قصة رجل أمريكي لم يكن يخطر بباله قبل أنْ يأتي إلىالمملكة العربية السعودية أن يفكِّر في دين الإسلام، أو يشغل ذهنه بالمسلمين وبماهم عليه من هُدَى الإسلام، فهو موظف كبير في شركة كبيرة، مكانته في عمله مرموقة،وحياتُه حافلةٌ بالعمل الجاد الذي مكًّنه من الحصول على عددٍ من الشهادات والأوسمةمن كبار المسؤولين في شركته وفي دولته «العظمى» أمريكا، يقول عن نفسه: «قبل أن آتيإلى الرياض مسؤولاً كبيراً في الشركة الأمريكية لم أكن أشغل بالي بالدين، ونصوصهوتعاليمه، حياتي كلُّها مادةٌ وعمل وظيفي ناجح، وإجازاتٌ أروِّح عن نفسي فيها بماأشاء من وسائل الترويح المباحة وغير المباحة، شأني في ذلك شأن ملايين البشر في هذاالعالم الذين يعيشون حياتهم بهذه الصورة المملَّة من الحرية المزعومة.
ومرَّت بي شهور في عملي الجديد في مدينة الرياض وأنا مستغرق في تفاصيلوظيفتي المهمة في مجال عملي، كان همِّي الأكبر أن أنجح في هذا العمل حتى أزدادرقيَّاً في الشركة التي أعمل فيها، ومكانةً مرموقة بين الناجحين في بلدي الكبيرالذي يجوب العالم طولاً وعرضاً مسيطراً متدخلاً بقوته العسكرية في شؤون الناس.
وذات يومٍ كنتُ جالساً في مكانٍ، في لحظة استرخاء، ولفت نظري لأول مرَّةمنظر عددٍ غير قليل من المسلمين سعوديين وغير سعوديين يتجهون إلى مسجد كبير كانقريباً من ذلك المكان، وكنت قد سمعت الأذان أوَّل ما جلستُ، وشعرتُ حينما سمعتُهبشعور لم أعهده من قبل - هبَّت من خلاله نسائم لا أستطيع أن أصفها، وانقدح في ذهنيسؤال: لماذا يصنع هؤلاء الناس ما أرى، ومن الذي يدفعهم بهذه الصورة إلى المسجد،وكأنهم يتسابقون إلى مكان يدفع لهم نقوداً وهدايا ثمينة تستحق هذا الاهتمام
كان السؤال عميق الأثر في نفسي، جعلني اهتمُّ بمتابعة ما يجري بصورةأعمق وسمعت حركة صوت مكبِّر الصوت، ثم الإقامة، وبدأت أفكَّر بصورة جدَّية،
وحينما سمعت الإمام يقول «السلام عليكم»، وجهت نظري إلى بوَّابة المسجدالكبيرة فإذا بحشود المصلِّين يخرجون يتدافعون، ويصافح بعضهم بعضاً بصورة كان لهاأثرها الكبير في نفسي، ووجدتني أردِّد بصوت مرتفع «يا له من نظام رائع»، وكانت تلكبداية دخولي إلى عالم الإسلام الجميل، وفهمت بعد ذلك كلَّ شيء، ووجدت جواباً شافياًعن سؤال سألته ذاتَ يومٍ وأنا غاضب حيث كنت في سوق كبير من أسواق الرياض وكنت أريدشراء شيء على عجلةٍ من أمري ففوجئت بالمحلات التجارية تغلق أبوابها، وحاولت أن أقنعصاحب المحل التجاري الذي كنت أريد شراء حاجتي منه أن ينتظر قليلاً فأبى
وقال: بعد الصلاة إن شاء الله، لقد غضبت في حينها، ورأيت أن هذا العمل
غير لائق، وبعد أن أسلمت أدركتُ مدى الدافع النفسي الدَّاخلي القوي الذييمكن أن يجعل ذلك التاجر بهذه الصورة.
أمريكي أبيض أشرق قلبه بنور الإيمان،وعرف حلاوة الإسلام، وبدأ يتحدَّث
إلى أصدقائه بالمشاعر الفيَّآضة التيتملأ جنبات نفسه، والسعادة التي لم يشعر
بها أبداً من قبل، وبعد مرور شهرينعلى إسلامه أبدى رغبته في زيارة البيت
الحرام للعمرة والصلاة أمام الكعبةمباشرة، وانطلق ومعه صديقان من رفقاء
عمله من السعوديين، وهناك في رحابالبلد الأمين، وفي ساحات المسجد
وقد رأى منه مرافقاه عجائب من خشوعهودعائه وبكائه، وقال لهما: كم في
هذا العالم من المحرومين من هذا الجوالروحي العظيم.
أتمَّ عمرته قبل صلاة العشاء، وكان حريصاً على الصلاة فيالصف الأوَّل
المباشر للكعبة، وحقَّق له مرافقاه ذلك، وبدأت الصلاة، وكانالأمريكي المسلم
في حالةٍ من الخشوع العجيب، يقول أحد مرافقيه: وحينما قمنامن التشهُّد الأوَّل
لم يقم، وظننته قد استغرق في حالته الروحية فنسيالقيام، ومددت يدي إلى
رأسه منبها له، ولكنه لم يستجب، وحينما ركعنا رأيتهيميل ناحية اليمين، ولم
يسلَّم الإمام من صلاته حتى تبيَّن لنا أن الرجل قدفارق الحياة، نعم، فارق
الحياة، أصبح جسداً بلا روح، لقد صعدت تلك الروحالتي رأينا تعلُّقها الصادق
بالله في تلك الرحاب الطاهرة، صعدت إلى خالقهايقول المرافق: لقد شعرت
بفضل الله العظيم على ذلك الرجل رحمه الله ، وشعرتبالمعنى العميق لحسن
الخاتمة، وتمثَّل أمام عيني حديث الرسول صلى الله عليهوسلم، عن الرجل
الذي يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلاذراع، فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، لقد عرفت هذا الرجلالأمريكي كافراً
قبل أن يسلم، ورأيت كيف تغيَّرت ملامح وجهه بعد أن أسلم،ورأيت خشوعه
لله في صلاته، ورأيته طائفاً ساعياً، ورأيته مصلَّياً ورأيتهميتاً في ساحة الحرم
المكي الشريف، وودَّعته مشيعاً حيث تم دفنه في مكةالمكرمة بعد استئذان أهله في أمريكا.
يقول مرافقه: حينما علم زملاؤهالأمريكان وهم غير مسلمين بما حصل له
قال أحدهم: إنني أغبطه على هذه الميتة،قلت له: لماذا
قال: لأنه مات في أهم بقعة، وأعظم مكان في ميزان الدينالإسلامي الذي آمن به واعتنقه .
اللهم ارحمه وارحم جميع المسلمينياأرحم الراحمين
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة والعتق من النار ،اللهم أمتناعلى لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اللهم آمين يارب العالمينالكاتب: أبو المعالي الكويتي التاريخ: 09/09/2007