هوية أم حياة؟ |
|
من المسلمين من يريدون من الإسلام أن يكون هوية لهم ويفرحون به، ينتمون إليه انتماء تراثياً، يفخرون بحضارته، يتباهون به أمام الأمم الأخرى، لا يستنكفون من التحدث عن جماله وروعته، ولكن على ألا يكون -أي الإسلام- عائقاً أمام كل طرح يخالفه، ولا مانعاً من التقدم مع الأمم الأخرى، وأخذ كل ما يناسب منها وإن خالف الإسلام أو كان بدوره عائقاً أمام وجوده في الحياة.
وهؤلاء في أحسن أحوالهم فقدوا الثقة بقدرة الإسلام على بث روحه في الحياة من جديد، أولم يوجد عندهم التصور الكافي لجعل هذا الدين حياة حقيقية كما أراده الله تعالى، ولذلك وجدتهم يتخلون عن إسلامهم كحياة حقيقية في الوقت الذي أصبحت الأمة فيما تمر به من أحداث في أمس الحاجة لهم ليطرحوا لها هذا الدين العظيم الذي وجدت عقيدته الصحيحة في كل نفس، وخاطبت أحكامه الشرعية الحياتية كل عقل.
إن الإسلام ليس هوية يحدد انتماءك ولا يحكم حياتك؛ يعطيك هوية (مسلم) تحملها ثم يتركك تتخبط في تنظيم حياتك بمناهج أخرى لتسيء إلى هويته التي أعطاك إياها، ومهما حاولنا أن نهرب من هذه الحقيقة فلن نستطيع، لأن طبيعة الإسلام تأبى ذلك وترفضه، وعلى سبيل المثال كتاب الله تعالى، هذا القرآن العظيم فإننا مهما حاولنا أن نزينه في عيون الآخرين فنقول -كما هو دارج مع بعض التحفظ- تعالوا إليه إنه كتاب عقلاني روحاني وعلمي وفلكي وفيه كل شيء، فإننا لن نستطيع أن ننزع عنه حقيقته الربانية وهو أنه كتاب تشريع فيه أحكام الدولة والمجتمع، معاملات، وحدود، وعبادات، ومواريث، وغير ذلك من الأحكام التي تناولت جميع مناحي الحياة، ولذلك فإننا نصطدم بالآخرين أخيراً عندما يطالبوننا بأن نلغي منه أحكام الجهاد والحدود وغيرها مما لا يتفق مع حياتهم، فنضطر للاستجابة لهم في بعض الأحيان، أو نقوم بتحريف معاني الآيات في أحيان أخرى كي لا نخسرهم.
إن الإسلام يطلب منا ونحن في أسوأ حالاتنا ألا نتخلى عنه، وأن نعتبره هو حياتنا في دنيانا وهو ملاذنا في آخرتنا، وهو المنقذ لنا ولكل البشر من كل صنوف الانحطاط والتخلف، فكيف والأمة اليوم تتطلع للتغيير وقد أدركت قدرتها على التحرر من كل أصناف العبودية؟ هل هذا أوان الاستنكاف والاستحياء؟ أم هو أوان الطرح الجاد الذي يحتمه علينا ديننا.
قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) .
أسامة الثويني