يا من بيده أمر الابتعاث.. |
|
يا من بيده أمر الابتعاث..
"حفظ الدين لا يعدله شيء"
لقد دأبت بعض دول العالم في كل عام على طرح العروض السياحية في بلادهم من إقامة وسكن وترفيه وتعليم وغير ذلك . وعلى الرغم أن هذه العروض قد لا تتجاوز ثلاثة أشهر إلا أن هذه الدول تعقد عليها الآمال في نمو اقتصادها ومن ثم زيادة انتاجيتها ، فلا نستغرب بعد ذلك إذا ما علمنا أن دولة من هذه الدول تعتبر إيرادات السياحة مصدر قوتها ونمائها ، ولذلك شُكلت اللجان السياحية بل الوزارات التي تعني بالسياحة .
ووفق إحصائية في المملكة وجد أن ما يقرب من ثلاثة ملايين سعودي ينفقون 30 مليار دولار سنوياً في قضاء إجازاتهم الصيفية خارج السعودية، وهو مبلغ ضخم جدا يمثل نسبة 15% من أرباح صادرات النفط.
والأمر قد يهون نوعاً ما لو كانت هذه الأموال مُنفقة في دول إسلامية ينتفع بها المسلمون هناك . إما إن كان جلّ هذه المبالغ تُنففق وبطواعية ساذجة في بلاد الكفر عامة والمعتدية منها خاصة كأمريكا وبريطانيا ومن ثم الاستعانة بهذه الأموال في دعم اقتصادها وتقوية نفوذها على بلاد الإسلام فهذا مما لا يرضاه مسلم عاقل تجري في دماءه أخوّة الإيمان . ومن التناقض الغريب أن نجد من يدعو على أمريكا ويلعنها ثم يرسل ابنه إليهم على طبق من ذهب بحجة الدراسة ، ليس لأشهر قلائل وإنما لسنوات ، مع العلم أن معضم التخصصات الموجودة في أمريكا متوفرة في البلاد الإسلامية إلا أنه يُعرض عنها ويأنف منها ، أبى إلا أن يساهم في نمو خزينتها ودعم اقتصادها وحربها ضد الإسلام وأهله ، فإن كانت المسؤولية تقع على عاتق الجهات المعنية بالابتعاث إلا أن هذا لا يعفيك أيها الأب ويا أيها المبتعث من تحمل المسؤولية الكبرى وتبعات ما يحدث لإخواننا في كل مكان (( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ )) قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته ، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته ، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته ، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته )( حسنه الألباني في صحيح الجامع) .
وقد يقول قائل :أليس في بلاد الكفر تخصصات لاتوجد في بلاد المسلمين ونحتاجها؟ ، والجواب بلى ، ولكن المُشاهَد والواقع يثبت أن نسبة من هؤلاء الشباب إن لم يكن معظمهم قد ابتعثوا في تخصصات هي في الحقيقة موجودة في بلدهم أو في بلد إسلامي آخر . وهب أنها غير متوفرة ; فإنّ إعداد مجموعة صغيرة من الشباب الثقات المحصّن دينا وخلقاً ثم ابتعاثهم واحتواءهم في بلاد الغُرب ليس بتلك الصعوبة التي قد يتصورها البعض ، بل إنّ في هذا حفظ لشباب الأمة والذين هم عمادها وحفظ للمال الذي هو عصب الحياة ، وذلك لأنّ عودة هؤلاء الصفوة إلى بلادهم وقد تسلحوا بالعلم المنشود وبالتالي تفريغهم لتدريس ما تعلموه لهؤلاء الشباب مكسب كبير وخير عظيم لنا ولهم في ديننا ودنيانا ، وهذا والله أسلم وأفضل من زجِّهم في مجتمعات متحللة من القيم والأخلاق . ومما جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه :..فلا يجوز السفر إلى الدول الكافرة للدراسة بها ، إلا فيما لا يتيسر لك دراسته على المسلمين في البلاد الإسلامية من العلوم الدنيوية ، كالطب والهندسة ونحوهما ،
ولم يتيسر استقدام من يُضطر إليه من المتخصصين الأمناء في العلوم الكونية إلى الدولة الإسلامية للقيام بتدريسها للطلاب المسلمين ، وكانت أمتك مضطرة إلى هذا العلوم ، لتكتفي بأبنائها بعد التخرج في القيام بما تحتاج إليه عن استقدام كفار يقومون به ، وكنت في نفسك مُحصّناً في دينك بالثقافة الإسلامية ، ولا يخشى عليك من الفتن أيام دراستك في بلاد الكفار ، وإقامتك مدة الدراسة بين أظهرهم ، فيجوز لك حينئذ أن تسافر للدراسة في بلاد الكفار ، وأمريكا ونحوها في ذلك سواء .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وأما السفر إلى بلاد الكفار فلا أرى جواز السفر إلا بشروط :
الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ، لأن هناك في بلاد الكفار يوردون على أبناء المسلمين الشبهات حتى يردوهم عن دينهم .
الثاني : أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات ، فلا يذهب إلى هناك وهو ضعيف الدين , فتغلبه شهوته فتدفع به إلى الهلاك .
الثالث : أن يكون محتاجاً إلى السفر بحيث لا يوجد هذا التخصص في بلاد الإسلام .
فهذه الشروط الثلاثة إذا تحققت فليذهب , فإن تخلف واحد منها فلا يسافر ؛ لأن المحافظة على الدين أهم من المحافظة على غيره . (من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم , الصفحة ( 144). )
عبدالرحمن العجمي
ajmiaj@hotmail.com