سفاهة النظام في تطويل الأعلام

 

أفلس النظام القمعي إذ سقطت آخر أوراقه مع أول رصاصة أطلقها على المواطنين الشرفاء وأمست شعاراته فارغة المضمون ورق مقوى لا يقوى على الثبات مع أول قطرة ماء وكان قد أصبح قبلها على جعجعة لا نرى معها طحنا: مقاومة! وممانعة! وصمود! لقد كانت الرصاصة الأولى التي أطلقها على المتظاهرين السلميين رصاصة الرحمة التي أراح بها آذان شعبه من شعاراته المدوية الجوفاء التي لا يفتأ يطلقها في فضاء الإعلام ويصرخ بها عاليا في المؤتمرات من مؤتمرات القمة إلى منصة المسيرات وأراح بها أعين شعبه عن صور النفاق بأنواعه التي يمارسها ليل نهار.
كان النظام القمعي قد أخذ فترة طويلة من الراحة من هم المعارضة والمعارضين حيث لم يتوانى عن استخدام كافة الأسلحة ضد من يعارضه سواء أكان سلاحا ممنوعا أم مسموحا ماديا أم معنويا فعليا أم قوليا حتى أجهض كل حركة معارضة ووأد كل ما شأنه أن يهدد كيانه ويحارب وجوده فقضى على الحرية التي كان يتنفس بها السوريون قبل عقود ثم قضى على ضباط الجيش المخلصين ثم وضع طريقا للخطيئة وسماه تصحيحا وباع الأرض لألد الأعداء وسالمهم ثم قضى على حركات حرة متتالية ليتربع بعدها على صدور السوريين الأحرار حتى نسوا أو كادوا معنى الحرية والعزة والكرامة فكانت أشياء يجدونها داخل نفوسهم مكبوتة مقهورة لا يمكنهم البوح بها ولا الحديث عنها تعتمل في صدورهم تتلجلج في ثناياه ولا تخرج وأيام خرجت من بعض صدور الأبطال ذاقوا أشد العقاب ونالوا أسوأ الثواب.
وشاء الله أن يتربى موسى في حجر فرعون يجول في قصره كيف يشاء وله من السلطة ما لا ينال الوزراء فعاملنا النظام الفاشل بالشدة والقسوة وأسمعنا السياسة ليل نهار وعلمنا على حمل السلاح لنقاوم الكيان الصهيوني! فخرجنا نحن السوريين أبطالا أشداء وسياسيين وعسكريين وعادت عليه خطته بالوبال ورد كيده في نحره كما جرى لسلفه فرعون فلا رصاص يخيفنا سواء أكان حيا أو ميتا ولا خطاب يخدعنا سواء أكان عاطفيا أو إرهابيا ولا رخاء عيش (لم يعدنا به أصلا) يدعونا إلى الدعة والاستسلام.
وتنقل في محاربتنا من قمع إلى قمع ومن كذبة إلى أخرى ومن لعبة إعلامية قذرة إلى حيلة مؤتمرية فاشلة وخشي أن يطيح به سلام المتظاهرين كما فعل بالتونسي والمصري فجرب أسلوب الليبي فارتد عليه فعله إذ ثارت الجماهير أكثر وأكثر فجرب أسلوب اليمني فأخرج بعض من لم يزل مخدوعا به أو خائفا منه أو مرتهن بقاءه ببقاءه من اللصوص والفاسدين في مسيرات مؤيدة وإذا برائحة النتن والعفن ترافقها وإذا بالكذب والدجل يرتسم على وجوه السائرين فيها هتافاتهم سمجة ومذلة وباردة وتافهة و....
ورأت العصابة الحاكمة أن تفعل شيئا مميزا! تبز به من سبقها وتدخل به موسوعة غينس ليس من باب الشرف طبعا بل من باب الخسة والضعة لأن المراد تغطية المجرمين واللعب على المشاهدين فصنعت: أطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول علم!
وكانت الفضائح المتلاحقة:
فلم تجد من المؤيدين عددا كافيا لحمله فحملوا أوله وجروا آخره!
ولم يكونوا يكنون له احتراما فساعة تعبوا من حمله – وهو ثقيل على العملاء – طرحوه أرضا ومشوا فوقه!
وبعضهم تظلل به – ولا يظلل الخونة – فخرقوه وأخرجوا رؤوسهم!
وما مآله وأين ذهبوا به بعد تمثيليتهم الخرقاء هذه لفوه ورموه بأحد المستودعات إلى حين الحاجة فهو ليس لدوام الأوقات بل لقليلها!
وكم كلف من المال؟ عشرات الملايين! ومن دفعها ليس فاعل الخير رامي الحرامي ولا أبناء بائع الجولان مما ورثهم أبوهم بل دفعها الشعب السوري فالشعب يدفع ثمن الرصاص الذي يقتل به وثمن العلم الطويل الذي يريد النظام القمعي أن يستتر به ونسي الأغبياء أن علم الوطن شفاف عن عورات الخونة وقتلة المواطنين لقد سرقوا ثمنه من جيوبنا في الوقت الذي مد رأسهم يده إلى أصحاب الألوف المفردة فضلا عن الألوف المعشرة والملايين ليدعموا اقتصاده المشرف على الانهيار!
وأين خيط العلم ومن أين اشتري قماشه؟ اشتري قماشه من لصوص يدعون أنهم تجار وبأسعار مضاعفة تغطي عمولة صاحب الفكرة والمشتري والناقل والحمال والمستلم والمحاسب والمراقب و... ورامي طبعا. وأين صنع؟ في ورشات المتعاملين مع النظام السارق وهل يتعامل إلا مع اللصوص!
وسمع الشعب بهذا العلم الطويل بل بأشقائه - فقد وجد اللصوص في المدن الأخرى في الأمر بابا للنصب وبيع الوطنيات معا – فطلب من ثواره أن يخيطوا علما طويلا مثله - وأنى لهم أن يجاروا اللصوص الذين فتحت لهم خزائن سوريا على مصاريعها – فصنعوا علما لكنه مختلف في نواح كثيرة: فالمال الذي اشتري به مال حلال خرج من جيوب أصحابه مختارين وباذلين والأيدي التي خاطته هي أيدي حرائر الوطن الشريفات والأيدي التي حملته أيدي الثوار الأطهار والغاية منه ليس تخوين الشعب المسقط للنظام القمعي بل جمع شعب سوريا كله تحت ظله وشتان.
أيها الثوار الأحرار:
لا تصنعوا الأعلام الطويلة فشرفكم لا يخفى على أحد ووطنيتكم وحبكم لبلدكم قد سارت بذكرهما الركبان ومهما فعل الأوغاد فلأنهم يشعرون بالخسة والنذالة ويريدون أن يعوضوا النقص الذي يجدونه في وطنيتهم وأنى لهم إدراك ذلك وهم أعداء الوطن وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
اصنعوا من هذا القماش بألوانه أعلاما صغارا لفوه على أجسامكم سترات واقية من رصاصهم وأعلاما صغارا تكون لثاما على وجوهكم يوم تقابلون وأنتم المسالمون أولئك الأوغاد وأعلاما صغارا تلفون بهم شهداءكم.
لئن كان مصير العلم الطويل بين أيديهم بعدما أساؤوا إليه فكرة وكلفة وحملا وشعارا إلى المستودعات سفها منهم فإن أعلامكم غير الطويلة شعار ودثار وحب وفخار.


الكاتب: منذر السيد
التاريخ: 18/07/2011