أسوق قصه عمليه النفق كما ورد ذكرها من صفحه المركز الفلسطيني للاعلام , أنصح القراء بقراءه احداث العمليه لما فيها من العبر , ولما تحمله من دروس في التصميم والصبر :
غزة - خاص
قبل نحو أكثر من عام و نصف دهمت الفكرة مجموعة من مقاتلي القسام ( الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس ) و استولت على تفكيرهم ، المجموعة كانت تسافر بين رفح و غزة حين كانت الهدنة سيدة الموقف و كان بالإمكان التحرك بحرية نسبية دون التوقف لدى الأبراج العسكرية بين شمال القطاع و جنوبه .
الصيد بدا ثمينا : تفجير الموقع العسكري المسمى لدى الفلسطينيين بموقع "محفوظة" (نسبة إلى امرأة قيل أنها كانت تتعامل مع المخابرات (الإسرائيلية) و سلمتهم بيتها الذي تحول إلى مقر لقوات الاحتلال ,و قد انتقلت للعيش داخل الخط الأخضر ) و تسميه (إسرائيل) موقع" اورحان" .
الفكرة في البداية كانت شبه خيالية إذ أنه لم يسبق لكتائب القسام أو الأجنحة العسكرية أن دمرت موقعا بهذا الحجم وبهذه المساحة الكبيرة , فضلا عن تحصيناته الأمنية المعقدة .و ظل الأمر بين أخذ و رد بين قيادة القسام في غزة وقيادة الجنوب إلى أن أستقر الأمر على التنفيذ و رصد الأموال المخصصة للعملية .
في هذه الأثناء كان شريط فيديو صُوِّر للموقع قد وصل إلى قادة القسام في الجنوب ,و قد جرى تصويره خلسة من داخل سيارة.
موقع " اورحان " أو "محفوظة" يقع على مفترق مستوطنات "غوش قطيف" اليهودية التي تسيطر على معظم أراضي قطاع غزة , وهو يتحكم في حركة المستوطنين من و إلى داخل الخط الأخضر, فضلا عن تحكمه في حركة الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه و بالعكس .
مع تصاعد الانتفاضة ضُمّ إلى " عمارة محفوظة " مبنى جديد مكون من الكتل الإسمنتية الضخمة و التي أصبحت من الداخل عبارة عن مقر لنوم الجنود و تبديل الورديات فيما أقيمت أبراج عسكرية للحراسة ووضعت كاميرات مراقبة من كافة جهات الموقع .فضلا عن ذلك فإن قوات الاحتلال شكلت حماية للموقع " بحلاقة " كل الأراضي التي حوله، بحيث أصبحت مكشوفة يبدو من المستحيل اختراقها و الوصول إلى الموقع المحاط بأسلاك شائكة أيضا .
" اورحان" تحول إلى بؤرة عذاب و معاناة يومية و لحظية للفلسطينيين , و عمليات الإذلال و الإهانة و الاحتجاز لم تكن تتوقف بحيث أن حياة المواطنين الفلسطينيين علقت ب" فتح الحاجز و أغلق الحاجز ..." كما كان يتردد على ألسنتهم !!.
قيادة القسام قررت أنه يجب تدمير الموقع .
بقي السؤال : كيف يمكن الوصول إليه؟!
طرحت عدة خيارات ,منها الهجوم عليه بمجموعات كبيرة من المقاتلين و محاصرته و ضربه بالأسلحة الرشاشة و قذائف (ال آر بي جي). لكن احتمالات المخاطر كانت كبيرة بسبب وجود الأبراج العسكرية و التحصينات الإسمنتية الضخمة التي تسور الموقع من كل مكان .
فجأة قفز إلى ذهن أحدهم " و لماذا لا ندمره من خلال نفق " , الفكرة كانت مفاجئة , إذ إن حفر النفق يحتاج إلى جهود مضنية و طواقم عمل كبيرة فضلا عن احتمالية كشفه خلال سير العمل .غير أن ما شجع المقاتلين هو نجاحهم في هكذا عمليات من خلال تدمير موقع " ترميت العسكري " و مواقع أخرى على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر .
في نهاية المطاف استقر الأمر على تدمير الموقع من خلال نفق تحت الأرض . و بدأت الترتيبات تجري على الأرض .
توفرت لدى كتائب القسام أجهزة متطورة باستطاعتها حساب المسافات و الأبعاد من بُعد ، في البداية فكروا أنه بإمكانهم الوصول إلى الموقع من خلال نفق يصل طوله كحد أقصى إلى 250-280 مترا , غير أن صعوبة الحصول على مكان آمن يوفر لهم بداية النفق (أو ما يسمونه بالبئر ) جعلت احتمالات أن يطول مسار النفق قائما .
بدأوا في البحث عن قطعة أرض آمنة و مناسبة للانطلاق ,بحثوا لأيام وأسابيع, و أخيرا اهتدوا إلى قطعة أرض تبعد عن الموقع العسكري نحو 360 مترا . المسافة كانت في نظر البعض كبيرة جدا و سيستغرق الحفر مدة أطول مما كانوا يتوقعون , لكن لم يكن لديهم خيارات أخرى .
استأجروا الأرض بنحو ألف دولار في العام و جرى تسويرها و بنيت فيها غرفتان ، عاد مقاتلوا القسام و أخذوا يضعون الحسابات و الخرائط أمامهم و يرسمون كيفية الوصول إلى الموقع ؛ تم وضع سيناريو لمسار النفق و تعرجاته.
كان العمل قد بدأ يجري على الأرض , و قادة الكتائب في المنطقة تتابع العمل باستمرار, في حين كانت قيادة القسام تتلقى التقارير عن سير العمل أولا بأول .
العملية لم تخرج عن نطاق كتائب القسام إذ إنه تقرر أن تنفذ العملية بتخطيط و تنفيذ عناصر القسام فقط و لم يكن هناك أي طرف آخر لديه علم بالعملية, لكن يبدو أنه و قبل تنفيذ العملية بساعات معدودة جرى تسريبها بطريقة قال عنها قادة القسام إنها " كانت من وراء ظهر من بعض من تعاونا معهم ,و هم ليسوا من كتائب القسام ".
كانت فوهة النفق في الاتجاه المعاكس للموقع العسكري (شرق الشارع العام المسمى صلاح الدين ) و ذلك إمعانا في توفير مزيد من الحماية الأمنية و التمويه على قوات الاحتلال ، الخطة كانت تقوم على حفر النفق بعمق ثمانية أمتار تحت الأرض ثم السير بخطوط متعرجة ,و الوصول أولا إلى البرج العسكري (القلبة كما يطلق عليها الفلسطينيون ) ووضع المتفجرات تحتها ثم السير قدما إلى الموقع العسكري بعد قطع الإسفلت العام ووضع المتفجرات تحته مباشرة ، و بعد التفجير مباشرة تهجم مجموعة من " الاستشهاديين " لاقتحام البرج و أسر جنود و الاستيلاء على سلاح .
بالطبع كانت هناك الكثير من المخاوف و المحاذير , على رأسها كانت الخشية من كشف النفق كون العمل فيه كان يستدعي أشهرا طويلة, ووجود كميات هائلة من الرمل يتطلب التخلص منها, و عدم ترك آثار , إضافة إلى الخوف من وصول أصوات الحفر إلى مسامع الجنود في الموقع ، لكن الله سلم و سارت العملية بحسب ما جرى التخطيط له قبل أربعة أشهر (و بالذات في شهر فبراير من هذا العام ) بدأت عملية الحفر باستخدام ماكينات خاصة للحفر و سحب الرمل , إضافة إلى ماكينات لتغذية النفق بالأوكسجين , و كذلك معدات كثيرة استخدمت لأغراض متعددة , و اشترك في حفر النفق نحو 15 مقاتلا من عناصر القسام ، الرمل المستخرج كان يجري تجميعه في قطعة مجاورة جرى تسويرها حتى لا يكتشف الأمر، قبل تنفيذ العملية بأيام كان حجم الرمل قد ارتفع عن طول السور البالغ نحو مترين فاستدعيت شاحنة كبيرة قامت بنقله بعد أن تمت تعبئته بأكياس (نحو ألف و خمس مئة كيس أخليت خلال ليلة واحدة ).
كانت فوهة النفق تخضع بالطبع لحراسة عناصر القسام التي كانت تتناوب عليها ليل نهار إضافة إلى ترتيبات أمنية كثيرة لمنع انكشاف العمل ، بدأ النفق يتسلل إلى الأرض شيئا فشيئا و بدأت المعاول تشق طريقها مترا بعد متر . بين الحين و الآخر كانت تخرج "علامة " من تحت الأرض تبرز صحة المسار الذي يجري حفره , ذلك أن المسافة كانت طويلة جدا و كانت هناك مخاوف من الانحراف عن مكان الموقع ، بسبب مشاكل عديدة وقعت خلال العمل جرى تجاهل وضع المواد الناسفة تحت البرج (القلبة ) و حول المسار إلى الموقع العسكري ، كان العمل يجري بوتيرة سريعة و مسابقة الزمن لأن أي شبهة كان يمكن أن تنسف العمل من أساسه ، بحسب المهندسين و المراقبين أقترب المقاتلون أكثر فأكثر من الموقع العسكري الذي يعج عادة بالجنود و الضباط . صعوبة الحفر كانت بسبب أن الأرض غالبيتها طينية و ليست رملية الأمر الذي تطلب مزيدا من الجهد .
ذات ليلة رفعت "علامة " من تحت سطح الأرض فتبين أنهم قريبون جدا من الموقع لكنهم منحرفون قليلا عن قلبه (المركز ) فحول المسار مرة أخرى .و بدأت رائحة " السولار " المنبعث من مولد الكهرباء في الموقع تصل إلى أنوفهم عرفوا أنهم تحت الموقع مباشرة ، طلب منهم الآن أن يرتفعوا شيئا فشيئا إلى سطح الأرض بحيث يكونون قريبين جدا من ملامسة أرضية الموقع ، بالفعل بدأ الحفر يأخذ منحى أعلى فأعلى حتى سمعوا أصوات جنود الاحتلال و هم يكلمون بعضهم بعضا كما سمعوا صنابير المياه و هي تفتح , و سمعوا أصوات الموسيقا المنبعثة من أجهزة الستريو و ضحكات الجنود و غنائهم ." عرفنا الآن إننا قد وصلنا إلى هدفنا بدقة و لم يعد أمامنا سوى كبسة الزر ".بالطبع حفرت فروع أخرى بهدف توزيع المواد المتفجرة لضمان ضرب كل أركان الموقع .
في هذه الآونة جرى مناقشة إرسال فرقة الاستشهاديين مرة أخرى و تم اتخاذ قرار بالعزوف عنها لأنها تتطلب إعدادات و استعدادات أخرى مباشرة بعد أن أعطيت الإشارة بأن عمل النفق قد أنجز .
بدأت المواتير في دفع البراميل البلاستيكية المحملة بالمواد المتفجرة و جرى زلقها على " السكة " الواحد تلو الآخر, و كان هناك في آخر النفق من يستلمها و يوزعها بطريقة هندسية تحت المركز مباشرة وضع نحو 650 كجم و في نقطة أخرى وضعت نفس الكمية و في نقطة ثالثة وضع نحو نصف طن ,و بالاجمال وضع نحو 1900 كجم من المتفجرات من مادة النيترات,و وضعت الصواعق و مدت الأسلاك إلى فوهة النفق، و بدا الجميع أكثر توترا مع اقتراب قرار التفجير ، كان قادة القسام يعتقدون أنه من الأفضل أن يجري تنفيذ التفجير في ساعات الليل حين يكون الحاجز قد أغلق في وجه الفلسطينيين (يغلق الحاجز في الساعة الثامنة مساء ) و بحيث أن يضمنوا ألا يتضرر أحد من المواطنين ساعة الانفجار .
كانت هناك مجموعة تابعة للقسام جاهزة لعملية الاشتباك بعد التفجير مباشرة و بخاصة التركيز على البرج العسكري القريب لتدميره بقذائف (آر بي جي) . في الساعة التاسعة إلا ربعا كان الجميع واقفين عند فوهة البئر الذي طمر تماما و برزت منه فقط الأسلاك الكهربائي (و ليس كما يدعي جيش الاحتلال أنه فجر بواسطة جهاز خليوي ) .كانت هناك حاجة إلى قوة كهرباء كبيرة تصل إلى 220 أمبير إذ إن الاعتماد على البطاريات الصغيرة ستجعل الانفجار ضعيفا .
قائد القسام في الجنوب أعطى أوامره وقال " باسم الله " و بدأت الأصابع تضغط على كبسات الكهرباء , و سمع دوي الانفجارات الواحد بعد الآخر , و ثارت غيمة كبيرة من الدخان و الغبار غطت المنطقة بأكملها حتى لم يعد أحد يرى شيئا أمامه و بدأ المقاتلون بإطلاق أسلحتهم الرشاشة على الموقع و على البرج العسكري لدرجة أن سيارات الإسعاف(الإسرائيلية) التي استدعيت على عجل لم تنجح في إخلاء الجرحى و المصابين فاستدعيت طائرات هيلوكبتر .خلال ثوان كان الموقع العسكري قد تحول إلى كومة من التراب و انهارت كل أركانه و دمرت العديد من الجيبات العسكرية الموجودة في المكان .
مصادر عسكرية في كتائب القسام قالت: " نحمد الله أن وفقنا لهذه العملية التي نعتبرها من أفضل العمليات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية ,كنا في كل لحظة نقول "يارب " ,و مع ذلك شعرنا بتوفيق الله لنا في كل مرحلة من مراحل العمل .
و أضافت مصادر القسام: " لقد كان جهدا مضنيا واصلنا فيه الليل مع النهار و كان لدينا مقاتلون تحمّلوا الكثير من التعب و السهر و المشقة لكننا سعدنا أن نشفي صدور شعبنا بتدمير هذه الموقع المجرم الذي أذاق شعبنا الويلات ".
وذكرت مصادر القسام : أن العملية كلفت مبالغ كبيرة تضمنت استئجار الأرض و الماكينات و صرف مستحقات شهرية للعاملين و غيرها , إلا أن المصادر تقول " صحيح أن المبلغ كبير لكن قوة العملية و نتائجها كانت أكبر و رائعة بكل المقاييس ".
من يمر على المكان الآن بعد تفجيره سيجده بالفعل قاعا صفصفا لا أثر فيه , خاصة بعد أن قامت قوات الاحتلال بتسوية و تجريف الأرض تماما ,و الظاهر أنه يجري العمل لإقامة موقع عسكري جديد , ربما على شاكلة أخرى .
قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة اعترف بذكاء رجال المقاومة الفلسطينية و قال" إنها ضربة مؤلمة حقا" .
----- ملاحظات :
1- تبرز العمليه الكلفه الماليه الباهظه للعمليات الجهاديه بما يتطلب بالضروره دعم المسلمين للمجاهدين بمالهم .
2- توضيح صعوبه وصول المجاهدين لاهدافهم وبالاخص في قطاع غزه , وهذا ما يؤكده القران عن طبيعه اليهود ( قرى محصنه ) , ( وراء جدر ) , ( أحرص الناس على حياه )
3- استغلال حماس لهدنه العام الماضي للتخطيط والعمل الكاتب: أم الليث الكويتية التاريخ: 01/01/2007