العهود عند الصوفية

 

اعلم أن مشايخ الطرق الصوفية يَسْتعبدون مُريديهم بالكذب والدجل لكي يسعوا في إرضائهم بالمال والطعام وما يحتاجون إليه، حتى قال قائلهم في آداب المريد: ((أن يكون مُسْتَسْلِمًا مُنْقَادًا رَاضِيًا بتصرفات الشيخ، يخدمه بالمال والبدن؛ لأن جوهر الإرادة والمحبة لا ينبني إلا بهذا الطريق!))[((تنوير القلوب)) ص 528]، ثم إنهم لم يكتفوا – من مريديهم – خدمة المال والبدن؛ بل لا بد أن يسلموا الأمر لشيوخهم تَسْلِيمًا، فقال قائلهم: ((واخدمِ الْمَشَايخَ بالمال والبدن ولا تنكر على أفعالهم فإن الْمُنْكِرَ عليهم لا ينجو!))[((المواهب السرمدية)) ص 79]، ثم إنهم خشوا أن يقع في خلد الْمُرِيدِ أنه تفضَّل على شيخه بشيء، فقالوا – دافعين هذا الاعتقاد الْمُنْكَرِ عندهم -: ((أن يرى كل نعمة إنما هي من شيخه!))[((المواهب السرمدية)) ص 494]، ولمزيد تأكيد لهذا الأمر جعلوا المريد لا يطلب من الله تعالى شيئًا من خيري الدنيا والآخرة إلا بواسطة شيخه!؛ فقال قائلهم: ((إن الشيخ مقصود مطلوب، فالشيخ كالكعبة! يسجدون إليها والسجود لله))، وقال آخر: ((فمن آداب الذكر … أن يكون المريد متوجهًا إلى شيخه يستمد منه، ويعتقد أنه لا يقدر أن يتوجه إلى الله تعالى إلا بواسطته!))[((الأنوار القدسية)) ص 167]، ولتأكيد عبودية المريد لهم ربطوها بالعهود، فأصبحوا يأخذون العهود على مريديهم بأن يلتزموا أمرهم ويكونوا تحت طوعهم، ولكي يروج هذا الأمر على السُذَّج من الناس، جعلوا هذه العهود تُأْخذ على فعل الطاعات وغيرها، ليظن مَنْ لا علم له أنهم قصدوا بها الخير!، حتى إن أحدهم استدل على وجوب الوفاء بها من القرآن!، فقال في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}: ((ومن ذلك أيضًا: وفاء المريدين بعهود المشايخ على مصطلح الصوفية!))[((حاشية الصاوي على تفسير الجلالين))[2/467].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رادًّا على هذا العبث -: ((ونحو ذلك العهود التى تُتَّخَذ على الناس لالتزام طريقةِ شيخ معين كعهود أهل ((الفُتُوَّة)) و((رُمَاة البنْدُق)) ونحو ذلك، ليس على الرجل أن يلتزم من ذلك على وجه الدين والطاعة لله إِلَّا ما كان دِينًا وطاعةً لله ورسوله في شرع الله. لكن قد يكون عليه كفارة عند الْحِنْثِ في ذلك؛ ولهذا أَمَرْتُ غَيْرَ واحدٍ أن يعدِلَ عما أُخِذَ عليه من العهد بالتزام طريقة مرجوحة أو مشتملة على أنواع من البدع إلى ما هو خير منها من طاعة الله ورسوله واتِّباع الكتاب والسنة؛ إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل: إنه قربة وطاعة وبرٌّ، وطريق إلى الله واجب أو مستحب إلا أن يكون مما أمر الله به ورسوله، وذلك يعلم بالأدلة المنصوبة على ذلك، وما علم باتفاق الأُمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة؛ لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة وطاعة.

فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله ولا التعبد به ولا اتخاذه دِينًا، ولا عَمَلُهُ من الحسنات، فلا يجوز جعْله من الدين لا باعتقاد وقول، ولا بإرادة وعمل. وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد، يرون الشيء إذا لم يكن محرمًا لا يُنهى عنه، بل يقال: إنه جائز. ولا يفرقون بين اتخاذه دِينًا وطاعةً وبرًّا، وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة، ومعلوم أن اتخاذه دِينًا بالاعتقاد أو الاقتصاد أو بهما، أو بالقْول أو بالعمل أو بهما: من أعظم المحرمات وأكبر السيئات وهذا مِنَ البِدَعِ الْمُنْكَرَاتِ التى هي أعظم من المعاصى التى يعلم أنها معاصى وسيئات.))

انظر: ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام))[11/451 – 452].


الكاتب: محمد مال الله
التاريخ: 26/02/2010