نعم للوسطية ولكن ما هي الوسطية |
|
ينادي البعض في هذه الأيام بالوسطية، وقد عقدوا لذلك المؤتمرات، والندوات العلنية بعد السرية، وأنشأوا من أجل ذلك معاهد ومحاضن، للتسويق لإسلام جديد مغاير ومناقض للإسلام الذي بعث به سيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عبارة عن خلطة بين ما تهواه أنفس أولئك الدعاة المشبوهين، وبين ما أفرزته الحضارة الكافرة، إسلام أمريكي، ليتمكنوا من تفريخ عدد من علماء سوء مفسدين مضلين، وأنصاف دعاة مهرجين مخربين.
يصدق على مثل هذه الدعوات المشبوهة التي تحركها أيد خبيثة معروفة، وينفذها بعض المنافقين والمخدوعين المستغلين، أنها دعوات حق يريدون بها باطلاً، وكلمات صدق يرمى من ورائها إلى تبديل الدين وتطويعه.
الوسطية الحقة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام، والتابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة الفاضلة، والأعصار الزاهية، قبل أن تنبت الفرق الكلامية، وتظهر العقائد الخلفية، كما جعلهم ربهم: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"1، ومن سار على نهجهم واتبع سبيلهم إلى يوم الدين.
ولهذا يمثل الوسطية أهل السنة والجماعة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كما أن المسلمين نقاوة بين الأمم، كذلك أهل السنة نقاوة بين الفرق).
فالوسطية والخيرية إذاً هي الالتزام بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في الاعتقاد، والتصور، والعبادة، والسلوك: "ما أنا عليه وأصحابي اليوم" الحديث، أي الاعتصام بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة.
يعتقد بعض المتفلتين أن الوسطية ما هي إلا التلفيق بين الإسلام وما أفرزته الحضارة المادية الكافرة، كما يزعم دعاتها: الجمع بين الأصل والعصر.
وما هي إلا الأخذ بهفوات وسقطات بعض أهل العلم، والبحث والتفتيش عن الأقوال الشاذة، والآراء المهجورة، وصدق من قال: "من تتبع رخص العلماء وزلاتهم تزندق أوكاد، وتجمع فيه الشر كله".
رموز الوسطية لفيف من العلمانيين والمنافقين ذوي النكهة الإسلامية، أوالمزاج الإسلامي، والعصرانيين، والمنهزمين التوفيقيين، من دعاة إزالة الفوارق بين الأديان، ورفع الكفر عن اليهود والنصارى، والتقارب بين السنة والشيعة، المجيزين لكثير من المحظورات، المحللين لجل المحرمات: الغناء، الموسيقى، التمثيل، التصوير، تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، الساعين لإشاعة الفاحشة في المجموعات الطاهرة، المتجاسرين على رد سنن خير الأنبياء.
تتضح وسطية أهل السنة، واعتدالهم، وخيريتهم في الآتي:
أولاً: الإيمان بأسماء الله وصفاته، فهم وسط بين المشبهة من ناحية وبين الجهمية المعطلة نفاة الصفات من ناحية أخرى، فمذهبهم إثبات من غير تشبيه، وتنزيه من غير نفي.
ثانياً: في الصحابة، فهم وسط بين الشيعة والخوراج الذين كفروا وفسقوا كثيراً من الصحابة من ناحية، وبين الشيعة وغلاة الصوفية الذين يدَّعون العصمة لبعضهم، فالصحابة عند أهل السنة بشر، ولكنهم أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، تجوز عليهم الكبائر والصغائر كسائر الخلق، مع ندرة حدوث ذلك منهم.
ثالثاً: فقهاء أهل السنة كذلك وسط بين المتعمقين في القياس والرأي من ناحية، وبين نفاة القياس كلياً من ناحية أخرى.
رابعاً: في الشفاعة في الآخرة، فهم وسط بين الخوارج والمعتزلة الذين نفوا عدداً من شفاعاته صلى الله عليه وسلم من ناحية، وبين غلاة الصوفية الذين جعلوا الشفاعة في الآخرة كالشفاعة في الدنيا من ناحية أخرى.
خامساً: في الحكم على الناس، إذ أنهم يحكمون على الناس بما ظهر منهم، ويدعون علم سرائرهم لعلام الغيوب.
سادساً: في الإكفار، فهم وسط بين الخوارج والمعتزلة الذين يكفرون بكل كبيرة من ناحية، وبين المرجئة الذين جعلوا الأمر فوضى والتكاليف عبثاً، الذين يقولون: (لا نكفر إلا من انتفى الإقرار والتصديق من قلبه) من ناحية أخرى، إذ يكفرون من تعاطى سبباً من أسباب الإكفار، ويمنعون الإكفار بكل معصية.
هذه هي الوسطية الحقة، وما سواها تفلت عن الشرع، وسعي لتبديل وتغيير دين محمد صلى الله عليه وسلم.
الأفضل للمرء أن ينسلخ عن دين الإسلام، ويكفر بما أنزل عليه بالكلية، بدلاً عن أن يشرع ديناً ما أنزل الله به من سلطان، تحت مسميات مختلفة، ومصطلحات مفضوحة مختلقة.
لقد ضاق دعاة تطوير الدين وتبديله حتى يماشي ما عليه الكفار بالعتيق ذرعاً، ولهذا سعوا لاستيراد "نظم الحكم" من الكفار كما استورد سلفهم عمرو بن لحي الخزاعي صنماً من الشام، عندما ضاق بالحنيفية السمحة فتولى كِبْرَ تبديلها، كما يريد هؤلاء تولي كِبْرَ تبديل شرع محمد العتيق، ولهذا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر "قصبه"، أي أمعاءه في جهنم.
فهنيئاً لدعاة تبديل الدين، وتبصر بمصير شيخهم شيخ السوء عمرو بن لحي الخزاعي، والله جامع الكافرين والمافقين في جهنم جميعاً.
وليعلم هؤلاء أن دين الله محفوظ، وشرعه باق ما بقيت السموات والأرض، وأنهم بسعيهم الباطل هذا، وعملهم الخاسر، لا يضرون إلا أنفسهم، فهنيئاً لهم برضى الكفار الموجب لغضب الجبار، المفضي إلى الخلود في النار، والويل ثم الويل لمن باع آخرته بدنياه، وربما بدنيا غيره.
اللهم من أرادنا وأراد إسلامنا بسوء اللهم فعليكه فإنه لا يعجزك، وصلى الله وسلم وبارك على محد، وآله، وصحبه، والتابعين لهم من بعده