بقلم فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن عبدالخالق حفظه الله
لست أدري لماذا اختارت اللجنة التي أسست بزعم نشر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون شعارها (انت حب الاكوان) فان هذا الوصف لا يصح ان يوصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولا الله سبحانه وتعالى، ولا احد من اوليائه وعباده الصالحين، فان الاكوان وهي ما عدا الله سبحانه وتعالى منها مؤمن وكافر فيها اماكن رضوان الله سبحانه وتعالى، واماكن سخطه وعقابه ولعنته.
فابليس كون من الاكوان وهو عدو لله ورسوله ملعون مطرود من رحمة الله وكذلك كل جنوده واوليائه من الجن والانس، وهؤلاء جميعا اعداء الله سبحانه وتعالى واعداء اوليائه من الانبياء والمرسلين قال تعالى: (ويوم يحشر اعداء الله النار فهم يوزعون) وقال تعالى: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن).
والذين يعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من امته التي بعث فيها اضعاف اضعاف من يؤمنون به ويحبونه ويوالونه من المسلمين والمؤمنين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اما انتم في الامم الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود). (متفق عليه).
وهذا امر مشاهد قائم منذ دعا رسول الله الى الاسلام والى يومنا قد كان الذين عادوه وحاربوه وسبوه اضعاف من آمن به واحبه ونصره، وكل هؤلاء الكفار هم من الاكوان. والسموات والارض والجنة والنار من الاكوان، فالجنة دار الرضوان والنار دار الاشقياء اعداء الله وفيها كل ما لعن الله من الانس والجن، والوان العذاب التي هي من لعنة الله فيها شجرة الزقوم وادوات العذاب قال تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا) وكل هذه اكوان ليست محبوبة عند الله ولا عند اوليائه ولا توصف بانها تحب اولياءه؟
وفي الارض قطع ومواضع هي محل محبة الله ورضوانه ومواضع هي مواضع سخطه وعقابه، فأحب البقاع الى الله مساجدها، وشر البقاع الى الله اسواقها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبل احد (هذا جبل يحبنا ونحبه) وقال عن ديار ثمود (لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين الا باكين او متباكين لا يصيبكم ما اصابهم) وكان اذا مر رسول الله بوادي محسر اسرع فيه مع انه جزء من ارض المسجد الحرام.. ولكنه مكان عقوبة فكان الواجب الفرار منه.
وهذا الشعار (أنت حب الاكوان) منقول من المعتقد الصوفي فيما سمي (بالحقيقة المحمدية) وهو الزعم بان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو اول موجود في الوجود، وان وجوده قد كان قبل خلق السموات والارض واللوح والقلم، والعرش والملائكة، وان من وجود الرسول ومن نوره خلق الله جميع الاكوان بعد ذلك العرش والكرسي، والملائكة والسموات والارض والانس والجن والجنة والنار.. الخ. فالاكوان جميعا وهي كل ما عدا الله موجودة من نور الرسول. والرسول سابق في الوجود على كل هذه الاكوان.. والذي صاغ هذه العقيدة على هذا النحو هو ابن عربي الزنديق حيث يقول في فتوحاته المكية (بدء الخلق الهباء واول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الالهي (الفتوحات 1/152).
فهل هذه العقيدة في الرسول الله صلى الله عليه وسلم التي أجمع عليها من ينتسب الى التصوف في العصور المتأخرة هي التي عناها من وضع هذا الشعار (انت حب الاكوان) ام ان لهم تفسيرا اخر لذلك؟
واذا كان لهم تفسير اخر فا معنى نشر قصيدة تتضمن هذا المعتقد عنوانا ونصا. فقد نشروا قصيدة لمن سموه (ابن الدريهم) بهذا العنوان: (ذات القوافي قصيدة في ثلاثين قافية يمدح فيها رسول الله مسمياه اياه صلى الله عليه وسلم (سيد الوجود) فمن قال ان محمدا صلى الله عليه وسلم هو سيد الوجود؟
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم وليس سيدا للوجود فان الوجود يشمل وجود الرب ووجود كل موجود من الملائكة والسموات والارض وليس رسول الله سيدا لكل موجود!!
فما معنى تسمية الرسول بسيد الوجود!! واين جاء تسمية الرسول بسيد الوجود في كتاب او سنة او قول صاحب او قول امام يقتدى به!
وسيد الوجود هو الله سبحانه وتعالى وحده فهو السيد لكل ما سواه كما قال صلى الله عليه وسلم (ان الله هو السيد) قال تعالى: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) وأما من عدا الله فاذا اطلق عليه لفظ السيد فهو بحسبه فالنبي هو سيد ولد آدم يوم القيامة صلى الله عليه وسلم لان له الشفاعة العظمى ولان ادم ومن دونه يستشفعون به الى الله يوم القيامة لدخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم (انا سيد ولد آدم ولا فخر) الحديث.
وفي البيت الثاني من هذه القصيدة لابن الدريهم:
نبي له فضل على كل مرسل
وآياته في الكون تتلى وتشرح
وفي بقية القوافي و(تنشأ، تنسخ، وتؤخذ، وتنشر، الخ).
وهذا البيت ترجمة لتلك العقيدة ان الرسل جميعاً يأخذون علومهم من الرسول محمد وانه هو الذي اوحى اليهم.
والايات لا تنسب الى الرسول صلى الله عليه وسلم بل تنسب الى الله سواء كانت الايات المتلوة المنزلة من الله الى رسوله، او المعجزات الالهية التي اجراها الله على يديه او آياته في الخلق. ولا يقال عن شيء من ذلك (آيات الرسول)!!
وفي البيت الاول في قصيدة ابن الدريهم هذا يقول:
اذا لم أزر قبر النبي محمد
وأسعى على رأسي فاني (احمق)!!
وفي بقية القوافي: مشوش، منغص، مغفل، مذمم.. الخ.
وشد الرحال الى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مشروعاً ولا هو قربة الى الله كما قال صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرجال الا الى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الاقصى) وابن الدريهم هذا جاهل من الجهال واذا جعل نفسه احمق او مغفلاً او ارعن اذا لم يسع على رأسه لقبر رسول الله فإنه على كل احواله في الصدق والكذب جاهل احمق يتعبد بغير المشروع.
وفي موقعهم على الانترنت والذي سموه ايضا باسم (انت حب الاكوان) علقوا مجموعة من الاغاني والسماع الصوفي بالالحان المبتدعة وضرب الدفوف للرجال. وكل هذا من البدع المذكرة والسماع الصوفي عندما بدأ في امة الاسلام في اواخر القرن الثاني لم يبدأه الا الزنادقة، يقول الامام الشافعي رحمة الله عليه (تركت بغداد وقد احدث الزنادقة فيها شيئاً يسمونه السماع)؟..
وهذه الاغاني الى جانب انها بدعة منكرة فانها لا تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالرجال.
وللاسف ان تلك الاغاني والاناشيد قد اشتملت على تلك العقائد الفاسدة.
كنا نتمنى ان تنطلق هذه الحملة في هذا الوقت العصيب للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره، ونصر دينه، نشر نوره في العالمين، وذلك ان حملة الكفر العالمية الان قد جعلت هدفها الاول هو الرسول صلى الله عليه وسلم ففي كل يوم يطلع علينا كبير من كبراء الكفر في الغرب والشرق ليعلن ان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو اول ارهابي وان الاسلام الذي جاء به هو دين الشياطين.
وهذه هي الشبكة العنكبوتية «الانترنت» فيها عشرات المواقع المتخصصة في سب رسول الله ولعنه وشتمه وقد جعلت منه اسوأ رجل شهده العالم. وحسب من اراد الاطلاع ان يفتح برنامج المحادثة (البالتوك) في المواقع العربية ليرى ما ينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشتم والسب واللعن على مدار الاربع وعشرين ساعة وليرى عشرات الالاف من الشبهات والشكوك والمطاعن في القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم وشريعة رب العالمين!!
وكنا وما زلنا نود ان تكون هذه اللجنة التي انطلقت بهذه (الفعاليات) الواسعة وبهذه الامكانيات من اهل الخير والاحسان ان يكون هدفها نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشر محامده وشمائله في العالمين، والدعوة الى نشر دينه.
ومن اجل ذلك نهيب بهم، تغيير هذا الشعار الكاذب (انت حب الاكوان)، ونبذ هذه البدع، والتحذير من هذه العقيدة الضالة في ان رسول الله هو اول موجود في الوجود، وانه المستوى على عرش الله، وانه الذي يمد كل الرسل والانبياء.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.
ولن يفيدكم وضع صورة الانفجار الكبير الذي يفسر به الملاحدة نشأة الكون ليكون ذلك رمزاً لهذه العقيدة الضالة، فإن اهل الايمان يعتقدون ان الله سبحانه وتعالى هو الاول الذي ليس قبله شيء، وانه سبحانه كما اخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم (كان الله ولا شيء معه وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء).
وأما وضعكم في شعاركم فتى وفتاة ينظران الى السماء فلا يعني هذا الا صرف الناس عن عبادة الله الى عبادة غيره وصلى الله على عبده ورسوله محمد الصادق الامين. الكاتب: الشيخ العلامة عبدالرحمن بن عبدالخالق.. التاريخ: 01/01/2007