في المعتقل

 

في المعتقل


حوارية من فصل واحد بقلم محمد الشامي

- المشهد الأول –

(الضابط الكبير جالس وراء مكتبه يقلب في أوراق أمامه ، يدخل عليه أحد رجاله )

الضابط : هل قضيتم على المظاهرات في هذه الليلة ؟
رجل الأمن : أجل يا سيدي قضينا عليها تماما ، لقد فر المتظاهرون من أمامنا
كالجرذان .
الضابط : هل وقع قتلى و جرحى ؟
رجل الامن : قتيلان و خمسة جرحى .
الضابط : كم عدد المعتقلين ؟
رجل الأمن : هم بالعشرات يا سيدي .
الضابط : حققوا معهم و خذوا منهم ما تستطيعون من معلومات ،( ثم يبتسم ابتسامة
ماكرة ساخرة ) ولا تنسوا أن تقدموا اليهم أحسن الوجبات فهم الان
ضيوفنا .
رجل الأمن : كما تريد يا سيدي ، لن نقصر في هذا ، و سوف نقدم لهم الليلة عشاء
فاخرا ما رأوا مثله في حياتهم ....

- المشهد الثاني –

( غرفة التعذيب ، سباب و شتائم ، أصوات المعذبين و آهاتهم تعم المكان ، صرخة من أحد المعذبين تخرج من سويداء قلبه ، على اليمين شاب معلق من قدميه و رأسه مدلى الى الأسفل ، و على اليسار شاب آخر ملقى على الأرض و رجال ممسكون بقدميه و سائر جسده ، و رجل يضربه على قدميه بسوط خشن )
( بعد دقيقتين يدخل رجال أمن و أمامهم فراس و هو شاب في الحادية و العشرين من عمره )

رجال الأمن : ادخل أيها المعتوه ...
فراس : اتركوني .... إنني لم أصنع شيئاً.......

( رجال الأمن يبطحون فراساً على الأرض و يوسعونه لكماً و ضرباً و رفساً )

فراس : اتركوني ..... ابتعدوا عني أيها المجرمون ..... يا عديمي الرحمة ......
يا وحوش ....

- المشهد الثالث –

( غرفة المحقق ،المحقق جالس على كرسيه أمام مكتبه ، و أمامه شمس الدين و هو شاب في السابعة عشرة من عمره ، شمس الدين معصوب العينين مكبل اليدين )

المحقق : يعني لم تكن في المظاهرة مساء أمي ؟
شمس الدين : كلا ...
المحقق : و لست من المحرضين ضد النظام ؟
شمس الدين : كلا ....
المحقق : و لم توزع أي منشور ضد النظام ؟
شمس الدين : كلا ....
المحقق : و لم تكتب أي تعليق ضد النظام على الجدران ؟
شمس الدين : كلا .... كلا ....

( المحقق يقوم من مكتبه غاضباً و يمسك شمس الدين من شعره و يشده بقوة زاعقاً) :

يبدو أنك لم تتناول شيئاً من وجباتنا الدسمة ، ( ثم يرفع صوته صارخاً ) :
ان رأسك العنيد هذا سوف يتكسر تحت عصينا و أدوات تعذيبنا ....
شمس الدين : أيها السيد ، أنا لم أفعل شيئاً من هذه التهم الني وجهتها الي ، و أنت
تريد أن تلصق بي التهمة جوراً و بهتاناً ...

( المحقق يلطم شمساً على خده لطمة قوية ثم يقول ) :

اخرس أيها الجرثومة المتعفنة المتنجسة ، سوف تعرف مع من تتكلم الآن ،
أيها الحارس ، تعال و خذ هذه العفونة من أمامي ولا تعده الى زنزانته الا
جثة محطمة .....


- المشهد الرابع –

( في الزنزانة المنفردة ،يجلس عدنان و هو شاب في الثامنة و العشرين ، يجلس مهموماً مغموماً ، ثم يرفع يديه الى السماء يناجي ربه )

عدنان : يالله احرسنا بعينك التي لا تنام ، و أمدنا بعنايتك ، و أحطنا بعين رعايتك ،
فأنت ربنا و أنت حسبنا و نعم الوكيل.

( بعد عدة دقائق يسمع صوت صراخ و عويل )

عدنان : صوت من هذا .... انه صوت فراس ...لا بل صوت شمس الدين ...لا بل
صوتاهما معاً.....

(يقوم من مجلسه و يمسك بقضبان الزنزانة ، يهزه بشدة صارخاً ) :

اتركوهما أيها الوحوش ...دعوهما أيها الانذال ...لماذا تعذبون اخواني ؟...يا
وحوش ..يا عديمي الانسانية .....يا قساة القلب .....الويل لكم ...الويل لكم ...


- المشهد الخامس –

( الزنزانة ، في الداخل فراس و شمس الدين و عدد من المعتقلين )

شمس الدين : الى متى سنبقى هنا في هذا المعتقل ؟
فراس : حتى يطلقنا هذا الضابط .
شمس الدين :( بشيء من السخرية ) : و هل ينتظرنا هذا الضابط المحترم حتى نتعفن و يأكلنا
الدود ....؟
فراس : صحيح أن رائحة الزنزانة كريهة ولكن رائحة الذل و الاستعباد الذي كنا
نعيش فيه أكره و أفظع بألف مرة .
شمس الدين : أتذكر عندما كان أحدنا لا يجرؤ على فتح فمه في نقد مساوىء النظام و لو
بكلمة ؟..
فراس : لقد كان الناس كلهم خائفين ، و لكنهم اليوم نزعوا عن انفسهم لباس الخوف
و ثاروا لكرامتهم الممبتذلة ، غير آبهين بسطوة رجال الامن و لا بجبروتهم .
شمس الدين : هل رأيت هذا اللعين المحقق كيف عذبنا ؟...
فراس : أتعلم ، انني لن أسكت له هذه المرة ، و سوف أقول له كلاماً مزعجاً...
شمس الدين : انني حقيً ما عدت أخاف من هذا المحقق ، و لا من أي رجل أمن...


- المشهد السادس –

( مكتب المحقق ، وأمامه فراس و عيناه معصوبتان و يداه مكبلتان )

المحقق (ساخراً ) : اذن أنت ثائر ؟..
فراس : أجل ...
المحقق : ومناضل بطل ؟
فراس : أجل ....
المحقق : و مدافع عن الحق ؟
فراس : أجل .....
المحقق : ومبغض للظلم ؟
فراس : أجل .....
المحقق : وتريد الحرية ؟
فراس : أجل .....
المحقق (منادياً أحد جنوده ) : تعال أيها الجندي و أر هذا المناضل الثائر ما هي الحرية ...
اضربه جيداً فاننا نريد أن نرفع رأسنا به ...
فراس : ابتعد عني أيها الوغد ، اتركني أيها القذر ...
المحقق : هيا اضربه ..... انه مناضل ...انه يريد الحرية .....هيا أره كيف تكون
الحرية ......
فراس ( منتفضاً و قد سال الدم من وجهه ) : كفى سخفاً و حماقة ... كفاكم جرأة على العباد
انكم أنذال ...أجل انكم أنذال قذرون متوحشون ..
ان الشعب قد مل حياة الذل و الخنوع ، و سأم عيش الأنعام و البهائم ....
ان الشعب قد انتفض و لقد آن الأوان له ان يقول كلمته ..لقد آن الأوان لهذا
الشعب المستعبد أن يقول لا ...
المحقق (منتفضاً و غاضباً ) : اخرس أيها السافل المنحط .... من أنت ؟ و من تكون ؟
حتى تتكلم بمثل هذا الكلام السخيف ...هل تريد اسقاط النظام ؟....
سوف تندم على مجرد التفكير في ذلك ( ثم ينادي الحارس ) : أيها الجندي
احمل هذا التافه الى غرفة التعذيب و أتني بشمس الدين ، فقد حان دوره هو
الآخر .......
الحارس : أمرك سيدي ..


( ستار )


الكاتب: محمد الشامي
التاريخ: 09/08/2011