أنواع الكفر الإعتقادي والكفر العملي عند أهل السنة والجماعة ..لشيخنا عبد الفتاح زراوي حمداش حفظه الله تعالى

 

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين،وبعد : إن مسائل الإيمان عند أهل السنة والجماعة : أركان عقدية وقولية وعمليةمقتبسة من الكتاب المبارك والسنة الصحيحة يفهمها أهلها على فهم السلف الصالح رضوانالله عليهم، والإيمان عندهم [أي: الفرقة الناجية والطائفة المنصورة] له أركان وأصولوشروط ولوزم ومقتضيات، كما أن الكفر عندهم كذلك له أقسام وشعب منه الكفر الأكبرومنه الكفر الأصغر ومنه القسم العقائدي ومنه القسم العملي، والقسم الأكبر منه : العقدي ومنه العملي والقسم الأصغر منه العقدي ومنه العملي، وقد قسم أهل السنةوالجماعة الكفر الأكبر إلى ستة أقسام على العموم مما ورد في الكتاب الكريم والسنةالميمونة وكلها تخرج صاحبها من ملة التوحيد وتدخله في ملة الشرك وتخرجه من دائرةالإيمان إلى دائرة الكفر ومن دائرة الإسلام إلى دائرة الردة، سواء كانت هذه الأقسامالكفرية عقدية أو قولية أو العملية في باب جزئها الأكبر، وأهل الحق والأثر أهلالسنة والجماعة الذين هم : [ أتباع الرسل وأنصار الأنبياء] لا يحصرون الكفر الأكبرفي الشعب العقائدية كما يفعله أهل الضلال والزيغ من فرق الإرجاء والتجهم، وإنمايعتقدون كما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأتباعه بعد أصحابه عليهم الرضوانمن أهل السنة والجماعة استدلالا واستخلاصا واستنباطا واستنزالا واستقراءا واستطرادامن النصوص المنطوقة والمفهومة وهي من المعلوم قطعا لأنها متعلقة بنصوص التوحيد الذيأرسل الله به الرسل والأنبياء وأنزل به تعالى الكتب ليعبد وحده لا شريك به ويكفربما سواه من الآلهة والطواغيت والأرباب والأنداد : أن الإيمان [ إعتقاد بالجنان،ونطق باللسان، وعمل بالجوارح والأركان] والذي عليه أهل الحق والعلم على العموم فيباب المعتقدات السلفية الصحيحة الثابة عن السلف الصالح أن : الكفر لا يحصر في بابالجحود والتكذيب والإنكار إنما هذا الجزء من أقسامه وجزء منه ولا يحصر فيه كما قالشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [في الصارم المسلول ص522] : وبيان هذا : أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق، فإنهما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقادأن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمانبالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة، وتارةيعلم أن الله حرمها ويعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم ما حرمه الله ثميمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المُحَّرِّم فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكونهذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه، ثم إن هذا الامتناعوالإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة منصفاته، وقد يكون مع العلم بجميع مايصدق به تمرداً أواتباعاً لغرض النفس، وحقيقتهكفر،... إلى أن قال : فهذا ( أي : الامتناع عن التزام التحريم ) نوع غير النوعالأول ( أي : اعتقاد حل المحرم ) وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلاموالقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد [انتهى كلامه]،فالإعراض عن دين الله تعالى نوع من أنواع عدم التزام التحليل والتحريم وهو من جنسالتولي عن طاعة الله والإعراض عن دين الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الإعراض قديكون في العلم بأحكام الدين وقد يكون في العمل بلوازمه ومقتضياته كما قال ربناتبارك وتعالى في كتابه العظيم : { فلا صدق ولا صلى، ولكن كذب وتولى}، فمن المعلومقطعا أن التولي غير التكذيب بل هو من جنس الإعراض عن الله وكلاهما من القسم الأكبرمن أقسام الكفر، فقول شيخ الإسلام : وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلمأن الرسول إنما حرم ما حرم الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرمفهذا أشد كفراً ممن قبله يدل دلالة قاطعة واضحة المفهوم أن : هذاالجزء ألا وهو الإعراض عن الدين هو من الكفر الأكبر لا من الكفر الأصغر كما يدعيأفراخ المرجئة أتباع الجهمية، وهذا الجزء أي : الإمتناع عن التزام التحريم من معانيالاستحلال العملي الذي يعد من القسم الأكبر من الكفر المستبين في مراتب الكفرالعقدي والعملي عند جهابذة أهل السنة والجماعة، وكثير من المتأولة سواء كانوا منالمرجئة الجهمية أو ممن أخطأ من أهل السنة في مسألة الكفر والإيمان ينسبون ظلماوعدوانا كلام التفريق بين الكفر العقدي والكفر العملي إلى العلامة الجهبذ ابن القيمرحمه الله على أنه يقول : الكفر العقدي كفر أكبر والعملي كفر أصغر! وهذا خطأ فاحشوجناية كبيرة على أهل السنة والجماعة وعلماء السلف كابن القيم رحمه الله تعالىوغيره من الكبار، لأنه قد صدرت عنه أقوال ونقولات ومقاطع تنطق بخلاف ما نسب إليهظلما وعدوانا، والذي ذهب إليه ابن القيم حقيقة في مجمل ما كتبه بخطه هو خلاف ما نسبإليه من طرف من لم يفهم كلامه وتقولاته الواضحة على ضوء العقيدة السديدة والمنهجالرشيد الذي نافح وذب عنه هو وشيخه ابن تيمية رحمهما الله طول حياتهما حتى لحقابالله تبارك وتعالى : أن الكفر العملي قسمان منه قسم الكفر الأكبر الذي يضادالإيمان ويبطله من أصله ويخرج صاحبه من دائرة التوحيد والإيمان إلى الكفر والشرك،ومنه الكفر العملي الأصغر الذي لا يضاد الإيمان ولا يبطله من أصله لأنه لا يخرجصاحبه من دائرة التوحيد والملة إلى دائرة الكفر والشرك، وقال ابن القيم رحمه الله : [ في كتاب الصلاة ص51 ]: وها هنا أصل آخر هو أن الكفر نوعان : كفرعمل وكفر جحود وعناد، فكفرالجحود : أن يكفر بما علم أن الرسول صلى الله عليه وسلمجاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذاالكفر يضاد الإيمان من كل وجه ، وأما كفر العمل : فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلىما لا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان وأماالحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً ولا يمكن أن يُنفىعنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه، فالحاكم بغير ماأنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو كفرعمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزلالله كافرا، ويسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهمااسم الكفر... ، ومن هنا يتبين لك هذا التفصيل الرائع منه رحمه اللهتعالى على حقيقة ما سطره في كتبه انتصارا لعقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل ركنيةالعمل في الإيمان، وأقسام الكفر الأكبر منها العقائدي ومنها العملي وأقسام الكفرالأكبر العقدي والعملي عند أهل السنة هي ستة أقسام على العموم :
1-قسم كفرالجحود والدليل قوله تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}، وهذا القسممن الجحود هو الإنكار لمراد الله وآياته وأخباره الغيبية والمشهودة ومنه إنكارأحكامه الإلزامية، وهذا القسم من الكفر : هو الجحود لحجج الله وأدلته التي أنزلهاالله تعالى في كتابه المقدس على رسوله صلى الله عليه وسلم .
2- كفر التكذيب : {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، ويل يومئذ للمكذبين}، وهو تكذيب الله أو ما جاء منعند الله تعالى أو تكذيب رسول الله عليه الصلاة والسلام أو تكذيب ما جاء به رسولالله صلى الله عليه وسلم لأن من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب اللهتعالى، لأن رسول الله إنما هو ناقل ومخبر بالوحي عن الله.
3- كفر الإباءوالإمتناع والإستكبار: والدليل قوله تعالى : { إلا إبليس أبى واستكبر وكان منالكافرين}، وهو هذا القسم من أقسام الإمتناع عن قبول الحق والإلتزام به ولا يصدرهذا الفعل من مؤمن يومن بالله تعالى واليوم الآخر، وإنما يصدر من الممتنعينالمستكبرين والمتمردين المعاندين، وكفر الإباء هو كفر الإمتناع والرفض
4- كفرالشك والريب :{ وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي}، وهو التردد في قبول الحقوالإذعان له وهو ناقض من تواقض الإسلام لأنه قسم من أقسام الكفر الأكبر في التشكيكفيما أنزل الله تعالى من صدق الآيات وحق اليقين لما أخبر الله تعالى
5- كفرالنفاق : وهذا الجزء هو من أقسام كفر من تقمص دين أهل القبلة وهو في الحقيقة ليسمنهم : لقوله تعالى : { ذلك بأنهم أمنوا، ثم كفروا، ثم أمنوا، ثم كفروا فطبع علىقلوبهم}، وهم في الحقيقة كفار منافقون يتلاعبون بعقيدة المسلمين وأمتهم ودينهمليحصنوا مواقعهم بين المسلمين نفاقا وخداعا لهم ابتغاء المصالح.
6- قسم كفرالإعراض عن دينالله تعالى: { والذين كفروا عما أنذروا معرضون}، وهو قسم الإعراض عندين التوحيد والعمل بلوازمه ومقتضياته وشروطه وأركانه وهذه الأقسام هي من الكفرالأكبر وكلها مخرجة من الملة الإسلامية إلى ملة الشرك والكفر والردة، ونلاحظ منخلال هذه الأقسام الستة أن منها : قسم الكفر العقائدي ومنها قسم الكفر الأكبرالعملي، فعلى طالب العلم الشرعي أن يتنبه إلى هذه الحقائق العقائدية الإيمانيةالعلمية والعملية حتى لا يخالف عقيدة أهل التوحيد والسنة الفرقة الناجية والطائفةالمنصورة ويصير بوقا من أبواق المرجئة الجهمية وهو لا يدري!
فضيلة الشيخ السلفي- عبد الفتاح زراوي حمداش- المشرف العام على موقع ميراث السنة الجزائري ..حفظه الله ورعاه


الكاتب: أبو مريم العايدي السلفي الجزائري
التاريخ: 06/12/2010