حقيقة الدور الإيراني في العراق بعد الاحتلال..

 

حقيقة الدور الإيراني في العراق بعد الاحتلال

 

بقلم ..د/ محمد الكبيسي

منقول : ـ

ثارت تصريحات وزير الخارجية التركي عبد الله جول المنشورة في صحيفة السياسة الكويتية بتاريخ / 3 / 3/ 2006 والتي جاءت تحت عنوان / ( تركيا تحذر من مخطط إيراني للسيطرة على العراق..) وقبل ذلك تصريحات وزير الخارجية السعودي (سعود الفيصل) حول نفس الموضوع ، وتحذير المسؤولين الأردنيين من الخطر الذي يتهدد هوية العراق ومستقبل المنطقة من الطرف الإيراني ، أثارت تلك التصريحات تساؤلات كثيرة لاسيما أن تلك التصريحات كانت موجهة للأمريكان ومتهمة لهم بأنهم يسعون لتسليم العراق إلى إيران. ولتوضيح الصورة والإجابة على تلك التساؤلات أقدم هذه الورقة والتي تضم المحاور الآتية:
 المحور الأول: أمريكا وإيران خلاف أم وفاق؟
 لا شك أن الذي يتابع مسيرة (الثورة الإسلامية) على يد آية الله الخميني والحرب الإعلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر) وقضية الرهائن الأمريكان الذين احتجزوا من قبل (الطلاب السائرين على خط الإمام) الذي يتابع كل هذا لا شك أنه سيصل إلى أن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين ليس من السهولة التقليل من شأنها، إلا أن بعض المراقبين سجل في الاتجاه المعاكس مؤشرات أخرى قد تكون من الناحية العملية أقوى في الدلالة، ومن هذه المؤشرات:
 أ – سكوت الإعلام الأمريكي المطبق حول قضية الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران وبين دولة تصنف على أنها قريبة من الولايات المتحدة رغم المطالبات المتكررة لدولة الإمارات العربية من خلال مجلس التعاون الخليجي لاسترداد هذه الجزر!!
 ب – سكوت الأمريكان عن الوضع المأساوي الذي تعيشه الأقليات الإيرانية مثل السنة والأكراد والعرب والبلوش في ظل (الحكومة الإسلامية) بينما نذكر كيف استغلت هذه المسألة ضد العراق.
 ج – تعامل الأمريكان مع المعارضة الإيرانية المسلحة (مجاهدي خلق) والتي كانت لها معسكرات معروفة داخل العراق وبعد دخول الأمريكان اتجهت القوات الأمريكية إلى هذه المعسكرات وحاصرتها وأجبرتها على نزع سلاحها، مع أن هذه المليشيا علمانية التوجه بخلاف الحكومة الإيرانية.
 د – تخليص إيران من العدوين اللدودين (طالبان) في الشرق و (صدام حسين) في الغرب، نعم ربما تكون هذه فائدة غير مقصودة من قبل الأمريكان ولكن يبقى السؤال: هل كان (صدام) و (طالبان) أخطر على المشروع الأمريكي من إيران (الحكومة الإسلامية) ولماذا؟
 هـ - تعامل الأمريكان مع الأذرع الإيرانية في العراق بعد الاحتلال ، حيث لا يخفى أن جلّ الأحزاب والمنظمات والمليشيات التي تعاونت مع الاحتلال وكانت رأس الرمح في غزو العراق كانت كلها مؤسسة ومدربة في إيران، مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (عبد العزيز الحكيم) وجناحه المسلح (فيلق بدر) وحزب الدعوة (إبراهيم الجعفري) وهؤلاء هم عصب النظام العراقي الجديد بعد الاحتلال، وحتى على مستوى المرجعيات الدينية قام الأمريكان بمساعد الإيرانيين في تهميش كل المراجع الشيعية (العراقية) مثل: آية الله العظمى (فاضل المالكي) وآية الله (أحمد البغدادي)، آية الله (جواد الخالصي) وغيرهم كثير وتم التعامل حصرًا مع (آية الله السيستاني) وهو إيراني الجنسية فارسي الأصل لا يمتلك أي وثيقة عراقية، وقد أعلن رفضه للجنسية العراقية التي منحتها إياه الجمعية الوطنية الحالية التي يسيطر عليها الاتجاه (الشيعي الإيراني) وهذا بحسب ما أعلنته وسائل الإعلام الرسمية!! واليوم تعلن الولايات المتحدة وإيران الموافقة على إجراء مفاوضات مباشرة بخصوص العراق استجابة لدعوة المجلس الأعلى (عبد العزيز الحكيم)!! وهذا اعتراف صريح بأن إيران هي الفاعل الأقوى في المشهد العراقي. ونسجل هنا اعتراض التيار الصدري الذي يمثل القاعدة الأعرض (للتشيع العروبي العراقي) على هذه المبادرة كما هو حال هيئة علماء المسلمين وكل القوى العراقية الوطنية.
 و – وربما يشكل على كل هذه المؤشرات الأزمة الأخيرة حلو (المفاعل النووي) ويمكن الجواب: أن الأمريكان يفكرون بالاستفادة من إيران ضمن سقف محدد لا يتعارض على الأقل مع سقف (الكيان الصهيوني) وربما لو كان أي نظام عربي آخر يفكر بما تفكر به إيران سيواجه بقوة أشد حتى لو لم يكن إسلاميًا، مثال (صدام) و (القذافي).
 المحور الثاني: العراق وإيران:
 لا شك أن حرب الثماني سنوات بين (عراق صدام) و (إيران الخميني) أذكت تاريخًا طويلاً من الصراعات المريرة تعود إلى أيام الفتح الإسلامي الأول. والتي لا زال الإيرانيون يجاهرون بكراهتهم لقادة هذا الفتح ، ومن المراقبين من يرجع بهذا الصراع إلى تاريخ (نبوخذ نصرّ) الملك العراقي الذي تمكن من أسر أمراء اليهود و(كورش) الملك الإيراني مسيح اليهود ومحررهم من العراقيين!!
 لم يخف الإيرانيون رضاهم بما حصل للعراق على يد الأمريكان ومنهم من أعلن أن العراق ما كان له أن يسقط بيد الأمريكان لو لا مساعدة الإيرانيين!! فماذا تريد إيران من العراق اليوم؟! يمكن بهذا الصدد تسجيل الملاحظات الميدانية الآتية:
 1- تسعى إيران بقوة لتكريس مبدأ (الفيدرالية) في العراق تحقيقًا لمصلحتها الإقليمية في عراق مفتت ضعيف، والأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران هي التي أصرت على هذا المبدأ رغم أنهم يدعون تمثيل الأغلبية (الشيعية) في العراق، والمتعارف عليه أن الأقليات هي التي تتوجس من الحكومة المركزية القوية ولذلك تلجأ إلى (الفيدرالية) لحماية ذاتها وخصوصيتها ، وعلى هذا فحينما يطالب الأكراد بالفيدرالية تكون مطالبتهم مفهومة، أما أن تطالب الأكثرية بهذا فمعنى ذلك أن هذه الأكثرية إما أنها أكثرية وهمية، أو إنها تعمل لصالح أطراف أخرى.
 2- تسعى إيران بقوة ومن خلال التنظيمات الموالية لها أيضًا لتهجير العوائل السنية من بغداد، ومن منطقة (المدائن) بشكل خاص ، كما أن الحكومة العراقية الحالية لم تخف رغبتها في تغيير محيط بغداد (ذي الأغلبية السنية) حيث صرّح موفق الربيعي (مستشار الأمن القومي): أن بغداد لا يصح أن تبقى محاطة بالإرهابيين ، ولتحقيق هذه الغايات قامت وزارة الداخلية والمليشيات المرتبطة بها بحملات قتل وتعذيب وتشويه للجثث في هذه المناطق ولم يعد الأمر خافيًا بعد اكتشاف (السجون السرية) و(فرق الموت) واعترافات مدير (مشرحة بغداد) الذي أعلن عن وصول أكثر من سبعة آلاف جثة عليها آثار التعذيب وقد فرّ إلى خارج العراق! وكان من المضحك أن تجيب الحكومة رسميًا: أن هؤلاء الذين يقومون بهذه الجرائم هم رجال يرتدون ملابس وزارة الداخلية ويستخدمون سيارات وزارة الداخلية لكنهم غير منتسبين فعلاً لهذه الوزارة!! تجدر الإشارة أن وزير الداخلية هذا هو بيان صولاغ جبر المعروف بأنه أحد قيادي فيلق بدر الذي أشرفت على تأسيسه وتجهيزه المخابرات الإيرانية ،والذي اعترف بالاشتراك مع القوات الإيرانية في قتالها للعراقيين إبان حرب الثماني سنوات ، واليوم يفاخر بأنه يعمل جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية في ضرب المقاومة العراقية . والمعارك الكبرى التي دارت في الفلوجة والنجف وسامراء.. الخ شاهدة على ذلك.
 3- موقف إيران من المقاومة العراقية: كان يفترض بإيران أن تستثمر المقاومة العراقية لصالحها في صراعها المعلن مع الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الذي يجرى على الأرض بخلاف هذا تمامًا ، حيث إن الذي يقوم باعتقال أفراد المقاومة أو المشتبه بعلاقته مع المقاومة هم الأذرع الإيرانية المعروفة ، وحتى خطباء المساجد الذي يحثون الناس على الصمود يتم اعتقالهم وقتلهم بطريقة بشعة . وهناك إحصائيات كثيرة في هذا وبعض الذين أفرج عنهم صرحوا أن بعض ضباط التحقيق كانوا يتكلمون الفارسية!! وقد يقال إن هذا بدافع طائفي، ولكن الحقيقة أن موقف إيران هذا لم يختلف كثيرًا عن موقفها من مقاومة (الصدر) في النجف وبغداد والبصرة، حيث اشتركت القوات الموالية لإيران مع القوات الأمريكية في محاصرة الصدر، وبقيت إيران تمارس الضغط على مقتدى الصدر حتى أعلن أخيرًا عن انضمامه للمشروع السياسي تحت قائمة الائتلاف الذي يقوده (عبد العزيز الحكيم)!! وبهذا يكون موقف إيران من المقاومة لا يقل خطورة عن موقف الأمريكان أنفسهم!! إلا أن هناك فارقًا واحدًا يضاعف من خطورة إيران ألا وهو أن الاحتلال الأمريكي مدان عربيًا وإسلاميًا وحتى عالميًا، أما إيران فإنها تقوم بكل ما تقوم به وهي في وضع مريح جدًا حيث إنها أمنت أي ردة فعل عربية أو حتى سنية، وذلك للأسباب الآتية:
 1- إن الحرب الإعلامية بين إيران وأمريكا والتهديدات التي يطلقها الرئيس الإيراني الجديد ضد الكيان الصهيوني جعل من الصعب إدانة الإيرانيين ،لأن إدانتهم تعني الاصطفاف مع الامبريالية الأمريكية، وبهذا يتم التغاضي بل وعدم الرغبة أصلاً في بحث حقيقة الدور الإيراني في العراق .
 2- إن الحركات الإسلامية والواجهات العلمية لا تريد أن تظهر بالمظهر الطائفي وقد ظهر هذا جليًا في الأحداث الأخيرة ،حيث سارعت تلك الحركات والواجهات بإدانة تفجير مرقد الأماميين (علي الهادي والحسن العسكري) في سامراء بينما تغاضوا عن هدم مائتي مسجد من مساجد السنة وحرق المصاحف التي تناقلت صورها الكثير من وسائل الإعلام.
 3- إن إيران تساعد بعض الحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وإن كنا لا ندري حجم هذه المساعدات، لكن من الواضح أن هناك لقاءات رسمية متكررة، ومن هذه الناحية قد يفهم موقف هذه الحركات ، لكن المفكرين والسياسيين في طول العالم الإسلامي وعرضه عليهم أن يسألوا الإيرانيين عن سر دعمهم لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين ومحاربتهم للمقاومين في العراق ، بل وتعظيمهم وتمجيدهم للذين تحالفوا مع المحتل الأجنبي حتى صرنا نسمع من الإيرانيين وحتى من بعض اللبنانيين مصطلح (شهيد المحراب) على محمد باقر الحكيم وهو الذي لعب دورًا خطيرًا في تسليم العراق للمشروع الصهيوني الأمريكي".
 إن هذا التساؤل لن يؤثر على مستقبل الحركات المدعومة من إيران بل ربما ستجد إيران أفضل رد على هذه التساؤلات هو دعمها المباشر لهذه الحركات التي اكتسبت شرعية عامة في الأوساط العربية والإسلامية ، وبنفس الوقت تحقق هذه التساؤلات هدفها في الضغط على إيران لتخفيف حملتها ضد العرب السنة والمقاومة بصورة خاصة.
 وإذا كان البعض يفضل السكوت مراعاة لمصلحة تلك الحركات من مواجهة العدو المشترك (المشروع الصهيوني الأمريكي) فإن تقارير المقاومة العراقية تؤكد أنه لو لا الدور الإيراني المتحالف مع الأمريكان لتمكنت المقاومة العراقية من كسر هذا المشروع مبكرًا، ولأعلنت أمريكا عن فشلها في العراق، وهذا بلا شك سيترك تداعيات مفصلية في مستقبل تلك الحركات المقاومة بل والمنطقة والعالم كله.
 وأخيـــرًا:
 فإذا كانت نتيجة هذه المواقف للجارة الكبرى إيران ستكون باتجاه تسليم العراق للمشروع الصهيوني الأمريكي ، وتقاسم الكعكة فلأمريكا النفط ولإيران الهوية فإن الخاسر الأكبر هو الأمة العربية والإسلامية.
 إن المطلوب من الأمة اليوم أن لا تدس رأسها في الرمال بدوافع عاطفية أو مصلحية ضيقة بل عليها أن تبحث عن الحقيقة كما هي لاتخاذ الموقف الصحيح، وربما تكون هذه المواقف أوراق ضغط مناسبة لإجبار الإيرانيين على التراجع والاصطلاح مع المشروع الكبير للأمة في حين أن السكوت واتخاذ المواقف الخجولة والمترددة قد يغري إيران بالاستمرار في طريقها هذا ، بحيث يصعب عليها فيما بعد مجرد التفكير بالتراجع أو التعديل.


الكاتب: د. محمد عياش الكبيسي
التاريخ: 01/01/2007