آن للمحتل أن يرحل - منقول (الحكمة ضالة المؤمن) |
|
آن للمحتل أن يرحل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد!!
فيومًا بعد يوم تسقط كلُّ ورقاتِ التوتِ التي توارِي عوراتِ النظامِ العالميِّ الجديدِ، وتتعرَّى دعاوَى التحريرِ الزائفةُ والديمقراطيةُ المحمولةُ على متنِ عرباتِ (الهامر) والحقوقُ المزعومةُ المنطلقةُ من فوَّهةِ المدافع المدمِّرة، ولا يتبقَّى في الصورة إلا وطنٌ جريحٌ تتدفقُ مع نهريه- دجلة والفرات- أنهارٌ من دماءٍ طاهرةٍ بريئةٍ ترسم بلونها القاني دعاءَ المستجير.. "اللهم أشكو إليك ضعفَ قوتي وقلةَ حيلتي وهوانيَ على الناس"، ويرتفع الدعاء مدويًا لا يحُول دون ارتفاعِه حصارُ القوات الأنجلو أمريكية ولا أنقاضُ الدور الهاوية بفعلِ احتلالِ التحرير ولا أسوارُ سجونِ اعتقالٍ رهيبةٍ يتربص سجَّانوها بكل معاني الإنسانية..!!
مرتع الذئاب
وتبقى الأسئلة: رحل صدام فكم طاغيةً مكانه حلَّ؟ وكم جُرمًا بدعوى إسقاطه ارتُكِبَ؟ وكم من إرهابيٍّ فوق إرهابه طغى؟ وكم من ثرواتِ العراق بعد نهبِه سُلبَ؟ وكم.. وكم؟!
تذرَّع الذئبُ الأمريكيُّ بطغيان صدام فبَطَش بشعب العراق كلِّه، وراح يُنكِّل ثم يعتذر، ويُقتِّل ثم يعتذر، ويغتصب ثم يعتذر، و{يَقُولُونَ بَأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (آل عمران: 167) وفِعالهم تؤكد {ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل عمران: 118).. هذا الواقع لم يشهد به بنو جلدتنا فحسب، بل يؤكدُه كلَّ ساعة واحدٌ من شرفاء الغرب في كتاباتهم وتحليلاتهم، وكان منهم الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" في صحيفة الـ(إندبندنت) قبل أسبوعين، مؤكدًا أن واقعَ الأمريكيين في العراق تحوَّل إلى كارثةٍ، شارحًا ذلك بقوله: "لقد غاب المشروعُ السياسيُّ للأمريكيين في العراق، ولم يخططْ بوش الابن لمرحلة ما بعد الحرب، فلم تعُد الأوضاعُ الحقوقيةُ للسجناء في العراق وأفغانستان ذاتَ أهميةٍ بالنسبة للإدارة الأمريكية، وتحولت أيةُ عملياتِ تعذيبٍ للسجناءِ من جانب القوات الأمريكية إلى مجردِ إساءة!!".
وهكذا تحوَّل الإنسانُ الذي كرَّمه ربُّ البرية {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70) إلى مجرد عاملٍ مساعدٍ في فلسفةِ العدوان التي تحكُمُ إدارةَ "بوش" فتستباح خصوصيتُه وتقول قيادة قوات الاحتلال "إساءة" ويُعتقل المئاتُ وتُجرِّدهم آلاتُ التحقيق من كل حقٍّ في الحياة، وعندما يَكتشف الرأيُ العام- قَدَرًا- حقيقةَ حالة 169 سجينًا من مئاتٍ يكتفي البيان الإعلامي بقوله: "بدَت عليهم آثارُ سوءِ المعاملة" دون أن يفصِّل آثار الحرق بالآلات الكهربائية والصعق والتعليق وانتهاك الأعراض وتكسير الأطراف والأسنان.. عندما ينفضح كل هذا يكون الردُّ بيانًا من السفارة الأمريكية في بغداد "يدين الإساءة ويَعِدُ بالتحقيق"!!
مَن الذي يحقِّق مع مَن؟ وهل الجندي هو المسئول أم القائد؟ إن الإجابة بلا شك ستكون القائد (بوش الابن) الذي أعلنها "حربًا صليبيةً" من البداية، وراح الذئبُ يحوم حول قطيعِنا المتفرِّق ليفتكَ به متذرِّعًا بفُرقتنا ومتدثِّرًا بحُججٍ واهيةٍ، أعلن كلُّ شرفاء العالم زيفَها، واليوم يعترف الذئبُ بِزُور حجتِه، ويخرج وزير الحرب "رامسفيلد" قائلاً في برنامج تليفزيوني أذاعته شبكة "ABC" التليفزيونية الأحد 20 نوفمبر الجاري: "كانت المعلومات الاستخبارية التي سبقت الحرب على العراق خاطئةً، والجميع اطَّلعوا على نفس المعلومات"، لكنه أكد "كنت سأؤيد الحرب حتى لو أدركتُ خطأ المعلومات"، وعلَّل ذلك بأن "الأمريكان لن يتركوا العراق بنفطِه ومياهِهِ وشعبه للزرقاوي".. لقد كان المحتل يتذرَّع في الأمس بـ"صدام" واليوم بـ"الزرقاوي" وغدًا يصطنع "ذريعةً" جديدةً للبقاء {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون: 4) ذئبٌ يسعى للنفط والماء قبل أي شعب أو قيمة {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاً ولا ذِمَّةً وأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ} (التوبة: 10).
فيا شعب الرافدين..
- العدو يألم.. وآخِر استطلاعات الرأي تؤكد أن "60%" من الشعب الأمريكي يعارض بقاءَ قواته في العراق، ورامسفيلد يعلِّق "إن الرئيس سيُصاب بالدوار لو لاحَقَ كلَّ تلك الاستطلاعات".
- العدو يألم.. وتجاوزت أعداد القتلى (الأعداد الرسمية) ألفَي قتيل، وهو ما علَّقت عليه صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) بقولها: "رغم هذا الرقم للضحايا الأمريكيين إلا أن تراجع المسلَّحين (المقاومة) في العراق لا يلوح في الأفق، وما يراه المحللون هو أن استمرار القوات الأمريكية والأجنبية في العراق يؤدي إلى استمرار العنف المسلَّح (المقاومة) في البلاد".
- العدو يألم.. والتقارير تؤكد تناقص أعداد المجنَّدين في الجيش البريطاني بسبب الحرب على العراق، ويرفض الشباب الخدمة بسبب إمكانية إرسالهم للعراق، في حين يخرج العديد من الضباط إلى المعاش المبكِّر لنفسِ السبب، وفي نهاية شهر أكتوبر الماضي أكدت صحيفتا "الديلي تليجراف" و"الجارديان" على أن معنويات الجنود الأمريكان في العراق في تدنٍّ مستمرٍّ؛ بسبب عدد قتلاهم المستمر في التصاعد، ولتباين رؤاهم قبل الحرب التي كانت ترتبط بالدعاوى المزعومة عن حماية بلادهم والسلم العالمي، ثم اكتشفوا فيما بعد أنهم دخلوا دوامةً من العنف، إضافةً إلى إحساسهم بتلاشي نظرة التقدير من ذويهم وتحولِها إلى الاحتقارِ بسببِ الانتهاكاتِ التي يقومون بها.
- العدو يألم.. ومخابراتهم تحذِّر من احتمال أن تؤدي الحرب على العراق إلى إيجاد جيلٍ جديدٍ يَكره الولايات المتحدة بدون أي نوع من التعاطف.
فيا أيها المقاوِمون.. إنها أرضُكم وخيراتُها وحِمَاها، وإنها شعوبكم أبناء الديار والجيرة والعقيدة، فرابِطوا واعلموا {إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} (النساء: 104)، غير أن واقعَكم من واقعهم بعيدٌ {وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} (النساء: 104)، فكونوا الأحرصَ على الوحدة {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا} (آل عمران: 103) وحقِّقوا بتوحدِكم {وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} (المؤمنون: 52) معنى رباطكم، وكونوا الأحقنَ لدمائكم، وضعوا مرتبةَ التوحُّدِ قبلَ التخوين؛ لتكونَ دونَكم دماءُ بني جلدتِكم، وإن بغوا فـ"كل المسلم على المسلم حرام".. واعلموا أن قلوبَ المسلمين متعلقةٌ بحالكم، ودعواتِ السحر والصلوات تنصركم، ووعد الله حق كما الجنة حق.
{لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدِ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيم} (الروم: 4، 5).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.