الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدِلون، والصلاة والسلام على من محى الله تعالى به الكفر فامتاز عن أهله بدعوته المؤمنون، وبعد؛ فلقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمفارقة المشركين الكفرة في منهجهم وعقيدتهم ومسماهم في مراحل مبكرة من الدعوة وقبل حصول التمكين في الأرض، ثم تلا ذلك الأمر بمفارقتهم حساً ومكاناً بعد أن خلت من علائقهم القلوب وتقطعت منهم الأواصر .
فكان الافتراق في الاسم مبكراً :" قل يأيها الكافرون "، كما كان الافتراق في المنهج مبكراً أيضاً :" لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابدٌ ما عبدتم. ولا أنتم عابد ما أعبد"، ثم كان الصارم البتار في قطع الوشيجة بين المؤمنين والكفار :" لكم دينكم ولي دين"(الآيات من سورة الكافرون) .
وهذا واضحٌ في الكافر الأصلي لا توقف فيه البتة لمن طعم الإيمان أو فقه شيئاً من معناه. ولقد جاءت الشريعة منبهةً على إمكان تبدُّل الأحوال والقلوب والخواتيم، فبينَّت أن حصول مسمى الإسلام أو الإيمان بشهادة المعيَّن على أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أمرٌ قابلٌ لما يطرأ عليه فيزيله، وحسبك قوله تعالى:"يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"(آل عمران – 100) .
فبينت الآية إمكان طروء الكفر بعد الإيمان وصرحت آيات أخر بوقوع ذلك فعلاً كما في قوله تعالى :" إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون"(آل عمران – 90)، ولم يقف القرآن الكريم عند حد المجمل من هذا الكفر الطارئ بل بيَّن تفصيل بعض المناطات المكفرة وحكَم بالكفر على من تحقق فيه هذا المناط أو ذاك، تأمل معي قوله تعالى :" ولئن سألتهم ليقولنَّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين"(التوبة 65-66) .
وتأمل قوله تعالى :" يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا "(التوبة 73) والشاهد في هذه الآيات ومثيلاتها هو بيان منهج القرآن في تنزيل أسماء الدين على مستحقيه من حيث التدرج في تنقيح المناط – أعني مناط الكفر - وتحقيقه ودرء شبهة وجود المانع وإصدار الحكم المترتب عليه بلا توقف .
ولنتدبر في الآية الأولى كنموذج لتحرير وتطبيق هذا المنهج، فالخطوة الاولى كانت في تنقيح المناط المكفِّر الذي تلبس به هؤلاء وهذا المناط في الآية هو الاستهزاء بالدين سواء أكان استهزاءاً بالله أم بآياته أم برسوله صلى الله عليه وسلم أم بهم جميعاً، بحيث إن من تلبس بأي قول أو فعل أو اعتقاد أو تقرير منطوٍ على جنس استهزاءٍ بالدين فقد تلبس بمناطٍ مكفِّر، ثم إن الآية قد مضت في توضيح كيفية تنزيل اسم الكفر على من تلبس بهذا المناط، فأخذت بتحقيق المناط – أي التأكد من تلبس المعيَّن به – وكان ذلك عن طريق سؤالهم وتقريرهم حيث قال تعالى :" ولئن سألتهم ليقولنّ " .
فلما أقروا بتلبسهم بالمناط تأكدت نسبة الفعل إليهم وارتفع مانع الإكراه وتحقق المناط المكفِّر فانطلقت الآية إلى الخطوة التالية وهي درء شبهة وجود المانع من تنزيل اسم الكفر على هؤلاء المعينين المتلبسين بالمناط المكفِّر حيث حاول هؤلاء المعينون الاعتذار بقولهم:" إنما كنا نخوض ونلعب " ويا له من عذر أوهى من بيت العنكبوت، ولهذا فقد ألقمتهم الآية حجراً وردت عليهم هذا الاعتذار السخيف؛ وهل يكون الخوض واللعب بالله وآياته ورسوله، فيا لهم من هلكى ويا لهم من حمقى .
وهكذا وبزوال هذا العذر المتهافت صدر الحكم الصارم: " قد كفرتم بعد إيمانكم" بلا توقف وبلا تردد وبلا تلكؤ، ليتم بذلك البلاغ والإعذار إلى الخلق وليعلم الناس كل الناس أن ثمة فرق بين المسلم والكافر، وأن ثمة فرق بين من العبد المقيم على باب سيده وبين ذلك العبد الآبق الذي خلع عقد الإسلام من ربقته وتهافت كالفراش نحو نار هلاكه.
وأنبه هنا إلى نكتةٍ دقيقة تتعلق بخصوصية المناط المكفِّر المذكور في الآية إذ أنه من المكفَّرات التي لا يقبل معها – ولا مع أمثالها من المناطات المكفرة كسبِّ الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ونحوه – لا يقبل معه أعذار الجهل والتأويل ( أما الإكراه فقد تقدم زواله بإقرارهم على أنفسهم تلبُّسهم بهذه الجريمة النكراء)، فكان الواجب نفيه ورفعه في هذا المناط المكفر هو الشبهات والأعذار الواهية كما تقدم من اعتذارهم بالخوض واللعب .
أما إذا ما تغير المناط المكفِّر وكان يحتمل العذر بالجهل أو التأويل وجب أن ينصرف الجهد إلى رفع الجهل بالبلاغ الذي تقام به الحجة الرسالية ورفع التأويل بإزالة الشبهات وجلاء ما استعجم فهمه على المتأول،فليتنبه إلى هذا الفارق لأن الآية أجملته في سياقها الخاص اكتفاءاً بدلالة أصول الشرع عليه.
ثم نلاحظ أنه بعد صدور الحكم في الآية وبعد تنزيل اسم الكفر على هؤلاء المعينين كان بيان العقوبة المعجَّلة والمؤجلة أو قل بيان ما يترتب على تنزيل هذا الاسم من أحكام شرعية، وهكذا تكتمل روعة المنهج القرآني لا من حيث الدقة في البيان فحسب بل من حيث انتفاء العبثية والتناقض، فما معنى أن يكون في أسماء الدين كافر ومسلم ثم نتوقف عن تعيينهما؟ وكيف ينبني أداء الواجبات وتحصيل الحقوق إذا ما توقفنا عن تعيين الاسم الشرعي لمن تلبس بمناط من مناطات الكفر أو غير ذلك من أسماء الدين وأحكامه؟
فإذا علم ما تقدم تبين لك مدى هجر المسلمين لمنهج القرآن اليوم، وأعني بالمسلمين بطبيعة الحال حملة ميراث النبوة الذين يناط بهم مسؤولية البيان والبلاغ والإعذار إلى الله عز وجل، وليس من البيان في شيء أن يبيَّن المنتسبون للعلم الشرعي أن لتكفير المعين موانع تمنع من تنزيل اسم الكفر عليه ثم يتوقفون عند هذا الحد !
قلت: ليس هذا هو البيان الذي تبرأ به الذمة وتبلغ به الحجة، أو قل ليس هذا هو منهج القرآن الكريم على أقل تقدير، بل إن البيان والحجة الرسالية يقومان حين يعمل العلماء الربانيون على إزالة أعذار الجهل والتأويل والتحقق من انتفاء الإكراه عند من تلبس بالمناط المكفِّر، أما أن يقول من أنيطت بهم مسؤولية البلاغ والبيان واستشرفوا إلى تحصيل استحقاقات منصب العلم وأهل العلم الربانيين المستحفَظين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول هؤلاء : إن لتكفير هؤلاء موانع وإن لأعيانهم أعذار توجب التوقف عن تكفيرهم أو تنزيل أسماء الدين عليهم ويتوقفوا عند هذا الحد فلا .
قال الله تعالى:"يأيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين"(المائدة – 67)، إن فعل هؤلاء كفعل من يقول : إن الله لا يقبل دين أحدٍ لا يموت على الإسلام ثم يتوقف عن بيان كيفية الدخول في الإسلام ، فما يغني قوله الأول عن الناس شيئاً البتة، بل إن قوله وعدمه سواء من حيث أثره على أعيان المكلفين .
وأنقل لك في هذا الصدد قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" أن بيان الحكم سبب لزوال الشبهة المانعة من لحوق العقاب، فإن العذر الحاصل بالاعتقاد ( أي الاعتقاد الخطأ) ليس المقصود بقاؤه، بل المطلوب زواله بحسب الإمكان ، ولولا هذا لما وجب بيان العلم، ولكان ترك الناس على جهلهم خيراً لهم، ولكان ترك المسائل المشتبهة خيراً من بيانها"( مجموع الفتاوى 155/22 وما بين القوسين من كلامي) .
قلت: وبهذا يكتمل نصاب الحق في المسألة فلا يؤاخَذ معذور، ولا يهدر حق الله تعالى في لحوق العقاب بمن استحقه إن جحد وعاند وكابر بعد إزالة عذره، وإذا علمت أن كلام ابن تيمية المتقدم كان في سياق الكلام عن الأحكام الشرعية من حلال وحرام فهو في باب العقيدة والأسماء والأحكام آكد وأولى، فتأمل.
إن هذا الكلام لا يراد منه إطلاق العنان لنزعات التكفيريين، كما لا يراد منه التسويغ للتسرع والتهجم والتجرؤ على إطلاق هذه الأحكام أو إعمال محاكم التفتيش بين حنايا هذه الأمة، فهذا طرف الغلو والإفراط المذموم بلا ريب، وإنما أردنا بهذا الكلام أن نذكر بل نطالب علماء هذه الأمة والمنتسبين إلى العلم الشرعي ممن اكتملت لديهم الآلة من جهة العلم وتيسرت لديهم الوسيلة من جهة المنصب المؤثر والمنبر الخطابي المسموع وبسط القبول بين الناس أن يضطلعوا بمهمة البيان التي تبرأ بها الذمة، وأن لا يحوِّلوا موانع تكفير المعين إلى أسوار واقية وحصون منيعة تمنع من تنزيل أسماء الدين التي يستحقها أصحابها عليهم وتمنع بالتالي ترتب ما يترتب على تنزيل هذه الأسماء على أصحابها أو لحوق ما يستحقون من وعيد بهم أو ثبوت ما يستحقون من حقوق لهم .
فإن هذا التوقف لعمري هو نزعة التفريط والتثاقل التي تسوِّغ – ولا أقول تبرر – للبعض أن ينحرفوا إلى جهة الشطط الأولى أعني الإفراط في التكفير. وأي خيرٍ في فتوى معلَّقة تقول إن العلمانية كفر وإن تحكيم الشرائع الوضعية كفر ثم تتوقف في بيان الحكم على المعيَّن الذي تلبس بهذا المناط المكفِّر أو غيره بحجة عدم انتفاء الموانع، بل ربما جاهر هذا المعيَّن بهذا الكفر فإذا هو يقيم للناس استفتاءات ومشاورات حول صيغة الدستور الوضعي الذي يضاهي به حكم الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فناشدتك الله إن لم تقم أنت أيها العالم بإزالة هذه الموانع فمن الذي يزيلها ؟ آلبرلمان أم مجلس الأمة أم المجلس الاتحادي أم جامعة الدول العربية أم لعلها هيئة الأمم المتحدة (على حرب الإسلام)؟ ألا فليُعلم أن الأصل في الحكم بكفر وردة من تلبس بالمناط المكفر أن ينزل هذا الحكم على صاحبه وقايةً للمجتمع من خطره لا أن تتحول موانع تكفيره إلى وسيلة حماية له من حد الله سبحانه وتعالى، فإنه لمن العبث أن تصبح الشريعة التي يكفر بها هؤلاء مصدر أمنهم وحمايتهم وحقن دمائهم، فتأمل.
ولقد يطلع علينا البعض بحجج مؤداها عدم جدوى تكفير المعين اليوم في ظل غياب الحكم الإسلامي الذي يقيم حد الردة على هؤلاء، ونقول – وبالله التوفيق – إن حد الردة ليس الأثر الوحيد المترتب على تكفير المعيَّن، وإليك بيان ذلك ؛ فهذا المعيَّن قد يكون حاكماً تثبت له في أعناق الناس بيعة إن أقام على عقد الإسلام المجمل وتنحل هذه البيعة قولاً واحداً إذا ما ارتد على عقبيه كافراً بيِّنٌ كفره ولو لم يتمكن الناس من تنحيته عن الحكم ولك في حكام الدولة الفاطمية العبيدية مثالاً ونموذجاً واضحاً إذا لم تجرؤ على قراءة صفحة واقعنا اليوم .
وهذا المعيَّن قد يكون زوجاً أو زوجة يترتب على تكفيره فسخ عقد زواج وانقطاع حبل مودة وميراث ولك أن تتخيل ما يترتب على استمرار إفضاء كل واحدٍ منهما إلى الآخر في حال عدم بيان كفر أحدهما للآخر، وهذا المعيَّن قد يكون صاحب قلم أو فكرٍ أو قبول بين الناس فإذا تبين كفره اتقى الناس شره ولم يفتتنوا بفكره وانحرافه، وهكذا الأمثلة عديدة .
وأنت ترى أن احتراز الناس من شرور هؤلاء المعينين لا يفتقر إلى تنفيذ الإمام المسلم حد الردة عليهم، فلم يكن عبثاً إذاً بيان كفر هؤلاء للناس بل هو من واجبات أهل العلم الراسخين فيه لا سيما مع تخاذل أهل السلطان عن إقامة حد الردة عليهم، بل إن تخاذل أهل السلطان عن إقامة الحد على هؤلاء أدعى لأن يقوم العلماء بسد هذا الخلل والفراغ وقايةً لدين الناس وحفظاً لدين المجتمع، فتأمل.
نحن اليوم في معركة التوحيد وكأن الزمان قد استدار بنا حتى عادت لا إله إلا الله بمعناها الحقيقي غريبة عن الواقع غريبة عن الناس بل أقول بحرقة قلب إنها غريبة حتى على أولئك الذين ينتسبون إليها، ونحن اليوم في خضم هذه المعركة لا يخفى علينا ظاهرها القبيح من قتل وتشريد وهتك وترويع .
ولكن قد يخفى على الكثيرين من أبناء هذه الأمة العظيمة باطنها المتقيح الذي يكاد ينفجر في أية لحظة ليكشف عن حقيقته النتنة وعندها لات حين ندم؛ فهذا النتن الذي يتفجر من صدورهم غايته أيها الإخوة إعلاء الكفر على الإيمان وإعلاء كلمة الكفر – خسئوا – على كلمة الله سبحانه وتعالى خابوا وخسروا، ولذا فإن أعظم انتصار لجحافل الكفر هذه لا يتمثل في تدمير بلدة أو إسقاط نظام أو احتلال أرض .
كلا ، بل إن أعظم انتصار يحققه هؤلاء هو عندما يطوي العالم كتابه ويجف مداده ويسكت عن الصدع بالحق لسانه فلا يعود يتكلم بأسماء الدين ويهجر لسانه لغة القرآن وتهجر جوارجه هدي نبي الرحمة فإذا به يستلف من مصطلحات العولمة والفلسفة وأئمة الكلام ويتشدق لسانه بألف لغة خلا لغة الوحي ويسلك في دعوته كل طريق اللهم إلا طريقاً يثير النعرة الطائفية - كما يوهمون - أو يزعج أشقاءنا ( كما يسميهم البعض) من أتباع الديانات الأخرى، وها هم أتباع هؤلاء من عوام المسلمين وقد سمعناهم بآذاننا يتوقفون حتى عن تكفير اليهود والنصارى وقد تعلموا من "علمائهم" كيف يلوون ألسنتهم بالكتاب والوحي فيقول لك أحدهم : إنهم ليسوا كفاراً بل هم أهل كتاب، إنهم ليسوا كفاراً بل هم مؤمنون من وجه ! بل ربما سمعنا هذا أو نحواً منه من بعض المنتسبين إلى العلم والفتيا والله المستعان..
فيأيها العالم يا من أخذت حظك من ميراث النبوة، لقد كاد كل مسلم من هذه الأمة يحفظ مفردات موانع تكفير المعين من إكراه وجهل وتأويل لكثرة ما ترددت دفاعاً عن هؤلاء المتلبسين بالكفر، فهلا أعلنت أيها العالم النفير على كل من تلبس بمناط كفر؛ فإن تبين لك إكراهه استنهضت همم المسلمين لنصرته، وإن تبين لك جهله أقمت عليه حجة البلاغ بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن ظهر لك أنه متأول حاججته ودرأت شبهاته حتى يتبين لك إن كان باحثاً عن الحق فتعود به إلى حظيرة الإسلام أم مخاصماً مكابراً عدو نفسه فتحكم عليه وتبين للناس حكمه...
أعود فأقول إن قول الله عز وجل :" هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير"(التغابن- 2) آية محكمة، وكل آية في معناها آية محكمة، وهل كانت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا نذيراً لمن تحمَّل اسم الكفر وبشيراً لمن تحمَّل اسم الإيمان، قال تعالى:" إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم"(البقرة – 119)، وإن جحافل الكفر وأذنابهم من مرضى القلوب المسارعين في طاعتهم واسترضائهم يريدون أن يوهموا المسلمين بأن لا فرق؛ لا فرق بين مؤمن وكافر، لا فرق بين مسلم ونصراني ، ولا بين مسلم ويهودي، ولا فرق بين مؤمن من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وبين عارف بالإله أياً كان هذا الإله .
ثم لتكن صورة هذا الإله تمثالاً لبوذا كما تباكى العالم الملحد أو صليباً وثالوثاً كما كذَّب مدعو انتسابهم إلى المسيح أو إلهٌ فقير مغلول اليد كما زعمت أحفاد المسوخ، ولا مانع في عالمنا المتحضر اليوم أن يكون "الله" عز وجل واحداً من هذه الاحتمالات المقبولة طالما لم يفرض هذا الإله سلطانه ولم يدعُ أتباعه إلى شن الغارة على كل عبدٍ آبق.
ولكن ما هذه النباحات أمام كلمة الحق، وكم تصمد هذه الأوهام والفتن الإبليسية أمام كلمات الله، قال تعالى:"فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنةً للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد. وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادِ الذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيم"(الحج 52-54).
ولهذا فإننا نقولها بملئ أفواهنا : النصراني كافر واليهودي كافر والبوذي كافر والملحد كافر مجموعهم وأعيانهم، ومن تلبس بالكفر ممن ينتسب للإسلام فمناط كفره ظاهر وأما حكمه المعيَّن فإنه قادم لا محالة مهما تكتم أناس ومهما كُممت أفواه وعُطلت محاكم عن القضاء بشرعه تعالى، ألم تعلم أنه ليس في عرصات يوم القيامة موانع من تكفير المعيَّن، قال تعالى:" ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتةً أو يأتيهم عذاب يوم عقيم"(الحج – 55) .
فيا من تحصنت وراء موانع التكفير مهلاً، ويا من انتسبتم إلى ركب العلماء قبل أن يُشب عن الطوق مهلاً، ويا من كتمتم العلم مهلاً، فقد أوشك العلماء الربانيون أن يعلنوا النفير، وأوشك الله تعالى أن يذيق بهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، وما النصر إلا صبر ساعة، وإن موعدكم الصبح أليس الصبح بقريب ...الكاتب: د. وسيم فتح الله التاريخ: 01/01/2007