قانون محاسبة أمريكا .. |
|
قانون محاسبة أمريكا
إن مشيئة الله الكونية التي أنظرت إبليس حيث قال تعالى :" قال إنك لمن المُنظَرين"(الأعراف 15)، ومشيئة الله الكونية التي أمهلته في الغواية والصد عن سبيل الله حيث سجل الله تعالى عليه حكايته: "قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم "(الأعراف 16)، لا تُشكل ولا تعكر البتة على صفو ووضوح أمر الله الشرعي القاضي بتعقب هذا المجرم وأذنابه من صغار المجرمين ، حيث قال تعالى:" قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لَمن تبِعك منهم لأملأنَّ جهنم منكم أجمعين"(الأعراف 18)، وتنبيهاً أقول قبل الاستطراد إن إذن الله الكوني لا يلزم منه الرضا الشرعي كما لا يلزم من الرضا الشرعي تحقق الأمر الكوني،
ولكن الأمر الشرعي وإن تأخر تحققه كوناً فإنه يصلح أبداً لتسليطه سيفاً على رقاب المجرمين، نتوعدهم بما توعدهم الله تعالى به ونتهددهم بما تهددهم الله تعالى به، لأننا نوقن أن أمر الله الشرعي وإن تأخر نفاذه فإنه حاصل لا محالة لا يضرنا أن يحصل في حياتنا فنشهده فنشكر ،ولا يعكر صفو عدالته أن يؤخره الله تعالى إلى يوم تشخص فيه الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر لحكمةٍ يريدها سبحانه وتعالى فنصبر.
فإذا عُلم هذا فقد تمحض لكل ذي عقل أن الصليبية الأمريكية قد نفخت أوداجها وجحظت أعينها حنقاً على الإسلام وأهله، وها هي تبطش بما ابتلاها الله تعالى به من قوة بكل ما تستطيع البطش به مما له نسبة للإسلام، لسان حالها وحال كبرائها :" فقال أنا ربكم الأعلى"(النازعات 24) ويوشك أن يحيق بهم قوله سبحانه :" فأخذه الله نكال الآخرة والأولى"(النازعات 25)، ولكن مَن المغيث من أمر الله يومئذٍ ومَن المـُنجد، قال تعالى في أمثال هؤلاء المجرمين :" يا قومِ لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا"(غافر 29) ولا يزالون اليوم سادرين في وعود توراتهم المحرفة وتلمودهم الحقود وإنجيلهم المضيع وفراعنتهم المستكبرين :" قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"(غافر 29).
لقد تفجر قيح الصليبية النتن وأخذ يلوث خارطة الإسلام المترامية الأطراف في أصقاع الأرض، ولا أريد أن أعدد بلداناً حتى لا تتقادم المقالة بانتهائي من كتابتها، ولكني أنبه على أن هذا الثور الهائج قد أخذته العزة الإبليسية بالإثم حتى بات ينفر عنه شركاؤه في جريمة المبدأ والعقيدة الفاسدة من كبراء الصليبية في كل مكان ناهيك عن ضحاياه من معتنقي الحنيفية السمحة، فأما منظِّروا هذه الحملة فقدوتهم وأسوتهم كما قال تعالى :" وإذ زيَّن لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارٌ لكم"(الأنفال 48) فها هم يتبجحون في مقالاتهم يقولون : "إن انتصارنا أمر حتمي وإنما هي مسألة وقت" ولقد صدقوا وهم كاذبون ؛ فالمسألة مسألة وقت يمهلهم إياه الله تعالى ثم يأتي الله بأمره حيث لا رادَّ لأمره.
وأما جنود هذه الحملة فأضل من حمار أبيهم ؛ فالعساكر منهم يسيرون سير الدواب لا يعلمون لِمَ يقاتلون ولا يعلمون بِمَ يقاتلون ولو علموا مَن يقاتلون لما قاتلوا برهةً واحدة، والمدنيون منهم كما يحلو للبعض أن يسترسل في تسميتهم فإما ناعقون راضون بجرائم إخوانهم وإما شياطين خرس إلا القليل النادر الذي لا حكم له ونَكِل أفراده إلى ربه وخالقه، فإذا بهذه الدويلة الفاجرة والفويسقة الخبيثة قد استأسدت على أرض الإسلام، تظن أن الأمر يسير وفق قوانين الكون التي عرفت ظاهرها ، وفاتها أن من وراء نواميس الكون ربٌ يغضب ويسخط قال تعالى:" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها"(محمد 10).
نعم، لقد استأسدت هذه الفويسقة واستنسر البُغاث بأرض لا إله إلا الله، فلم تكتف بوحشية جرائمها التي نالت من دماء وأعراض وأموال المسلمين، بل أخذت تسن قوانين بزعمها لمحاسبة هذه الدولة ومقاضاة تلك الدولة وملاحقة هذه ومعاقبة هذه، قال تعالى :" كلا إن الإنسان لَيطغى. أن رآه استغنى"(العلق 6-7)، ولقد استغنت هذه الدويلة فيما توهمت بقوتها عمن سواها بل أخذت تتبجح بالحديث باسم قوى الخير وقوى العدالة وموازين السماء ولو علم كبراؤها ميزانهم عند أهل السماء لما غمض لهم جفن، ولكنه مكر الله بالغافلين والله خير الماكرين. ولما وصل الأمر إلى هذا واستعرت نار الفتنة حتى أخذت أتونها بالبعض عن دينهم وصرفتهم عن عقيدتهم يهرولون ويسارعون يتمتمون ويتبركون على عتبات الصليبية الهوجاء مصدقين بحالهم مقالة الله تعالى فيهم :"
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين"(المائدة 52) فقد وجب تنبيه هؤلاء من جهة، وتثبيت المرابطين على ثغور التوحيد والولاء والبراء من جهة أخرى، ووجب الاعتصام بحبل الله المتين وكلامه المبين حيث قال تعالى:" كذلك لنثبِّت به فؤادك ورتِّلناه ترتيلاً"(الفرقان 32)، فهذه إخواني في الله جملةٌ من القوانين التي سنَّها الله تعالى في كتابه الحكيم للتعامل مع أمثال هذه الدولة المارقة أمة الصليبية الهالكة ولملاحقتها ومحاكمتها ومعاقبتها بما تستحق، فلنتأمل:
القانون الأول : الدول تزول وتهلك بالظلم:
قال الله تعالى:" وكذلك أخذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنَّ أخذه أليمٌ شديدٌ"(هود102)، وحتى تعلم هذه الشدة فلتتأمل في حالها بعد العمران والازدهار ، قال تعالى:" فكأيِّن من قريةٍ أهلكناها وهي ظالمة فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ معطَّلة وقصرٍ مشيد"(الحج 45)، تأملوا أيها المذهولون بعظمة أمريكا اللاهثون وراء دولاراتها الراكعون عند عتبات جيوشها الغارقون قي شهواتها وملذاتها تخيَّلوا هذه التي بهرتكم وسحرتكم وهي خاويةٌ أرضها مهجورةٌ عمائرها معطلةٌ خيراتها، ترى من سيعطف عليكم بحفنة الدولارات التي اشتروكم بها في الأمس وفي حضن أي غانية ستلهو يا من باع دينه لشهوته بالأمس ومن ذا الذي ينجيك من بأس الله يا من استغثت بأمريكا أمس، مَن...
القانون الثاني: ما أخذ بالقوة يُسلب بالقوة :
نعم، لقد استرسلت الصليبية الحقود في استنزاف ثروات الأمم لا سيما أمة الإسلام، جتى إنه ليصح أن نقول أن حضارة الصليبية الأمريكية قائمة على السرقة والنهب وها هي اليوم تنشر في ربوع أرض الإسلام عشرات الآلالف من جنود الصليب في قواعد عسكرية ومنشآت اقتصادية وعِمالات سياسية وقد سال لعابها على أرض الإسلام وخيراته وقرقرت معدتها استعداداً للانقضاض على كل مقدَّراته وثرواته تحسب أن الأمر تحصيل حاصل، ولكن هناك قانون محاسبة قد غفلت عنه أمريكا يقول تعالى:" حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس كذلك نفصِّل الآيات لقومٍ يتفكرون"(يونس 24)، فلا تحسبي أمريكا أن حاملات البترول ستمضي نحو شواطئك إلى الأبد ولا تحسبي عوائد الأموال تودع في مصارفك إلى الأبد ولا تحسبي عملاء السوء يبيعونك أهلهم وأرضهم ودينهم إلى الأبد، بل إن ذلك حبلٌ مقطوع متى أذن الله تعالى وأمر، وكل آتٍ قريب...
القانون الثالث: الفسق والترف من موارد هلاك الأمم:
قد يصعب الحديث عن معالم الفسق ومظاهر الترف والكلام موجَّهٌ إلى أستاذة العالم المعاصر في الفسق والمجون والكبر والترف، وإذا كانت مدينة لاس فيجاس هي قبلة الأمريكيين للمجون والخنا، فإن قبلة العالم في ذلك هي أمريكا بأسرها؛ ولهذه الجريمة قانونها عند الله تعالى مهما طال أمد المتعة ومهما طال ليل السادرين، قال تعالى:" وإذا أردنا أن نُهلك قريةً أمرنا مترَفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً"(الإسراء 16)، وأي فسق أعظم من تقنين الفسق وسن الدساتير لحمايته ونشره ومكافأة مرتكبيه وملاحقة منكريه، وكم من لجوء سياسي منحته أمريكا للوطي وسحاقية، وكم من اغتيال مدبَّر وقيد واعتقال لمنكري المنكر، نعم لقد حق عليهم القول فإن سبق في علمك يا رب أنهم لا يهتدون فأنجز فيهم يا مولاي قولك :" فدمرناها تدميراً"...
القانون الرابع: الخوف والجوع عقوبة كفران النعم
وكم من نعمة ابتلى الله بها أمريكا فبطرت وتكبرت ولم تعرف لله مِنَّة ولم تشكر لله نعمة، وإنما كفران النعم بجحد واهبها وقولهم إنما أوتيته على علم ، وجحد حق عباد الله فيها حتى إن من أبناء جنسها من يتسول الطرقات مشرداً بلا مأوى ومنهم من يلتقط الفتات من المزابل والقمامة ومن هم من تغتصب في اليوم والليلة فلا يُستر لها عِرض إلا بقتلها وهذه نماذج كفران النعم في الداخل، أما في الخارج فانظر كيف يعيثون في الأرض فساداً، ولو أن هذه الدولة نظرت إلى ما في أرضها من خيرات فآمنت وشكرت لبارك الله لها كما وعد سبحانه وتعالى:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا مِن فوقهم ومِن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون"(المائدة 66)،
وغني عن القول أن إقامتهم للتوراة والإنجيل تعني بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الدخول في الإسلام والإيمان بمحمد صلوات الله وسلامه عليه، ولكنهم أبوا وحاربوا وكفروا نعمة الله فحق لمحامي الدفاع عن أمة الإسلام أن يستندوا إلى المادة القرآنية والسنة الشرعية القاضية بعقوبتهم والتي تنص على ما يلي:" وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"(النحل 112)، قلت: فأما لباس الخوف فقد ألبسهم الله تعالى إياه، وأما لباس الجوع :" فلا تحسبنَّ الله مخلفَ وعدِه رسلَه إن الله عزيز ذو انتقام"(إبراهيم 47).
ألا فلتعلم أمريكا أنها محاسَبة بمقتضى هذا القانون كما حوسبت أممٌ قبلها، فليكن فيما مضى منهم عبرة كما قال تعالى:"وكم أهلكنا من قريةٍ بطِرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين"(القصص 58)
القانون الخامس: لا قوي مع الله :
نعم أيتها المتكبرة ببعض ما أوتيت من قوة، إنك لن تبلغي ضَر الله تعالى فتضريه عز وجل ولن تبلغي نفعه سبحانه وتعالى فتنفعيه، ولئن كان ركنك الشديد الذي تلجأين إليه وترهبين العالم به قوة عسكرية قوامها الحديد والآلة وعقول باهتةٌ سادرةٌ غافلةٌ خُشبٌ مسنَّدةٌ جسومها موحشةٌ أرواحها، فاعلمي أن قوتك هذه لن تغني عنك من الله إلا كما أغنت قوى الأمم الهالكة عنها من قبل، فلقد سنَّ الله تعالى قانوناً صدقته حكاية التاريخ وصدقته قبل ذلك قلوب الذين يؤمنون بالغيب فتُخبت قلوبهم لذكر الله ، قال تعالى:" وكأيِّن من قريةٍ هي أشد قوةً من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم"(محمد13)، والسر في المسألة كما قال سبحانه وتعالى:" ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم"(محمد 11)
وبعد فهذه بعض القوانين التي ستحاسَب بها أمريكا ولئن أصرت أمريكا على صليبيتها الضالة واستمرت في حلفها مع اليهودية الغضبية فليس عليها أن تخشى على نفسها عدواً أشد منها، فهي عدوة نفسها، قال الشاعر :
ما يبلغ الناس من جاهلٍ *** ما يبلغ الجاهل من نفسه
وأما نحن معاشر الموحدين فعلى الثغر مرابطون وعلى البلاء صابرون، ولتسنَّ أمريكا من قوانين محاسبة البلدان ما شاءت، فإن القانون من غير قوةٍ نافذة ليس بشيء، ولئن كان الاحتكام إلى القوة فإننا نردد بيقينٍ وإيمانٍ وحلاوةٍ واحتساب : الله مولانا ولا مولى لكم، وإن أمةً يقرأ أفرادها في مبيتهم :" أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"(البقرة 286) لحريّةٌ بأن يُخشى منها وأن ترتعد أقزام الكفر منها وتستنفر قوى الشر والكفر والطاغوت لمواجهتها..
وبعد، فلا يحسبنَّ أحدٌ من أهل الإرجاف والتخذيل أننا بهذا الخطاب نسلي نفوساً قد سئمت من طول الانتظار كلا، بل إننا بكلام الخالق سبحانه وتعالى نزكي نفوساً ونداوي جراحاً ونرسم طريقاً ونؤجج قلوباً أنارت عقيدة التوحيد ظلامَها فازدادت بهذا القرآن حباً ووجلاً واطمئناناً إلى وعد الله، أما تلكم القلوب الواهنة المريضة فلتبقى في نعيقها ولتنغمس في رجسها ولتَمُت مكمودة من الغيظ ، قال تعالى:"وإذا ما أُنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيُّكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون"(التوبة124-125)، وأما أنت أمريكا فحسبي فيك قوله تعالى:" إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب"(هود 81)
د.وسيم فتح الله
الكاتب: د. وسيم فتح الـلــــــه
التاريخ: 01/01/2007