اخترت لكم هذا المقال القيم من مجموعة بريدية مشترك فيها
باكستان: أيهما خان... مشرف أم خان؟!
بقلم : سمير حسين
- ليس هناك ما يدين باكستان فيما يتعلق بنقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى إيران؛ لأنها ليست عضوًا في معاهدة منع الانتشار النووي.
- قرار مشرف بالعفو جاء خوفًا من تهديد خان بالكشف عن كل الأسماء التي ساعدته في تصدير التكنولوجيا النووية.
ما حدث في باكستان بشأن التعامل مع الأزمة النووية وبيع تكنولوجيا نووية لإيران وكوريا الشمالية وليبيا وقيام الحكومة بإلقاء القبض أو تحديد إقامة عدد من علماء الذرة للاشتباه في تورطهم في نقل تكنولوجيا نووية للخارج، وإلصاق تهمة نقل التكنولوجيا النووية بعلماء الذرة بما في ذلك (أبو القنبلة النووية الإسلامية) عبد القدير خان بحجة أنهم قاموا بذلك بدافع من الطموح الشخصي وليس تنفيذًا لسياسة رسمية معتمدة من الحكومة الباكستانية.
هذا الأسلوب الذي اتبعه (برويز مشرف) يمثل إهانة شديدة لمكانة العلماء ودورهم بعد أن قاموا بدور لا يمكن إنكاره لباكستان في تمكينها من امتلاك رادع نووي في تحقيق توازن نووي في الهند وليست هناك دولة متحضرة تتعامل مع علمائها بهذا الأسلوب!.
ومنطق مشرف هذا في التعامل مع الأزمة منطق سطحي ولا يمكن أن ينطلي على أحد، إذ لا يمكن أن تتم عمليات توريد تكنولوجيا نووية بهذا الحجم بجهود شخصية، وكذلك فإن مشرف لم يستطع التوفيق بين ارتباطه بالسياسة وبين موقف بلاده السليم من الناحية القانونية، حيث إن قيام باكستان بتصدير تكنولوجيا نووية لدول أخرى لا ينتهك بشكل أو بآخر القانون الدولي؛
فليس هناك ما يدين باكستان فيما يتعلق بنقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى إيران، لأنها ليست عضوًا في معاهدة منع الانتشار النووي التي تشترط أن يتم هذا النوع من التعاملات بموافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها الكامل، وما دامت باكستان ليست عضوًا في المعاهدة؛ فهي ليست خاضعة إذًا لمثل هذا الالتزام.
ومن هنا فإن ما قامت به حكومة مشرف باتهام علمائها يعد لعبة سياسية مكشوفة ضررها أكثر من نفعها، حيث إن اتهام عبد القدير خان (أبو القنبلة النووية) رغم العفو الذي صدر بحقه؛ سيثير حفيظة الشارع الباكستاني ويدفع البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار، وكان اللقاء الذي تم بين (قاضي حسين أحمد) أمير الجماعة الإسلامية في باكستان وبين (عبد القدير خان) قبل لقاء أخير مع الرئيس مشرف، وتأكيد خان أن ما تم من نقل للتكنولوجيا النووية تم بعلم وإشراف جنرالات من الجيش الباكستاني كان من بينهم مشرف نفسه،
ومن هنا كان اعتراف خان بتصدير تكنولوجيا نووية أثناء لقائه الرئيس مشرف وتوصية مجلس الوزراء بقبول العفو المقدم من خان لمشرف كل هذا كان بدافع امتصاص غضب الشارع الباكستاني الذي لم يصدق أن يقوم خان بالاعتذار، ولكن الباكستانيين لديهم قناعة تصل إلى حد اليقين أن اعتراف خان هذا كان مجبرًا عليه، كما أن الاعتراف وقرار مشرف بالعفو جاء خوفًا من تهديد خان بالكشف عن كل الأسماء التي ساعدته في تصدير التكنولوجيا النووية.. الأمر الذي سيحدث صدمة عنيفة.
ومع كل ما حدث؛ فإن الأمر لم ينته بعد ولن ينتهي؛ فقد تشهد القضية تطورات أخرى خلال الأيام المقبلة خصوصًا وأن الاتهامات الأمريكية والأوروبية لباكستان بتصدير تكنولوجيا نووية للدول المارقة (إيران ـ ليبيا ـ كوريا الشمالية) لا تعتبر جديدة وليست الأولى من نوعها، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون مع إيران؛ بل كانت أبعاد التعاون مع بين باكستان وإيران معروفة بدقة منذ أواخر التسعينات منذ القرن الماضي، وهناك اتفاق رسمي بين الجانبين تلتزم بموجبه إسلام أباد بتدريب العلماء الأخصائيين التابعين للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، كما ينص على تبادل الزيارات بين المسؤولين والعلماء من الجانبين، وهناك أدلة تشير إلى أن تصدير التكنولوجيا النووية الباكستانية لإيران يعود إلى نحو 16 عامًا.
أبو القنبلة النووية
وبعيدًا عن اللعبة السياسية التي تتم الآن بين واشنطن وإسلام أباد؛ فإن هناك سعيًا حثيثا لضرب البرنامج النووي الباكستاني الذي يعد رمزًا لقوة العالم الإسلامي، وقد بدأ بالفعل مشرف أولى الخطوات باتهام علماء الذرة الباكستانيين "بتهريب" التكنولوجيا النووية، خصوصًا عبد القدير خان (أبو القنبلة النووية الإسلامية) فباكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة بين أكثر من 50 دولة إسلامية تمتلك قنبلة نووية،
ويدرك العالم الغربي أن هذه القنبلة ليست رمزًا لقوة باكستان فحسب؛ بل هي رمز لقوة العالم الإسلامي أجمع، ولذا حرص الغرب على تجريد المسلمين من هذه القوة، وقصة البرنامج النووي الباكستاني مليئة بالإثارة وروح التحدي، ومثال واضح على قدرة المسلمين على الوقوف في وجه الأعداء، ومن هنا كان دور الدكتور عبد القدير خان الذي عاد إلى باكستان بعد 15 عامًا قضاها في أوروبا درس خلالها في أشهر جامعات أوروبا كجامعة التكنولوجيا في غرب برلين، وجامعة برستيجيوس للتكنولوجيا في هولندا، وفي أقدم وأعرق جامعة في بلجيكا وهي جامعة لوفين، كما عمل عدة سنوات في هولندا في مجال تخصيب اليورانيوم، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم المعادن وطبائعها الكيميائية، وتم نشر العديد من الأبحاث الشهيرة له في العديد من الصحف والمجلات العالمية.
هذه الخبرة العملية والأبحاث العلمية اختلطت بمشاعر خان نحو وطنه وشعبه، وتملك عقله وقلبه لحظة البدء في المشروع النووي الباكستاني، ووفرت له الحكومة آنذاك كافة الاحتياطات والمتطلبات وبلا تردد للوصول للهدف المنشود في أسرع وقت.
وفي 31 يوليو عام 1967 تم بذر البذور الأولى للبرنامج النووي الباكستاني، ففي هذا اليوم التاريخي تم إنشاء هيئة الأبحاث النووية تحت اسم " معهد الأبحاث الهندسية". وكان الهدف من هذا المعهد هو تخصيب اليورانيوم والوصول به إلى القدرة على إنتاج القنبلة النووية وخلال فترة قياسية لم تتجاوز ست سنوات أصبحت باكستان على الخريطة النووية للعالم، وأصبح لديها قاعدة صلبة قادت إلى قناعة ذاتية لدى باكستان من قدرتها النووية المستقبلية لاستخدامها في الأمور السلمية.
وكان البدء في إنشاء البرنامج النووي الباكستاني بعد تفجير الهند قنبلتها النووية في 18 مايو 1974، حيث أدرك الباكستانيون أنه لابد من امتلاك السلاح النووي حتى لو اضطرت إلى الرجوع لعدم وجود خيار آخر أمام باكستان؛ فكان البرنامج النووي الباكستاني.
ويؤكد عبد القادر خان أن المشروع النووي الباكستاني هو جهد كل الشعب ورمز للدول الفقيرة والنامية للتحدي والجهاد ضد سيطرة وابتزاز الدول الكبرى. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع باكستان الجهاد ضد سيطرة وابتزاز الولايات المتحدة، أم تتراجع وتخضع للابتزاز تحت ادعاء محاربة الإرهاب، أو خشية أن يقع السلاح النووي في يد الإرهابيين؟
الإجابة عن السؤال تؤكد أن بداية الخضوع للابتزاز الأمريكي والغربي كانت باعتقال 25 عالمًا ذريًّا باكستانيًّا والتحقيق الجنائي مع عدد من العلماء، وكذلك توجيه الاتهام إلى الدكتور خان، وهو ما يؤكد أن الحكومة الباكستانية خضعت لأولى مراحل الابتزاز والسيطرة الغربية، ولم يكن ذلك وليد اليوم، ولكنه يعود إلى ما بعد تفجيرات مايو 1998 حيث استقال خان وعمل مستشارًا للحكومة الباكستانية للشؤون العلمية، ثم استقال من هذا المنصب وتفرغ للأبحاث العلمية. واتهامه بهذا الشكل سيلقي بظلاله على نحو ستة آلاف عالم ذرة في باكستان خصوصًا العلماء صغيري السن،
ولكن اعتبار الشعب الباكستاني خان بطلاً قوميًّا قد يحدث توازنًا في نفوس هؤلاء العلماء صغيري السن الذين يرون إهانة العلماء في باكستان من قبل المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الدولة الذي يخشى غضب الأمريكان؛ فيقدم تنازلات غير مطلوبة منه، وكان عليه أن يتمسك بحق بلاده القانوني؛ فمن الناحية القانونية البحتة فإنه ليس هناك ما يدين باكستان فيما يتعلق بنقل تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى إيران أو غيرها!!.