أتسمحُ لي بالغضب يا وليَّ أمر المسلمين؟

 

أتسمحُ لي بالغضب يا وليَّ أمر المسلمين؟

في التاريخ دروسٌ وسِيَر، يتعلم الجاهل منها العِبَر، منها قصة السحرة مع فرعون الحاكم، فقد خرجوا على ولي الأمر مع أن طاعته أمرٌ لازم، فلنتأمل قصتهم ففيها عبرة لأولي الألباب، فولي الأمر أمرٌ مقدَّس ولو كان مسيلمة الكذاب، فاسمع وأطع لولي الأمر مهما كان، بوذياً نصرانياً أو عبداً للشيطان، وإلا فمصير سحرة فرعون درسٌ أليم، لمن سولت له نفسه الخروج عن الصراط المستقيم...
خدم السحرة فرعون حيناً من الدهر، واسترهبوا الناس واستعبدوهم بالخداع والسحر، وحازوا بذلك المكانة السامية وكانوا من المقربين، طالما أثبتوا ولاءهم لفرعون وقدَّموا القرابين،حتى إذا جاء كليم الله بالمعجزات، بطل السحر وآمن السحرة بالآيات البينات، ولكنهم نسوا أمراً خطيراً عاد عليهم بالويلات، فإنهم قبل إيمانهم بالله رب العباد، لم يستأذنوا ولي الأمر فرعون ذا الأوتاد، فصلَّبهم في جذوع النخل وأذاقهم العذاب الأليم، وذلك عقاب من سولت له نفسه الخروج على الحاكم فإنه خروجٌ عن الصراط المستقيم...
واليوم قد تعلمت أمة المسلمين دروس الأمم الماضية، وأصبحت طاعة الحكام العمياء سنةٌ ماضية، لا يضرنا كون الحاكم علمانياً أو من أهل الصلبان، ولا كونه باطنياً أو عبداً للأمريكان، فمناط الحكم في طاعة ولي الأمر صفة الحكم بشرط الإطلاق، لا يضر مع ذلك كفرٌ ولا زندقةٌ ولا نفاق، هكذا أجمع العلماء على تنقيح المناط، أعني بالطبع إجماع علماء البلاط، والخروج على الحاكم لعمري أمرٌ جسيم، يستحق صاحبه النكال والعذاب الأليم، فالخروج على الحاكم خروجٌ عن الدين، بل إنه خروجٌ عن الصراط المستقيم...
ولكني أستشكل أمراً أيها العلماء، لقد سب الكفار نبينا وأظهروا له العداء، فهل يجوز لي أن أغضب وأعلن منهم البراء؟ أم لا بد من إذن الحاكم ومن ينوب عنه من الأمراء؟ وماذا عن امتهان المصحف كلام رب العالمين، ما هي حدود الغضب المسموحة دون الرجوع إلى ولي أمر المسلمين؟ وهل يجوز في هذه الأحوال إعمال قياس الأَولى؟ وإذا أعلن الحاكم الحرب على من سبَّه، فهل نعلن الحرب على شاتم الرسول من باب أَولى؟ دلونا بالله على طريق الوسطية والاعتدال، فلقد شابت رؤوسنا مما نرى من الأهوال، دلونا حتى لا نذوق العذاب الأليم، وحتى لا نخرج على الحاكم، أعني حتى لا نخرج عن الصراط المستقيم...
أيها المسلمون: قد جاءت الفتوى من علماء البلاط لا يخافون فيها لومة لائم، وقد راعوا فيها المصالح والمفاسد ورفع الخلاف بحكم الحاكم، وخلاصة الفتوى أن المصلحة العليا تقتضي التسامح والاعتدال وترك الشقاق، حتى لا يتهم الإسلام بالرجعية وسوء المعاملة والإنغلاق، ولا تجرحوا شعور الآخرين بوصف الكفر، وتسامحوا معهم إذا شتموا المسلمين ورموا أمَّهم بالعهر، وأما شتم الرسول فهم لا يقصدون بذلك الإساءة والكراهيّة، بل هي غفلة منهم لا تفسد للود قضيّة، وامتهان المصحف يريد به البعض إفساد العلاقات الدولية، فلا تسمحوا بذلك واحفظوا العلاقات الودية، هذا ما تفتق عنه علماء بلاط الحاكم، فاسمعوا وأطيعوا فحكمه حكمٌ لازم، ومن خالف تعرض للعقاب الأليم، كيف لا وقد خرج عن الصراط المستقيم...
تأمل المسلمون الفتوى وأخذتهم الحيرة، لا سيما حين رأوا توقيعات علماء الجزيرة، أي فتوى هذه وأي فقهٍ عقيم، أيشتم ربنا ونبينا ويمتهن القرآن العظيم، ويبقى أحدنا هادئاً ساكناً كالخرس من الشياطين؟ تريدون ألا نقوم بتصرفات طائشة، كيف وقد قذفوا أمَّنا عائشة؟ أم تريدون أن نبتسم لمن امتهن القرآن المبين، أفٍ لكم إذاً ولِحُكّامكم المجانين، وهل نحتاج إذناً للغضب إذا شتموا الرسول، تباً لكم مِن علماء سوءٍ قد باتت شمسكم في أفول، أما علمتم أن لقصة سحرة فرعون تتمة، حين أعلنوا الكفر بفرعون وأصبحوا للحق أئمة، لم ينتظروا من فرعون إذناً ليؤمنوا بالواحد القهار، ولم يأبهوا لعذاب فرعون لم يعبأوا بكل الكفار، آثروا ما عند الله من النعيم والجنة الباقية، ولم يؤثروا عليه حاكماً كافراً لم يؤثروا الدنيا الفانية، هذه حقيقة القصة وهذه هي العبرة لأولي الألباب، فاكفروا بالآلهة الباطلة واسجدوا لرب الأرباب...
اغضب أيها المسلم دون إذنٍ من أحد، قد شتموا أمك ونبيك وكفروا بالواحد الأحد، اغضب فإن الغضب بالحق للإيمان عنوان، اغضب أيها المسلم فلا ينجو اليوم منك شيطان، اغضب وامش بين يدي نبيك بسيفٍ مسلول، اغضب وامش بين يدي نبيك وأنت تقول: خلُّوا بني الكفار عن سبيله، اليوم نضربكم على تأويله، ضرباً يزيل الهام عن مقيله، ويُذهل الخليل عن خليله...

وكتب/ وسيم فتح الله


الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 30/09/2010