأي قانون صغر أو كبر يخالف ما شرعه "الحق" فهو عين الظلم وكل قانون حسن في دستور دولة ما..ففي الإسلام مثله وأحسن..
والذي يشك في ذلك عليه أن يتهم إسلامه!
فهو إما أن يكون جاهلا بالإسلام..وإما أن يكون باغيا ظالما..
ولذلك كان أساس كل فساد كما يقول شيخ الإسلام..الظلم والجهل
مستمدا ذلك من قول الله سبحانه( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) ..أي إن لم يحمل الأمانة..
فإذا أحيينا منهج الله في قلوبنا وأنفسنا..وعضضنـا بالنواجذ على اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم..لتبدل الحال بقدر ما نفعل ذلك..
جاء وفد من الناس إلى التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله وفي جعبتهم أن يخرجوا على الحجاج..يريدون الثورة عليه لما يرتكبه من جرائم في حق العباد والعلماء..
فقال لهم رحمه الله: ( أيها الناس إن الحجاج عذاب الله بأيديكم..فتوبوا إلى الله يرفع عذابه عنكم..وإنما عنى أن يبلغهم مدلول الآية الكريمة( قل هو من عند أنفسكم) فلن تستطيعوا تغيير سنة الله في الكون..بثورتكم هذه..لأن الله تعالى وضع قوانين " ولن تجد لسنة الله تبديلا" ..فأعملوا منهاج الله في أنفسكم..يعمل سنته في نصرتكم .
فالذين يحاولن إلباس الاشتراكي عمامة..بسبب عاطفة جهلاء نحو شخص أو طائفة..عليهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم..( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) ؟؟
عليهم أن يقولوا..بلى ياربنا قد آن والذين ينتمون إلى مختلف التيارات "المناضلة" أن يراجعوا دفاترهم..ويرجعوا إلى الجادة..إن كانوا يسمون أنفسهم "مسلمين" .
عليهم ألا يتخذوا القرآن عضين..يشرّحونه كالجثة..يأخذون ما يروق لهم..وينبذون ما سواه.. وإذا لم تحرك مشاعرنا الانتفاضة ولا مسلسلات الفشل الطويلة في الأنظمة التي عبّدتنا العجل دهرا..فهلّا حكمنا كتاب الله فينا..وعدنا لتصحيح منازلنا الغابرة؟
سوريا والعراق ينتميان إلى ذات الحزب..وما ائتلفا قـــط في تاريخهما.. "فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" .
دول الشمال الأفريقي تنتمي إلى ذات المنظومة تقريبا..وكل دولة تحقد على الأخرى .
دول مجلس " التعاون على الإثم والعدوان "..ظاهرها أنها مؤتلفة ..وخلف الكواليس العجب الدول العربية كلها مجتمعة..متفرقة وكل دولة تشي لأمريكا عما تفعله جارتها وتيمم شطرها في الصلاة إلى واشنطن ومنذ تأسيس مجلس الجامعة العربية إلى الساعة..لم تتخذ هذه الدول قرارا واحدا بالإجماع مؤثرا .
هاهي أمريكا دخلت بدون إذن من أحد إلى العراق..كما يدخل الفساق إلى البغي دون إذن منها وهاهم اليهود يعربدون كما يحلو لهم منذ ردح من الزمان..فهم بغاة حتى في نظــر قوانينهم..وحين تكون الأمم المتحدة التي تمثل الشرعية الدولية هي المقننة للظلم..فلن نستجير من الرمضاء إلا بالنار –كما فعل عرفات ويزايد عليه غيره وكما يفعل المتوسلون في سائر الرقعة العربية-..لأن قانون الله صار في خبر" ليس " بعد أن كان في خبر" كان" .
فالخلاصة إذن..أنه مامن تنظيم أو نظام مهما كان بريقه أخاذا..إلا وله تاريخ انتهاء مصحوب بانتفاخ ثم إنتان..وإلى سلة المهملات .
إلا تنظيم الله فهو المبرأ من كل عيب لأن واضعه منزه عن كل نقص..
والذي يحاول غير ذلك ناشدا الحل..كمن يحاول تغيير مسار الكواكب عن أفلاكها عبثا يحاول..ومآله السلة "إن شانئك هو الأبتر"
والبغي التي تعودت أن تتاجر بشرفها المهتوك..لابد أن يمل منها أخدانها..فتتوسل إليهم..أن يناموا معها..دون مقابل..أو أن تدفع لهم ليفعلوا..
الكاتب: أبو القاسم المقدسي
التاريخ: 01/01/2007