حقيقة الحرية في دين الليبرالية!!

 

التاريخ :16/5/1430 هـ
بقلم/ محمد بن حامد آل عثمان

حقيقة الحرية في دين الليبرالية


الليبرالية كلمة لاتينية تعني الحرية .. والحرية كلمة شاعرية تدغدغ مشاعر الكثيرين من الناس، خصوصاً المراهقين الواقعين تحت تأثير التدفق العاطفي، والخيال الجانح، أو الرومانسيين المتأثرين بخيالات الفن والأدب ، أو من ليس لهم تجارب واقعية تمكنهم من معرفة حدود الحرية وضوابطها في الحياة الواقعية .

فالكلمة ذات بريق وجاذبية, وإن كانت في حياة الكائن البشري غير واقعية، وإنما هي ذهنية خيالية، ترفرف في رؤى وأحلام المكبوتين والخياليين الحالمين، خصوصاً إذا فهمت على إطلاقها، ولم تفهم على أنها نسبية، محدودة بحدود كونية، وبيئية، وزمانية، ومكانية، ومادية، ونفسية، وقيمية، وأخلاقية، واجتماعية، و.... و.... و.... إلخ .

فالإنسان في واقعه محدود بحدود الطين الذي خلق منه ، والبيئة التي وجد بها ، والقدرة التي يمتلكها، والكون الذي يحيط به ، والظروف التي تعتوره ، والحياة المحدودة ، والموت القاطع له ، ثم ما بعد الموت مما يعرفه المؤمنون بالله واليوم الآخر من جزاء وحساب وجنة أو نار ، وإن كانت هذه الأخيرة غائبة عن اللادينيين ، ولكنهم مع ذلك يعيشون مخاوف حقيقية من ذكرها ، تظهر بين حين وآخر في تعبيراتهم ، وإن كانوا لا يظهرون الاعتراف بها. ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) .

لذلك فالمعنى الشاعري في كلمة الحرية ، وهو المعنى الذي يروّج له الليبراليون, وغيرهم من دعاة الانحلال والانفلات الأخلاقي ، هو معنى ذهني خيالي ، مساحته في الواقع محدودة بحدود الخلق والإيجاد, والحياة والموت، والأحداث والظروف، والقدرة والإمكان .

فمما يستحيل تجاوزه تغيير الإنسان من شكله وطبيعته الآدمية ، أو إيقاف دقات قلبه ليمارس الحياة ، أو تجاوز قدراته الجسمانية أو العقلية ، أو نحو ذلك من المحدودية والعجز البشري . مع وجود محاولات للإنسان فعلاً للخروج من هذه الحدود ، لكنه ما إن يتعداها قليلاً حتى يصطدم بحدود هي أقوى وأقسى منها . كما قال الشاعر اللبناني ميخائيل نعيمه :

نسي الطين ساعة أنه طيـن حقير فصال تيهاً وعربــد

وكسا الخز جسمه فتباهـــى وحوى المال كيسه فتمرد

إلى أن قال :

أيها الطين لست أنقى وأسمى من تراب تدوس أو تتوسد

سدت أو لم تسد فما أنت إلا حيوان مسيّر مستعبـد

إن قصراً سمكته سوف يندكّ وثوباً حبكته سوف ينقــــدّ

فإذا انتقلنا من هذا المعنى الشاعري للحرية، إلى واقع الحرية لدى الليبراليين الذين يدّعونها ويتسمَّون بها .. وهو واقع متناقض.. وجدنا أن الحرية تتلاشى وتغيب، أو توأد وتدفن، أو تقيّد بأمراس كتّان إلى صمَّ جندل، إن هي التقت يوماً عند هؤلاء بالمصلحة أو ما يسمى النفعية ( البراغماتية ) ، وأرادت أن ترفرف فوق رأسها .. هنا تلغى عند الليبراليين الحرية وتكشّر النفعية ( البراغماتية ) عن أنيابها ، وتدفن الليبرالية رأسها في رمال الجور والظلم والاستبداد ، حتى تكتمل المصالح ، ويشبع الليبراليون حتى التخمة من الفريسة التي تتحقق بافتراسها مصالحهم .. ثم تعود الليبرالية لتعزف ألحانها على أشلاء ضحاياها تتغنى بالحرية والانفلات من القيم الدينية والأخلاقية ، وتمجّد العبثية والتمرد والانحلال .

إن هذا ما يمارسه الغرب الليبرالي بالفعل مع العالم الإسلامي ، بل مع العالم كله .. فمبدأ الحرية عند الغربيين يغيب حين تريد شعوب أن تنعم بثرواتها ، أو أن تعيش آمنة مطمئنة في بلدانها ، أو أن تمارس حقها في تقرير مصيرها ، أو أن تقدس قيمها وتحافظ على خصوصياتها وأخلاقياتها .. لأنها حينئذ تصطدم بمصالح الغرب ، وجشعه ، وشراسته في التسلط والهيمنة ، وامتصاص ثروات الشعوب ، والرقابة الصارمة على ممارساتها المشروعة ، وحقها في تمجيد حضارتها ، والاحتفاء بثقافتها ، واختيار السلوك الذي تمليه عليها إرادتها, وتؤكّده حضارتها .

أين مبدأ الحرية الذي يتبجح به الغرب, وتدعيه الليبرالية الغربية, وينقله إلينا عملاؤها المارقون, وهي تمارس الوصاية الثقافية, والسياسية, والاقتصادية, والعسكرية, على شعوب العالم الإسلامي, وكثير من شعوب العالم, بدعوى العولمة, ونشر الثقافة الليبرالية, ومحاربة الإرهاب ؟

أليس لهذه الشعوب, وهذه الثقافات, وهذه المجتمعات, الحرية في أن تعيش وفق قيمها, ومصالحها, واختياراتها ؟ أم أنه لا بد أن يكون كل ذلك من خلال ما يفرضه الغرب من ثقافة, وهيمنة, واستعمار؟

هذا هو الواقع المر, وهذه هي الحرية الليبرالية الخادعة .. حرية الاستبداد, والقهر, والتسلط ! .. فالحق في مفهوم الليبراليين هو للأقوى، فهو يمارس حريته في التسلط على الأضعف الذي هو مكان فقط تمارس عليه حريات الأقوياء المتسلطين ، خصوصاً إذا كان الأقوى هو التحالف اليهودي النصراني البغيض ، فالحرية حينئذ هي القتل والنهب والتشريد, وهي حق مشروع لهذا التحالف المشؤوم ، تقرّه القيم الليبرالية ، كما تقره منظمات المجتمع الدولي ذات الهيمنة الاستعمارية.

وشواهد هذا كثيرة في ممارسات الغرب تجاه عالمنا الإسلامي .. ولك أن تلتفت إلى ما يمارسه الغرب ممثلاً في أمريكا من حريات القمع, والتسلط, والنهب, والسلب, والقهر, والعهر ، في فلسطين, والعراق, وأفغانستان, وما يزرعه من مشكلات وحروب ودمار وتمرد في السودان, والصومال, واندونيسيا, وباكستان, وغيرها .

أضف إلى ذلك فرض القوى الغربية الاستبدادية على شعوب الشرق الأوسط برنامجها الاستعماري الليبرالي, الذي يراد منه تحويل هذه الدول والشعوب تدريجياً وفي فترة زمنية محدودة إلى دول علمانية ليبرالية, وشعوب منحلة متفسخة من كافة القيم الإيمانية والأخلاقية.

وهو ما أعلن عنه جورج دبليو بوش في ولايته التعيسة والنكدة لأمريكا, ولا يزال ينفذ هذا المشروع على مراحل مدروسة, باسم مشروع الشرق الأوسط الكبير.

ومن معالم هذا المشروع الأمريكي النكد زرع الليبراليين المحترقين (عملاء السفارات الأمريكية وتلامذة جامعاتها) في مراكز القوى, خصوصاً الإعلام والثقافة, ليمارسوا النقد الجارح, والجرأة الوقحة على الدين والقيم والأخلاق ممثلة في المؤسسات والرموز الدينية, والآداب الشرعية, والنظم الاجتماعية, وباسم ماذا ؟ باسم الحرية...

ومن معالمه استثمار الليبراليين من أصحاب رؤوس الأموال, عملاء الغرب ودعاته, للأموال الطائلة في القنوات الفضائية المسفَّة, والمشاريع السينمائية المنحلة, والروايات المسرحية والقصصية المحاربة للقيم والأخلاق, وغير ذلك من الاستثمارات التي تتحقق بها العولمة الليبرالية على شعوب الشرق الأوسط الكبير, أي العالم الإسلامي.

ومن معالمه تجمهر الحداثيين الشيوعيين, والليبراليين المستغربين, من أدباء وكتاب وإعلاميين على طول العالم الإسلامي وعرضه, في تظاهرة ثقافية مبرمجة, تتمثل في إقامة الأسواق الثقافية, والنوادي الأدبية, ومعارض الكتاب, والحفلات الدعائية, والندوات, واللقاءات, بصورة مختلطة رجالاً ونساءً, وفي نزق ظاهر, يتبين منه قوة الدعم الاستعماري الغربي لهذه الحفنة الهدامة, التي تنزو كالقردة, وتتسلل كالثعالب, وتدب كالحيات والعقارب في مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة.

وكأن الحرية ليست إلا لهؤلاء!! وكأنها ليست إلا الهدم والتسلط والإباحية والتمرد على القيم والأخلاق !!

وحتى في الغرب نفسه, فإن الحرية غائبة في كثير من الممارسات الليبرالية.. فإذا كنا نعلم بأن للّيبرالية وجها سياسياً يسمى الديمقراطية , ووجهاً اقتصادياً يسمى الرأسمالية, ووجهاً اجتماعياً يسمى الحرية الفردية, أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني, فإنا نعلم كذلك بأن الديمقراطية في حقيقتها إنما هي تسلط كتل نخبوية على السلطة السياسية, تتداولها بممارسات قذرة, من التحايل, والابتزاز, والمساومة, وكل ذلك باسم الشعب الذي ليس يدري لماذا؟ وكيف؟ ترسم له هذه النخب السياسات, وتعقد باسمه التحالفات, وهو يدفع الضرائب, ويدفع ثمن التقلبات السياسية, من جراء تبادل السلطة وتعدد الأحزاب, وما الحرية هنا إلا مجرد لعبة سياسية أشبه بالألعاب البهلوانية المدهشة, التي يتقدّم فيها البهلوان ليمسك بأذن الأسد الرابض , ثم يدخله القفص ، ويغلق عليه الأبواب ، في حركة بهلوانية مدهشة .

وإنا نعلم كذلك بأن الرأسمالية وهي الوجه الاقتصادي لليبرالية, تقوم على احتكار جماعة من أصحاب رؤوس الأموال للثروات الهائلة, التي تكتسبها بموجب ما يسمى حرية التملك أو حق التملك من أي طريق كانت, حتى أصبحت أضخم استثماراتها تمارس من خلال شركات الدعارة, وبيع الرقيق, والمتاجرة في المخدرات, والتحايل في أساليب الدعاية والإعلان, والتفنن في أساليب الاكتساب الربوية, وغير ذلك كثير, وحتى أصبحت المجتمعات الرأسمالية شعوباً مستهلكة, مرهونة للبنوك والشركات الرأسمالية, فدخولها ومدخراتها ذاهبة دوماً إلى صناديق زمرة الرأسماليين الجشعين, الذين يتحكمون في الاقتصاد, ويتلاعبون بالأسواق.

وخير شاهد على ذلك ما يعانيه العالم اليوم من انهيار اقتصادي, وكساد تجاري, وخسائر فادحة, بسبب تلاعب البنوك والشركات الرأسمالية بالاقتصاد العالمي حتى بلغ درجة الانهيار المروِّع, وتعرض العالم بسبب هذا التلاعب للأزمة الاقتصادية الراهنة.

وهذا أصدق شاهد على فساد الرأسمالية الليبرالية, وفشلها, وخطورة الاستمرار في التعامل معها. فالعالم اليوم يبحث عن آلية اقتصادية غير الرأسمالية الليبرالية الفاشلة.

أما الوجه الاجتماعي لليبرالية الذي يتشكل من خلال ما يسمى (مؤسسات المجتمع المدني) فهو باختصار(التمرد الديني والفوضى الأخلاقية).

فالتمرد الديني باسم الحرية وصل إلى حد ظهور (عبدة الشيطان), وأصناف الملاحدة المنكرين لوجود الله, القائلين بقانون الطبيعة. وأمثلهم طريقة من يقول بأن الله خلق الخلق ثم تخلى عنهم للقانون الطبيعي, فليس له دخل في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولا بعث ولا نشور, ولا حساب, ولا عقاب, (لا دين في السياسة, ولا سياسة في الدين) (ما لقيصر لقيصر, وما لله لله). وهؤلاء جميعاً يتصرفون وفق هذه الأفكار الإلحادية بمنتهى الفوضى والهمجية, فمن أمن العقاب أساء الأدب.

أما الأخلاقية فقد دمرتها الليبرالية الغربية باسم الحرية, وباسم حقوق الإنسان, فلم يعد للروابط الأسرية أي أثر حقيقي في الحياة الغربية, فليس للأسرة حق في ضبط سلوك أبنائها. فعشيق الفتاة أو الزوجة يمكنه أن يحصل على دعم حقوق الإنسان في تأكيد حقها في الاختيار, والانفلات من الأسرة التي تسمى محاولتها لضبط سلوك أبنائها بالعنف الأسري. وفي الوقت نفسه ترعى مؤسسات المجتمع المدني الليبرالي الشواذ ، وتدافع عنهم تحت سطوة القانون, باسم الحرية ، وحقوق الإنسان .

ويكفي الليبرالية قبحاً ورذيلة أن أصبح ما يسمى بالزواج المثلى, أي زواج رجل برجل, وامرأة بامرأة, حقاً مشروعاً تقره السلطات التشريعية, وتعترف به المؤسسات المدنية في بلاد الغرب.

ولا ننسى ما يسمى بحقوق المرأة في المساواة بالرجال, وما أحدثه من فساد وقذارة, ودعارة, وبطالة, وجرائم مرعبة في بلاد الغرب.

كل ذلك باسم الحرية.. فأين معنى الحرية الجميل, في مثل هذه الممارسات الليبرالية اللا أخلاقية.

إن تسمية هذه الحالة الليبرالية باسمها الحقيقي ينبغي أن يكون(التمرد الديني والفوضى الأخلاقية) فهذه هي حقيقة الليبرالية, فهي في حقيقتها ليست حرية, وإنما هي تمرد, وهدم, وانفلات من جميع المعايير الدينية والأخلاقية, سواء كان ذلك في وجهها السياسي الديمقراطي, أو الاقتصادي الرأسمالي, أو الاجتماعي الإباحي.

وهذا المعنى لا يشامم معنى الحرية الجميل ولا يقاربه.بل هو هدم وتخريب, للقيم والثوابت والأخلاق.

دعونا أخيراً نخاطب من جاءونا يركضون إلينا من هناك, وهم من أبنائنا الذين أرسلناهم ليتحصلوا من العلم ما تسمو به أمتهم, ويقهرون به أعداءهم, فقد جاءونا من هناك مقهورين مهزومين .. يحملون راية الليبرالية, ليزحزحوا الإسلام من ربوعه, ويهدموا كيان الأمة الإسلامية من أساسه, خدمة للصليبية, ولليبرالية, وللغرب الحاقد على أمة الإسلام.

إلى هؤلاء الممسوخين نقول: أربعوا على أنفسكم, فالليبرالية ( دين التمرد الشيطاني ) لن يكون لها في أرضنا مقام, مهما سولت لكم شياطين الغرب, ومهما وعدَتْكم سفاراته التي تلجونها ليل نهار, ومهما اقتربتم من الكراسي والطاولات, وزحفتم إليها زحف الحشرات . فأنتم في هذه الأمة شواذ, وفي دين الأمة مارقون, وفي تاريخ الأمة كبوة لا يلبث هذا التاريخ أن يتجاوزكم إلى أمجاده الخالدة, ومكانته السامقة.

(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .

منقول من شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net



الكاتب: أبو محمد
التاريخ: 11/05/2009