إيقاف حمام الدم في ليبيا بيد مصر! |
|
جاء في الموسوعة السياسية تحت عنوان الثورة (يستخدم معظم المفكرين المعاصرين اصطلاح “الثورة” للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية، تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية، أي عندما يتم تغيير حكم قائم – والنظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له- بصورة فجائية، وأحياناً عنيفة، “بحكم آخر.” وأوردت الموسوعة كذلك آراء لعلماء اجتماع وسياسة معاصرين في هذا الصدد، من بينهم ميز سوروكين (1947) الذي قال إن الثورة التي تحاول أن تغير كل المؤسسات والقيم الهامة للجماعة، هي “ثورة شاملة” ، وهو يعني الثورات من طراز الثورة الفرنسية (1789) والثورة الروسية (1917). (الموسوعة السياسية، الجزء الأول، ص 870-872).
ان الانتفاضات المباركة الجارية والتي جرت في المنطقة توجهت بشكل واضح نحو تغيير الحكام و”عصاباتهم”، وأبلت في ذلك بلاءً حسناً. إلا أن الانتقال من حال الانتفاضة إلى الثورة الكاملة يتطلب تغيير بنية النظام العلماني الرأسمالي بكل تجلياته، والذي أفرز وغطى أولئك الحكام، تلك البنية التي نقلنا عن عالم الاجتماع سوروكين أعلاه توصيفه لها بـ”القيم الهامة للجماعة”.
فالسلطات الحاكمة تحركت في نطاق مجتمعات لشعوب مسلمة، فرض عليها الاستعمار شكلاً للدولة الوطنية لم تعهده في مبدئها ولا في تاريخها، وحدده بحدود مصطنعة على الأرض وفي الذهن، وأقصى الاسلام عن الحكم وحركة المجتمع، وزرع في الأذهان نموذجا لشخصيته كمثال سياسي وثقافي، وربط المنطقة تماماً كغيرها بما يسمى بالمجتمع الدولي (كائن خرافي!) والشرعة الدولية.
وكمثال صارخ على بقاء بنية النظام العلماني كما هو دونما أي مساس، ما يجري اليوم في ليبيا وعدم تحرك دول الجوار لإيقاف المجازر الحاصلة هناك.
والحقيقة أن المرء يتملكه شديد العجب حينما يرى تسارع بعض دول المنطقة للمشاركة العسكرية آلاف الأميال خارج حدودها، كما حصل في مشاركة القوات التركية والأردنية والاماراتية في أفغانستان، وكما حصل حينما تداعت كثير من الدول العربية والبلاد الاسلامية من المشرق والمغرب للمشاركة تحت المظلة الاميركية لطرد صدام حسين من الكويت، وكما يحصل أحيانا في مشاركات قوات عسكرية في مهام للأمم المتحدة لحفظ السلام هنا أو هناك، بينما الموت الأحمر يقفز في كل حي وفي كل شارع وفي كل “زنقة” في ليبيا، والأجواء معبأة برائحة الموت، وقوات دول الجوار تكتفي بالفرجة أو على أحسن حال إقامة مستشفى ميداني لمداواة الفارين من الجحيم!!
ما الذي يحول بين تحرك الجيش المصري لحسم الامر بدون مبالغة في أيام قلائل إن لم يكن في ساعات؟ لماذا تأتي أميركا أو أوروبا لإنقاذ ليبيا ولا يأتي المسلمون من مصر الكنانة مثلا؟
أحرام على بلابله الدوحُ..........حلال للطير من كلّ جنسِ
نحن أمام حالة صارخة شاذة تحتاج لثورة حقيقة تعيد الأمر لنصابه. حالة يتمثل فيها تقديس لحدود اصطناعية فرقت بين المسلم وأخيه المسلم، وتمثل فيها عقدة النقص والهزيمة الذاتية التي تؤدي الى الهرولة نحو الأجنبي لحل الأزمة، وتمثل فيها التبعية والارتباط بشرعة دولية وما هي بشرعة ولا هي بدولية، بل هي أهواء دول كبرى.
هل يشك الجيش المصري القوي أن حفنة من قوات مرتزقة أو نظامية مهترئة ستصمد أمام عنفوانه؟ وهل يشك الجيش المصري أن الشعب الليبي المقهور لن يستقبله بالورود والأحضان حينما يحرره من حكم الطاغية؟ لم لا تفكر النخبة العسكرية على أقل تقدير بتمرير السلاح والذخيرة للثائرين وهم بالجوار القريب؟
أما العجيبة الأخرى، فهي الهرولة نحو فرنسا وبريطانيا وأميركا والناتو. كيف يتشكل في ذهن عاقل أن دولة كأميركا، قتلت وشردت من المسلمين الملايين في حربي العراق وأفغانستان، وحلفاً كالناتو يعد يدها التي تبطش بها، كيف يمكن أن يحرصوا على دم مسلم؟ وهل سيكون ثمة مقابل أم أن هذه الأطراف تحولت بين ليلة وضحاها الى جمعيات خيرية ودول بر وإحسان؟
منذ عامين فقط، كانت القوات البريطانية الخاصة (إس إيه إس) تقوم بتدريب القوات الخاصة للقذافي، ناهيك عن التسليح والتعاون الاقتصادي والأمني. أما اليوم فقد عادت بريطانيا العظمى الى رشدها وأبدت القلق على حياة الناس! ووجدت من يصدق ويسارع ويجتمع! لا يملك المرء الا أن يشعر بـ”القرف”!
لا أود أن أطيل في بيان تقاطر الدول الكبرى على تأمين مصالحها في ليبيا، فهذا واضح للعيان. ولكن أريد أن أذكّر بقناعات شعوب المنطقة المسلمة، والتي تقبع أحياناً في دائرة المشاعر ولما تنتقل بعد الى دائرة المفاهيم والسلوك.
أذكّر بأن المسلمين جميعا أمة واحدة، وأن الإسلام يوجب على المسلم نصرة أخيه المسلم فيفرح لفرحه ويتألم لمصابه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم وغيره] .
وأذكرهم بأن الرابطة والأوضاع الناجمة عن معاهدات استعمارية (سايكس بيكو وأخواتها)، هي أوضاع باطلة، يوجب الإسلام إلغاءها وتجاوزها. فولاء المسلم هو لرب العالمين ولرسوله وللمؤمنين.
وأن الله عز وجل أوجب نصرة المظلومين فقال (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [النساء: 75] .
وكما قال عليه السلام “ من أُذِلَّ عنده مؤمن ولم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أَذلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة” [رواه أحمد] .
لقد آن الأوان لأن نعود فنعالج مشاكلنا بعيدا عن تولي الغرب، والارتماء بأحضانه! فهو سياسيا انتحار وعقائديا هلاك. يقول سبحانه وتعالى “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” [المائدة: 51] ومن يتحجج بالخشية والخوف من عاقبة الطغاة، تجيبه الآية التي تليها مباشرة فتقول (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 52] .
عمليا لابد أن تتحرك القوى الممثلة للثوار في ليبيا، والعلماء، والثوار أنفسهم، وتتعالى أصواتهم تجاه مصر، وأن ترسل الوفود الى النخب السياسية والحركات والجماعات في مصر لحثها على الحركة في هذا الاتجاه، وأن يدعى أهل التحرير لأن يكون ميدانهم ميدانا لنصرة الشعب الليبي.
الحكم في ليبيا ساقط خارجيا وداخليا، والعالم كله مهيأ لفكرة التدخل العسكري، فلم الانتظار وتفويت هذه الفرصة التاريخية؟ أمن أجل “حرمة” الحدود؟ أم خوفا من العصا الغربية؟ أم انتظارا لشرعة دولية؟ إن كانت الإجابة بنعم، فلنعد إلى بداية المقال!
صحيفة عالم اليوم الكويتية
16 مارس 2011
http://www.alamalyawm.com/articledetail.aspx?artid=177045