ترجمة شيخنا السلفي -عبد الفتاح زراوي حمداش- حفظه الله ورعاه |
|
ترجمة فضيلة الشيخ عبد الفتاح زراوي حمداش
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا :** من يهد الله فلا مضل الله}،{ ومن يضلل فلا هادي له}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد طلب مني الإخوة الكرام ترجمة متواضعة عن مشوارنا البسيط في طلب العلم، ومسيرتنا الضعيفة في خدمة الدين، حتى يتسنى للقراء الأعزاء معرفة صاحب الموقع عن قرب، فكان علم الله تعالى أثقل مطلب مذ عرفت هؤلاء الفتية الأساطين جزاهم الله تعالى كل خير عما يقدمونه للإسلام الصحيح والسنة المباركة، فكنت ممن يتهرب دائما عن هذه الترجمة، لأنه من الصعب جدا أن يكتب الإنسان عن نفسه وهو حي، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، وخاصة ونحن في زمن قل فيه العلم والفقه، وكثر فيه الجهل والتأويل، وضعفت همت الناس في طلب علم السنة والعمل بها في الناس، وقويت فيه البدعة، والإنسان أصبح لا يأمن على نفسه فيما يقول و يفعل خشية أن لا يتقبل منه القليل من القليل الذي يعمل به، فكيف عباد الله إذا كان ما يقدمه قليل القليل مما فرضه الله عليه مما يجب تبليغه ونشره بين الخلق، وأما بالنسبة لطلبة العلم الذين أفنوا شطرا كبيرا من أعمارهم في خدمة العلم والعلماء فهذا شيء سهل بتوفيق الله، ناهيك عن الدعاة الكبار، والعلماء الأجلاء ، فأمام عمل هؤلاء لا تملك إلا أن تنبهر أمام سيرهم ، ومشوارهم العلمي الدعوي، ولقد سئل أبو حنيفة عن التفضيل بين تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه فقال رحمه الله : والله أنا لست أهلا أن أذكرهم، فكيف أفضل بينهم وصدق عبد الله بن المبارك رحمه الله لما قال:
لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم...ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد.
فقال لي المشرفون على الموقع زادهم الله حرصا على الصلاح، وبيض تعالى وجوههم جميعا : يا شيخنا لا بد لنا منها في موقعنا ميراث السنة، فقلت لهم : إن كان الأمر حقا كما تقولون، فالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقلت : أحبة الكرام الأعزاء : أخوكم الفقير إلى عفو الله و رحمته المكنى عبد الفتاح حمداش بن عمر شعبان بن أحمد بن محمد بن الحاج أحمد من قبيلة زراوي شعبان البربرية، من قرية تزرارت الأمازيغية، بدائرة ماكودة من بلاد القبائل الكبرى، بولاية تيزي وزو.
ملاحظة : المازيغ هم البربر و هم السكان الأصليون لمنطقة المغرب العربي من ليبية إلى موريطانيا، وأصلهم من العرب من ولد لقمان بن حمير بن سبأ بعث سرية إلى المغرب ليعمروه، فنزلوه، وتناسلوا فيه، وقيل هم : من قبائل لخم، وجذام العربية، وكانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس، فنزلوا مصر فمنعهم ملوكها من نزولها، فرحلوا إلى بلاد المغرب، وقيل: هم قوم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، وقيل : هم من ولد بر بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأنه كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه، وقال: له البر إلى البر، اذهب يا بر، فما أنت بر، وقيل معناه : لا تساكني واسكن البر، وقيل: هم ولد بربرا بن مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وقيل : هم من عرب اليمن، تفرقوا بعد سيل العرم، وقيل : هم من قبيلة عاملة من قضاعة، وقيل : هم من ولد المستورد بن السكاسك بن وائل بن حمير، وقيل : من ولد السكاسك بن اشرش بن كندة، وقيل : هم من قبائل غسان ، وقيل : هم من تبابعة اليمن، وهم أمة من الأمم التي لهم بطون كثيرة، ومنهم الجم الغفير من القبائل المتشعبة، وهم شعوب جمة، وقبائل متفرقة، وهم قوم معرفون بخصال عظيمة من الخير ، ومنها: الكرم والشجاعة، والبأس عند القتال، فهم حقا لا يسأمون ولا يعرفون الملل في طلب حقهم، يعمرون البلاد التي يسكنونها، يحبون العمل ويعظمونه، ويحترمون الشرف والعرض والحرمة، لا يحبون الإستعمار والإستغلال، ويحاربون الظلم مهما كانت أشكاله وألوانه، يحبون الحرية وسموا بالأمازيغ لذلك، يحبون المسكين، ويرحمون الفقير، فهؤلاء هم البربر الحقيقيون، ولا أتحدث عمن بدل وغير، فإن الشاذ لا يقاس عليه،لأن الحكم يبنى على الأصل والأصيل، لا على الشاذ والدخيل.
كان جدنا الأكبر الحاج محمد رحمه الله تعالى ممن سافر إلى بلاد الحرمين مشيا على قدميه ليؤدي فريضة الحج، وليتعلم أحكام دينه فحج على قدميه، وأخذ عن المشايخ بتلك الديار المباركة، ودعا الله تعالى بدعوات استجاب الله له فيهن، فأخرج من سلالته من يحفظ القرآن الكريم، فكان من أولاده ممن يقرأ القرآن الكريم، ويصلي بالناس، ويدعو إلى الإسلام فمنذ صغري ترعرعت في حجره، وهو يتلو القرآن ، فأعطاني جدي أحمد من الرعاية الزائدة عن الآخرين من أحفاده، وكأنه تفرس مني خيرا أو تفاءل بي الخير، لأنني كنت أجلس في حجره وهو يقرأ القرآن حتى أنام، وكان رحمه الله تعالى ممن يكثر قيام الليل، ولا يتخلف عنه إلا إذا مرض، فكان رحمه الله ممن غرس فينا حب الله ، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإستعداد للقاء الله تعالى، وكان لا يفتر عن ذكر الله، و تذكير أهلنا بالله، وأحكام دينه، والتمسك بعبادته سبحانه وتعالى، فقدر الله تعالى أن يكون والدي بعيدا عن جدي أيام الإستعمار الفرنسي للجزائر فترعرع والدي من دون والديه، لأن أمه توفيت وهو ابن سبع سنين، وأبوه رحل ليسترزق، وليبحث لهم عن لقمة العيش، لأن الفقر المدقع ضرب أطنابه في كل العائلات أيام المجاعات والأمراض والطاعون، فتفجر الجهاد في الجزائر ضد فرنسا وقتئذ، ولم يجد والدي الذي ولد (15مارس 1929م) بدا أن يواكب موكب الجهاد لطرد الإستعمار الكافر النصراني الصليبي من بلادنا المسلمة، فقاتل مع المجاهدين حتى وقع أسيرا مجروحا في إحدى الغزوات، فأمسكوه وعذبوه عذابا نكرا حتى أعطبوه، وخلخلوه بالقمع وحرقوه بالنار والكهرباء، ولكن الله شاء له الحياة، والأمور تجري بقدر الله فمكث عندهم أسيرا عندهم أربع سنوات في سجونهم، ففك الله تعالى أسره بعد عناء شديد، فتزوج مباشرة بعد خروجه من السجن بالوالدة التي تصغر عنه بعشر سنوات، فرزق منها خمسة أبناء اثنان من الذكور وثلاث من النساء، ولدت أنا الثاني في ربيع الثاني من السنة 1386الهجرية النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم،الموافق ل /2جويلية1967م بفضل الله تعالى سالما معافى، في الجزائر العاصمة بمدينة الأبيار على الساعة الثامنة صباحا يوم الإثنين، فترعرعت في بيت والدي الذي لا أزال أسكن فيه إلى يومنا 19، شارع عمار مروان بتليملي الجزائر العاصمة. بدأت دراستي الأكاديمية في مدرسة "القدس الشريف" الابتدائية بأعالي مدينة تيليملي، وعمري لم يجاوز ست سنوات، ولقد كنت شغوفا بالقراءة والكتابة منذ صغري، فكان دخول المدرسة بالنسبة لي حدث عظيم في حياتي لم ولن أنساه فكنت أحب الدراسة والمطالعة أكثر مما أحب اللعب واللهو على حادثة سني، وكنت أحب استماع قصص الأنبياء والصحابة والفاتحين وحكايات الصالحين والعابدين، ومنذ صغري كنت أحب أهل الصلاة والدين و أوقرهم وأحترمهم احتراما كبيرا، بسبب صفاء كلامهم وحماسة مقالاتهم الصادقة وحبهم للخير، وحرصهم على نفع الناس وإصلاح شأنهم، ولقد كنت أميل إلى مجالستهم كثيرا والاستماع إلى حديثهم الديني العذب، وكنت استحي منهم حياء شديدا حرصا زائدا مني خشية أن يروني على غلو في مباح لعب، أو زيادة لهو عن المعتاد، وكنت أحب المسجد حبا عظيما، وأجد فيه راحة تامة لما فيه من السكينة والرحمة ورياض حلق الذكر، وكذلك أعتبر نفسي أني حظيت منذ صغيري بدخولي مدرسة "القدس الشريف" ذات التوجه الديني السليم بسبب مدير المدرسة العبد الصالح : " الشيخ طالبي" رحمه الله تعالى، فقد حافظ على الهوية الدينية الإسلامية للمدرسة الجزائرية، والتوجه التربوي القويم، وكذلك أساتذة تلك المدرسة الابتدائية الذين كانوا يدرسوننا القرآن حفظا وتعليما، و شرحا وتبسيطا، وكانت تلك التوجيهات مما ساهمت كثيرا في توعيتنا وتربيتنا تربية إسلامية استفدنا منها الكثير في بداية دراستنا وطلبنا للعلم، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء أجمعين على ما قدموه لنا من تعليم سليم وتوجيه قويم، فدرست في تلك المدرسة لمدة ستة سنوات متتابعات، ولقد كانت بمثابة الأم الحنون الثانية التي تلقينا منها مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، فتلك السنوات الست كانت سببا في ترسيخ عقائد الإسلام، وقواعد الدين في قلوبنا وعقولنا، وكنت في نفس الوقت الذي أزاول فيه الدراسة بمدرسة "القدس الشريف" أتابع نشاطات دينية تعليمية بمسجد "النور" بحي الثغاريين ( نسبة لأهل الثغور الذين كانوا قديما يسكنون بتلك المنطقة ابتداء من القصبة فوق دار السلطان)، فترعرعنا على يدي أساتذة ومدرسين وشيوخ مثل الشيخ :" كمال الدين وغيره من الأساتذة الكرام " وكذلك بالمسجد القديم الأمير عبد القادر بتيلملي فتعلمنا من مشايخ الدعوة كالشيخ الفاضل "أحمد" إمام المسجد وتلميذ الشيخ "عبد الرحمن الجيلالي"، وكالأخ الحبيب والشيخ الكريم "حسين عبد الرحيم" ممن تربوا وترعرعوا على يدي رجال جمعية علماء المسلمين رحمهم الله تعالى وجزاهم الله تعالى خير الجزاء على حسن تربيتهم، وسليم توجيهاتهم، فقد كانوا حقا ممن حفظوا على النشأ والصغار هويتهم بتلك المدارس والمساجد الصالحة بسبب دروسهم النافعة فانتفع منهم الشباب والشيوخ في منطقتنا، ثم تعرفنا بعد أن كبرنا قليلا على الشيخ المبارك "جبروني" رحمه الله تعالى المسمى الشيخ "الأخضر" وهو تلميذ الشيخ العلامة الرباني زعيم الأمة ابن باديس وغيره من مشايخ جمعية علماء المسلمين رحمهم الله تعالى أجمعين فقد كانوا حقا من بقايا السلف، وأهل الخير والتقوى، و من عمار المساجد بالدعوة والتعليم، والإرشاد والتوجيه، قد كان الشيخ جبروني (الأخضر) رحمه الله تعالى منارة خير، يعمر وقته و وقت غيره بتدريس موطأ مالك تسميعا وتبسيطا، و وشرحا وتوضيحا، وكذا صحيح مسلم وغيره من الكتب، ولكن للأسف كان ذلك الجهد الكبير في نطاق ضيق جدا، بسب التضييق عليه من طرف الشيوعيين آنذاك في السبعينات، فالحمد لله والمنة أن قيض لنا رجالا صالحين علمونا توحيد الله ودين المرسلين، وحفظوا لنا هويتنا الإسلامية، وشخصيتنا السنية، فقضينا مرحلة الطفولة في أحضان هؤلاء المشايخ الكرام الأساطين في المسجد، وبين أساتذتنا الأجلاء في المدرسة الإبتدائية، فلما بلغت 12سنة تحولت إلى مدرسة المتوسطة "ميناني" بشارع "ميسونيي قديما" فكنا نحضر المحاضرات القليلة جدا التي كانت تبرمج من حين لأخر في بعض المساجد من طرف الطلبة ونستفيد من توجيه مشايخ الدعوة السنية، ولقد كانت المحاضرات قليلة بسبب ما ذكرناها آنفا، فمكثنا بتلك المتوسطة أربعة سنوات كاملة ندرس فيها العلوم الأكاديمية، فتعلمنا العلوم المدنية، والمواد العلمية الأخرى، والمؤسف جدا أن تلك الإيمانيات الربانية والحلقات النافعة، والتربية الصالحة التي اعتدناها وألفناها التي قلت بنسبة90 بالمائة حتى لا أقول انعدمت تماما، فبالله عليكم ماذا تفعل ساعة واحدة يتيمة لمادة التربية الإسلامية في الأسبوع، وازدادت الأمور تأزما لما وقعت الأحداث الإسلامية بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة فوقع اضطراب كبير في الأوساط الدينية فعصفت تلك الفتنة بالبلاد في بداية الثمانينات التي سجن الدعاة والعلماء على إثرها فبقينا بلا مركزية ولا محور يضبط الحركات الإسلامية ويجمع شتاتها ويوجه مسارها وينير طريقها، وأما نحن كطلبة كنا صغارا لا نفهم المسائل الكبرى التي تتعلق بالأحكام السلطانية إلا أن ثقتنا كانت كبيرة في علماءنا كالشيخ عبد اللطيف سلطاني ومن معه من رجال الدين والصلاح وخاصة لمطالبهم التي كنا نراها عاقلة وشرعية وعادلة وسلمية لا عنف فيها فشاركنا معهم بالحضور والوقوف في صفهم فالله المستعان وعليه التكلان، ولما بلغت السادسة عشر انتقلت إلى الثانوية وانفتح الطلبة على الحضارة الغربية وما تحمله من شر وخير في آدابها وأفكارها وقناعاتها، فأصابنا نوع من الطيش بسبب انبهار المسلمين وخاصة الشباب بما عند القوم من الرقي المادي والازدهار الدنيوي ، وكما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه : [الشباب شعبة من الجنون> فتعرفنا على سلبيات القوم، وأخلاقهم الفاسدة، ونمط حياتهم البائسة، فرحلت على إثرها إلى فرنسا في رحلة سياحية، فرأيت عن قرب عجائب القوم ومخازيهم الفاضحة، وفواحشهم القبيحة في الطرقات والممرات فسقطوا من عيني، وتبين لي حقيقة زيغهم المزخرف، وانحرافهم المزين بالتمدن وابتعادهم عن القيم الإنسانية، وفسادهم المعنوي والديني والدنيوي بكل ما تحمله الكلمة من وصف ومعنى، ولقد كنت أتجول في شوارعهم والأسى يغمرني، والحزن يتملكني، والحسرة تؤنبني، والأسئلة تراودني وتعاودني: "كيف يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بدون دين ولا انضباط ولا انقياد ولا استقامة أم كيف يمكن للمسلمين أن يقتدوا بمثل هؤلاء الذين لا إيمان لهم ولا قيم ؟ فلما عدت إلى أرض الجزائر المسلمة تحركت فطرتي لتوحيد الله، وتزلزلت غيرتي على الدين، وقويت حميتي على القيم وازداد إعجابي بالإسلام كمنهج حياة للمسلمين، لما رأيت من اعوجاج الناس وفساد دينهم ودنياهم فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فلما بلغت الثالث الثانوي رسبت في امتحان البكالوريا وضاقت سبل كسب الرزق وطلب الحلال وكبر الوالد وأصاب بلادنا أزمة اقتصادية وصل فيها ثمن برميل البترول 5 دولارات وتراكمت الديون على الشعب الجزائري حتى وصلت إلى أكثر من 26 مليار دولار فاضطررت للعمل لكسب لقمة العيش ، فتقدمت إلى مؤسسة الكهرباء والغاز بطلب التوظيف ونجحت في الامتحان فتوظفت كموظف مكتب في حي تيليملي لمدة ثلاث سنوات فتفرغت فيها لطلب العلم ومجالسة الشيوخ للإستفادة منهم كالشيخ أحمد سحنون، والشيخ عبد الباقي صحراوي، والشيخ علي بن الحاج، والشيخ محمد سعيد رحمه الله، والشيخ محفوظ نحناح، وغيرهم من المشايخ فقويت الصحوة الإسلامية سنة 1987م وازدادت وعيا وعددا فامتلأت المساجد وأقبل الناس على حلق الذكر والشريط والكتاب الإسلامي فكثر دعاة الخير وأنصار الدعوة وظهر الإلتزام والسنة بقوة في أوساط الشباب وانفتح الطلبة على فتاوى المذاهب السنة ومشايخ الدعوة السلفية التي قادها أئمة السنة الكبار مثل هيئة كبار العلماء والشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين والأرناؤوط.
بعد سنة 1987م لاحظ الخبراء والمختصون والإحصائيون عودة الأمة إلى التدين بقوة وأصبح الناس يسألون عن الفقه ويبحثون عن مسائل دينهم بالدليل والحجة والبيان وظهرت بداية ثمرة العمل الدعوي السنة فامتلأت المساجد بعد أن كانت فارغة إلا من الشيوخ وأصبح الشباب والطلبة يعمرون المساجد ويحافظون على الصلوات ويجالسون الدعاة وطلب العلم ويأخذون عنهم العلم الشرعي والتوجيه الديني والخلق الإسلامي والهدي النبوي، ولقد بكى كثير من مشايخ جمعية علماء المسلمين لهذا الخير الكثير الذي يحتاج إلى توجيه كبير، وأخبرني الشيخ جبروني " الأخضر" : ( لو رآى ابن باديس الصحوة الإسلامية المباركة آواخر الثمانينات وبداية التسعينات لبكى حتى يغمى عليه ) فقلت له ولماذا يا شيخ ؟ قال لي : كان رحمه الله إذا رآى طلبة العلم الشباب في المسجد يصلون ويطلبون العلم يبكي ويقول : يا نشأ أنت رجاءنا ... وبك الصباح قد اقترب وبفضل الله تعالى عاد الكثير من الناس إلى طريق الاستقامة والرشاد وعمروا المساجد، ولبس كثير من النساء لباس الستر والاحتشام والحجاب الشرعي والجلباب الفضفاض الواسع، وظهرت ملامح الخير وبوادر الصلاح والاستقامة، وكنت أحضر محاضرات العلماء وندوات الدعاة، ومجالس الشيوخ وكذا ملتقيات الوافدين على الجزائر مثل الشيخ أبي بكر الجزائري، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد المجيد الزنداني، وغيرهم من مشايخ وعلماء الدعوة الإسلامية، أيام ندوات حول الفكر الإسلامي الصحيح"، ثم تفجر الوضع الإجتماعي والسياسي سنة 1988م بسبب التغيرات في التوجه والآراء وسياسة النظام وكذلك لضيق المعيشة وطلب لقمة العيش من طرف الشعب ولتحسين الوضعية بالنسبة للعمال والطلبة والنخبة الفكرية، فحدث ما حدث فبدأ عصر التنفس والحرية والانفتاح بعد عهدة الإنغلاق فهذه المرحلة من تاريخ البلدة لها إيجابيتها وسلبيتها ومن إيجابيات هذه المرحلة عودة المسلمين إلى بيت الله تعالى ورجوعهم إلى الطلبة والدعاة والعلماء فاكتظت الطرقات بالمصليين وأنشأت الجمعيات الخيرية والمنتديات الدينية بسبب بروز الصحوة العلمية الدينية بين فئة الشباب على وجه الخصوص، وكنت أجلس إلى الشيخ سحنون وأستفيد من طريقة تدريسه وإلقاءه، جلست وكذا الشيخ جبروني، والشيخ علي بن الحاج أيام تفرغه للدعوة إلى الله تعالى وغيره من دعاة الجزائر، ولكن الأشغال الخيرية أخذت كثيرا من وقتي ( لأني كنت أشتغل في تكوين الطلبة والعمل وكذلك أنشط مع الجمعيات الخيرية وأشارك في إصلاحات الأحياء ولجانها ، وأجتهد في دعوة الشباب للتخلي عن الخمر والمخدرات والآفات الإجتماعية ... وكنت أتابع عن قرب الإصلاحات والنشاطات النسوية الدعوية عبر الأحياء وذلك لتلبية مطالبهن والمساهمة في قضاء حوائجهن ومساعدتهن على الإلتزام، وكنت أمشي بين الأحياء أصلح بين لجان الأحياء وأشاركهم في العمل الخيري الدعوي...)، ورغم ما كانت تتطلبه تلك المرحلة من وجوب العمل الخيري والسهر على مصالح الفقراء والمساكين وخدمة الطلبة وعوام الناس حتى لا تتبعثر الجهود الدعوية بسبب المشاكل العويصة التي كانت تواجهها العائلات، حرصت واجتهدت أن أجمع بين العلم والعمل الخيري، فكنت أدرس وأعظ وأقوم بسلاسل من الحلق العلمية التوجيهية التربوية في المساجد والأحياء منها مسجد الدعوة بأعالي باب الواد، ومسجد الإحسان بالزغارة، ومسجد الفضيل الورتيلاني بتيليملي، مع الشيخ مراد مليك رحمه الله تعالى، فوجدنا خيرا كبيرا واستجابة عظيمة من الناس والحمد لله على سلامة الفطرة الجزائرية وما ذلك إلا لرسوخ الإسلام في قلب الشعب الجزائري بسبب عمل وجهد علماء الجمعية في تثبيت الهوية الدينية، ثم أتحت لي الفرصة فرحلت إلى الأردن بسبب حرب الخليج الأولى فترة 1990م، فمكثت فيها شهرا واستفدت من نصائح تلامذة الشيخ ناصر الألباني والشيخ إبراهيم شقرة وغيرهما من مشايخ الدعوة، وعدت إلى الوطن حاملا معي نصائح المشايخ وعزمي القوي المشحون بالطاقة السليمة لخدمة ديني وقومي وأمتي، ولقد تفرغت للدعوة إلى الله، وتعمير المساجد والسعي لتكوين حلق الذكر وإشغال الشباب بالعلم لتعمير بيوت الله وتكوين الأجيال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقواعد الشرعية والضوابط السنية والأحكام الدينية، فكانت النتائج بفضل الله وحده ثم بفضل العاملين الصادقين مرضية ولله الحمد والمنة على توفيقه، ولكن اليهود والنصارى لا يرضون عن تلك المشاهد الربانية، والوحدة الخيرية بين شرائح الشعب الجزائري المسلم، والمحبة السنية، والتآلف الديني، والأخوة الوطنية على الطريقة والهوية الإسلامية فدخلت البلاد من جديد في أزمة سياسية كبيرة ومأساة عظيمة جدا، فسابقتا الأحداث وكنا صغرا لا نفقه كثيرا من التلاعبات والمكائد السياسية التي أترك التعليق عليها لأجيال النزاهة والأمانة، وبعد مرحلة من بداية الاضطرابات والتقلبات السياسية في البلاد دخلت السجن فمكثت فيه مدة طويلة ( أغلب فترة شبابي)، ثم خرجت منه بعد أن استفدنا من ميثاق السلم والمصالحة وذلك بعد قضاء 11 سنة، ولقد باشرت الدعوة إلى الله تعالى فكنت أدعو إلى الله تعالى ودينه والتمسك بالقرآن وأخلاق الإسلام وسنة ومنهج سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، في مساجد العاصمة ومنها مسجد الفتح ، ثم سافرت إلى البقاع المقدسة أرض الحرمين بديار الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 2003 م فأديت حجة الإسلام وتعرفت على مشايخ بتلك الديار منهم الشيخ الفاضل حمد بن عبد الله الحمد فنصحنا ووجهني للتفرغ للدعوة إلى الله ونصر التوحيد بالعلم النافع والعمل الصالح، وجلست إلى مشايخ الدعوة كهيئة كبار العلماء، وكبار مشايخ الحرمين فاستفدنا منهم الكثير ومن توجيهاتهم المباركة، فمكثت ثلاث سنوات أطلب فيها العلم وأتتبع حلق العلم وجلسات المشايخ ومجالس الدعوة فبقيت سبعة أشهر في الرياض أطلب فيها العلم على يدي المشايخ وكنت أكتب كثيرا المسائل وأدون الشاردة والواردة مما كنت أسمعه من الفوائد العلمية والنوادر الفقهية على يد مشايخ الرياض وخاصة الشيخ المفتي العام للمملكة عبد الله بن محمد بن عبد العزيز آل الشيخ فتعلمت منه الكثير خاصة في جانب النصح والإرشاد، وكذا الشيخ العلامة عبد العزيز الراجحي فاستفدنا منه شرح كتاب فتح الباري باب مناقب الأنصار، وكذا الشيخ الكلباني، ومشايخ الدعوة في الديار النجدية...، وكذلك استفدت الكثير من دروس هيئة كبار العلماء ودعاة التوحيد والسنة والخير بتلك الديار المباركة، فدرست التوحيد على يد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ واستفدت منه الكثير في مسائل التوحيد والدعوة، ودرست الفقه على يد الشيخ محمد لعروسي عضو هيئة كبار العلماء، وهو شيخي الذي استفدت منه الكثير في الحديث والفقه والدعوة إلى الله وشرح القرآن الكريم، واستفدت من الشيخ صالح اللحيدان في باب الفقه والجواب على الفتوى ومسائل الفقه والوعظ والإرشاد، واستفدت من الشيخ محمد بن الغديان عضو هيئة كبار العلماء في الأصول والتوحيد والفقه والإيمانيات، واستفدت من الشيخ صالح الفوزان (تفسير القرآن ومسائل التوحيد والإيمان وكذا الفقه)، واستفدت من الشيخ عبد الله المطلق في الفقه والإقتصاديات، والشيخ سليمان بن منيع في الفقه والتوجيه، وجلست إلى الشيخ الجبرين فاستفدت منه في التوحيد والفقه والفتوى، واستفدت من الشيخ يوسف الغفيص في فقه النوازل والإجتهاد، واستفدت من الشيخ ناصر الشثري والشيخ عبد الكريم العقل، وغيرهم من مشايخ العلم والدعوة نجالسهم ونتابع نشاطهم العلمي وبرنامجهم الدعوي وتأليفهم الخطي ودروسهم الصوتية والبصرية على المباشر والمسجلة جزاهم الله تعالى خيرا على ما قدموه للإسلام والمسلمين، وكذلك المشايخ عبد الرحمن ومحمد العجلان في السيرة النبوية ودراسة فتح المجيد في التوحيد وتفسير القرآن والفقه على العموم، واستفدت من الشيخ وصي الله في الحديث والفقه، واستفدت الكثير من محاضرات الشيخ العلامة عبد المحسن العباد في الحديث والفقه أثناء بقائي في المدينة المنورة وإن كانت قليلة جدا بالنسبة لمكة المكرمة التي أمضيت فيها أغلب وقتي في طلب العلم، وكذلك الشيخ أبي بكر جابر الجزائري في التفسير والجواب على الفتوى، كذلك استفدت من الشيخ سلمان بن فهد العودة أيام العزيزية في المواسم ، والشيخ سفر الحوالي أيام زيارتي له في النصح والتوجيه والعلم والعمل الصالح، وتعرفت على المشايخ الكرام مثل الشيخ ستر الجعيدي الذي استفدت منه الكثير بسبب مجالسته كثيرا، والشيخ الفاضل العامل أبي سليمان الحربي جزاه الله خيرا وزاده الله خيرا وفضلا استفدت من علمه ونصحه وتوجيهه وطريقة تدريسه حفظ الله الجميع ورحم الله الأموات، واستفدت من الشيخ أبي عمر المطرفي صاحب النونية استفدت منه واسمعنا المقاطع من نونية الشيخ ابن القيم بشرحها، والشيخ عبد الله غزاي استفدت منه ونفعنا الله به توجيها وتعليما وإرشادا والشيخ عمر الثويني استفدت منه الكثير في باب العلم والنصائح، ولقد قدمونا واحترمونا ووقرونا كثيرا زادهم الله رفعة ومنزلة شرف وسمو في الدنيا والآخرة وغيرهم من الكرام الطيبين من طلبة العلم بمكة زادها الله شرفا، واستفدت من مواعظ الشيخ عائض القرني وطرائفه النادرة في السيرة النبوية والوعظ الديني، وتعرفت شخصيا على الشيخ الرباني علي القرني واستفدت من دروسه الجليلة النافعة، والشيخ الدميجي في شرح نونية ابن القيم شرحا وتبسيطا، وكذلك من الشيخ العامل الرباني محمد الهبدان استفدت منه الكثير في باب النصح والإرشاد والعمل الصالح والشيخ حاتم الشريف في الحديث وعلله، والشيخ عبد الكريم الخضير في الحديث وعلله وشروحه وتفسيراته غيرهم من مشايخ الدين والعلم بالمملكة العربية السعودية زادها الله توفيقا في ما هي فيه من الخير والدعوة الصالحة، حفظ الله الجميع علماء وصالحين وجزاهم تعالى خيرا على ما قدموه للإسلام والمسلمين، ثم عدت إلى أرض الجزائر بعد أن حصنت نفسي بالتأصيل العلمي، والتوجيه الإرشادي التعليمي فتفرغت مباشرة للتدريس والوعظ والإرشاد وتسجيل الدروس وتوزيعها على طلبة العلم خاصة وعوام الناس عامة فنسال الله التوفيق للجميع والله من وراء القصد