بعد مقتل الأمريكي واصابة زميله ومقتل الشابين الكويتيين أنس الكنـــــدري ، وجاسم الهاجري ، الذين اتهمتهم السلطات الأمريكية بتنفيذ عملية فيلكا..وأنهم من اتباع بن لادن ، أو من خلاياه (النائمة) في الخليج!! استنكر التيار الإسلامي هذه العملية .. وشن التيار الليبرالي حربه الشعواء على جميع أطياف التيارات الإسلامية.. فيما استنفر تلفزيون الكويت بكل طاقاته ، وقامت بينه وبين مشايخ العلم علاقة حب مفاجئة ، فجلب المشايخ لمحاربـــة ، (فكر بن لادن ) في الكويت في كل برنامجه ماعدا برامج الغناء والطرب!.
ولم يمض ثلاثة شهور حتى انطلق الرصاص من جديد اتجاه القوات الأمريكية ليقتل أمريكياً آخر، وليصيب زميله بجراح.. وليعود التيار الإسلامي للاستنكار .. والتيار الليبرالي للتحريض.. والتلفزيون للاستنفار من خلال مشايخه .. لهذا المشهد الجديد الذي لم يزد على سابقة إلا بالمقالة التحريضية على الدعوة وعلى رموزها والتي كتبها محمد العنجري – من المفترض أن يكون من التيار الإسلامي !- ونشرها في جريدة القبس معقل الليبراليين !!
ومع تأييدنا في مثل هذا الزمن لاستنكار قتل الأمريكيين دون فتوى مستبصرة .. ودون نظر في عواقب الأمور، كما أفتت مؤخرا هيئة كبار العلماء مؤخرا ، غير أننا نستنكر في الوقت ذاته ظهور الملتحين – ولا أقول طلبة العلم فضلا عن العلماء – على شاشة التلفزيون ، ليؤصلوا بلا ضوابط ، في السياسة الشرعية للعامة! وفي قضايا يقف عندها جهابذة اهل العلم ، فضلا عن البون الشاسع بين التاصيل الذي يرددونه بغير علم ، وبين الأحداث الواقعية .
ولعل القضايا التي تمركز الحديث حولها في التلفزيون ، تكشف لنا وبوضوح مقدار العلم الشرعي الذي تحتويه صدور هؤلاء الملتحين الذين لم يصبحوا نجوما تلفزيونيين إلا بعد مقتل الأمريكيين!! .
وأعجب ما جاء به هؤلاء الجهابذة !! قول من يقول منهم عن الأمريكان : انهم اهل ذمة ، فليت شعري ، هل يفقه هذا القائل من الشريعة شيئاً..فأهل الذمة كما ورد تعريفهم في جميع الكتب ككتاب أهل الذمة لابن القيم وفي غيره من كتب السياسة الشرعية ، هم: اليهود والنصارى إضافة للمجوس الذي ارتضوا الإقامة بدار الإسلام ، ملتزمين بأحكام الإسلام ، ويدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ، لتحميهم الدولة الإسلامية.. ومعلوم أن الفقهاء نصوا على أخذ الجزية من أيديهم ، لدرجة تصل إلى عدم الاعتراف بالتحويلات البنكية ، في دفع الجزية ، أو إرسال المناديب !!
وأنت إذا نظرت إلى هذا التعريف ، وأردت أن تطبقه على القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج ، ستجد أن عكس التعريف هو الصواب ، وأن بعض اهل الخليج هم الذين يدفعون المال (الجزية) للقوات الأمريكية لتحميهـــــــم لا العكس..وان في تسمية الأمريكان اهل ذمة ، ولهم ذراع البطش الطولى في العالم ، إهانة كبيرة لهم، ولست ادري إن كان الملتحون أبطال تلفزيون الكويت ، قد أدركوا خطورة كلامهم ، وكم قد أذوا أمريكا التي فرحت بظهور هذه اللحى ( الغانمة) المفاجئ على الشاشة ، أم لا!
أما الذين تجاوزوا وصف القوات الأمريكية ، من اهل الذمة إلى أهل العهد ، فقولهم لا يقل سوءا عن الأولين ، ولايمكن تسميته تخلصا ، أو تجاوزا للازمة الفقهية التي يسببها توصيف القوات ( بأهل الذمة ) (بذكاء) وذلك أن اهل العهد ، هم الكفار الذين وادعهم إمام المسلمين بعقد إما بعوض من مال ونحوه أو بغير عوض.. لتصير دارهم دار عهد .
ولو نظرنا إلى هذا التعريف الذي تبنته الموسوعة الفقهية على سبيل المثال ، نجد انه لا ينطبق أيضا على القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج.. إلا أن ينطبق في حاله واحده..ألا وهي حالة قيام الحرب بين دول الخليج وأمريكا ورغبة الأخيرة بوقف الحرب إلي زمن !!
وذلك لحاجة المسلمين إلى الإعداد لاستكمال الحرب مرة أخرى مع أمريكا، فيوافق الإمام على هذا العهد مقابل الدولارات الأمريكية التي تدفعها للمسلمين، لوقف الحرب ، أو بغير مقابل ، وهذا لم يحصل حتى في أحلام مشايخ التلفزيون أنفسهم !
كنت قد كتبت سابق عن اهل الذمة في اقل من هذا التفصيل، وبينت أن إطلاق هذا الاسم على الأمريكان ، أمر لم يتخيله العلماء الذين صنفوا في السياسة الشرعية كالإمام الماوردي أو القاضي أبى يعلى في الأحكام السلطانية .
وتمنيت آنذاك من المشايخ الذين فرحوا بظهورهم على شاشة التلفزيون ، أن لا يكونوا كبطاقات تعئبة ، تستخدمهم الحكومات لمثل هذه الظروف فقط ، ثم ترميهم بعد الانتهاء منهم..وطالبت وزير الأوقاف الكويتي بدعوة العلماء في اجتماع عاجل لمناقشة هذه الأوضاع المستجدة على الفقه، والتي لم يبحثها حتى الحنفية أنفسهم في فقهم الافتراضي !.. واليوم أتمنى من مشايخ التلفزيون الذين ظهروا في زمن فتنة تجعل الحليم حيران ، أن يتقوا الله في فتاويهم وان يضعوا الله نصب أعينهم في التأصيلات (الحلمنتيشية) التي أطلقوها على شاشات التلفاز ، والتي لا تمت للفقه بصلة وشاهدها الملايين واغلبهم من عوام الناس..
وأزيد هنا على ما سبق أن قلته ، فاقول : إن الولايات المتحدة قد رسمت وببراعه السيناريو الكامل لغزو الكويت ، وحرب الخليج الثانية ، ولعبت فيهما دور البطل ، والمخرج في الوقت ذاته، كما يحصل في مدينة الأفلام الأمريكية هوليوود.
وبعد أن كانت تسعى للحصول على قطعة ارض تستأجرها من الحكومة الكويتية كما استأجرت جوانتنامو من كوبا..استقرت في منطقة الخليج وبتراحيب اهلها تحت مسمى(الحماية)!.
غير أن أعجب العجب في هذا الفلم كله ، واللقطة الأكثر غرابة ، أن الولايات المتحدة الأمريكية (وهي المخرج المتحكم في الفيلم) لا تعــد نفسها ملزمة بأمن الكويت !! ولا تعــد الهجوم على الكويت أمر يستلزم منها الدفاع وتجيش جيوشها ، واعداد عدتها كما لو تم هذا الهجوم على إسرائيل أو غيرها من الدول التي بينها وبين الولايات المتحدة اتفاقيات حماية..
هل تصدقون هذا ، فالكويت وبعض دول المنطقة، كما هو منصوص على موقع وزارة الدفاع الأمريكية ، تعتبر من الدول المانحه حق استخدام منشأتها من قبل الولايات المتحدة ، وقد وقعت اتفاقية تبادل العلاقات الدفاعية من خلال التعاون العسكري وتبادل الزيارات فحسب ، وهي اتفاقيات لا تقتضي إلزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها!، وإنما يرجع هذا إلى تقدير أمريكا الذاتي لمصالحها في أن تدافع أم لا ؟؟!!
ومنا إلي مشايخ التلفزيون المؤقتين !!الكاتب: أحمد بن محمد الفهد التاريخ: 01/01/2007