صرخة سجين سعودي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة من أسير إلى العلماء....إلى العقلاء... إلى آبائنا وأمهاتنا .... إلى من يهتم لأمر المسلمين المستضعفين ... إلى من يهمه أمرنا .. ...

الحمد لله رب العالمين العدل الحكم الذي لا يظلم عنده أحد والصلاة والسلام على من أحسن للأسير وعامله بالحسنى والتيسير.... وبعد...

ذكرت في رسالة سالفة صورا إجمالية من الأذى والإضطهاد الذي يتعرض له المعتقلون في السجن السياسي من قبل إدارة السجن، واليوم سيكون الحديث عن صور أشد شناعة من سابقتها، ولكن الجهة التي تقوم بتلك التصرفات هذه المرة هي إدارة التحقيق لإدارة السجن، ودافعي لذلك هو مابلغني علمه عن بيان الدكتور يوسف الأحمد الذي أشار فيه إلى بعض من التصرفات التي لا تمت إلى الدين والأخلاق بصلة، والتي تصدر تجاه الموقوفين من قبل إدارة التحقيق فأردت أن أجلي الصورة بنقل واقعي للأحداث التي عايشتها وسمعتها من داخل أسوارالسجن، وهي تؤيد ما ذكره الدكتور الأحمد وتزيد عليها، ومع تحفظي على بعض ما ذكره الأحمد في بيانه إلا أني أشكر له مروءته ووقوفه في وجه الظلم مع إخوانه المستضعفين.

فمما يتوجه النقد إلى الشيخ بشأنه وهو لصيق بموضوعنا إلقاؤه باللائمة على جهاز المباحث وحده وكأنه جهة مستقلة ينفرد بقراراته دون مرجعية إدارية، وهذا الكلام فيه خلط وإلقاء المسؤولية عن كاهل المتصدر الفعلي لتلك القرارات والأوامر، حيث نريد تسمية الأشياء بمسمياتها، ووضع الأمور في نصابها فإنه مما لا يخفى علمه عن أحد أن إدارة المباحث جهاز يتبع وزارة الداخلية ويخضع لسيطرتها ضمن منظومة أمنية متكاملة يقف على رأس الهرم فيها نايف بن عبدالعزيز، وحين يتكلم متكلم عن أساليب الإيذاء والتعذيب التي يمارسها زبانية التحقيق عليه أن يمتلك الشجاعة ليحمل مسؤولية تلك الأعمال من وظف هؤلاء الأفراد للقيام بها، والمسؤول عنها بلاشك هو وزير الداخلية ومساعده الذي له إشراف مباشر على جميع الملفات والقضايا، والذي أعطى الصلاحية الكاملة لرئيس التحقيق – خالد الحميد – وضباطه باستخدام كافة الأساليب والطرق مشروعة وممنوعة لتسيير مجريات التحقيق مع الموقوفين كما أخبرني بذلك أحد ضباط التحقيق.

وحين أعرض للحديث عن بعض المآسي التي تدور أحداثها بين جدران مكاتب التحقيق في معزل عن العالم الخارجي حيث يتسنى للمجرم التفرد بضحيته الأعزل المقيد، أنبه أن ما سأورده إنما هو سرد إجمالي لأشهر طرق التعذيب وأساليب المحققين الوحشية دون خوض في الأحداث التفصيلية والقصص الفردية إلا ما ندر، ومع ذلك سأعرض صفحا عن ذكر بعض طرق التحقيق – والله يشهد على وقوعها – وذلك خشية تكذيبها وعدم تقبل النفوس لها لاستبعاد صدورها ممن ينتسب إلى الإسلام والفطرةالبشرية القويمة .

فمن أكثر الأساليب استخداما (التسهير) وهو إجبار الأخ على الوقوف في مكتب التحقيق تحت مراقبة الكاميرا والعسكر، مع وضع القيد في يديه وأحيانا كثيرة في رجليه أيضا ، ويطول ذلك لأيام وأسابيع حتى يصل إلى شهر وأكثر ، وأكثر الإخوة بعد أيام قليلة من وقوفه يفقد السيطرة على قدرته العقلية ويدخل في عالم التخيلات أو ما يسمى بـــ (الهلوسة) فيصبح كالمجنون لا يملك من أمره شيئا فربما قضى حاجته على نفسه وربما فعل أكثر من ذلك ، ثم يتعمد الضابط إجراءالتحقيق في مثل هذه الظروف ، ففي كثير من الحالات يعترف الأخ بما لم تجني يداه دون وعي منه فتستغل هذه النقطة ويجبر على التصديق على ما نطق به. وهذا الأسلوب الإجرامي ربما تمتد آثاره أياما وشهورا بعد زوال محنته، فبعض الإخوة لا ينام إلا باستعمال المهدئات والمنومات، وبعضهم يبقى التأثير على عقله جليا لفترة طويلة .

ومن أساليب التعذيب (التعليق) وهو أن تعلق يد الأخ بالنافذة أو بحديده مركوزة في الجدار حاملة جسمه كاملا عن الأرض ، وربما كان التعليق من جهة القدمين ويبقى الأخ منكسا لساعات طويلة، مع تكرار تلك العملية لأيام متواصلة ، ويندرج تحت هذا الأسلوب ما يسمى بــــــ(الشواية) - وقد أخذت هذه التسمية من طريقة شوي الدجاج على الشواية – فيعلق الأخ بيديه وقدميه جميعا في حديدة لها طرفان منحنيان ثم تدار تلك الحديدة ويدور معها جسم الأخ الذي يكون ثقله جميعا متعلق بأطرافه، وفي هذا من الآلآم الفظيعة الشيء الكثير .

ومن طرق التعذيب (الضرب) وهذا أسلوب يتفنن المحققون في تطبيقه ، فبعضهم يقتصر بالضرب على القدمين (الفلكه) وبعضهم يضرب على الظهر، وبعضهم لا يتحاشى في ضربه أي موضع من الجسم ، حتى الرأس فأحد الإخوة كسرت على رأسه تسع عصي، وهو الآن يعاني من رضوض في الجمجمة والآم عظيمة في الرأس لا يستطيع النوم منها، وبعض الضباط لا يتوقف عن الضرب حتى تسيل دماء الأخ، وكثيرا ما يحدث ذلك حتى أصبح من المألوف على الداخل إلى مكاتب التحقيق أن يرى بقع الدم منتشرة على أرضية المكتب وجدرانه ، ومن طرق التعذيب أيضا (الكهرباء) وهو عبارة عن ماس كهربائي على درجة عالية يصعق به الأخ ، وهو يترك آثارا سيئة طويلة المدى على الأعصاب.

وما سبق ذكره أشبه ما يكون بتعذيب منظم بإشراف رئيس التحقيق ووجود عدد من الضباط، أما وسائل التعذيب الأخرى الخارجة عن ذلك الإطار فشيء لا يحصره الكلام في مثل هذا المقام . فمن إطفاء أعقاب السجائر على جسد الأخ و ضرب وجهه بالأجسام الثقيلة كطفاية السجائر والدباسة وغيرها ، مما يتسبب أحيانا بكسر في الأنف وعظام الوجه، إلى نتف اللحى وجر الأخ من لحيته ورأسه، إلى رشه بالماء البارد في شدة البرد، وغير ذلك من الإذاءات الجسدية .

وكثيرا ما يقارن ذلك الضغوطا لنفسية التي تفوق أحيانا الضغوط الجسدية، كإيداع الأخ في زنزانة إنفرادية ومنعه من الزيارة والإتصال من حين القبض عليه، ويستمر ذلك لأشهر وسنين متواصلة لا يعلم شيئا عن أهله ولا يعلمون عنه شيئا، وأقرب شاهد لذلك الأخ محمد القحطاني الذي أكمل أربع سنوات دون خبر عن حاله ومكانه، وحين راجع أهله في شأنه أجيبوا بأن ينسوا ولدهم ويمحوا اسمه من بطاقة العائلة !!!

ومن الإذاء النفسي إسماع الأخ الشتم والسب المقذع الذي يطال والديه وأهله ، بل يتلقى مكرها الكلمات الفاحشة التي تنبو عنها الأسماع والنفوس السليمة ولربما أجبر الأخ على وصف نفسه بأقبح الأوصاف وأقذعها ليهينوا كرامته ويكسروا نفسه، ومن الضغوط النفسية تهويل أمر السجن على الأخ وتصوير الحال له أنه سيطوي مراحل عمره في زنزانة انفرادية ونقلا لأخبار الكاذبة عن أهله ووضعهم النفسي والصحي بعد فقدهم له، وتهديده أو إيهامه باعتقال بعض إخوانه وأهله ومحارمه، مما ينعكس سلبا على الحالة النفسية للأخ حتى ربما امتدت تلك الآثار إلى أن يضطر للمعالجة في المصحات النفسية كما حصل لعدد من الإخوة الذين نقلوا إلى مصحة شهار، وغير ذلك من الأمور التي تتفطر لها القلوب وتشيب لها الرؤوس حتى بلغت الحال في سجن عليشة إلى تخصيص مكتب يطلق عليه الضابط اسم (المسلخ) وذلك لهول ما يستخدم فيه من وسائل بشعة لا تنسجم مع طبائع النفوس البشرية .

وإلى هنا نقف ونتسائل: هل في القوم من عاقل يرتق مافتق من الجراح قبل أن تتعمق وتلتهب فلا تجد من يداويها؟؟

إنا نفوسنا قد امتلأت غيضا وحنقا على سياسات إجرامية يقوم عليها أناس لا يرون أبعد من أنوفهم، وهم من يدق المسامير في نعش الدولة التي أسلمتهم أمرها .... وعند كتابتي لهذه السطور بلغني خبر مقتل الأخ ياسر الشهري رحمه الله، الذي أشيع أنه مات منتحرا في سجن أبها، وعند التحقق من حال الأخ ممن يعرفه معرفة وثيقة أكدوا متانة دينه وحسن خلقه وبعده عن مقاربة مثل هذا الأمر فضلا عن مقارفته، ثم أتانا الخبر اليقين من الإخوة في سجن أبها فتبين أنه تعرض لضرب شديد من قبل العسكر على إثره لفظ أنفاسه، وقد تكررت مثل هذه الحادثة مرات عدة في سجون متفرقة مما يجعلنا نوقن بكذب شائعة انتحار الأخ ياسر رحمه الله .

فيا أيها المسلمون ويا أيها العلماء و يا أيها العقلاء : بالله عليكم بأي حق يستباح دم المسلم؟؟ وبأي حق تهدر كرامته وتصادر حقوقه ؟؟

*وقفه...
إليكم أيها الظالمون نفثة مصدور باح بها أمثالنا لأمثالكم في زمن غابر.. (قد مضى من بؤسنا مدة ، ومضى من نعيمكم مثلها، والموعد الله تعالى)


ستعلم يا نؤوم إذا إلتقينـــا
غداً عند الإله من الظلـــوم
****
أمــا والله إن الظـلم لـــؤم
ومازال الظلوم هو الملـوم
****
سينقطع التلذذ عن أنـــاس
أدامــوه وينقطـــع النعيـــم
****
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله تختصم الخصوم
****

وحسبنا تسلية لنا قول ربنا جل ذكره (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون )

أبو ربيع الشمري
معتقل الحائر السياسي
غرة شهر رجب لعام 1432هـ

http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=8746#.Tgw7LA2fq6c.facebook


الكاتب: سجين الحاير
التاريخ: 30/06/2011