هل نستحق الشيخ الددو؟ بقلم أحمد فال بن الدين ..

 

هل نستحق الشيخ الددو؟


بقلم: أحمد فال بن الدين


شيكاغو/ الولايات المتحدة


ahmed_dine@hotmail.com



   لم تتميز"بلاد شنقيط" قط، بطيب هوائها،ولا بجمال مناظرها، ولا برغد العيش في ربوعها. بل على العكس من كل ذلك، فقد وجد الأجداد أنفسهم يتوسطون صحراء قاحلة تموج وسطها بحار رملية جافة تائهة إلى مالا نهاية، وظلوا في معظم أحوالهم، بدوا رحلا يتتبعون دموع السماء ، وأهل وبرٍ يطاردون الكلإ والمرعى، ,وظلت حياتهم تتوزع  مابين  "يوم ظعنهم ويوم إقامتهم".


لكن شنقيط -ورغم كل هذه الصعاب- أنجبت معادن من الرجال الأفذاذ عز نظيرها. ونجحت في زرع حدائق غناء من العلم والمعرفة وسط هذه الربوع القاحلة. نجحت في "إنتاج" معادن تربت في البدو لكنها تعلم المتحضرين.. وولدت تحت الخيام، لكنها تبوأت الأستاذية في الجامعات!! كان الواحد منهم يسافر ويدخل المدن العريقة في الحضارة، لكن عزته البدوية التي امتلأ بها صدره وامتزجت بكيانه تصاحبه أنى حل وارتحل، وعلمه المفهوم المحفوظ معه يتبعه. وكان الفضل في "إنتاج" هذا الضرب العزيز من الرجال يرجع إلى نظام تعليمي انفرد به هذا القطر دون غيره هو : التعليم المحظري.


هذا التعليم المحظري هو الذي صنع الصورة الشنقيطية الناصعة التي تتلقاك أنى توجهت وتحملك المسؤولية- الثقيلة أحيانا- أني حططت.


ليس لنا من إرث قدمناه للعالم لنفخر به إلا هذا- ولنعم الإرث هو- وليس لدينا ما نمدح به إلا هو، حتى عندما يتكلم "الخواجات"، لا يجدون ما يقولونه عنا إلا ذلك. أذكر خطاب جاك شراك عندما تحدث في انواكشوط، أذكر قوله: " أنتم معروفون بأنكم أهل علم ... أنتم بلاد المليون شاعر".


هذا الإرث الذي يسكن خلد كل واحد منا، ويتخذ منه ينبوعا للعزة، وقاسما مشتركا بينه وبين كل الموريتانيين، هذا الإرث العميق في ذاكرتنا الجماعية يجب علينا أن نحفظه ونصونه، وأن نحترمه وأن لا نخونه.


أنا لا أعلم خيانة أكبر، ولا صفعة أفظع يمكن أن توجه لهذا الإرث من أن نطارد آخر رمز من رموزه، وآخر دليل، "عملي" ماثل أمامنا أن "القوم كانوا كذلك"..وأن تراث أجدادنا كان متميزا!! لا أعلم خيانة أكبر لميراث الشناقطة من مطاردة حفيد محمد  على بن عبد الودود.. والتضييق عليه.


وفي هذه اللحظة من الزمن، بعد أن لوحظ تدهور خطير في أداء المحاظر، حبانا الله بنجم طلع في هذااليل الشنقيطي الرهيب... رأيناه يتلألأ في سمائنا فذكرنا بمجد الآباء وكرم الأباء وتضحيات الآباء وبذل الآباء.... رأيناه يتوسط كبد سماء المجد:


كالشمس في كبد السماء وضوؤه ***يغشى البلاد مشارقا ومغاربا"


، فتحلقنا حوله.. وآنسنا قربه وطلوعه....إلا أن بعضنا لم يستطع لعموشة في عينيه أن يتملاه،" فارتد إليه بصره خاسئا وهوحسير"..! فرام بعد ذلك أن يسب ويشتم ويلقي بالتبعية على البدر... لكن جماهير الشناقطة همهمت بصوت متناغم:


"ما ضر شمس الضحى في الأفق طالعة *** ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر!!"


الشيخ محمد الحسن الددو: ذلكم الوارث الشرعي لمجد محاظر شنقيط! ورثه بطرفيه: العلمي والعملي. شيخ جميل ورائع...صبيح الوجه موطؤ الأكناف ينبوع علم ونبراس هدى! أقر بفضله القاصي والداني،  وتمنت كل أمة لو كان أحد أبنائها. حار العلماء، قبل العامة، من علمه وورعه، وازينت أصقاع كثيرة من المعمورة بخطواته المتواضعة مرتديا زيه الشنقيطي "وعمامته بين الرجال لواء!" داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.


 تذكرك ربانيته وتحلق الناس حوله وحبهم له بالشيخ سيديا الكبير، لكأنه هو في حب الناس له وتعلقهم به، وفي عبادته وربانيته.


لكأنه الحاج عمر الفوتي في تنقله للدعوة وحسه الوطني وغيرته على تراب الوطن من أي أجنبي..عندما تتحدث معه في دقائق الفقه تخاله  محنض باب الديماني أثناء اعتكافه لتأليف "ميسره"، على شرح "مختصره"...أما إذا عُجت على النحو و أساليب العرب فأنت أمام المختار بن بون وسط طلابه، وأثناء تدريسه "لطرته واحمراره" .  وهب أنك طرقت الحديث، فستجدك حائرا ما بين سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم والشيخ محمد يحي الولاتي!!


أحبتي، احترموا تراثكم الذي لا تملكون غيره، وتداركوا عباقرتكم واعتزوا بهم.!! لا نريد تجربة جمال ولد الحسن- الذي أرغمته ظروف الحياة على الهجرة حتى توفي في الخارج رغم الحاجة إليه في الداخل-، ولا الخليل النحوي- صاحب العمل العظيم: "المنارة والرباط"- الذي هجر أرضنا مكرها بسبب عدم توفر الجو المناسب للمبدعين- ولا قصة محمد الأمين بن محمد المختار( أب ولد اخطور)، ولا قصة عباقرة مهندسينا الذين اصطفاهم الغرب لنفسه فقبلوا مرغمين-لا نريد هذه الظاهرة أن تتكرر مع رمز تراثنا ووريثه الشرعي: علامة المغرب الإسلامي الأقصى،الشيخ محمد الحسن ولد الددو.


بعدما رأيته في بلدي من مطاردة لهذا العالم الرباني الفريد، وبعدما شهدته من ظلم يلاحقه بين ظهرانينا- رغم مكانته المتميزة في العالم-  ألقي في روعي سؤال ألح علي وهو: هل فعلا نستحق الشيخ الددو؟! عن صحيفة الشعب المصري


الكاتب: ممدوح أبو العــــلا
التاريخ: 01/01/2007