ذوبان العرب

 

لقد فضحت الحملة على كابول والحملة على بغداد العرب أيما فضيحة وحولت العرب قاطبة حكومات وشعوبا إلى أطراف هامشية لا قيمة استراتيجية لها ولا وزن ضمن التدافع الاستراتيجي الذي يشهده العالم اليوم. وفي يقيني أن هذا العجز المقيم والترهل وفقدان المبادرة الذي تعانيه العرب سوف يشجع ويشحذ التحالف الأنجلو - أمريكي على المضي في مشروع الهيمنة واللحاق



سقوط بغداد عسكرياً أمام الغزو الإنجلو - أمريكي ليس إلا عينة لحال الأمة العربية. لقد خالطت نفسي فكرة أرعبتني: ما الذي يمنع التحالف الانجلو - أمريكي من تكرار التجربة البغدادية في أقطار عربية أخرى؟ كل ما هو مطلوب هو (الإخراج السياسي) ويبدو أن التحالف الانجلو - أمريكي ( بعد كابول وبغداد) صار يتسلح بخزين من الخبرة العسكرية الميدانية في الشرق الاوسط تشجعه على المضي في مشروع الهيمنة والإلحاق الذي يتابعه في المنطقة بكل نشاط وحيوية .

الملاءة الإعلامية التي بحوزة التحالف الانجلو - أمريكي كفيلة بتغطية وترويج وتسويق أي مشروع تدخل عسكري جديد في المنطقة سواء ضد إيران أو سوريا أو لبنان ويبدو ان كل افكار ومشاريع التدخل العسكري الانجلو - أمريكي مربوطة برباط وثيق بما يسمونه (الأمن الإسرائيلي) حتى ما يسمونه (بخريطة الطريق) التي ألغت تماماً حق العودة وحق مقاومة الإحتلال حتى هذه سنلاحظ أن التحالف الانجلو - أمريكي يقف وراءها بكل قوة ويتهم كل طرف عربي أو فلسطيني يعارضها بأنه (إرهابي) أو (يؤوي الإرهاب). وهكذا سنلاحظ أن حرب التحالف الأنجلو - أمريكي على (الإرهاب!!) تحولت إلى حرب فعلية على(حق تقرير المصير) و(حق مقاومة الإحتلال) و(حق الوطن) وحق الحياة الحرة الكريمة وكلها حقوق أقرتها الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وأهم من ذلك أقرتها مرجعيتنا التشريعية المتمثلة بالقرآن الكريم وهي أعلى مرجعية عندنا.

 تحول العرب خلال الحملة الانجلو - أمريكية على كابول وبغداد إلى جمهور من المتفرجة برغم الضجيج في صحفهم وفضائياتهم. وتمكن التحالف الانجلو - أمريكي من تسويق وترويج الفكرة التالية : إن الحملة على كابول هدفها إسقاط حكم طالبان وكفى، وأن الحملة على بغداد هدفها إسقاط صدام حسين وتحرير الشعب العراقي من نيره وظلمه وكفى. ونسي العرب أو تناسوا أن يضعوا الحملة على كابول والحملة على بغداد في سياقها الاستراتيجي الصحيح بحيث يتم شرح (الاستهدافات بعيدة المدى للحملتين) وهي استهدافات كانت موضوعة اصلاً بغض النظر عن وجود طالبان في كابول وصدام حسين في بغداد، على الرغم أن الأداء العام لكل من طالبان وصدام حسين أوحى إعلاميا بأنه ربما كان مبررا كافيا للحملتين، ومن يراجع كلام العرب خلال الحملتين الرسمي والشعبي لا يحتاج لكثير ذكاء للخلوص الى ان العرب كانت تعتقد بأن طالبان وصدام حسين كانا يشكلان فعلا محور الاستهداف الانجلو - أمريكي وهو قطعاً غير ذلك.

لقد فضحت الحملة على كابول والحملة على بغداد العرب أيما فضيحة وحولت العرب قاطبة حكومات وشعوبا إلى أطراف هامشية لا قيمة استراتيجية لها ولا وزن ضمن التدافع الاستراتيجي الذي يشهده العالم اليوم. وفي يقيني أن هذا العجز المقيم والترهل وفقدان المبادرة الذي تعانيه العرب سوف يشجع ويشحذ التحالف الأنجلو - أمريكي على المضي في مشروع الهيمنة واللحاق الاستراتيجي الذي يتابعه في المنطقة بكل نشاط وحيوية. صحيح أن التحالف الأنجلو - أمريكي سيواجه (مشاكل) ميدانية تتمثل ببعض جيوب المقاومة المتمثلة ببعضِ من التيارات الاسلامية في المنطقة، إلا أن السيناريو العام للعرب جاهز لعملية اغتصاب تاريخية لم تشهد المنطقة مثله منذ قرون. هل للعرب قيامه بعد كل هذا؟ هل ثمة أمل؟ ما العمل؟!


الكاتب: الدكتور عبد الله النفيسي
التاريخ: 01/01/2007